(1)

تشرق الشمس، تغرب الشمس.

أحدهم لا ينتظر.

(2)

لن يسعف الوقت الروح المدلهمّة، ولا تساعد النّجمة الهجعة.

«كل هذه النجوم في السماء/ لا تكفي لإضاءة سرير واحد في الليل»، هنري ميشو.

(3)

السبب الأعمق لاحترامي الوافر لسقراط والسيِّد المسيح عليه السلام هو أنه لولاهما لما كان نيتشه.

وفي الوجه الآخر من العملة، أعتقد أن السيِّد المسيح عليه السلام كان يمكن أن يكون مجرد نبي آخر فقط، لولا كراهية نيتشه المفرطة له.

أولئك من رعيل الخصوم الكبار الذين ينبغي احترامهم جميعا، وإكبار ضغائنهم.

(4)

يعقد البعض مقارنات تشبيحيّة (بمن في ذلك مثقف عربي كبير وصديق) ويرددون كلاما لا يخلو من ثنائيّة ضديّة حول «إنسانيّة» المهاتما غاندي (في مسعى استقلال الهند) و«عنف» تشي جيفارا (في مجمل تجربته الثوريّة)، وأنه -أي صديقي المثقّف العربي الكبير- يفضِّل «إنسانيّة» الأول على «عنف» الثاني.

لكن، ليست الإنسانيّة مفهوما «عامّا» (generic) يمكن دمغه كما نفعل بالختم على الورق.

الإنسانيّة مفهوم ظرفيّ، وسياقيّ، ومتحوِّل، ومتجدد كما الحياة نفسها، والمقتضيات وحدها هي ما يحدِّده.

والحقيقة أن إحدى محاججات «الشّيبه العود» كارل ماركس هي أن مفهوم «الطبيعة البشريّة» الذي تلوكه الألسن بمجّانيّة كبيرة إنما هو مغلوط من أساسه: ليست هناك «طبيعة بشريّة»، بل هناك «ظرف بشري» تنجم عنه تعريفات متباينة لما ندعوه «الطبيعة البشريّة»؛ فما يمكن أن يكون «إنسانيّا» هنا (وفقا لمفهوم «الطبيعة البشريّة» المغلوط) يمكن أن يكون هناك «لا إنسانيّا» وفقا لمفهوم «الطبيعة البشريّة» المغلوط، أيضا.

الغابة هي ما يحدِّد الخوف، والكوخ الدافئ في صقيع العالم هو ما يعرِّف الإنسانيّة.

ليس المهاتما غاندي أكثر «إنسانيّة» من تشي جيفارا، وليس جيفارا أقل «إنسانيّة» من غاندي؛ فما حدث في «ثورة الملح» والاهتداء بفلسفة «الأحمسا» «اللاعنف الإيجابي» يختلف تماما عن قيام عشرة جنود باغتصاب أختك أمام عينيك. في هذه الحالة عليك الانتصار للإنسانيّة بأقصى الطرق الممكنة، وأكثرها قسوة ووحشيّة. وحتى السّيد المسيح عليه السلام سيقول لك: في هذه الحالة، لا تصفح.

والآن تأتي إحدى تفرّعات النظريّة ما بعد الكولونياليّة، أي «دراسات التابع» (SubalternStudies) من لا مكان آخر غير الهند كي تفكِّك غاندي وأسطورته، وتحاجج بأنه لولا «إنسانيّة» غاندي لكان يمكن أن تحصل الهند على شروط أفضل للاستقلال.

فقط عندما نكون كلنا بشرا (بدرجة متساوية) سيمكن الحديث بلغة أخرى: لغة «إنسانيّة».

يبقى عليّ القول، من الناحية الشخصيّة والمبدئيّة والأخلاقيّة، وفيما لو كنت أعيش في عالم مثالي، إنني أقف بحزم ضد قتل حتى ذبابة أو صرصور.

(5)

لا أريد أخبار القنوات الفضائية ولا صور الفظاعة

لا أريد صحف اليوم وأخبار وكالات الأنباء ولا أنباء الإذاعة

دعوني لوحدي، فقد صرت أكتفي بالإشاعة.

(6)

أخيرا

انقطع حبلي السري

كلما تمددت الأيام

شممتكِ مثل قِطٍّ أليف

وكلما ضاق القبر

جاءني من وجهك البنفسج.

(7)

هذه هي المشكلة (قد تكون مشكلته وحده فقط، في الحقيقة): الرغبة في معرفة كل شيء.

في المرة القادمة لن يكون هناك أي شيء تنبغي معرفته (لأنه لا جدوى من معرفته في الأساس).

(8)

«المخرج السينمائي الفلاني يجيد التحكم في «الجموع» وأحيانا يقولون «المجاميع».

أصاب بسأم أو ضحكة فاجرة حين أقرأ تلك الجملة المكلْشهة أكثر مما ينبغي، والنّابية أكثر من البذاءة بأقلام «نقّاد الجرائد» (ويجب عدم الخلط بين هؤلاء وبين نقاّد جيدين لكنهم يكتبون في الجرائد مع ذلك). غير أن تعبير «التحكّم بالجموع» أو «المجاميع» لم تبد لي إلا عبارة لا معنى لها حين، قبل قليل، أعدت مشاهدة فيلم أندريه فاجدا «Afterimage»، على الرغم من أن جموعه «مجاميع صغيرة» وليست كمجاميع هوليوود الهرقليّة.

كنت فقط أود المقارنة بين الامتلاء وبين البدانة، لكن استرسل بي الحديث بعض الشيء، فأصبت بالسينما.

(9)

لم يعد السؤال: «ما الذي يقال»؟ (كما كان الأمر في الماضي).

لقد أصبح السؤال: «من الذي يقول»؟ (النسخة الجديدة من الماضي، اليوم).

(10)

في جيب الثوب هذا هناك سكِّينة واحدة فقط، وخنجر صدئ، وعدد قليل من الأحجار، والحانات، والأعداء.

لكن هذا لا يكفي. ينبغي استدعاء الجيب الآخر.

(11)

لست مسؤولا عن كل كلمة قلتها.

أنا مسؤول عن الذي لم أقله فقط.

(12)

الخديعة ليست في الطريق، مع أنها توجد في الطريق.

لكن الغدر هو الوصول.

(13)

يقول لي: بعد انتهاء التحقيقات، وصدور الأحكام، بل وانقضاء بعض المدة في السِّجن، «سمحوا» لنا -نحن السّجناء السِّياسيين- بعد الإصرار على مطلب الحق في استراحة يوميّة بالاختلاط بالّسجناء المدنيِّين والجنائيِّين ونحن مرتدو الزي الذي يميِّزنا عن غيرنا من المحكومين، بحيث يعرفون هويّتنا وما أحضرنا إلى هناك.

بعد أيام -يضيف محدِّثي- لاحظت أن أحدهم يختلس النظر، ثم يمْعِنه، في قفاي، بل وتأكدت أنه يتبعني ببعض الحذر كلما خرجنا إلى الاستراحة. وحين ضقت ذرعا بما يفعل واجهته بغضب طالبا منه تفسيرا لما يفعل، فردّ: الذي نعرفه حق المعرفة أن الشّيوعيين لهم ذيول تتدلى من فوق أردافهم مثل القِردة. لكن العجيب الغريب أنني لا أرى لك ذيلا؛ فإمّا أنك شيوعي مزيّف أو شيوعيّ تائب.

تضحية لمثل هذا الذي يبحث عن الذّيل المتدلي من فوق الرّدفين ذاق محدثِّي الأهوال وأحرق زهرة عمره لأجل قوم يبلغ تبجيلهم لحديقة الحيوانات إلى هذا الحد. أما نحن فيجب أن نتحسّس أعضاءنا قبلا ودبرا من حين لآخر؛ إذ من يدري ويضمن أن مسألة الغابة ليست معكوسة على الرغم من أنف السيِّد المبجّل تشارلز داروِن شخصيّا؟

نحن لا نزال على تخوم الغابة فحسب.