يقول أمير الشعراء أحمد شوقي «أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي.. يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولا.. سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ.. عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى.. أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ.. وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا.. وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً.. صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا».. إلى آخر القصيدة.

مناسبة عظيمة ترصد مسيرة حياة تنبض بالعطاء والجهد المتواصل، إنها مناسبة يوم المعلم الذي تأتي لتجسد كل معاني الإجلال والوفاء لهذا الضياء الذي ينير طرقات الحياة بعلمه ومعرفته.

لذا يحق لنا جميعا أن نحتفي اليوم بكل معلم ومعلمة على أرضنا الطيبة سلطنة عمان، عرفانا وتقديرا لجهودهم الحثيثة وصنيعهم الذي لا تنساه الأجيال ولا تنساه السنون.

إننا نحتفي اليوم بمناسبة غالية ألا وهي «يوم المعلم» الذي يوافق الرابع والعشرين من فبراير من كل عام، هذه الاحتفالية التي تأتي كرد للجميل على عطاء مثمر وجهود مخلصة قدمها كل من يعمل في هذا الحقل التربوي الواسع، ويسهم في رقي مراتب التعليم بمختلف مراحله الدراسية.

هؤلاء النخبة من المبدعين من المعلمين والمعلمات تجلت لديهم سمات العطاء الذي لا ينضب جريان مائه مع الزمن، بل يظل نهرا خالدا تتدفق جداوله بين أرجاء الوطن الغالي، هؤلاء هم نخبة من البشر أعطوا الكثير من معارفهم وعلومهم المختلفة وبذلوا كل طاقاتهم، وأبروا وأخلصوا في مهنتهم، فكان شعارهم الدائم «الأمانة والإخلاص في أداء الأمانة العلمية»، أما عنوان عطائهم فكان «الاجتهاد والتفاني سبيل نحو الرقي بين الأمم».

لكم صدحت حناجر الشعراء في ذكر مناقبهم، والأدوار البطولية التي سجلوها في ساحات العلم والتعليم، فازدهرت حقول الحياة وأينعت ثمار الأمم والشعوب بنور العلم، ومن يعشق الأدب العربي لن يكون بعيدا عن مسامعه قول الشاعر الكبير أحمد شوقي: (العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها، والجهل يهدم بيت العز والشرف).

وهناك غيره من يشاطره الرأي على أهمية العلم في الوجود الإنساني على الأرض عندما يقول ناصحا: (تعلم فليس المرء يولد عالمًا.. وليس أخو علم كمن هو جاهل)، وهناك أقوال كثيرة تظهر مدى أهمية العلم والمعلم وفضله على الأجيال السابقة واللاحقة، وترصد كل ما يقدمه من عطاء متواصل طوال حياته العملية.

إن الاحتفال بيوم المعلم ما هو إلا رد للجميل وتقدير واحترام لهذه الشخصية المهمة على كل ما تبذله من جهد وتفان في العمل، فهذه اللفتة الإنسانية لهذا الإنسان الرائع لها أثرها البالغ في نفسه حيث يستشعر مدى اهتمام المجتمع به، ويرى المكانة الرفيعة التي ينظر إليه الجميع بها، فتزيده إصرارا على العمل وتشعره بالارتياح النفسي، وهو يقف بين زملائه على منصة التكريم يجدد المسيرة ويبحث عن الجديد والمفيد لأبنائه الطلبة.

المعلم كلمة تحتضن في تفاصيلها أحرفا ضئيلة في لفظاها الظاهري، بينما تتجسد بداخلها الكثير من المعاني الإنسانية الرائعة، فكل حرف من اسمه يمثل مقاييس وحسابات ومفاهيم ربما يصعب تفسيرها لأن المعلم الأول هو رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام فكان خير معلم للبشرية.

إن حصول المعلم على شهادة تقدير أو هدية رمزية هي قيمة معنوية عالية لديه، فالقيمة الحقيقية التي ينتظرها هي دائما ما تلامس وجدانه الداخلي، فهو يشعر باهتمام المجتمع، والمكانة الطيبة التي تليق به نظير الجهد الذي يبذله طوال أيام عمله في سلك التعليم، ففي كل عام تنهج وزارة التربية والتعليم والمديريات ومكاتب الإشراف التابعة لها، ومجالس أولياء الأمور تكريم ثلة من أبنائها من الهيئات الإدارية والتدريسية من أجل التعبير بلسان الحال، وإظهار ذلك الاهتمام المعنوي بهم كرواد صناعة المعرفة، ولتظل الابتسامة دوما ترتسم على ملامحهم حبا ورغبة في مواصلة مشوارهم العملي، فما أروعها من ابتسامة تمتزج فيها روعة الإحساس وصدق المشاعر، فكما قال الشاعر: (بشاشة المرء خير من عطائه.. فكيف إذا حاز البشاشة والعطاء).

إن هذا اليوم الأغر ما هو إلا لحظة تاريخية، ونظرة استحقاق وتأمل وإعجاب بكل المجهودات التي يبذلها جميع المعلمات والمعلمين في وطننا الغالي سلطنة عمان، لذا يحق لنا أن نقف وقفة نرصد فيها سلسلة من الإنجازات والنجاحات التي حققها المعلم العماني وجاءت كثمار طيبة من خلال وصول أبناء الوطن إلى مراتب متقدمة في المحافل العلمية الدولية.

وهذا الأمر ما كان ليتحقق إلا من خلال ذلك المعلم الذي بذل الغالي والنفيس من أجل تعليم أبنائه كافة العلوم خلال انتقالهم من مرحلة إلى أخرى، وعلى مدى سنوات متواصلة من الجهد الجهيد والعطاء المتدفق بحب العلم والتعليم وخدمة لهذا الوطن الغالي.

لذا فإننا نقف إجلالا واعتزازا بهذا المعلم وتلك المعلمة، فالإنجازات شاهدة وحاضرة أمامنا فهي تدلنا على مدى عظمة الدور الذي يقومون به في ساحات العلم والمعرفة، مدركين ضخامة المسؤولية التي تقع على كاهلهم وتدفعهم نحو تحقيق المزيد من النجاحات.

فحري بكم حملة الرسالة التربوية أن تفخروا بهذا اليوم الذي سيظل خالدا في صدر صفحات التاريخ، بكل ما تجسده الملاحم التربوية التي تضاف إلى سجلاتهم الحافلة بالبصمات المضيئة التي ستظل تلازم الطالب حتى بلوغه مراحل دراسية متقدمة، وربما بعد تخرجه ودخوله معترك الحياة العملية، لكن سيظل اسم المعلم الذي منحه هذا الضياء معلما ثقافيا وتربويا في حياته، يتذكره بكل ود وتقدير واحترام.

نستخلص من هذا كله بأن العلم والمعرفة ليس فقط مجرد شهادة يحصل عليها المعلم للارتقاء بالمستوى الوظيفي بل هي أيضا لمسة عرفان وتقدير من أجل مواكبة التقدم والتطور الذي يطالعنا به العالم في كل يوم، وفي الوقت نفسه رد صريح من الوطن لهذا الجندي المجهول الذي يسلح أبناءه بالعلم والمعرفة.

فهنيئا لكم أيها المعلمون والمعلمات بهذا اليوم المبارك وهنيئا لتلك العقول التي أبدعت ونسجت خيوطها لترقى بشعب أحب العلم وأحبه العلماء، فأنتم من تبنون الأوطان ببناء الأجيال الواعدة وتجنون ثمرة زرعكم الطيب، من هنا نبعث كل عبارات الشكر والتقدير من أبنائكم الطلبة المخلصين، وأولياء أمورهم، وكافة فئات المجتمع تهنئة واعتزازا بكم في يومكم المجيد.. «يوم المعلم».