جلس سالم يستعيد في ذهنه تفاصيل السرقة التي سيقوم بها في دكان بابوه، حفظ مكان النقود التي يضعها في درج صغير في طاولة خشبية كبيرة تجثم فوقها تشكيلات كثيرة ومتباينة من الحلوى والمكسرات والشكولاتة.
منذ أسبوع وهو يخطط لعملية السرقة، حفظ الخطوات التي توصله للدرج وللكنز المحفوظ بداخله، عرف أن وقت العصر هو الوقت الأنسب للسرقة؛ حيث يكون جوف الدرج قد امتلأ بنقود الفترة الصباحية، ازدحام أجساد الأطفال سيشكل طريقة تمويه مناسبة للسرقة، وسيشتت انتباه بابوه بلا شك.
في عملية سرقته سيذهب معه ابن عمه ناجي وابن جيرانهم سعيد، كلاهما مجرد طعم لجذب انتباه بابوه، فـناجي سيشتري بوظة وسوف يحاول البحث عن العلكة التي تستقر في قاعها، ولا ريب أن عملية البحث المطولة تلك سوف تثير حنق بابوه وغضبه لا سيما أن ناجي يصر دائمًا على البحث عن بوظة استقرت في داخلها أكثر من علكة نتيجة لخطأ تصنيعي.
أما سعيد فسيتجه نحو الزاوية التي وضعت فيها الكراتين وسيسقطها بطريقة درامية، الأمر الذي سيغضب بابوه وسيعمد إلى إعادة ترتيبها.
عندها ستبدأ المرحلة الأصعب في المهمة، سيكون سالم واقفًا متأملاً تشكيلة الحلويات المصفوفة محاولا انتقاء أي نوع لمجرد التمويه، وعندما يبدأ ناجي وسعيد عملهما سيفتح سالم الدرج بكل خفة وسيملأ جيبه بكل ما تستطيع يداه الوصول إليه، شعر بالنشوة حين وصل إلى هذه النقطة وتذكر النقود الكثيرة التي يكتظ بها درج بابوه، شاهدها عدة مرات، وتخيل جمالها حين سيجدها بين يديه، سيشتري كل ما يريده، وسيعطي رفاقه جزءًا بسيطًا منها؛ لأنه لن يخبرهم بالمبلغ الحقيقي الذي سيستولي عليه، ولا شك أن عقولهم الصغيرة ستفرح بكل شيء يقدمه لهم ولو كان ريالًا واحدًا.
ازدادت السعادة في قلبه، الأمر الذي دفعه لأن يطلق صفيرًا عاليًا، طافت في رأسه صورة بابوه الحزين وهو يبحث عن النقود في الدرج الخاوي بلا جدوى، ضحك في داخله وهو يتذكر بخله ورغبته في التوفير بأي طريقة، لا سيما أن ألوان قميصه قد بهتت، فتحول من اللون الأسود إلى الرمادي.
بدأت الفكرة منذ أسبوع، وتحديدًا حين دخل الدكان مساء، وشاهد الريالات التي كان يعدها بابوه في حبور، تغير وجهه حين شاهده يدخل عليه، أغلق الدرج بسرعة، وسأله عن طلباته، لم يكن في حقيقة الأمر يملك سوى مبلغا زهيدا اشترى به الخبز ورحل.
في طريقه لبيتهم، كان كثيرًا ما يمني نفسه بشراء علبة من علب القشطة المصفوفة في رفوف الدكان، ما زال يتذكر لونها الأبيض الناصع، وطعمها الذي يتسلل إلى روحه قبل أن ينزل إلى معدته الفارغة.
أراد أن يشتري علبة جل ليصلح ويشذب من وضعية شعره غير المرتب، طمع في شراء عطر يرشه على ملابسه التي لا تعرف سوى رائحة الصابون المختلطة بالكثير من العرق.
وقد يشتري مجموعة من علب الكولا التي تتناثر رغوتها وتتداخل في جميع مسامات جسمه؛ ليشربها على فترات متباعدة ومختلفة حتى لا يجذب الأنظار. غاب في دائرة ممتدة من الرغبات والأمنيات، وتخيل النقود بين يديه والفرحة تغمره وتغمر الكون من حوله.
انتزعه صوت والدته تدعوه لتناول الغداء، شعر بالضيق حين تذكر عدد الأجساد التي سوف تشاركه الجلسة والأكل، استعاد صورة اتساخ أيديهم وملابسهم، وتشاجرهم المستمر حول كل شيء بداية من المساعدة في تجهيز الوجبة، وانتهاء بحمل ما تبقى من مخلفات وبقايا طعام رغم أنها لا تكون كثيرة في العادة. صحيح أنه يشبهم في اتساخه وفقره، بيد أنه طالما أراد أن يكون مختلفًا. اليوم سيسرق دكان بابوه، وفي الغد ستكون السرقة أكبر والنقود أكثر.
سيصبح قادرًا على ارتداء ملابس أنظف وعلى شراء كل ما يرغب به ولو عن طريق الحيلة والسرقة. ما زال يتذكر حين فكر بسرقة أول مبلغ من جيب أبيه، استغل لحظة نومه، دخل الغرفة بكل خفة، وبحركة سريعة أدخل يده في الجيب الواسع أخذ ريالًا واحدًا حتى لا يلاحظ والده اختفاء المبلغ الزهيد، غير أن أباه الذي يبدو أنه يحفظ كل ريال، أقام الدنيا ولم يقعدها، وهاج وماج واتهم أمه بسرقتها، لم يشعر بالحزن على أمه، لكنه شعر بالخوف من اكتشاف الريال الذي وضعه تحت وسادته العتيقة، في الغد تصرف بالريال سريعًا وملأ بطنه من المقهى القريب، وأكل طعامه في الخفاء.
اليوم هو اليوم الموعود، جلس سالم ينتظر قدوم ناجي وسعيد عند شجرة الغاف القريبة من دارهم، كم يحب تلك الشجرة الباسقة ويستخدمها دائمًا علامة لانتظار الآخرين، أو لتحديد موقع بيتهم، أو مكانًا لتجمعهم قبل الذهاب للمدرسة. اليوم نظر إلى جذعها الذي نحت عليه حرف اسمه الأولى، كان جميلاً وهو يتوسط بقية الحروف والكلمات، حرص على تجديده بالسكين بين الفينة والأخرى.
الغريب أنه لم يكن يشعر بالخوف بل لعل شعورًا من السعادة ممزوج بنوع من الراحة طغى على قلبه وروحه.
تحرك نحو الدكان متعمدًا الثرثرة والحديث المتواصل؛ ليتناسى شبح الخوف الذي بدأ يتسلل خفية محاولا تجاهل دقات قلبه التي أصبحت ترتفع بلا توقف.
حين دخل إلى الدكان نظر إلى ناجي وسعيد وبدأت أولى مراحل تنفيذ خطته، تحرك ببطء ليصل إلى الطاولة القريبة من درج بابوه، تأمل الحلويات المصفوفة فوق الطاولة، كان ينظر إلى ناجي الذي وقف يبحث في ثلاجة الآيس كريم، وسعيد الذي أسقط بالفعل مجموعة الكراتين المتراصة، والتي أثارت غضب بابوه، فصرخ بصوت عالي، كانت الفرصة مواتية، أصبح سالم قريبًا من الدرج، مد يده نحوه، أصدر عند فتحه صوتًا حادًا نشازًا، جذبت أنظار كل الأجساد المتواجدة، كانت نظرات بابوه تقول الكثير، غزته مشاعر مختلطة لا يمكن وصفها، تسارعت دقات قلبه، حين رأى بابوه يقترب منه والغضب بادي على وجهه. لم يدري ماذا يفعل، استسلم لمصيره، وكان كل ما حوله يصطبغ بلون رمادي بلا تفاصيل.
منذ أسبوع وهو يخطط لعملية السرقة، حفظ الخطوات التي توصله للدرج وللكنز المحفوظ بداخله، عرف أن وقت العصر هو الوقت الأنسب للسرقة؛ حيث يكون جوف الدرج قد امتلأ بنقود الفترة الصباحية، ازدحام أجساد الأطفال سيشكل طريقة تمويه مناسبة للسرقة، وسيشتت انتباه بابوه بلا شك.
في عملية سرقته سيذهب معه ابن عمه ناجي وابن جيرانهم سعيد، كلاهما مجرد طعم لجذب انتباه بابوه، فـناجي سيشتري بوظة وسوف يحاول البحث عن العلكة التي تستقر في قاعها، ولا ريب أن عملية البحث المطولة تلك سوف تثير حنق بابوه وغضبه لا سيما أن ناجي يصر دائمًا على البحث عن بوظة استقرت في داخلها أكثر من علكة نتيجة لخطأ تصنيعي.
أما سعيد فسيتجه نحو الزاوية التي وضعت فيها الكراتين وسيسقطها بطريقة درامية، الأمر الذي سيغضب بابوه وسيعمد إلى إعادة ترتيبها.
عندها ستبدأ المرحلة الأصعب في المهمة، سيكون سالم واقفًا متأملاً تشكيلة الحلويات المصفوفة محاولا انتقاء أي نوع لمجرد التمويه، وعندما يبدأ ناجي وسعيد عملهما سيفتح سالم الدرج بكل خفة وسيملأ جيبه بكل ما تستطيع يداه الوصول إليه، شعر بالنشوة حين وصل إلى هذه النقطة وتذكر النقود الكثيرة التي يكتظ بها درج بابوه، شاهدها عدة مرات، وتخيل جمالها حين سيجدها بين يديه، سيشتري كل ما يريده، وسيعطي رفاقه جزءًا بسيطًا منها؛ لأنه لن يخبرهم بالمبلغ الحقيقي الذي سيستولي عليه، ولا شك أن عقولهم الصغيرة ستفرح بكل شيء يقدمه لهم ولو كان ريالًا واحدًا.
ازدادت السعادة في قلبه، الأمر الذي دفعه لأن يطلق صفيرًا عاليًا، طافت في رأسه صورة بابوه الحزين وهو يبحث عن النقود في الدرج الخاوي بلا جدوى، ضحك في داخله وهو يتذكر بخله ورغبته في التوفير بأي طريقة، لا سيما أن ألوان قميصه قد بهتت، فتحول من اللون الأسود إلى الرمادي.
بدأت الفكرة منذ أسبوع، وتحديدًا حين دخل الدكان مساء، وشاهد الريالات التي كان يعدها بابوه في حبور، تغير وجهه حين شاهده يدخل عليه، أغلق الدرج بسرعة، وسأله عن طلباته، لم يكن في حقيقة الأمر يملك سوى مبلغا زهيدا اشترى به الخبز ورحل.
في طريقه لبيتهم، كان كثيرًا ما يمني نفسه بشراء علبة من علب القشطة المصفوفة في رفوف الدكان، ما زال يتذكر لونها الأبيض الناصع، وطعمها الذي يتسلل إلى روحه قبل أن ينزل إلى معدته الفارغة.
أراد أن يشتري علبة جل ليصلح ويشذب من وضعية شعره غير المرتب، طمع في شراء عطر يرشه على ملابسه التي لا تعرف سوى رائحة الصابون المختلطة بالكثير من العرق.
وقد يشتري مجموعة من علب الكولا التي تتناثر رغوتها وتتداخل في جميع مسامات جسمه؛ ليشربها على فترات متباعدة ومختلفة حتى لا يجذب الأنظار. غاب في دائرة ممتدة من الرغبات والأمنيات، وتخيل النقود بين يديه والفرحة تغمره وتغمر الكون من حوله.
انتزعه صوت والدته تدعوه لتناول الغداء، شعر بالضيق حين تذكر عدد الأجساد التي سوف تشاركه الجلسة والأكل، استعاد صورة اتساخ أيديهم وملابسهم، وتشاجرهم المستمر حول كل شيء بداية من المساعدة في تجهيز الوجبة، وانتهاء بحمل ما تبقى من مخلفات وبقايا طعام رغم أنها لا تكون كثيرة في العادة. صحيح أنه يشبهم في اتساخه وفقره، بيد أنه طالما أراد أن يكون مختلفًا. اليوم سيسرق دكان بابوه، وفي الغد ستكون السرقة أكبر والنقود أكثر.
سيصبح قادرًا على ارتداء ملابس أنظف وعلى شراء كل ما يرغب به ولو عن طريق الحيلة والسرقة. ما زال يتذكر حين فكر بسرقة أول مبلغ من جيب أبيه، استغل لحظة نومه، دخل الغرفة بكل خفة، وبحركة سريعة أدخل يده في الجيب الواسع أخذ ريالًا واحدًا حتى لا يلاحظ والده اختفاء المبلغ الزهيد، غير أن أباه الذي يبدو أنه يحفظ كل ريال، أقام الدنيا ولم يقعدها، وهاج وماج واتهم أمه بسرقتها، لم يشعر بالحزن على أمه، لكنه شعر بالخوف من اكتشاف الريال الذي وضعه تحت وسادته العتيقة، في الغد تصرف بالريال سريعًا وملأ بطنه من المقهى القريب، وأكل طعامه في الخفاء.
اليوم هو اليوم الموعود، جلس سالم ينتظر قدوم ناجي وسعيد عند شجرة الغاف القريبة من دارهم، كم يحب تلك الشجرة الباسقة ويستخدمها دائمًا علامة لانتظار الآخرين، أو لتحديد موقع بيتهم، أو مكانًا لتجمعهم قبل الذهاب للمدرسة. اليوم نظر إلى جذعها الذي نحت عليه حرف اسمه الأولى، كان جميلاً وهو يتوسط بقية الحروف والكلمات، حرص على تجديده بالسكين بين الفينة والأخرى.
الغريب أنه لم يكن يشعر بالخوف بل لعل شعورًا من السعادة ممزوج بنوع من الراحة طغى على قلبه وروحه.
تحرك نحو الدكان متعمدًا الثرثرة والحديث المتواصل؛ ليتناسى شبح الخوف الذي بدأ يتسلل خفية محاولا تجاهل دقات قلبه التي أصبحت ترتفع بلا توقف.
حين دخل إلى الدكان نظر إلى ناجي وسعيد وبدأت أولى مراحل تنفيذ خطته، تحرك ببطء ليصل إلى الطاولة القريبة من درج بابوه، تأمل الحلويات المصفوفة فوق الطاولة، كان ينظر إلى ناجي الذي وقف يبحث في ثلاجة الآيس كريم، وسعيد الذي أسقط بالفعل مجموعة الكراتين المتراصة، والتي أثارت غضب بابوه، فصرخ بصوت عالي، كانت الفرصة مواتية، أصبح سالم قريبًا من الدرج، مد يده نحوه، أصدر عند فتحه صوتًا حادًا نشازًا، جذبت أنظار كل الأجساد المتواجدة، كانت نظرات بابوه تقول الكثير، غزته مشاعر مختلطة لا يمكن وصفها، تسارعت دقات قلبه، حين رأى بابوه يقترب منه والغضب بادي على وجهه. لم يدري ماذا يفعل، استسلم لمصيره، وكان كل ما حوله يصطبغ بلون رمادي بلا تفاصيل.