في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية والأوضاع غير المستقرة في أجزاء عديدة من هذا العالم المضطرب تأتي تظاهرة معرض مسقط الدولي للكتاب الذي يفتتح اليوم كحالة ثقافية وفكرية مهمة ينشغل بتفاصيلها المجتمع العماني والعربي وحتى الدولي.

ومعرض مسقط الدولي للكتاب من التظاهرات الثقافية المشهودة كل عام على صعيد جديد دور النشر المحلية والعربية وحتى الدولية وأيضا على صعيد الفعاليات الثقافية وعلى صعيد جملة من الأحداث الثقافية التي تضمها قاعات مركز عمان للمؤتمرات والمعارض في مسقط. ومن هنا فإن هذا الحراك الثقافي يأتي ليعطي زخما للفكر والاطلاع بعيدا عن السطحية التي تمثلها شبكات التواصل الاجتماعي وبعيدا عن كل ما هو سلبي من خلال فتح نافذة ثقافية حقيقية حيث لا يزال الكتاب الورقي يمثل أهمية كبيرة بداية من الأطفال وطلاب الجامعات والكليات والمثقفين ورواد القراءة. ومن هنا فإن معرض مسقط الدولي للكتاب هو فرصة سانحة للتجول في عشرات الآلاف من عناوين الكتب الحديثة وحتى التي طبعت في فترات سابقة، كما أن وجود عدد من الندوات المعرفية لكل الأعمار وخاصة للأطفال والأجيال الجديدة يضفي زخما ثقافيا لغرس مفهوم القراءة التي تعد إحدى الأدوات الحضارية التي من خلالها يزداد الوعي المجتمعي وهذا ينعكس إيجابا علي صعيد العمل الوطني في كل المجالات. فالإنسان المتسلح بالمعرفة يكون مصدر إلهام وأفكار متجددة لنفسه ومجتمعه ووطنه كما أن أي متغيرات ومعلومات غير دقيقة وكل ما من شأنه أن ينال من ثوابت الأوطان يكون قادرا على التصدي لها من خلال فكره النير وتحليل الأمور بشكل موضوعي. كما أن مشاركته تكون فعالة في إقناع الآخر من خلال الحوار والمعرفة الحقيقية. ولا شك أن بلادنا سلطنة عمان وهي دولة راسخة في التاريخ البعيد والحديث تنسجم مثل هذه التظاهرة الثقافية السنوية مع مكانتها ومكانة شعبها على الصعيد الفكري ومن خلال علمائها الأجلاء الذين ساهموا بشكل فعال في الفكر والحضارة الإنسانية على مدى قرون وفي كل مجالات الحياة في الطب والعلوم والفقه والأدب والشعر من خلال مكنونات معرفية لا تزال تتصدر المشهد الثقافي الوطني والعربي.

إن افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب برعاية معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية وبحضور عدد من المسؤولين والمثقفين والكتاب وعدد كبير من دور النشر المحلية والعربية والدولية هي تظاهرة تستحق الاحتفاء بها خاصة أن العالم أصبح يموج بالكثير من المتغيرات ليس فقط على الصعيد السياسي والأزمات والصراعات والحروب ولكن على صعيد حرب الأفكار والأيديولوجيات وهي في نظري من أخطر المواجهات في هذا القرن. ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الرصين والثقافة والمعرفة التي تحصن الإنسان في أي مكان من الأفكار الدخيلة ومن تسويق مفاهيم لا تنسجم مع ثوابت الأمة العربية والإسلامية ولا حتى مع الروح الإنسانية من خلال القيم المشتركة وترسيخ مفهوم الحوار واحترام ثوابت وثقافات الآخرين. ومن هنا يحتفي الجميع بانطلاق هذه النافذة الثقافية التي تعطي ذالك الزخم المعرفي وتجدد اللهفة على اقتناء ما هو جديد ومفيد في عالم المعرفة.

إن العالم يموج بالكثير من التحديات الكبيرة خاصة في مجال الفكر والتكنولوجيا، حيث سخرت هذه الأخيرة لمشاريع فكرية سلبية خاصة على جيل الشباب وهنا تأتي أهمية توجيه هذه الكتلة الحيوية من المجتمع بضرورة الاطلاع والقراءة وضرورة أن تكون قراءة الكتاب المفيد بمثابة سياج يحمي من كل فكر سلبي لا يساهم في الإبداع والإنتاج المميز، وهنا يأتي دور المعرفة التي تتجسد في تقديم محتوى أصيل وفكر موضوعي يلهم الشباب وبقية أفراد المجتمع من خلال تنوع ثقافي وفكري موضوعي قادر علي التغيير الإيجابي ومعرفة التحولات في كل مجالات العصر بكل تطوره وحتى تناقضاته التي نشاهدها في أجزاء عديدة من هذا العالم الذي لا يزال في مفترق طرق.

إن العالم في هذا العصر بحاجه ماسة إلى التفاهم والإنصات للآخر ولعل المعرفة هي الجسر المشترك للوصول إلى قناعات مشتركه تمكن سكان هذا الكوكب من العيش بسلام وأن يكون الحوار والاحترام المتبادل هو أساس التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وتنطلق بلادنا سلطنة عمان في ثوابتها الراسخة من هذه المفاهيم الراقية بعيدا عن التعصب مما جعل السياسة الخارجية لسلطنة عمان واحدة من أهم السياسات الواقعية والتي تحظى بالاحترام الواسع النطاق عربيا وإقليميا ودوليا خلال أكثر من نصف قرن وهي تواصل ذلك النهج السياسي العقلاني والحكيم في عهد النهضة المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-، ومن هنا فإن معرض مسقط الدولي للكتاب هو رسالة ثقافية ومعرفية عمانية تطلقها سلطنة عمان للجميع في الداخل والخارج بأن إيجاد الفهم المشترك من خلال الثقافة والمعرفة والحوار هو أمر ممكن ونجحت سلطنة عمان في تطبيقه محليا من خلال النسيج المجتمعي الواحد الذي يميز المجتمع العماني كنموذج عربي يشار له بالبنان في كل المحافل. ومن هنا فإن معرض مسقط الدولي للكتاب هو تظاهرة ثقافية ومعرفية وتخطى ذلك إلى أبعاد حضارية وتكريس ثقافة الحوار والفهم المشترك بين الشعوب أفرادا وجماعات والحرص على إيصال رسالة السلام والحكمة ونبذ الخلافات والصراعات والتوافق على كلمة سواء.

تحية لكل الجهود الكبيرة التي أثمرت اليوم عن انطلاق هذا المعرض الدولي المميز للكتاب وعلى جهود الكوادر الوطنية في وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووزارة الإعلام وكل الجهات الحكومية والخاصة الداعمة لهذا الحدث الوطني الكبير، وتحية خاصة للإعلام العماني الذي سوف يكون النافذة الفاحصة التي سوف ترصد كل تفاصيل هذا الحدث الثقافي وكل ما يدور فيه من حراك وإقبال كبيرين.