كثر الحديث حول دور وسائل التواصل الاجتماعي وإعلامها غير التقليدي إيجابيا أو سلبيا في حياة شعوب العالم، بل وفي الأحداث العالمية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكما أن كل يوم يحمل الجديد والمبتكر في هذا العالم المتغير المفتوح فإن هذا الأثر يتعاظم يوما بعد آخر ليصلنا بتداعياته وآثاره على كل الصعد، ومستجداته المتسارعة على كل الأشكال، وبين أجنحة سلام تحمل إلينا الكثير من القيم الإنسانية النبيلة التي تسعى بها هذه المواقع الرقمية وبين أسلحة دمار تدعو للحذر وتوجب الحيطة لا يمكن إنكار آثار هذه الآلة على كافة المستويات.

من الحرب الروسية الأوكرانية ومحاولة تفاوض الحكومة الأمريكية مع إيلون ماسك مالك شركة سبيس إكس، لتعزيز استخدام الإنترنت في أوكرانيا عبر الأقمار الصناعية من خلال خدمة شركة ستارلينك الفضائية، وكانت الشركة قد منعت استخدام الجيش الأوكراني لخدمات ستارلينك للإنترنت الفضائي الشهر الماضي، للتحكم في إطلاق طائرات دون طيار في المنطقة خلال الحرب. ومع إمكانية صحة ذلك أو عدمه، إذ قد تكون هذه التصريحات ضمن جهود الحرب الإعلامية التي تهدف لتعزيز المقاومة النفسية لدى أوكرانيا، أو هدم الثقة لدى روسيا إلا أن تأكيد أهمية الإنترنت في كل الأحوال هو الثابت، وتعزيز وجوده أو العمل على منعه أثناء الأزمات خصوصا مع حرب كالحرب الروسية الأوكرانية يعكس أهمية دور هذه الوسيلة وعظم مسؤوليتها في بناء أو هدم الروح القتالية لدى الطرفين وحلف كل منهما، إضافة إلى إمكانية تقاطع وسائل الذكاء الرقمي في اعتمادها على ذات المصدر، والمفاضلة والترجيح بينها أوان الحرب أو أي أزمة بتحدياتها الممكنة.

وبعيدا عن الحرب قريبا من أزمة الزلازل وارتداداتها المتتابعة، فقد ذكرت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا تبعه ما يزيد عن ستة آلاف هزة ارتدادية حتى الآن في مناطق مختلفة من البلدين، وحتى في غيرهما من البلدان، ومع كل هذه التداعيات تتوالد القصص الإنسانية وتتنوع وتختلف زمانا ومكانا ليتجلى خلالها دور وسائل التواصل الاجتماعي في توثيق الكثير منها بغية طلب الدعم والإغاثة في بعضها، وبغية التوثيق للتاريخ في أخرى، وفي بعضها لاستهلاك الموت والدمار استغلالا ماديا أو منفعا سياسيا لدى جماعات لا تعنى بغير الكسب مهما كانت الوسائل متاجرة ليس بالقيم وحدها، بل و حتى بالإنسان في حياته وموته، معيشته ومآسيه.

هذا الإعلام غير التقليدي استطاع أن ينقل للعالم عبر كاميرا الهواتف النقالة كثيرا من استغاثات الناجين من الموت، وإرشادهم فرق الإنقاذ ومجموعات التقصي إلى مواقع الضحايا تحت الأنقاض للعثور على الأحياء منهم والتأكد من الوفيات، بين شاب يسجل مقطعا لأفراد عائلته وينتشر المقطع ليدل فريق الإنقاذ على كل عائلته وإنقاذهم من هلاك محقق، أو مقاطع أخرى لطلب الغوث والمساعدة بعد يأس محاولات فردية لإخراج الناجين للتمكن من العثور على بعضهم أحياء بعد يأس وأسى.

كثير من دروس المشهد بين الحياة والموت، بين الحذر والخوف، والتوسل والترقب، وبين اليأس والأمل، وما زالت هذه المشاهد تتكرر وتتوالد وتتناسل مع تتابع ارتدادات الزلزال في هزّات أخرى نأمل ألا تستمر، وفي سرد مأساوي نتمنى ألا يتصل.

ختام هذه المقالة أن لهذا العالم الرقمي الكثير من الممكنات، والمختلف من الوسائل، والعظيم من الآثار كلها تسيرها إرادة الإنسان وتخطيطه ونواياه، فإما خير يمكن الإفادة منه ومضاعفته بنشره تفاعليا، وإما شر يصعب اتقاؤه ويعزُّ تلافيه بعدم إدراكه أو ضعف التحذير منه، فلا أقلّ من وضع سيناريوهات إيجابية لتفعيل ممكناته الخيّرة، ووسائله المبتكرة، ومتابعة ما استحدث منه لدراسة توجيهه وتفعيله وتوظيفه إنسانيا واجتماعيا، أو حظره إن حاول المساس بثوابت رعيناها طويلا، وقيم تمسكنا بها عمرا، فلا أرخص من رقص على أنقاض الدور، ولا أقسى من قهقهة جوفاء أو مأساة أو حزن، تماما كما نجد من بعض مشاهير هذه المواقع المعزولين عن أحداث العالم، المتجردين من كل ما هو إنساني، المتحولين إلى آلات استهلاك مادي وحسب، بعيدا عن كل ما هو قيمي أو إنساني.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية