تُدرسُ تقلباتنا المزاجية ومشاعرنا من قِبل علماء الاقتصاد بذريعة التنبؤ بما قد يجعلنا أكثر سعادة، هكذا نتحولُ من بشر بلحم دم وأحاسيس إلى مجرد خوارزميات تُستقرأ لخدمة مصالح اقتصادية وسياسية كبرى.
يتبدى الأمر على هيئة صورة أو صوت أو رائحة، تلك هي الأشياء الأولى التي تُوقعنا في شِباك التعلق العاطفي بالعلامات التجارية، فقد تمّ منذ مئات السنين إقرانُ اللذة بالشراء.
تتجلى كل هذه الأفكار في كتاب: «صناعة السعادة» لمؤلفه ويليام ديفيز، والصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، ترجمة: مجدي عبدالمجيد خاطر، وقد سعى الكتاب للإجابة عن هذا السؤال: كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟ يُرينا ديفيز بأنّه تمّ التلاعب بنا وإخضاعنا لتصورات نفعية، كما تمّ الزجّ بانفعالاتنا وأفكارنا تجاه «السعادة» إلى قلعة الاقتصاد العالمي!
تلعب النقود دورين: مخزن للقيمة ووسيط للمقايضة، وهذا التصميم المتناقض للمال، دفع المُعلنين لاستهداف رغباتنا اللاواعية، لحملنا على شراء منتجاتهم. المُعلنون «المُقنِعون السريون»، راهن البعض على اختفائهم، إلا أنّ ثمّة ما يؤكد ديمومتهم وإن تغيرت أدواتهم وأساليبهم من عصر لآخر.
يقدم الكتاب نظرة مُشككة في تاريخ قياس السعادة التي وجد أرسطو أنّها غاية البشر القصوى، وذلك بسبب الطريقة التي انتهجها صُناع القرار، فلقد قُرئت عقولنا عبر تقانات جديدة من قبيل الأجهزة التي تقيس النبض والتعرق والتعب، فتمكنت النزعة الاستهلاكية من مفاصل حياتنا اليوم، حتى باتت بحاجة إلى فحص وتأمل. فالمعرفة العلمية الرصينة بمشاعرنا جعلتنا مُخترقين ومحل فوضى وتلاعب، ابتداء من ساعة معصم اليد إلى الهاتف وأغلب حساباتنا الشخصية. نُواجه اليوم قدرا هائلا من المراقبة المتوحشة بحجة تحسين صحتنا وسعادتنا وإشباع رغباتنا، إلا أنّ ذلك يُصاحبه قدرٌ من انتهاك الخصوصية، كما أنّ أيّ انتقاد قد يُوجه لهذه المنظومة العملاقة سيبدو وكأنّه انتقاد لتعظيم الرفاهية!
يؤكد ديفيز أنّنا ومنذ أواخر القرن التاسع عشر مراقبون من مسؤولي الموارد، يراقبوننا ويحفزوننا ويحثوننا إلى أن يستحوذوا علينا سيكولوجيا!
لقد وضعنا تحت سيطرة سيدين: الألم واللذة، ولأنّ إخراج النقود من الجيوب قد يُحدث ألما نفسيا فقد استحدثت أساليب جديدة من قبيل الدفع بالبطاقة لتخفيف سيلان هذا الألم، كما قد ينصح علماء اقتصاد السعادة بألا يعرف المرء ما يجنيه غيره من المال لتجنب الوقوع في اليأس.
تذهب بعض نظريات هذا الكتاب إلى أن الإشباع العاطفي يبدأ من خلال إنفاق المال، بينما يرى علماء آخرون بأنّ «الممتلكات المادية لا تزيد رفاهيتنا العقلية»، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نسأل: هل الانفجار الراهن الذي يشهده العالم والاهتمام التجاري بالسعادة، هل هو محض بدعة بلاغية؟
يرى إيمانويل كانط أنّ الفجاجة تعني: «العجز عن انتفاع المرء بفهم خاص دون إرشاد من فهم آخر»، ولكي تُفلت البشرية من الفجاجة التي فرضتها على نفسها، عليها أن تتعامل مع «سعادة وألم» كل شخص منا على نحو خاص وليس ضمن حالة قطيعية، حيثُ يمكنُ لبعضنا أن يرى السعادة المثالية في ثيمة العطاء أكثر مما قد يراها في فعل الاستهلاك المريض!
لكن من يُعطي الأشياء قيمتها؟ وهل ثمّة ارتباط جذري بين قيمة الأشياء والوقت الذي أنفق لإنجازها؟ يؤكد ديفيز أنّ النقود وإن لم تكن هي أهم ما في الحياة، إلا أنها تغدو المقياس المثالي لأي شيء نعتبره مُهما.
يُخيفنا التصور الذي يُراهن على طريقة عمل عقولنا، حيث تُفرز مادة الدوبامين في أدمغتنا كمكافأة، فهل يمكن أن تكون «القيمة» هي مجرد مادة كيميائية؟ بمعنى آخر: هل نحن داخل طبيعتنا البيولوجية الجوهرية لسنا إلا آلاتٍ حاسبة؟!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
يتبدى الأمر على هيئة صورة أو صوت أو رائحة، تلك هي الأشياء الأولى التي تُوقعنا في شِباك التعلق العاطفي بالعلامات التجارية، فقد تمّ منذ مئات السنين إقرانُ اللذة بالشراء.
تتجلى كل هذه الأفكار في كتاب: «صناعة السعادة» لمؤلفه ويليام ديفيز، والصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، ترجمة: مجدي عبدالمجيد خاطر، وقد سعى الكتاب للإجابة عن هذا السؤال: كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟ يُرينا ديفيز بأنّه تمّ التلاعب بنا وإخضاعنا لتصورات نفعية، كما تمّ الزجّ بانفعالاتنا وأفكارنا تجاه «السعادة» إلى قلعة الاقتصاد العالمي!
تلعب النقود دورين: مخزن للقيمة ووسيط للمقايضة، وهذا التصميم المتناقض للمال، دفع المُعلنين لاستهداف رغباتنا اللاواعية، لحملنا على شراء منتجاتهم. المُعلنون «المُقنِعون السريون»، راهن البعض على اختفائهم، إلا أنّ ثمّة ما يؤكد ديمومتهم وإن تغيرت أدواتهم وأساليبهم من عصر لآخر.
يقدم الكتاب نظرة مُشككة في تاريخ قياس السعادة التي وجد أرسطو أنّها غاية البشر القصوى، وذلك بسبب الطريقة التي انتهجها صُناع القرار، فلقد قُرئت عقولنا عبر تقانات جديدة من قبيل الأجهزة التي تقيس النبض والتعرق والتعب، فتمكنت النزعة الاستهلاكية من مفاصل حياتنا اليوم، حتى باتت بحاجة إلى فحص وتأمل. فالمعرفة العلمية الرصينة بمشاعرنا جعلتنا مُخترقين ومحل فوضى وتلاعب، ابتداء من ساعة معصم اليد إلى الهاتف وأغلب حساباتنا الشخصية. نُواجه اليوم قدرا هائلا من المراقبة المتوحشة بحجة تحسين صحتنا وسعادتنا وإشباع رغباتنا، إلا أنّ ذلك يُصاحبه قدرٌ من انتهاك الخصوصية، كما أنّ أيّ انتقاد قد يُوجه لهذه المنظومة العملاقة سيبدو وكأنّه انتقاد لتعظيم الرفاهية!
يؤكد ديفيز أنّنا ومنذ أواخر القرن التاسع عشر مراقبون من مسؤولي الموارد، يراقبوننا ويحفزوننا ويحثوننا إلى أن يستحوذوا علينا سيكولوجيا!
لقد وضعنا تحت سيطرة سيدين: الألم واللذة، ولأنّ إخراج النقود من الجيوب قد يُحدث ألما نفسيا فقد استحدثت أساليب جديدة من قبيل الدفع بالبطاقة لتخفيف سيلان هذا الألم، كما قد ينصح علماء اقتصاد السعادة بألا يعرف المرء ما يجنيه غيره من المال لتجنب الوقوع في اليأس.
تذهب بعض نظريات هذا الكتاب إلى أن الإشباع العاطفي يبدأ من خلال إنفاق المال، بينما يرى علماء آخرون بأنّ «الممتلكات المادية لا تزيد رفاهيتنا العقلية»، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نسأل: هل الانفجار الراهن الذي يشهده العالم والاهتمام التجاري بالسعادة، هل هو محض بدعة بلاغية؟
يرى إيمانويل كانط أنّ الفجاجة تعني: «العجز عن انتفاع المرء بفهم خاص دون إرشاد من فهم آخر»، ولكي تُفلت البشرية من الفجاجة التي فرضتها على نفسها، عليها أن تتعامل مع «سعادة وألم» كل شخص منا على نحو خاص وليس ضمن حالة قطيعية، حيثُ يمكنُ لبعضنا أن يرى السعادة المثالية في ثيمة العطاء أكثر مما قد يراها في فعل الاستهلاك المريض!
لكن من يُعطي الأشياء قيمتها؟ وهل ثمّة ارتباط جذري بين قيمة الأشياء والوقت الذي أنفق لإنجازها؟ يؤكد ديفيز أنّ النقود وإن لم تكن هي أهم ما في الحياة، إلا أنها تغدو المقياس المثالي لأي شيء نعتبره مُهما.
يُخيفنا التصور الذي يُراهن على طريقة عمل عقولنا، حيث تُفرز مادة الدوبامين في أدمغتنا كمكافأة، فهل يمكن أن تكون «القيمة» هي مجرد مادة كيميائية؟ بمعنى آخر: هل نحن داخل طبيعتنا البيولوجية الجوهرية لسنا إلا آلاتٍ حاسبة؟!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى