ـ عرصات السوق التقليدي حاضرة بتفاصيلها في الذاكرة العمانية -

تستيقظ نزوى كعادتها صباح كل جمعة على مشهد استثنائي الجميع يأتون إلى السوق كل يطلب حاجته مما يعرض في هذا اليوم بصورة تقليدية تعارف عليها وألفها الناس هنا.

تفتح بوابات السوق قبل الفجر ويبدأ توافد الناس ممن اعتادوا طرق بوابات المكان منذ صغرهم من الباعة والمشترين والدلالين وأصحاب المحلات والمشرفين على السوق وحاملي الدفاتر التي يدونون فيها ما يباع في العرصات كل يأخذ مكانه ، كما جرت العادة منذ سنوات ، لقد مر بهم العمر واستنزفت الحياة سنينهم وهم يرصفون ممرات السوق.

في السوق القديم ينهمر طوفان البشر إلى حيث العرصة ( مكان المزايدة على البضائع) مواقع مختلفة تمور هنا وأسماك هناك ، خضروات وفواكه ومنتجات الجبل ومزارع تنوف ومن شتى البقاع تجدها حاضرة من مختلف الأصناف والألوان وعند عرصة بيع المواشي الأبقار والأغنام المشهد يستحق المتابعة لون من ألوان البيع والشراء بالمزايدة عبر الدوران في حلقة الكل ياتي إلى هنا يشاهد يبيع ويشتري يلتقي بالناس ، لحظات مرتبطة بالإرث اللامادي قد لا تتكرر في أماكن أخرى. تمر عبر بوابات السوق إلى سوق السيارات لتشاهد اصناف الملابس والمفروشات الأثاث ومن سقط المتاع خردوات وأثاث و لكل وجهته وحاجته.

شغف الطفولة

الأطفال الصغار لهم سوق آخر يتجمعون فيه هناك عند سوق الطيور تلمح البراءة على وجوههم يختبرون قدرتهم على البيع والشراء عصافير تناجي عصافير يشتد الجدال بين البائع والمشتري ، ويتفق الطرفان على سعر يرضي الجميع إنها مشاهد تتكرر في كل موقع وناحيه يهزك مشهد المكان المتناغم بين القلعة الشهباء وجامع القلعة والسوق ويكتمل المشهد بهذا الحشد الكبير الذي يغطي مساحة المكان فقد لا تجد مكانا تقف فيه لتصف سيارتك رغم اتساع المكان المقاهي ومحلات بيع المشاكيك مطعم الذهلي المعروف بصناعة الشاورما منذ زمن طويل تعرفه عن بعد رغم الزحام ومقهى سعيد العدواني في الجهة المقابلة ، جاء صاحبه يحث الخطى قبل الفجر ليعد افطارا للقادمين إلى المكان

عند مطعم بن عتيق الشعبي تلمح "مشاكيك الوادي"عند مدخل باب السوق الشرقي أمام البريد ،المهم أنك لن تترك السوق حتى تمر على واحد من هذه الأماكن لتستشعر عبق الذكرى ومذاق السوق .ثم تعبر نحو حلوى "السيفي" أو "القصابي" أو "الغضيب" ماركات شهيرة تتذوق معها طعم الحلوى العمانية وتأخذ معها فنجان قهوة رمز الضيافة الذي لايغيب يوما .

السياح واكتشاف المكان

الغرباء من سياح أوروبا وآسيا وكل أصقاع الدنيا يأتون زرافات ووحدانا ليشاهدوا ويستمتعوا بالتفاصيل الأثرية والتاريخية تدهشهم هذه المشاهد العفوية التي تتقاطر امامهم.

تجدهم يتفقدون المكان والمشاهد والوجوه في دهشة أحيانا وفي حب احايين ارخى حيث يروحون لاستطلاع الاماكن يمرون في كل زاوية يتحاورون مع بعضهم ومع الطرف الآخر ممن وجدوهم في نواحي المكان مرة يدخلون السوق الشرقي او سوق الصنصرة وهي وجهة اخرى للباحثين عن التراث وعراقة الماضي ، وعرض تقليدية للقلعة من المكسرات والعطور وألوان مختلفة من البضائع أدوات الزراعة الفرش التقليدية وسوق السلاح التقليدي يلتقطون صورا لكل شاردة وواردة تجدهم يقفون تارة عند الأواني الفخارية المعروضة على ممرات السوق محدثه مشهداً آخر يعيدك إلى ما كانت عليه رحلة العماني حين تتحرك صوب باب السوق الغربي حيث المعروضات من الأسلحة التقليدية والمناداة على الخناجر والقطع الأثرية والسيوف وغيرها ، قوافل السائحين يعبرون باتجاه القلعة على يسارهم تصطف محلات التذكارات والفضيات والملابس التقليدية والمصر والدشداشات والمقتنيات ألوان شتى، وأنت داخل أوخارج من بوابة القلعة الشهباء تتوغل قليلاً لتغوص في دروب حارة العقر تتجه الى النزل التراثية هناك التي ازينت لتستقبل روادها حيث مقاهي القهوة الحديثة المنتشرة في المكان تضح بالحركة ورائحة الطين تشتمها في المكان إنها رحلة في عمق التاريخ وزوايا الحاضر إنها لحظات لا تنسى .

بعض الرفاق جائوا مصطحبين أطفالهم ليعيدوا شحن ذاكرتهم بالصور والأخيلة من هذا المكان وبتجليات الحدث الذي ينطق بعمق التجربة واستنشاق عبق التراث متكئًا على هيبة المكان حيث ما تزال رائحة من مروا عالقة رغم مرور السنين.

سعي وكفاح !

سوق الجمعة في نزوى شيء آخر تتجدد معه الوجوه بين حين وآخر ، لكن المكان يبقى هو المكان الجيل الحديث بدأ يستوعب هذا النمط من المشاهد التقليدية وبدأت وجوه الأمس تسلم الراية لعنفوان الشباب القادم بشغف يراقب المشهد ويحمل أمانة المحافظة عليه وتطويره شبانا عمانيين في كل ركن وزاوية يملأون المكان والدروب والممرات. تنوع يشهد بقدرة وحراك مجتمعي بناء حتى ذلك الإسكافي الذي ينصف النعل وفي كفه الخيط والمخرز انزرع في دروب السوق فأصبح جزءاً من المشهد رغم مرور العابرين إلى أركان السوق وزواياه الذين يأتون من مختلف المحافظات ومن الحضر والبادية.

إنها نزوى السوق والقلعة والجامع ووجه الحياة التي تنادي بالسعي والكفاح وتحترم إرادة الإنسان في أن يجد له متساعا في زحام الأيام تحية لأولئك المرتادين والرواد ، ينفض المكان قبل صلاة الجمعة حتى يعود الجميع أدراجهم محملين بالطمائع والبضائع وأصناف الحلوى ..