ترجمة: أحمد شافعي -
استيقظت صباح السبت، فقرأت خبرا من إسرائيل بأن ما لا يقل عن خمسين ألف إسرائيلي قد تظاهروا للتو مرة أخرى ضد خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتجريد المحكمة العليا الإسرائيلية من استقلالها ووضعها بدلا من ذلك في قبضة نتنياهو، وذلك في الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو نفسه اتهامات بالفساد، وسألت نفسي سؤالا بسيطا: ما رأي الرئيس بايدن في هذا؟
بايدن مناصر لإسرائيل في قرارة نفسه بقدر أي رئيس غطيت أخباره من قبل. ولديه أيضا علاقة قديمة مع نتنياهو قائمة على الاحترام المتبادل. فيمكنني القول إن أي شيء يمكن أن يقوله عن إسرائيل يأتي من موقع اهتمام حقيقي. وإنه لهمٌّ حقيقي أن يكون التحول الجذري لنظام إسرائيل القضائي الذي يحاول ائتلاف نتنياهو المتطرف وطنيا ودينيا تمريره في الكينيست؛ تشويها جسيما لديمقراطية إسرائيل، ثم لعلاقتها الوثيقة بأمريكا والبلاد الديمقراطية في كل مكان. إليكم البيان الذي بعثه بايدن إليَّ عصر يوم السبت حينما طلبت منه تعليقا: «إن عبقرية الديمقراطية الأمريكية والديمقراطية الإسرائيلية تكمن في أن كلتيهما قائمة على مؤسسات قوية، وعلى ضوابط وتوازنات، وعلى قضاء مستقل. وتكوين توافق من أجل إجراء تغييرات جذرية أمر مهم حقا لضمان قبول الشعب لها فيتسنى دوامها».
هذه هي المرة الأولى في ما أتذكر التي نرى فيها رئيسا للولايات المتحدة يلقي بثقله في جدال إسرائيلي داخلي حول طبيعة ديمقراطية البلد. وبرغم أن بيان بايدن لا يتجاوز ستا وأربعين كلمة [في اللغة الإنجليزية]، فإنه يأتي في وقت حاسم من هذا النقاش الداخلي المحتدم وقد يؤجج ويوسع معارضة كبيرة بالفعل لما يطلق عليه خصوم نتنياهو الانقلاب القانوني الكفيل بنقل إسرائيل إلى معسكر البلاد الماضية عن الديمقراطية مثل تركيا والمجر وبولندا.
إليكم سر أهمية كلمات بايدن الست والأربعين. أولا: لأنها تضعه مباشرة وراء منهج التسوية الذي دعا إليه الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج، ووراء الحفاظ على استقلال قضاء إسرائيل الذي يحظى باحترام واسع النطاق. وبرغم أن منصب الرئاسة في إسرائيل منصب رمزي إلى حد كبير، فإن له وزنا معنويا. وهرتسوج رجل يحاول أن يدرأ ما يخشى أن يكون أخطر صراع مدني في المجتمع الإسرائيلي إذا ما تم تمرير هذا التغيير الكبير، المستلهم من مركز أبحاث إسرائيلي يميني متطرف، في النظام القضائي بالقوة.
ناشد هرتسوج رئيس الوزراء نتنياهو وائتلافه أن يتراجعوا ويقوموا بإجراء نوع من الحوار الوطني الحزبي القادر على إجراء دراسة صبورة لنوعية التغييرات القضائية التي قد تكون مفيدة لإسرائيل على أن يتم ذلك مع خبراء قانونيين، وعلى نحو غير حزبي، وبطريقة تحفظ سلامة النظام القضائي القائم منذ تأسيس إسرائيل. ومن سوء الحظ أن نتنياهو أعرض عن الرئيس الإسرائيلي، مما دفع هرتسوج إلى أن يعلن في الرابع والعشرين من يناير فيما يتعلق بالإصلاح القضائي، قائلا «إن أسس إسرائيل الديمقراطية، ومنها النظام القضائي، وحقوق الإنسان والحريات، مقدسة، ولا بد أن نحميها هي والقيم التي عبر عنها إعلان الاستقلال. والإصلاح الدراماتيكي، في حال إجرائه بسرعة ودونما تفاوض، يثير معارضة ومخاوف عميقة لدى الشعب». وأضاف قائلا إن «غياب الحوار يمزقنا جميعا من الداخل، وإنني أقولها واضحة مدوية: هذا البارود يوشك على الانفجار. ونحن في حالة طارئة».
بكلمات بايدن الست والأربعين، يدرك نتنياهو الآن أنه إذا ما مضى قدما، فلن يكون هذا محض ازدراء للرئيس الإسرائيلي، وإنما سيكون ازدراء للرئيس الأمريكي أيضا. وليس هذا بالأمر الهين. وأشك أيضا أن اتخاذ بايدن هذا الموقف من هذه القضية وعلى نحو قد يكون محسوبا لكنه في الوقت نفسه واضح ولا لبس فيه وسوف يشجع الكثير من الزعماء الديمقراطيين في الغرب وكبار رجال الأعمال والشيوخ والنواب الأمريكيين على أن يحذو حذوه أيضا مما يزيد من قوة المعارضة. السبب الثاني لأهمية كلمات بايدن يتمثل في توقيتها الذي يبلغ من الأهمية أقصاها. فقد ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» يوم السبت أن القراءة الأولى لبعض الجوانب الأكثر إثارة للجدل في إصلاح نتنياهو القضائي «مقررة يوم الاثنين، ولا بد من مرور مشروع القانون بثلاث قراءات ليصبح قانونا، وقد ألمح الائتلاف إلى أنه يسعى إلى الإسراع بتمرير القانون في الكينيست بحلول أبريل». وقد دعا قادة المعارضة إلى إضراب عمالي عام في البلد كله يوم الاثنين (أمس) وإلى مسيرة حاشدة خارج الكنيست تتزامن مع أولى جولات الاقتراع على التشريع. ويمكنكم أن تراهنوا على أن عددا يفوق القلة من المتظاهرين الإسرائيليين سوف يستشهدون بكلمات بايدن وهم منطلقون في الشوارع.
ثالثا، وضع بايدن نفسه وأمريكا مباشرة في جانب الأغلبية الإسرائيلية المعارضة لجعل «إصلاح» نتنياهو أكثر شبها بانقلاب على القضاء.
لقد أشار استطلاع للرأي منشور يوم الجمعة إلى أن «أكثر من 60% من الشعب يريدون أن توقف الحكومة جهودها التشريعية الرامية إلى الإضعاف الدراماتيكي للمحكمة العليا وضمان سيطرة سياسية على التعيينات القضائية» أو تؤجلها حسبما أوردت تايمز أوف إسرائيل.
وتضع هذه الكلمات أمريكا مباشرة وراء النائب العام الذي عينه نتنياهو بنفسه في ولايته السابقة، وهو أفيحاي ماندلبليت الذي وجه لنتنياهو في 2020 اتهامات بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة وندد بتغييرات نتنياهو القضائية واصفا إياها بالجهد الخفي لإلغاء محاكمته شخصيا وتجنيبه السجن.
في حديث مع برنامج أوفدا بالتليفزيون الإسرائيلي قال ماندلبليت إن تغييرات نتنياهو المقترحة الكاسحة للنظام القضائي «ليست إصلاحا» ولكنها «تغيير للنظام». ولأن إسرائيل بلد بلا دستور ولأن الجناح التنفيذي يسيطر أيضا على الكينيست، مثلما شرح ماندلبليت فالفاصل الوحيد بين السلطات ـ أي الضابط الوحيد للجناح التنفيذي ـ هو القضاء الإسرائيلي المستقل والمحكمة العليا. وما يقترحه نتنياهو هو أن تصبح لأغلبية ضئيلة في الكينيست ـ 61 من 120 مقعدا ـ سلطة إلغاء قرار للمحكمة العليا. ففي ظل أقل أغلبية ممكنة سوف تستطيع الحكومة تمرير أي قانون يروق لها.
من شأن خطط نتنياهو أيضا أن تمنح الحكومة سيطرة على اختيار القضاة، وطالما كان ذلك في يد لجنة اختيار مستقلة، ومن شأنها أيضا أن تتخلص من المستشارين القانونيين المستقلين ـ أي المراقبين القانونيين الداخليين ـ في كل وزارة. في الوقت الراهن، يجري تعيين هؤلاء من خلال لجنة الخدمة المدنية ولا يستطيع إقالتهم إلا النائب العام. ويريد نتنياهو أن يكون تعيينهم سلطة لكل وزير، وأن يكون ولاؤهم له. بوضع ذلك كله معا، تصبح لحكومة فازت بقرابة ثلاثين ألف صوت من 4.7 مليون؛ سلطة تامة على المحكمة العليا والاختيار القضائي والمستشارين القضائيين في كل وزارة.
أنهى ماندلبليت تصريحاته قائلا «إنني لا أستطيع أن أصمت. إذا لم يعد هناك قضاء مستقل، فقد انتهى الأمر. وأصبح نظام الحكم نظاما مختلفا». وأضاف أن «الحاكم سوف يقرر. سيكون لديه محققوه، ومستشاروه القانونيون، وقضاته. ولو أن لهؤلاء ولاء شخصيا له، فما من سيادة للقانون. هذه حفرة سوف تبتلعنا جميعا». أخيرا، ما فعله بايدن سوف يضيف مصداقية لصوت أمريكا الداعم للديمقراطية في العالم. إذ يقول إن أمريكا لا تتكلم فقط حينما تسحق الصين الديمقراطية في هونج كونج، ولكننا نتكلم حينما تتعرض الديمقراطية لتهديد في أي مكان. وطالما اعترضت أمريكا على الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. لكن ما من رئيس أمريكي في ما نتذكر عارض تغييرات مقترحة للطبيعة الديمقراطية لدولة إسرائيل، وذلك لأن أحدهم لم يجد نفسه قط، حتى أسابيع قليلة مضت، مضطرا إلى ذلك. لو أن رسالة بايدن غير واضحة لائتلاف نتنياهو، فسأحاول أن أبسطها قدر ما أستطيع: إن أمريكا ساندت إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا وبمليارات الدولارات من المساعدات منذ تأسيسها، وليس ذلك لأنها تشاركنا مصالحنا. فهي ليست كذلك دائما. لقد بقيت إسرائيل على الحياد بين أوكرانيا وروسيا، وفي بعض الأحيان يبيع رجال أعمال إسرائيليون تقنيات دفاعية للصين بما يثير قلق البنتاجون. ولكننا قدمنا لإسرائيل كثيرا للغاية من الدعم منذ تأسيسها لأننا نعتقد أن إسرائيل تشاركنا قيمنا.
وحتى حينما تتصرف إسرائيل في الضفة الغربية أو غزة بما لا يتسق مع قيمنا، فكثيرا ما يتراجع الإسرائيليون عن ذلك على أي حال. وهم يقولون لنا: «حسبكم، تهاونوا معنا قليلا. إننا نعيش في صراع عنيف دائم مع الفلسطينيين. نعيش في جيرة مجنونة. ومع ذلك لم نزل قادرين على أن نحافظ على إشراف قضائي على قواتنا المسلحة، ومؤسسات ديمقراطية قوية، وقضاء مستقل، وصحافة حرة».
هذه الحجة مهددة بشدة بسب ما يدفع إليه نتنياهو. وإذا ما انتفت، ما الذي يتبقى؟ لن تكون المصالح المشتركة كافية، لأنها تظهر وتختفي.
ومن هنا تأتي أهمية كلمات بايدن الست والأربعين. فبهذه الكلمات الست والأربعين يقول بايدن لإسرائيل إن علاقتنا لم تقم قط على المصالح المشتركة. إنها قائمة دائما على قيمنا المشتركة ومقامة منها. وهذا ما جعلها تدوم طوال ذلك الزمن، حتى حينما نختلف في المصالح. ببيانه البسيط، يشير بايدن إلى أن ما تفعله إسرائيل مهما يكن، لا بد ألا ينفصل انفصالا جذريا عن هذه القيم المشتركة. وإلا، فنحن في عالم جديد تماما.
استيقظت صباح السبت، فقرأت خبرا من إسرائيل بأن ما لا يقل عن خمسين ألف إسرائيلي قد تظاهروا للتو مرة أخرى ضد خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتجريد المحكمة العليا الإسرائيلية من استقلالها ووضعها بدلا من ذلك في قبضة نتنياهو، وذلك في الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو نفسه اتهامات بالفساد، وسألت نفسي سؤالا بسيطا: ما رأي الرئيس بايدن في هذا؟
بايدن مناصر لإسرائيل في قرارة نفسه بقدر أي رئيس غطيت أخباره من قبل. ولديه أيضا علاقة قديمة مع نتنياهو قائمة على الاحترام المتبادل. فيمكنني القول إن أي شيء يمكن أن يقوله عن إسرائيل يأتي من موقع اهتمام حقيقي. وإنه لهمٌّ حقيقي أن يكون التحول الجذري لنظام إسرائيل القضائي الذي يحاول ائتلاف نتنياهو المتطرف وطنيا ودينيا تمريره في الكينيست؛ تشويها جسيما لديمقراطية إسرائيل، ثم لعلاقتها الوثيقة بأمريكا والبلاد الديمقراطية في كل مكان. إليكم البيان الذي بعثه بايدن إليَّ عصر يوم السبت حينما طلبت منه تعليقا: «إن عبقرية الديمقراطية الأمريكية والديمقراطية الإسرائيلية تكمن في أن كلتيهما قائمة على مؤسسات قوية، وعلى ضوابط وتوازنات، وعلى قضاء مستقل. وتكوين توافق من أجل إجراء تغييرات جذرية أمر مهم حقا لضمان قبول الشعب لها فيتسنى دوامها».
هذه هي المرة الأولى في ما أتذكر التي نرى فيها رئيسا للولايات المتحدة يلقي بثقله في جدال إسرائيلي داخلي حول طبيعة ديمقراطية البلد. وبرغم أن بيان بايدن لا يتجاوز ستا وأربعين كلمة [في اللغة الإنجليزية]، فإنه يأتي في وقت حاسم من هذا النقاش الداخلي المحتدم وقد يؤجج ويوسع معارضة كبيرة بالفعل لما يطلق عليه خصوم نتنياهو الانقلاب القانوني الكفيل بنقل إسرائيل إلى معسكر البلاد الماضية عن الديمقراطية مثل تركيا والمجر وبولندا.
إليكم سر أهمية كلمات بايدن الست والأربعين. أولا: لأنها تضعه مباشرة وراء منهج التسوية الذي دعا إليه الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج، ووراء الحفاظ على استقلال قضاء إسرائيل الذي يحظى باحترام واسع النطاق. وبرغم أن منصب الرئاسة في إسرائيل منصب رمزي إلى حد كبير، فإن له وزنا معنويا. وهرتسوج رجل يحاول أن يدرأ ما يخشى أن يكون أخطر صراع مدني في المجتمع الإسرائيلي إذا ما تم تمرير هذا التغيير الكبير، المستلهم من مركز أبحاث إسرائيلي يميني متطرف، في النظام القضائي بالقوة.
ناشد هرتسوج رئيس الوزراء نتنياهو وائتلافه أن يتراجعوا ويقوموا بإجراء نوع من الحوار الوطني الحزبي القادر على إجراء دراسة صبورة لنوعية التغييرات القضائية التي قد تكون مفيدة لإسرائيل على أن يتم ذلك مع خبراء قانونيين، وعلى نحو غير حزبي، وبطريقة تحفظ سلامة النظام القضائي القائم منذ تأسيس إسرائيل. ومن سوء الحظ أن نتنياهو أعرض عن الرئيس الإسرائيلي، مما دفع هرتسوج إلى أن يعلن في الرابع والعشرين من يناير فيما يتعلق بالإصلاح القضائي، قائلا «إن أسس إسرائيل الديمقراطية، ومنها النظام القضائي، وحقوق الإنسان والحريات، مقدسة، ولا بد أن نحميها هي والقيم التي عبر عنها إعلان الاستقلال. والإصلاح الدراماتيكي، في حال إجرائه بسرعة ودونما تفاوض، يثير معارضة ومخاوف عميقة لدى الشعب». وأضاف قائلا إن «غياب الحوار يمزقنا جميعا من الداخل، وإنني أقولها واضحة مدوية: هذا البارود يوشك على الانفجار. ونحن في حالة طارئة».
بكلمات بايدن الست والأربعين، يدرك نتنياهو الآن أنه إذا ما مضى قدما، فلن يكون هذا محض ازدراء للرئيس الإسرائيلي، وإنما سيكون ازدراء للرئيس الأمريكي أيضا. وليس هذا بالأمر الهين. وأشك أيضا أن اتخاذ بايدن هذا الموقف من هذه القضية وعلى نحو قد يكون محسوبا لكنه في الوقت نفسه واضح ولا لبس فيه وسوف يشجع الكثير من الزعماء الديمقراطيين في الغرب وكبار رجال الأعمال والشيوخ والنواب الأمريكيين على أن يحذو حذوه أيضا مما يزيد من قوة المعارضة. السبب الثاني لأهمية كلمات بايدن يتمثل في توقيتها الذي يبلغ من الأهمية أقصاها. فقد ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» يوم السبت أن القراءة الأولى لبعض الجوانب الأكثر إثارة للجدل في إصلاح نتنياهو القضائي «مقررة يوم الاثنين، ولا بد من مرور مشروع القانون بثلاث قراءات ليصبح قانونا، وقد ألمح الائتلاف إلى أنه يسعى إلى الإسراع بتمرير القانون في الكينيست بحلول أبريل». وقد دعا قادة المعارضة إلى إضراب عمالي عام في البلد كله يوم الاثنين (أمس) وإلى مسيرة حاشدة خارج الكنيست تتزامن مع أولى جولات الاقتراع على التشريع. ويمكنكم أن تراهنوا على أن عددا يفوق القلة من المتظاهرين الإسرائيليين سوف يستشهدون بكلمات بايدن وهم منطلقون في الشوارع.
ثالثا، وضع بايدن نفسه وأمريكا مباشرة في جانب الأغلبية الإسرائيلية المعارضة لجعل «إصلاح» نتنياهو أكثر شبها بانقلاب على القضاء.
لقد أشار استطلاع للرأي منشور يوم الجمعة إلى أن «أكثر من 60% من الشعب يريدون أن توقف الحكومة جهودها التشريعية الرامية إلى الإضعاف الدراماتيكي للمحكمة العليا وضمان سيطرة سياسية على التعيينات القضائية» أو تؤجلها حسبما أوردت تايمز أوف إسرائيل.
وتضع هذه الكلمات أمريكا مباشرة وراء النائب العام الذي عينه نتنياهو بنفسه في ولايته السابقة، وهو أفيحاي ماندلبليت الذي وجه لنتنياهو في 2020 اتهامات بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة وندد بتغييرات نتنياهو القضائية واصفا إياها بالجهد الخفي لإلغاء محاكمته شخصيا وتجنيبه السجن.
في حديث مع برنامج أوفدا بالتليفزيون الإسرائيلي قال ماندلبليت إن تغييرات نتنياهو المقترحة الكاسحة للنظام القضائي «ليست إصلاحا» ولكنها «تغيير للنظام». ولأن إسرائيل بلد بلا دستور ولأن الجناح التنفيذي يسيطر أيضا على الكينيست، مثلما شرح ماندلبليت فالفاصل الوحيد بين السلطات ـ أي الضابط الوحيد للجناح التنفيذي ـ هو القضاء الإسرائيلي المستقل والمحكمة العليا. وما يقترحه نتنياهو هو أن تصبح لأغلبية ضئيلة في الكينيست ـ 61 من 120 مقعدا ـ سلطة إلغاء قرار للمحكمة العليا. ففي ظل أقل أغلبية ممكنة سوف تستطيع الحكومة تمرير أي قانون يروق لها.
من شأن خطط نتنياهو أيضا أن تمنح الحكومة سيطرة على اختيار القضاة، وطالما كان ذلك في يد لجنة اختيار مستقلة، ومن شأنها أيضا أن تتخلص من المستشارين القانونيين المستقلين ـ أي المراقبين القانونيين الداخليين ـ في كل وزارة. في الوقت الراهن، يجري تعيين هؤلاء من خلال لجنة الخدمة المدنية ولا يستطيع إقالتهم إلا النائب العام. ويريد نتنياهو أن يكون تعيينهم سلطة لكل وزير، وأن يكون ولاؤهم له. بوضع ذلك كله معا، تصبح لحكومة فازت بقرابة ثلاثين ألف صوت من 4.7 مليون؛ سلطة تامة على المحكمة العليا والاختيار القضائي والمستشارين القضائيين في كل وزارة.
أنهى ماندلبليت تصريحاته قائلا «إنني لا أستطيع أن أصمت. إذا لم يعد هناك قضاء مستقل، فقد انتهى الأمر. وأصبح نظام الحكم نظاما مختلفا». وأضاف أن «الحاكم سوف يقرر. سيكون لديه محققوه، ومستشاروه القانونيون، وقضاته. ولو أن لهؤلاء ولاء شخصيا له، فما من سيادة للقانون. هذه حفرة سوف تبتلعنا جميعا». أخيرا، ما فعله بايدن سوف يضيف مصداقية لصوت أمريكا الداعم للديمقراطية في العالم. إذ يقول إن أمريكا لا تتكلم فقط حينما تسحق الصين الديمقراطية في هونج كونج، ولكننا نتكلم حينما تتعرض الديمقراطية لتهديد في أي مكان. وطالما اعترضت أمريكا على الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. لكن ما من رئيس أمريكي في ما نتذكر عارض تغييرات مقترحة للطبيعة الديمقراطية لدولة إسرائيل، وذلك لأن أحدهم لم يجد نفسه قط، حتى أسابيع قليلة مضت، مضطرا إلى ذلك. لو أن رسالة بايدن غير واضحة لائتلاف نتنياهو، فسأحاول أن أبسطها قدر ما أستطيع: إن أمريكا ساندت إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا وبمليارات الدولارات من المساعدات منذ تأسيسها، وليس ذلك لأنها تشاركنا مصالحنا. فهي ليست كذلك دائما. لقد بقيت إسرائيل على الحياد بين أوكرانيا وروسيا، وفي بعض الأحيان يبيع رجال أعمال إسرائيليون تقنيات دفاعية للصين بما يثير قلق البنتاجون. ولكننا قدمنا لإسرائيل كثيرا للغاية من الدعم منذ تأسيسها لأننا نعتقد أن إسرائيل تشاركنا قيمنا.
وحتى حينما تتصرف إسرائيل في الضفة الغربية أو غزة بما لا يتسق مع قيمنا، فكثيرا ما يتراجع الإسرائيليون عن ذلك على أي حال. وهم يقولون لنا: «حسبكم، تهاونوا معنا قليلا. إننا نعيش في صراع عنيف دائم مع الفلسطينيين. نعيش في جيرة مجنونة. ومع ذلك لم نزل قادرين على أن نحافظ على إشراف قضائي على قواتنا المسلحة، ومؤسسات ديمقراطية قوية، وقضاء مستقل، وصحافة حرة».
هذه الحجة مهددة بشدة بسب ما يدفع إليه نتنياهو. وإذا ما انتفت، ما الذي يتبقى؟ لن تكون المصالح المشتركة كافية، لأنها تظهر وتختفي.
ومن هنا تأتي أهمية كلمات بايدن الست والأربعين. فبهذه الكلمات الست والأربعين يقول بايدن لإسرائيل إن علاقتنا لم تقم قط على المصالح المشتركة. إنها قائمة دائما على قيمنا المشتركة ومقامة منها. وهذا ما جعلها تدوم طوال ذلك الزمن، حتى حينما نختلف في المصالح. ببيانه البسيط، يشير بايدن إلى أن ما تفعله إسرائيل مهما يكن، لا بد ألا ينفصل انفصالا جذريا عن هذه القيم المشتركة. وإلا، فنحن في عالم جديد تماما.