أقتبس العنوان من عنوان رواية «زمن عصيب» للكاتب البيروفي ماريو بارجاس يوسا، ترجمة مارك جمال، الرواية الصادرة سنة 2021 أي بعد سنتين من صدورها بالإسبانية، يوسا البالغ من العمر ستة وثمانين عاما، والحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 2010، انضم مؤخرا للأكاديمية الفرنسية كأول كاتب غير فرنسي يحصل على عضوية الأكاديمية التي تسمى أكاديمية الخالدون.

يأتي معنى العصيب هنا بمعنى الشاق والصعب، فنحن نعيش في زمن عصيب بالفعل، عصيب لما تُزهق آلاف الأرواح في لحظة واحدة، وتتدمّر المباني والأحياء السكنية في مشاهد مروعة، ورؤية مشاهد مؤلمة مثل صورة الأب التركي القابض على يد ابنته المتوفاة تحت الأنقاض، ومشاهد أخرى أكثر إيلاما لم تصلها عدسات المصورين ولم تُنشر في المواقع الإعلامية، ولم تُمد لهم أيادي العون لأسباب جغرافية وسياسية كما سنشرح لاحقا. والأشقى من كل ذلك بقاء الآلاف من المصابين تحت ركام الأبنية في انتظار المسعفين، مثلما تناقلت وسائل التواصل مشهدا لفتاة تدعى آلاء تستغيث لرفع الأنقاض ويدها محاطة بشقيقتها، وتتوسل لمنقذها إخراجها وشقيقتها من الحطام.

تداولت وكالات الأنباء استمرار عمليات الإنقاذ في الأراضي التركية، بينما توقفت في الشمال الغربي لسوريا، حيث يشعر قاطنو المناطق السورية بخذلان المجتمع الدولي لهم حسب تصريحات مارتن جريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب الحصار الجائر المفروض على سوريا تحت مسمى قانون قيصر، كدليل دامغ على ازدواجية المعايير لدى الدول المهيمنة على صنع القرارات الدولية. ولكن قبل التساؤل عن قانون قيصر، الذي حرم السوريين في الشمال من إيصال المساعدات الدولية لهم، علينا أن نعترف بأن المجتمع الدولي قد خذل الإنسان السوري في أكثر من مناسبة، أولها السماح بالاعتداء على السيادة السورية وتسليح المجموعات المسلحة المدعومة من قبل الدول المشاركة في تدمير سوريا، تحت ذريعة إسقاط الرئيس بشار الأسد، ولكن الحقيقة أن الهدف كان إسقاط الدولة السورية وإشاعة الفوضى وتدمير البنى الأساسية ومؤسسات الدولة وأولها الجيش السوري. ومؤخرا جاءت اعترافات بعض المساهمين في الملف السوري منذ بداية الأزمة 2011، إذ اعترف بأن المعارضة السورية عبارة عن (سلَطَة)، وأن قادة الفصائل استأثروا بالأموال التي صُرفت لمساعدة سوريا.

بالعودة إلى قانون قيصر الذي صعّب حصول الشعب السوري على المساعدات الدولية، فهو اسم منسوب لضابط سوري منشق مجهول الهوية، سرّب آلاف الصور لسجناء وضحايا في السجون السورية، وبعد نشر الصور أقرّ الرئيس الأمريكي السباق دونالد ترامب قانونا في نهاية 2019، حمل اسم قانون قيصر يفرض حصارا على سوريا (لحماية المدنيين). لكن الغريب أنه لم يتحقق أحد من شخصية قيصر، ولم يُحقق في حقيقة الصور المسرّبة. وهذا يطرح سؤالا عن مصداقية شخصية وهمية، وهل كان السجناء في السجون التي تديرها الحكومة السورية، أما أنها كانت واقعة تحت سيطرة إحدى المجموعات المسلحة التي سُهِّل لها الدخول إلى سوريا بواسطة غرف العمليات في تركيا والأردن، كما صرّح بذلك أحد الفاعلين في الملف السوري، والذي اعترف أيضا بأن الانشقاقات الحاصلة في الجيش السوري كانت مدفوعة الثمن من قبل دولته، فالضابط له سعر والجندي له سعر، وحتى رئيس الوزراء الفار دُفِع له مبلغ تجاوز العشرين مليون دولار. بسبب قيصر سدّد الشعب السوري الثمن نتيجة الحصار، وساهم في تأخر المساعدات إلى مستحقيها في الشمال السوري، فأي إنسانية وأي حماية للمدنيين يريد المجتمع الدولي أن يُقنعنا بها، ونحن نرى بأعيننا ما يجري على الأراضي السورية.

لقد هبّت الدول الحرة لمساعدة ومساندة سوريا في أزماتها السياسية والإنسانية، ومدت يد العون والمساعدة، وسيّرت الجسور الجوية لإجلاء الهم والحزن عن الشعب السوري، ولم تذعن الدول ذات السيادة لقانون ترامب، وأرسلت فرق الإنقاذ والمساعدات للمدنيين الذين حاصرتهم قوانين المجتمع الدولي وأبطأت وصول الإغاثة للمناطق المنكوبة.