للكوارث الطبيعية والتغير المناخي نتائج مدمرة وتداعيات مهلكة قد تفوق في قوتها وتأثيرها حتى الحروب العسكرية التي يخطط لها لسنوات وربما لعقود، وما يزيد من وتيرة القلق جراء هذه الكوارث صعوبة التنبؤ بها وتوقع أوقاتها، فمع كل التطور العلمي والتفوق المعرفي في العالم ما زالت وسائل العلم والتكنولوجيا عاجزة عن تحديد أوقات الكوارث الطبيعية قبل مدة كافية ليس لمنعها قطعا حيث لا يمكن ذلك، لكن سعيا للتخفيف من آثارها وخسائرها البشرية أولا، ثم الاقتصادية والاجتماعية لاحقا.

وأقصى ما أمكن للعلم تقديمه في مجال الزلازل مثلا هو تحديد موقع الخطر، أما وقت وقوع الزلزال فما زال يعد ضربا من المستحيل، إذ يمكن أن يكون خلال أسبوع واحد أو سنة أو عقود من الزمن. إن دور العلم عبر الأقمار الصناعية الراصدة في مثل هذه الحالة يتركز على استقراء الزلزال نفسه بعد الهزة، ومحاولة تتبع الصدوع والتغيرات الطفيفة أو الحادة التي تساعد على تتبع حركة الزلزال تسهيلا لفرق الإنقاذ للعثور على أكبر عدد ممكن من الناجين أو حتى الوفيات، مثلما أشار إلى ذلك مدير المركز البريطاني لرصد ونمذجة الزلازل والبراكين، البروفيسور تيم رايت: «إن ملاحظات القمر الصناعي كشف لنا حجم القوى المنخرطة في الزلزال».

وضمن كل هذه الاستقراءات وكل هذه الجهود سواء المبذولة ميدانيا أو الحاصلة معرفيا ما زال البحث مستمرا عن ناجين من الزلزال الكارثي الذي تأثرت به كل من تركيا وسوريا الاثنين الماضي في تركيا مع كل حركته الارتدادية المؤثرة، مع تأكيد المصادر وفاة أكثر من 28 ألف شخص ضحايا لهذا الزلزال المدمر.

إنها كارثة بكل المقاييس، كارثة تستدعي إنسانية كل شخص على هذه الأرض بالدرجة الأولى، كما تستدعي التدبر والتفكر في حركة الكوارث الطبيعية مؤخرا، وكثافة حدوثها، وعظم تأثيراتها، إضافة إلى محاولة فهم سبل التخفيف من تداعياتها واقعا حاضرا معاشا، أو الوقاية من حصولها مستقبلا تحصينا آمنا.

مشاهد مفجعة تدمي القلوب تابعها العالم سواء لضحايا الكارثة، أم لناجين منها من شهود عيان. كم من القصص التي يمكن أن تروى لحالات الناس في هذه المناطق المنكوبة؟! حالة الصدمة وذعر اللحظة، وحالة الفقد وآثاره، وحالة الترقب والانتظار بحثا عن أمل في مفقود طال غيابه، وحالة ذهول من كل ما مر من شريط الحالات المتتابعة والقصص المصوّرة والمسجلة، أو المروية عن شهود عيان.

صدمة ازدواجية بعض المعايير على المستويات الدولية، صدمة توظيف حتى الكوارث الطبيعية في «الأجندات» السياسية، صدمة التساؤل في أيهما يأتي أولا: التوثيق أم الإنقاذ؟!

وكل تلك الحالات والصدمات لا ينبغي أن تغيّب إيجابيات هذه المرحلة كذلك من تآزر شعبي عالمي إنساني مع ضحايا الكارثة ومستقبليها في كل مكان، إيجابيات إدراك ضرورة التواصل الإنساني وأهمية التواصل الرقمي في دعم قضايا إنسانية كبرى أوان الأزمات، ثم إيجابيات البحث المعرفي عن كل متعلقات الكوارث الطبيعية وتفاصيلها التي قد تخفف من آثار كارثة الزلازل فيما لو حدثت في موقع آخر مستقبلا مع تأكيد مراكز الرصد لهذا الأمر دون تحديده زمنيا.

ولعلّ من نافلة القول هنا ضرورة الإفادة من تجربة اليابان الرائدة في مجال اتقاء أخطار الزلازل عمرانيا، هذه التجربة التي لم تأتِ إلا على جسرٍ من معاناة سابقة مع زلازل مختلفة وبعد تأكيد مراكز الرصد أنها موقع محتمل لزلازل قادمة مستقبلا.

تجربة اليابان متمثلة في نقطة تحولها في التعامل مع الزلازل التي كانت في عام 1923، بعد زلزال كانتو، فمنذ ذلك الحين تطبق اليابان معايير صارمة على المباني، بما في ذلك السماكة الموصى بها للأعمدة والجدران لمقاومة الاهتزاز الأرضي، وقانون آخر خاص بالمباني الشاهقة حيث يوصى باستخدام مخمّدات تمتص الكثير من طاقة الزلزال المحتملة، فتوضع طبقات من الخرائط المطاطية السميكة على الأرض لامتصاص الهزات الأرضية بشكل كبير، كما تفرض قانونا يعد الأكثر تقدما للمباني المقاومة للزلازل مع ارتفاع تكلفته إلا أنه وضع وفق معايير لبناء هيكل المبنى نفسه بشكل معزول عن الأرض، بواسطة طبقات من الرصاص والفولاذ والمطاط التي تتحرك بشكل مستقل مع الأرض تحتها عند حدوث الزلازل.

لن يمنع الحذر -مهما اتسّع- من القدر، ولكن الأخذ بالأسباب وصولا إلى أفضل النتائج التي تمثل تحصينات ممكنة لأخطار محتملة أمر ضروري وتوجيه واقعي حتى لا تتسع مساحة الحزن، ولا تتفشى ريح اللامبالاة المهلكة.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية