(1)
كما الميلاد، الموت صدفة أيضا.
لا الأديان ولا الفلسفة تفهم ذلك (أيضا).
(2)
الشعب يريد تأجيل يوم الحشر كي يبقى النظام إلى يوم القيامة.
(3)
ذاكرتي مليئة بالأموات (هذه طريقة أخرى لقول إنني لا أزال أتعامل مع الهواء والماء).
والأسف وارد بلا أدنى قيود أو شروط.
(4)
أنت
أنت
أنت يا هذا الذي لم تَعُد تسعفه الصُّور
أنت صقر جاثم على عمود إنارة في شارع المطار كقيامة
لا أحسدك.
(5)
القلب ظمأ. الكبد فراشة. الفراشة مقصلة. الباقي مجرد إنشاء.
(6)
تصعد الديدان إلى القمر (كما في رواية أخرى).
(7)
السينما ليست تعبيرا عن الواقع، ولا تعويضا عن الواقع. السينما واقع آخر.
(8)
هي: أنت تعيش في عالم من صنعك وحدك.
هو: هذا صحيح تماما، بمن في ذلك أنت التي تكلِّمينني الآن.
(9)
أحبكِ لولا أن الشِّعر موجود قبلي، وقبلك، وقبل النثر.
(10)
صديق الجميع ليس صديقي، وعدو الجميع يوجد أحيانا (في الكُتُب المقدَّسة غالبا).
(11)
لا أجد نفسي في هذا، ولا أستطيع أن أموت في ذاك.
(12)
لا تختلف غواية إصدار المزيد من الكتب عن إغراء المزيد من السقوط في ماضٍ لا تمكن كتابته.
(13)
عن/ إلى مجز الصغرى في بقية الزمن الضائع:
1. لا أحد يعرفني هناك (الجيل الشاب خاصة لا يعرفني. يتذكرني «الشُّواب» الذين يتناقصون في كل يوم تقريبا، وحسنُ أولئك رفيقا).
2. لا أزال أذهب إلى مجز الصغرى كما يفعل اللصوص (واكتشفت بالمناسبة، أني لصٌّ غير محترف يأخذ ما عَظُمَ وزنه وقلَّت قيمته).
3. مجز الصغرى ستبقى هناك دوما، ولم يعد مطلوبا أن يتذكر أحدنا الآخر. مجز الصغرى هي محنة القادمين.
4. انتهيتُ من حب مجز الصغرى، وعلينا الافتراق فقد بلغ الحب أقصاه، ولم يعد لدى أحدنا ما يمكن أن يقدمه للآخر. ستبقى مجز الصغرى حبيبتي في ناموس وقواميس العشق: أنا منها، ولكن لم يُسمح لي أن أكون فيها (ولستُ عاتبا إلا على النُّطفة).
5. مجز الصغرى كانت كبيرة.
6. ستبقى مجز الصغرى في ذاكرتي تلك البنيّة التي تضبط موعدها على موعد قدومي على «السيكل» (الدراجة الهوائية). سألت عنها كثيرا بعد ذلك ولم تسعفني إجابات الزواج والرحيل من القرية. لها كل مجز الصغرى.
7. لا بأس في كل شيء. لقد صار المرء ناضجا بما فيه الكفاية لإدراك شيئين فقط: مجز الصغرى، والغياب.
(14)
كل خروج من الذات إلى الآخر ليس إلا تنازلا عن قليل أو كثير من الروح. الآن، في هذا العمر وبعد تلك التجارب، لم يعد هناك أي متَّسع للبدايات.
(15)
الذي يريد أن يكون سعيدا في الحياة عليه بذل الجهد لأجل تحقيق ذلك. أما الذي لا يمكن أن يكون سعيدا في الحياة فليس عليه بذل أي جهد (لقد تكَفَّل السُّعداء بذلك).
(16)
الموت يستعصي (حتى على فكرته).
الموت ساذج، وطيِّب، وقصير.
(17)
كانت وزارة الماليَّة الكولومبيَّة قد أصدرت عملة من فئة 300 بيسو وهي تحمل صورة الروائي الأشهر هناك جابرييل جارسيا ماركيز (كثيرون سيقولون لك: لولا ماركيز لما كنتُ قد عرفت عن كولومبيا). وقبل ذلك بمدة قصيرة كان المصرف السويدي المركزي قد أصدر، بتوجيه من الحكومة السويديَّة، عملة تحمل صورة المخرج السينمائي إنغمَر بيرغمَن (والبعض سيقول لك: أه، إنه من البلاد التي تصنع سيارات «الفولفو» وليس هناك طابع بريدي باسمها).
وقبل سنوات طويلة من ذلك كنت عضوا في اللجنة الثقافيَّة لإحدى الفعاليات الجماهيريَّة في بلادنا. وفي هذا الإطار اقترحتُ استضافة المستشرق (هو لا يعتبر نفسه «مستشرقا» بل «مُسْتَعرِبا») خوسيه ميجيل بويرتا، أستاذ الأدب العربي في جامعة غرناطة ومترجم عدَّة كتب عربيَّة مهمة إلى الإسبانيَّة بما في ذلك كتاب أدونيس «الصوفيَّة والسورياليَّة» إلى الإسبانية، لإلقاء محاضرة بالعربيَّة هنا في مسقط.
وقد وافقت اللجنة الثقافيَّة مشكورة على اقتراح الدعوة والاستضافة. ومن الناحية الإجرائيَّة والمهنيَّة فقد انتهت مهمتي عند هذه النقطة، وستوكل «اللوجستيَّات» إلى ذوي اختصاص غيري.
ولكن ما حدث هو أني صرت أتلقى مكالمات هاتفيَّة يوميَّة (وبعضها في أوقات لا تناسب راحتي الشخصيَّة وحقِّي في الخصوصيَّة) من اللجنة الإداريَّة تقول إنه لا يوجد هناك مطار في غرناطة. ذهلت كثيرا، وقلت لمحدِّثي إنه لا بد أن يوجد مطار محلي في غرناطة تنقل إحدى رحلاته الضيف إلى مطار مدريد الدولي ثم إلى لندن، أو أيَّة مدينة أوروبيَّة أخرى من التي توجد فيها توقفات «ترانزيت»، ثم إلى مسقط.
ثم استمرت المكالمات (وموضوعها خارج عن دوري الاقتراحي أصلا) بأنه لا يوجد مطار في غرناطة. وفي الأخذ والرد، بل والغضب وردة الفعل قلت إن هذا من شأنكم لأنني لست عضوا في اللجنة الإداريَّة، ومثل هذه التفاصيل ليست مما يقع في واجباتي.
بعد ذلك جاءتني مكالمة تقول إنهم حقا وجدوا مطارا في غرناطة، ولكن ليس اسمه «مطار غرناطة» بل اسمه «مطار فردريكو جارسيا لوركا». هنا تنفست الصعداء، وابتهجت أساريري، وقلتُ: نعم، هذا المطار يحمل اسم أهم شاعر غرناطي، وكان قد استشهد في الحرب الأهليَّة ضد فرانكو.
قال لي محدِّثي بصورة غاضبة (انتقاميَّة تقريبا): «ياخي هاذيلا الإسبان مجانين! بالله عليك كيف يسَمْيوا مطار على اسم شاعر؟!»
رددت عليه بهدوء عيل صبره: طيب أنا إيش أقدر أسوِّي إذا الإسبان مجانين؟! العقل نعمة يا خي! وأنهيت المكالمة. واللهم امنح الإسبان المزيد من الجنون والشُّعراء والمطارات التي تحمل أسماءهم، وتكرَّم علينا ولو بالقليل من العقل والفطنة، ولو بعد عقدين من بداية الألفيَّة الجديدة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
كما الميلاد، الموت صدفة أيضا.
لا الأديان ولا الفلسفة تفهم ذلك (أيضا).
(2)
الشعب يريد تأجيل يوم الحشر كي يبقى النظام إلى يوم القيامة.
(3)
ذاكرتي مليئة بالأموات (هذه طريقة أخرى لقول إنني لا أزال أتعامل مع الهواء والماء).
والأسف وارد بلا أدنى قيود أو شروط.
(4)
أنت
أنت
أنت يا هذا الذي لم تَعُد تسعفه الصُّور
أنت صقر جاثم على عمود إنارة في شارع المطار كقيامة
لا أحسدك.
(5)
القلب ظمأ. الكبد فراشة. الفراشة مقصلة. الباقي مجرد إنشاء.
(6)
تصعد الديدان إلى القمر (كما في رواية أخرى).
(7)
السينما ليست تعبيرا عن الواقع، ولا تعويضا عن الواقع. السينما واقع آخر.
(8)
هي: أنت تعيش في عالم من صنعك وحدك.
هو: هذا صحيح تماما، بمن في ذلك أنت التي تكلِّمينني الآن.
(9)
أحبكِ لولا أن الشِّعر موجود قبلي، وقبلك، وقبل النثر.
(10)
صديق الجميع ليس صديقي، وعدو الجميع يوجد أحيانا (في الكُتُب المقدَّسة غالبا).
(11)
لا أجد نفسي في هذا، ولا أستطيع أن أموت في ذاك.
(12)
لا تختلف غواية إصدار المزيد من الكتب عن إغراء المزيد من السقوط في ماضٍ لا تمكن كتابته.
(13)
عن/ إلى مجز الصغرى في بقية الزمن الضائع:
1. لا أحد يعرفني هناك (الجيل الشاب خاصة لا يعرفني. يتذكرني «الشُّواب» الذين يتناقصون في كل يوم تقريبا، وحسنُ أولئك رفيقا).
2. لا أزال أذهب إلى مجز الصغرى كما يفعل اللصوص (واكتشفت بالمناسبة، أني لصٌّ غير محترف يأخذ ما عَظُمَ وزنه وقلَّت قيمته).
3. مجز الصغرى ستبقى هناك دوما، ولم يعد مطلوبا أن يتذكر أحدنا الآخر. مجز الصغرى هي محنة القادمين.
4. انتهيتُ من حب مجز الصغرى، وعلينا الافتراق فقد بلغ الحب أقصاه، ولم يعد لدى أحدنا ما يمكن أن يقدمه للآخر. ستبقى مجز الصغرى حبيبتي في ناموس وقواميس العشق: أنا منها، ولكن لم يُسمح لي أن أكون فيها (ولستُ عاتبا إلا على النُّطفة).
5. مجز الصغرى كانت كبيرة.
6. ستبقى مجز الصغرى في ذاكرتي تلك البنيّة التي تضبط موعدها على موعد قدومي على «السيكل» (الدراجة الهوائية). سألت عنها كثيرا بعد ذلك ولم تسعفني إجابات الزواج والرحيل من القرية. لها كل مجز الصغرى.
7. لا بأس في كل شيء. لقد صار المرء ناضجا بما فيه الكفاية لإدراك شيئين فقط: مجز الصغرى، والغياب.
(14)
كل خروج من الذات إلى الآخر ليس إلا تنازلا عن قليل أو كثير من الروح. الآن، في هذا العمر وبعد تلك التجارب، لم يعد هناك أي متَّسع للبدايات.
(15)
الذي يريد أن يكون سعيدا في الحياة عليه بذل الجهد لأجل تحقيق ذلك. أما الذي لا يمكن أن يكون سعيدا في الحياة فليس عليه بذل أي جهد (لقد تكَفَّل السُّعداء بذلك).
(16)
الموت يستعصي (حتى على فكرته).
الموت ساذج، وطيِّب، وقصير.
(17)
كانت وزارة الماليَّة الكولومبيَّة قد أصدرت عملة من فئة 300 بيسو وهي تحمل صورة الروائي الأشهر هناك جابرييل جارسيا ماركيز (كثيرون سيقولون لك: لولا ماركيز لما كنتُ قد عرفت عن كولومبيا). وقبل ذلك بمدة قصيرة كان المصرف السويدي المركزي قد أصدر، بتوجيه من الحكومة السويديَّة، عملة تحمل صورة المخرج السينمائي إنغمَر بيرغمَن (والبعض سيقول لك: أه، إنه من البلاد التي تصنع سيارات «الفولفو» وليس هناك طابع بريدي باسمها).
وقبل سنوات طويلة من ذلك كنت عضوا في اللجنة الثقافيَّة لإحدى الفعاليات الجماهيريَّة في بلادنا. وفي هذا الإطار اقترحتُ استضافة المستشرق (هو لا يعتبر نفسه «مستشرقا» بل «مُسْتَعرِبا») خوسيه ميجيل بويرتا، أستاذ الأدب العربي في جامعة غرناطة ومترجم عدَّة كتب عربيَّة مهمة إلى الإسبانيَّة بما في ذلك كتاب أدونيس «الصوفيَّة والسورياليَّة» إلى الإسبانية، لإلقاء محاضرة بالعربيَّة هنا في مسقط.
وقد وافقت اللجنة الثقافيَّة مشكورة على اقتراح الدعوة والاستضافة. ومن الناحية الإجرائيَّة والمهنيَّة فقد انتهت مهمتي عند هذه النقطة، وستوكل «اللوجستيَّات» إلى ذوي اختصاص غيري.
ولكن ما حدث هو أني صرت أتلقى مكالمات هاتفيَّة يوميَّة (وبعضها في أوقات لا تناسب راحتي الشخصيَّة وحقِّي في الخصوصيَّة) من اللجنة الإداريَّة تقول إنه لا يوجد هناك مطار في غرناطة. ذهلت كثيرا، وقلت لمحدِّثي إنه لا بد أن يوجد مطار محلي في غرناطة تنقل إحدى رحلاته الضيف إلى مطار مدريد الدولي ثم إلى لندن، أو أيَّة مدينة أوروبيَّة أخرى من التي توجد فيها توقفات «ترانزيت»، ثم إلى مسقط.
ثم استمرت المكالمات (وموضوعها خارج عن دوري الاقتراحي أصلا) بأنه لا يوجد مطار في غرناطة. وفي الأخذ والرد، بل والغضب وردة الفعل قلت إن هذا من شأنكم لأنني لست عضوا في اللجنة الإداريَّة، ومثل هذه التفاصيل ليست مما يقع في واجباتي.
بعد ذلك جاءتني مكالمة تقول إنهم حقا وجدوا مطارا في غرناطة، ولكن ليس اسمه «مطار غرناطة» بل اسمه «مطار فردريكو جارسيا لوركا». هنا تنفست الصعداء، وابتهجت أساريري، وقلتُ: نعم، هذا المطار يحمل اسم أهم شاعر غرناطي، وكان قد استشهد في الحرب الأهليَّة ضد فرانكو.
قال لي محدِّثي بصورة غاضبة (انتقاميَّة تقريبا): «ياخي هاذيلا الإسبان مجانين! بالله عليك كيف يسَمْيوا مطار على اسم شاعر؟!»
رددت عليه بهدوء عيل صبره: طيب أنا إيش أقدر أسوِّي إذا الإسبان مجانين؟! العقل نعمة يا خي! وأنهيت المكالمة. واللهم امنح الإسبان المزيد من الجنون والشُّعراء والمطارات التي تحمل أسماءهم، وتكرَّم علينا ولو بالقليل من العقل والفطنة، ولو بعد عقدين من بداية الألفيَّة الجديدة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني