- الإذاعة نجحت في التأقلم مع التطورات التكنولوجية الجارفة.
- رافقت الإنسان لسنوات طويلة ونسجت معه روابط وجدانية عميقة.
- إذاعة الشباب استحوذت على نسبة 33% في مؤشر أكثر الإذاعات تفضيلا.
- إذاعة سلطنة عمان منذ تأسيسها في 1970 واكبت بناء الدولة الحديثة.
يحتفل العالم غداً الاثنين باليوم العالمي للإذاعة، تلك الوسيلة الإعلامية التي انطلقت من أفواه الإعلاميين إلى آذان المستمعين من الجمهور في عام 1906 -بحسب الموسوعة العالمية ويكيبيديا- ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا الحالي وربما المستقبل، تبقى الإذاعة وسيلة مهمة إعلاميا وصامدة -رغم التطور التقني والوسائل الإعلامية الحديثة- وتواصل عطاءها من الأخبار والحوارات واللقاءات والفسحة الترفيهية لتلبي مسامع الجمهور.
واختارت "اليونسكو" يوم 13 من فبراير من كل عام مناسبة للاحتفاء بالإذاعة، حيث أطلقت منذ عام 2011 "اليوم العالمي للإذاعة"، واختارت شعاره هذا العام "الإذاعة والسلام".
في السطور التالية نفرد مساحة خاصة لـ"عمان" للحديث عن هذه المناسبة، مع يوسف بن حميد اليوسفي مدير عام المديرية العامة للإذاعة بوزارة الإعلام.
بدأ يوسف اليوسفي الحديث عن "اليوم العالمي للإذاعة" بقوله: "أود بداية أن أتوجه بالتهنئة لجميع الزملاء والزميلات العاملين في إذاعة سلطنة عمان أو في الإذاعات الأخرى الذين يواصلون تقديم الرسالة الإعلامية المهنية عبر البث الإذاعي داخل هذا الوطن العزيز، وكذلك التهنئة للإذاعات في الخارج التي نحتفل معها بمناسبة يوم الإذاعة العالمي الذي يصادف الثالث عشر من فبراير من كل عام، هذه النسخة هي الثانية عشرة للاحتفال باليوم العالمي للإذاعة الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو في عام 2011، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا في عام 2023، في العام الماضي كان شعار الاحتفال هو "الإذاعة والثقة" وهذا العام "الإذاعة والسلام"، وهو ما يؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، وبشكل خاص الإذاعة في بناء السلام وتعزيز الاستقرار والمساهمة في تثبيت الأمن ومنع نشوب النزاعات داخل البلدان و بين الدول، وحقيقة إذا ما عدنا إلى التاريخ لنفحص ما قدمته الإذاعة منذ اختراعها مطلع القرن الماضي، كان أول إذاعة تبث برامجها في عام 1906، فإن هذه الوسيلة قد أسهمت كثيرا في التقريب بين الشعوب وجعل العالم قرية صغيرة، فهي أول وسيلة إعلامية إلكترونية تصل إلى الجماهير على نطاق يتجاوز الحدود التقليدية، وشكلت في وقتها أحد أعظم اختراعات البشر، وكسرت الاحتكار الذي كانت تمارسه وسائل الإعلام المقروءة بعدما ظلت الصحف الوسيلة الرئيسية للصحفيين منذ القرن السابع عشر، لكن أهمية الإذاعة تزايدت خلال الحرب العالمية الأولى وتعاظمت أكثر خلال الحرب العالمية الثانية وكانت سلاحا مؤثرا بشكل كبير، وارتبطت منذ ذلك الوقت بالأحداث المهمة في الحروب والأزمات وفي أوقات الطوارئ، حتى في منطقتنا العربية كانت إذاعة صوت العرب التي كانت تبث من القاهرة الوسيلة التي يلجأ إليها المصريون لمتابعة أخبار الحروب الكبرى التي خاضتها مصر خلال القرن الماضي مثل حرب السويس عام 1956 وحرب 1967 وحرب أكتوبر عام 1973، كذلك فإن الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة هذا العام يأتي في خضم التهديدات المستمرة التي تواجه السلم والاستقرار الدولي خاصة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها التي تمتد إلى مناطق كثيرة من العالم وليس فقط في أوروبا التي اضطرت بلدان فيها إلى إعادة النظر في عقيدتها الأمنية والتخلي عن سياسة الحياد لمجابهة هذه التغييرات الخطيرة، باختصار هناك عودة في الغرب إلى النزعة العسكرية وهناك تجاذبات سياسية خطيرة في العالم يمكن أن تهدد السلم العالمي، كذلك في الشرق الأوسط لا تزال الكثير من شعوب المنطقة تترقب اليوم الذي تتنفس فيه السلام، وترى فيه الأرض تشرق بنور الأمن والاستقرار وتبدأ عجلة التنمية للعودة للدوران، وتنفض فيه مدن القدس والخليل وبيت لحم ونابلس وجنين ورام الله وغزة غبار الحرب، لذلك فإن وسط هذه التوترات التي تتجدد وتعبر قارات العالم فإن العالم بحاجة الرسالة الإعلامية التي تسهم في خفض منسوب التوترات والصراعات، وتهيئ الظروف التي تعمل على حفظ السلام والاستقرار، وتساعد في تحقيق التنمية، وليست الرواية الإعلامية التي تذكي نار التوتر وتشعل الفتن وتثير القلاقل وتعرقل البناء والتنمية التي تحتاجها الشعوب، وتنشر الفوضى، والاحتفال باليوم العالمي للإذاعة هذا العام تحت شعار (الإذاعة والسلام) يعكس أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام وفي مقدمتها الإذاعة في المساهمة في ذلك".
الإذاعة في مكانها
وطرحنا على اليوسفي سؤالا حول صلاحية الإذاعة كوسيلة إعلامية فاعلة في ظل الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعية التقنيات الحديثة، وأجاب قائلا: "أنا أعتقد أن الإذاعة لا تزال محتفظة بمكانتها بين وسائل الإعلام الأخرى وستبقى صامدة رغم زحف الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمنافسة الكبيرة التي أوجدتها الوسائل الحديثة في الإعلام الجديد، لماذا؟ لأنها نجحت في التأقلم مع التطورات التكنولوجية الجارفة مثلها مثل مؤسسات الإعلام التقليدي الأخرى التلفزيون والصحافة التي اضطرت للتحول إلى تكنولوجيا الإعلام الرقمي بشكل تدريجي، ولذلك كانت المؤسسات الإذاعية الكبرى سباقة للدخول في هذا المضمار الجديد للإعلام، لأن الاستفادة من التطور التكنولوجي ومواكبة التقنيات وتعزيز الحضور على منصات التواصل الاجتماعي هو وسيلة النجاة في ظل هذا الطوفان التقني المتعاظم، فاستمرار المؤسسات الإعلامية التقليدية في تقديم محتواها بالطريقة الكلاسيكية سيهدد بقاءها، وهذا للأسف ما حدث لعدد من المؤسسات الإعلامية التي لم تبادر في أن تسبح في فلك الفضاء الرقمي فسقطت من السماء، الأمر الآخر، بالعودة إلى التاريخ، هناك ارتباط وجداني بين الإذاعة والمستمعين، فكما ذكرت سابقا، الإذاعة رافقت الإنسان لسنوات طويلة ونسجت معه روابط وجدانية عميقة من الصعب فكها، هذه العلاقة الحميمية امتدت طيلة القرن العشرين وقتما كانت الإذاعة الوسيلة الإعلامية الأولى والوحيدة التي أتاحت للجماهير أن تتفاعل مع المذيع بشكل مباشر من خلال الأخبار العاجلة المباشرة أو البرامج التي يطرح فيها المستمعون قضاياهم وموضوعاتهم واهتماماتهم، هذه الروابط المتجذرة بين الطرفين ازدادت قوة وصلابة مع استفادة الإذاعة من التقنيات الحديثة وتعزيز حضورها على مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ويجب ألا ننسى أنه ومنذ اختراع (الترانزستور) الثورة الثانية للإذاعة في منتصف القرن العشرين أصبح المذياع متاحا للجميع بسبب قلة تكلفته وصغر حجمه، ومع بداية الألفية الجديدة تطورت كذلك أجهزة استقبال البث الإذاعي من خلال استقبال موجات (دي إيه بي) الرقمية في مختلف الأجهزة سواء في السيارات أو الأجهزة المحمولة أو المنزلية وظهرت الإذاعات الرقمية التي تبث عبر الإنترنت علاوة إلى انتشار تقنية (البودكاست) وجميع هذه التقنيات يمكن أن تستفيد منها المؤسسات الإذاعية لتحتفظ بسر بقائها مع كل تطور في فضاء الإعلام وموجاته التكنولوجية العاصفة".
مجابهة التحديات
وحول تحديات هذه الوسيلة الإعلامية يقول اليوسفي: "الإذاعة لها خصائصها وميزاتها التي تجعلها قادرة على مجابهة هذه التحديات، لا ننسى أن الإذاعة بعكس وسائل الإعلام الأخرى هي أسهل وأسرع وسيلة إعلامية وأكثرها سلاسة، أقصد أنها لا تتطلب أدوات وأجهزة معقدة للإنتاج والبث، ولا تضع عبئا على الجمهور عند الاستماع إلى الأخبار أو البرامج عبر المذياع، ولذلك ليس مستغربا أن أكثر الأوقات استماعا للإذاعة خلال قيادة المركبات خاصة عند التوجه للعمل أو العودة من العمل كما تؤكد مختلف الدراسات، ولهذا ستبقى حية ومكانتها محفوظة حتى ولو شهدنا ولادات جديدة لوسائل الإعلام من رحم التقنيات المتسارعة لتكنولوجيا الإعلام، إننا مدركون لكل هذه التطورات في تكنولوجيا الإعلام وتأثيراتها على المدى البعيد أو في المنظور القريب ولدينا خطط لمواكبة هذه التقنيات، والمؤشرات التي لدينا تدل على تزايد حضور قنوات إذاعة سلطنة عمان على منصات التواصل الاجتماعي وفي منصة "عين" أول منصة تفاعلية رقمية في سلطنة عمان أطلقتها وزارة الإعلام عام 2021م باستخدام أحدث التقنيات- وتشير إلى زيادة تفاعل المستمعين مع المحتوى الإذاعي المقدم في هذه المواقع، حيث تشهد جميع الحسابات الإلكترونية للإذاعة ارتفاعا ملحوظا بشكل عام، وهناك نشاط واضح وارتفاع في عدد المتابعين على الحسابات الإذاعية على اليوتيوب مع بث الإذاعة المرئية الذي جاء في إطار سعي إذاعة سلطنة عمان لمواكبة التقنيات الحديثة في الإعلام الرقمي والاستفادة من التقنيات الحديثة في هذا المجال ومن خلال أستوديو تم تصميمه وبناؤه بما يعكس طموحات الإذاعة على مواكبة التطور الفني والتقني أولا بأول وينسجم مع الهوية البصرية لإذاعة سلطنة عمان، كذلك على مستوى تقنيات (البودكاس)، هناك 5 برامج باللغة الإنجليزية على سبيل المثال من فئة (البودكاست) التي كانت أول برامج (بودكاست) للإذاعة وتوجد حاليا على كل منصات (البودكاست) العالمية، وهناك تفاعل ملحوظ في حجم التفاعل في حساب الإذاعة الإنجليزية على سبيل المثال مع بدء الإذاعة الإنجليزية بإذاعة سلطنة عمان مشروع تطوير الإذاعة الإنجليزية والذي حقق نقلة ملحوظة في البرامج المقدمة وفي استقطاب المزيد من المستمعين، لقد استطاعت إذاعة سلطنة عمان (الإذاعة العامة، إذاعة الشباب، الإذاعة الإنجليزية، إذاعة القران الكريم، إذاعة الموسيقى الكلاسيكية) أن تحتفظ بحضورها القوي ودورها المحوري في الفضاء الإذاعي وتستقطب المتابعين على منصاتها الرقمية مواكبة أحدث التقنيات في البث والإخراج والمحتوى الذي يلبي مختلف اهتمامات المستمعين، ويعكس النمو الذي تشهده سلطنة عمان في مختلف القطاعات، وينقل المستمعين إلى مختلف المناسبات الوطنية والأحداث المهمة على مستوى المحلي في مختلف المحافظات، والدارسة التي أجراها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ونشرت أواخر العام 2022 حول معدلات القراءة والاستماع والمشاهدة لوسائل الإعلام والاتصال في سلطنة عمان أكدت أن إذاعة الشباب أكثر الإذاعات تفضيلا مقارنة بالقنوات الإذاعية المحلية الأخرى حيث استحوذت على نسبة 33%، وهو يعد إنجازا مهما يبرز حجم الجهود التي تبذل في وزارة الإعلام لتطور الإذاعة للوصول إلى قطاعات واسعة من المستمعين وتقديم برامج مسموعة تستقطب اهتمام الجمهور خاصة فئة الشباب، سواء في إذاعة الشباب أو القنوات الإذاعية الأخرى لإذاعة سلطنة عمان".
التحدي اليوم
وعبر عن رأيه حول تحديات الإعلام التقليدي ومنها الإذاعة قائلا: "التحدي اليوم أن الرواية الإعلامية لا ينقلها الصحفي المحترف أو المؤسسات الإعلامية التقليدية المسؤولة وإنما أطراف أخرى تمارس الفعل الإعلامي بعيدا عن المبادئ المهنية وأخلاقيات العمل الصحفي، بعض هذه الأطراف تمارس نشاطها بأسماء وهمية وحسابات مجهولة لتحقيق أهداف سياسية أو لأغراض شخصية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمشكلة أن كثيرين يتلقفون المحتوى المقدم على هذه الوسائل دون أن يتم التحقق من صحة المعلومة، ويساهمون في نشر الشائعات والمعلومات المضللة والمغلوطة وبالتالي في إثارة البلبلة والفوضى في مجتمعاتهم، التطورات التقنية المتسارعة في البيئة الإعلامية نعم أتاحت للفرد العادي أن ينشر الخبر أو المعلومة ولكن من المهم أن يدرك المتلقون أن ليس ما ينشر على هذه الوسائل صحيحا، وأن هناك مشكلة حقيقية وعميقة بشأن المعلومات الكاذبة والأخبار المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا كان الفرد العادي ليس من السهل له أن يتحقق من صحة المعلومة المنشورة فإن الصحفي أو الإعلامي المتمرس يمكنه ذلك طالما لديه المهارات اللازمة المعرفية والمهنية، فهناك أدوات على محركات البحث تساعد الصحفي في التحقق من صحة ما يصله من معلومات ولذلك ننصح دائما أن يتم أخذ المعلومة من مصادرها الموثوقة، لذلك أرى أن شعار الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة هذا العام "الإذاعة والسلام" مرتبط كذلك بالرواية الإعلامية السليمة التي لا تتسبب في تضليل الجمهور وإثارة الفتن والإخلال بالسلم الاجتماعي واستقرار المجتمعات، ولنستذكر أنه في السنوات القليلة الماضية تم نشر عدد هائل من المعلومات الكاذبة أو الصور المزيفة أو مقاطع الفيديو المعدلة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي في البلدان التي عصفت بها التوترات، وتسببت تلك المنشورات في إثارة الكراهية بين الفئات، وتشويه الواقع، والإضرار بأمن واستقرار تلك المجتمعات، فتوقفت عجلات التنمية عن الدوران في مختلف القطاعات في تلك البلدان، لأن التنمية مرتبطة بالسلام والاستقرار والأمن".
ترسيخ السلم
واختتم يوسف اليوسفي حديثه قائلا: "نحن نحتفي اليوم باليوم العالمي للإذاعة بشعار (الإذاعة والسلام) فإنه لا بد أن نشير إلى الدور المهم والكبير الذي قامت به إذاعة سلطنة عمان والإعلام العماني بشكل عام في ترسيخ دعائم السلم المجتمعي وفي تعزيز قيم التسامح والسلام والاعتدال ونبذ الأفكار المتطرفة والنعرات الضيقة والكراهية في سلطنة عمان، حيث كان لهذا الدور أثره في تثبيت استقرار المجتمع العماني وتطوره وتنميته، ولنستذكر هنا أن الخطاب التاريخي الأول للسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- للعمانيين عام 1970 كان عبر الإذاعة، وإن إذاعة سلطنة عمان منذ تأسيسها في الثلاثين من يوليو عام 1970 واكبت بناء الدولة الحديثة في كل مراحلها وأسهمت في تعزيز اللحمة الوطنية وبث الروح الوطنية للعمل والإنتاج والبناء والتنمية، وفي عهد النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تواصل إذاعة سلطنة عمان تقديم رسالتها التي تعكس التطور الذي تشهده عمان في مختلف الجوانب والحفاظ على المكتسبات الوطنية والبناء عليها وفق رؤية جلالته -حفظه الله ورعاه- لعُمان في المرحلة القادمة والتي تتجلى في "رؤية عمان 2040".
- رافقت الإنسان لسنوات طويلة ونسجت معه روابط وجدانية عميقة.
- إذاعة الشباب استحوذت على نسبة 33% في مؤشر أكثر الإذاعات تفضيلا.
- إذاعة سلطنة عمان منذ تأسيسها في 1970 واكبت بناء الدولة الحديثة.
يحتفل العالم غداً الاثنين باليوم العالمي للإذاعة، تلك الوسيلة الإعلامية التي انطلقت من أفواه الإعلاميين إلى آذان المستمعين من الجمهور في عام 1906 -بحسب الموسوعة العالمية ويكيبيديا- ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا الحالي وربما المستقبل، تبقى الإذاعة وسيلة مهمة إعلاميا وصامدة -رغم التطور التقني والوسائل الإعلامية الحديثة- وتواصل عطاءها من الأخبار والحوارات واللقاءات والفسحة الترفيهية لتلبي مسامع الجمهور.
واختارت "اليونسكو" يوم 13 من فبراير من كل عام مناسبة للاحتفاء بالإذاعة، حيث أطلقت منذ عام 2011 "اليوم العالمي للإذاعة"، واختارت شعاره هذا العام "الإذاعة والسلام".
في السطور التالية نفرد مساحة خاصة لـ"عمان" للحديث عن هذه المناسبة، مع يوسف بن حميد اليوسفي مدير عام المديرية العامة للإذاعة بوزارة الإعلام.
بدأ يوسف اليوسفي الحديث عن "اليوم العالمي للإذاعة" بقوله: "أود بداية أن أتوجه بالتهنئة لجميع الزملاء والزميلات العاملين في إذاعة سلطنة عمان أو في الإذاعات الأخرى الذين يواصلون تقديم الرسالة الإعلامية المهنية عبر البث الإذاعي داخل هذا الوطن العزيز، وكذلك التهنئة للإذاعات في الخارج التي نحتفل معها بمناسبة يوم الإذاعة العالمي الذي يصادف الثالث عشر من فبراير من كل عام، هذه النسخة هي الثانية عشرة للاحتفال باليوم العالمي للإذاعة الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو في عام 2011، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا في عام 2023، في العام الماضي كان شعار الاحتفال هو "الإذاعة والثقة" وهذا العام "الإذاعة والسلام"، وهو ما يؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، وبشكل خاص الإذاعة في بناء السلام وتعزيز الاستقرار والمساهمة في تثبيت الأمن ومنع نشوب النزاعات داخل البلدان و بين الدول، وحقيقة إذا ما عدنا إلى التاريخ لنفحص ما قدمته الإذاعة منذ اختراعها مطلع القرن الماضي، كان أول إذاعة تبث برامجها في عام 1906، فإن هذه الوسيلة قد أسهمت كثيرا في التقريب بين الشعوب وجعل العالم قرية صغيرة، فهي أول وسيلة إعلامية إلكترونية تصل إلى الجماهير على نطاق يتجاوز الحدود التقليدية، وشكلت في وقتها أحد أعظم اختراعات البشر، وكسرت الاحتكار الذي كانت تمارسه وسائل الإعلام المقروءة بعدما ظلت الصحف الوسيلة الرئيسية للصحفيين منذ القرن السابع عشر، لكن أهمية الإذاعة تزايدت خلال الحرب العالمية الأولى وتعاظمت أكثر خلال الحرب العالمية الثانية وكانت سلاحا مؤثرا بشكل كبير، وارتبطت منذ ذلك الوقت بالأحداث المهمة في الحروب والأزمات وفي أوقات الطوارئ، حتى في منطقتنا العربية كانت إذاعة صوت العرب التي كانت تبث من القاهرة الوسيلة التي يلجأ إليها المصريون لمتابعة أخبار الحروب الكبرى التي خاضتها مصر خلال القرن الماضي مثل حرب السويس عام 1956 وحرب 1967 وحرب أكتوبر عام 1973، كذلك فإن الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة هذا العام يأتي في خضم التهديدات المستمرة التي تواجه السلم والاستقرار الدولي خاصة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها التي تمتد إلى مناطق كثيرة من العالم وليس فقط في أوروبا التي اضطرت بلدان فيها إلى إعادة النظر في عقيدتها الأمنية والتخلي عن سياسة الحياد لمجابهة هذه التغييرات الخطيرة، باختصار هناك عودة في الغرب إلى النزعة العسكرية وهناك تجاذبات سياسية خطيرة في العالم يمكن أن تهدد السلم العالمي، كذلك في الشرق الأوسط لا تزال الكثير من شعوب المنطقة تترقب اليوم الذي تتنفس فيه السلام، وترى فيه الأرض تشرق بنور الأمن والاستقرار وتبدأ عجلة التنمية للعودة للدوران، وتنفض فيه مدن القدس والخليل وبيت لحم ونابلس وجنين ورام الله وغزة غبار الحرب، لذلك فإن وسط هذه التوترات التي تتجدد وتعبر قارات العالم فإن العالم بحاجة الرسالة الإعلامية التي تسهم في خفض منسوب التوترات والصراعات، وتهيئ الظروف التي تعمل على حفظ السلام والاستقرار، وتساعد في تحقيق التنمية، وليست الرواية الإعلامية التي تذكي نار التوتر وتشعل الفتن وتثير القلاقل وتعرقل البناء والتنمية التي تحتاجها الشعوب، وتنشر الفوضى، والاحتفال باليوم العالمي للإذاعة هذا العام تحت شعار (الإذاعة والسلام) يعكس أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام وفي مقدمتها الإذاعة في المساهمة في ذلك".
الإذاعة في مكانها
وطرحنا على اليوسفي سؤالا حول صلاحية الإذاعة كوسيلة إعلامية فاعلة في ظل الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعية التقنيات الحديثة، وأجاب قائلا: "أنا أعتقد أن الإذاعة لا تزال محتفظة بمكانتها بين وسائل الإعلام الأخرى وستبقى صامدة رغم زحف الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمنافسة الكبيرة التي أوجدتها الوسائل الحديثة في الإعلام الجديد، لماذا؟ لأنها نجحت في التأقلم مع التطورات التكنولوجية الجارفة مثلها مثل مؤسسات الإعلام التقليدي الأخرى التلفزيون والصحافة التي اضطرت للتحول إلى تكنولوجيا الإعلام الرقمي بشكل تدريجي، ولذلك كانت المؤسسات الإذاعية الكبرى سباقة للدخول في هذا المضمار الجديد للإعلام، لأن الاستفادة من التطور التكنولوجي ومواكبة التقنيات وتعزيز الحضور على منصات التواصل الاجتماعي هو وسيلة النجاة في ظل هذا الطوفان التقني المتعاظم، فاستمرار المؤسسات الإعلامية التقليدية في تقديم محتواها بالطريقة الكلاسيكية سيهدد بقاءها، وهذا للأسف ما حدث لعدد من المؤسسات الإعلامية التي لم تبادر في أن تسبح في فلك الفضاء الرقمي فسقطت من السماء، الأمر الآخر، بالعودة إلى التاريخ، هناك ارتباط وجداني بين الإذاعة والمستمعين، فكما ذكرت سابقا، الإذاعة رافقت الإنسان لسنوات طويلة ونسجت معه روابط وجدانية عميقة من الصعب فكها، هذه العلاقة الحميمية امتدت طيلة القرن العشرين وقتما كانت الإذاعة الوسيلة الإعلامية الأولى والوحيدة التي أتاحت للجماهير أن تتفاعل مع المذيع بشكل مباشر من خلال الأخبار العاجلة المباشرة أو البرامج التي يطرح فيها المستمعون قضاياهم وموضوعاتهم واهتماماتهم، هذه الروابط المتجذرة بين الطرفين ازدادت قوة وصلابة مع استفادة الإذاعة من التقنيات الحديثة وتعزيز حضورها على مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ويجب ألا ننسى أنه ومنذ اختراع (الترانزستور) الثورة الثانية للإذاعة في منتصف القرن العشرين أصبح المذياع متاحا للجميع بسبب قلة تكلفته وصغر حجمه، ومع بداية الألفية الجديدة تطورت كذلك أجهزة استقبال البث الإذاعي من خلال استقبال موجات (دي إيه بي) الرقمية في مختلف الأجهزة سواء في السيارات أو الأجهزة المحمولة أو المنزلية وظهرت الإذاعات الرقمية التي تبث عبر الإنترنت علاوة إلى انتشار تقنية (البودكاست) وجميع هذه التقنيات يمكن أن تستفيد منها المؤسسات الإذاعية لتحتفظ بسر بقائها مع كل تطور في فضاء الإعلام وموجاته التكنولوجية العاصفة".
مجابهة التحديات
وحول تحديات هذه الوسيلة الإعلامية يقول اليوسفي: "الإذاعة لها خصائصها وميزاتها التي تجعلها قادرة على مجابهة هذه التحديات، لا ننسى أن الإذاعة بعكس وسائل الإعلام الأخرى هي أسهل وأسرع وسيلة إعلامية وأكثرها سلاسة، أقصد أنها لا تتطلب أدوات وأجهزة معقدة للإنتاج والبث، ولا تضع عبئا على الجمهور عند الاستماع إلى الأخبار أو البرامج عبر المذياع، ولذلك ليس مستغربا أن أكثر الأوقات استماعا للإذاعة خلال قيادة المركبات خاصة عند التوجه للعمل أو العودة من العمل كما تؤكد مختلف الدراسات، ولهذا ستبقى حية ومكانتها محفوظة حتى ولو شهدنا ولادات جديدة لوسائل الإعلام من رحم التقنيات المتسارعة لتكنولوجيا الإعلام، إننا مدركون لكل هذه التطورات في تكنولوجيا الإعلام وتأثيراتها على المدى البعيد أو في المنظور القريب ولدينا خطط لمواكبة هذه التقنيات، والمؤشرات التي لدينا تدل على تزايد حضور قنوات إذاعة سلطنة عمان على منصات التواصل الاجتماعي وفي منصة "عين" أول منصة تفاعلية رقمية في سلطنة عمان أطلقتها وزارة الإعلام عام 2021م باستخدام أحدث التقنيات- وتشير إلى زيادة تفاعل المستمعين مع المحتوى الإذاعي المقدم في هذه المواقع، حيث تشهد جميع الحسابات الإلكترونية للإذاعة ارتفاعا ملحوظا بشكل عام، وهناك نشاط واضح وارتفاع في عدد المتابعين على الحسابات الإذاعية على اليوتيوب مع بث الإذاعة المرئية الذي جاء في إطار سعي إذاعة سلطنة عمان لمواكبة التقنيات الحديثة في الإعلام الرقمي والاستفادة من التقنيات الحديثة في هذا المجال ومن خلال أستوديو تم تصميمه وبناؤه بما يعكس طموحات الإذاعة على مواكبة التطور الفني والتقني أولا بأول وينسجم مع الهوية البصرية لإذاعة سلطنة عمان، كذلك على مستوى تقنيات (البودكاس)، هناك 5 برامج باللغة الإنجليزية على سبيل المثال من فئة (البودكاست) التي كانت أول برامج (بودكاست) للإذاعة وتوجد حاليا على كل منصات (البودكاست) العالمية، وهناك تفاعل ملحوظ في حجم التفاعل في حساب الإذاعة الإنجليزية على سبيل المثال مع بدء الإذاعة الإنجليزية بإذاعة سلطنة عمان مشروع تطوير الإذاعة الإنجليزية والذي حقق نقلة ملحوظة في البرامج المقدمة وفي استقطاب المزيد من المستمعين، لقد استطاعت إذاعة سلطنة عمان (الإذاعة العامة، إذاعة الشباب، الإذاعة الإنجليزية، إذاعة القران الكريم، إذاعة الموسيقى الكلاسيكية) أن تحتفظ بحضورها القوي ودورها المحوري في الفضاء الإذاعي وتستقطب المتابعين على منصاتها الرقمية مواكبة أحدث التقنيات في البث والإخراج والمحتوى الذي يلبي مختلف اهتمامات المستمعين، ويعكس النمو الذي تشهده سلطنة عمان في مختلف القطاعات، وينقل المستمعين إلى مختلف المناسبات الوطنية والأحداث المهمة على مستوى المحلي في مختلف المحافظات، والدارسة التي أجراها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ونشرت أواخر العام 2022 حول معدلات القراءة والاستماع والمشاهدة لوسائل الإعلام والاتصال في سلطنة عمان أكدت أن إذاعة الشباب أكثر الإذاعات تفضيلا مقارنة بالقنوات الإذاعية المحلية الأخرى حيث استحوذت على نسبة 33%، وهو يعد إنجازا مهما يبرز حجم الجهود التي تبذل في وزارة الإعلام لتطور الإذاعة للوصول إلى قطاعات واسعة من المستمعين وتقديم برامج مسموعة تستقطب اهتمام الجمهور خاصة فئة الشباب، سواء في إذاعة الشباب أو القنوات الإذاعية الأخرى لإذاعة سلطنة عمان".
التحدي اليوم
وعبر عن رأيه حول تحديات الإعلام التقليدي ومنها الإذاعة قائلا: "التحدي اليوم أن الرواية الإعلامية لا ينقلها الصحفي المحترف أو المؤسسات الإعلامية التقليدية المسؤولة وإنما أطراف أخرى تمارس الفعل الإعلامي بعيدا عن المبادئ المهنية وأخلاقيات العمل الصحفي، بعض هذه الأطراف تمارس نشاطها بأسماء وهمية وحسابات مجهولة لتحقيق أهداف سياسية أو لأغراض شخصية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمشكلة أن كثيرين يتلقفون المحتوى المقدم على هذه الوسائل دون أن يتم التحقق من صحة المعلومة، ويساهمون في نشر الشائعات والمعلومات المضللة والمغلوطة وبالتالي في إثارة البلبلة والفوضى في مجتمعاتهم، التطورات التقنية المتسارعة في البيئة الإعلامية نعم أتاحت للفرد العادي أن ينشر الخبر أو المعلومة ولكن من المهم أن يدرك المتلقون أن ليس ما ينشر على هذه الوسائل صحيحا، وأن هناك مشكلة حقيقية وعميقة بشأن المعلومات الكاذبة والأخبار المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا كان الفرد العادي ليس من السهل له أن يتحقق من صحة المعلومة المنشورة فإن الصحفي أو الإعلامي المتمرس يمكنه ذلك طالما لديه المهارات اللازمة المعرفية والمهنية، فهناك أدوات على محركات البحث تساعد الصحفي في التحقق من صحة ما يصله من معلومات ولذلك ننصح دائما أن يتم أخذ المعلومة من مصادرها الموثوقة، لذلك أرى أن شعار الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة هذا العام "الإذاعة والسلام" مرتبط كذلك بالرواية الإعلامية السليمة التي لا تتسبب في تضليل الجمهور وإثارة الفتن والإخلال بالسلم الاجتماعي واستقرار المجتمعات، ولنستذكر أنه في السنوات القليلة الماضية تم نشر عدد هائل من المعلومات الكاذبة أو الصور المزيفة أو مقاطع الفيديو المعدلة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي في البلدان التي عصفت بها التوترات، وتسببت تلك المنشورات في إثارة الكراهية بين الفئات، وتشويه الواقع، والإضرار بأمن واستقرار تلك المجتمعات، فتوقفت عجلات التنمية عن الدوران في مختلف القطاعات في تلك البلدان، لأن التنمية مرتبطة بالسلام والاستقرار والأمن".
ترسيخ السلم
واختتم يوسف اليوسفي حديثه قائلا: "نحن نحتفي اليوم باليوم العالمي للإذاعة بشعار (الإذاعة والسلام) فإنه لا بد أن نشير إلى الدور المهم والكبير الذي قامت به إذاعة سلطنة عمان والإعلام العماني بشكل عام في ترسيخ دعائم السلم المجتمعي وفي تعزيز قيم التسامح والسلام والاعتدال ونبذ الأفكار المتطرفة والنعرات الضيقة والكراهية في سلطنة عمان، حيث كان لهذا الدور أثره في تثبيت استقرار المجتمع العماني وتطوره وتنميته، ولنستذكر هنا أن الخطاب التاريخي الأول للسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- للعمانيين عام 1970 كان عبر الإذاعة، وإن إذاعة سلطنة عمان منذ تأسيسها في الثلاثين من يوليو عام 1970 واكبت بناء الدولة الحديثة في كل مراحلها وأسهمت في تعزيز اللحمة الوطنية وبث الروح الوطنية للعمل والإنتاج والبناء والتنمية، وفي عهد النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تواصل إذاعة سلطنة عمان تقديم رسالتها التي تعكس التطور الذي تشهده عمان في مختلف الجوانب والحفاظ على المكتسبات الوطنية والبناء عليها وفق رؤية جلالته -حفظه الله ورعاه- لعُمان في المرحلة القادمة والتي تتجلى في "رؤية عمان 2040".