نظرية المعلومات هي الأساس الذي تستند عليه أجهزة الكمبيوتر الحديثة، وعمليات نقل المعلومات في الفضاء المعلوماتي. ويرى نيكولاس نيجروبونتي في كتابه الشهير «أن تكون رقميا» الصادر في عام 1995، أننا سوف نستمر في تقييم الأشياء بناءً على قيمتها المادية وليس بناءً على قيمة ما تحويه من معلومات، وإن التحول إلى العالم الرقمي سوف يؤدي إلى إعادة كتابة قوانين حقوق الطباعة والنشر، إذ إننا سنكون قادرين على شحن المعلومات وإرسالها إلى أبعد مما تُرسَل إليه البضائع المادية. ويعتقد نيجروبونتي أن هذا سوف يعمل على توسيع نطاق عمل المنظمات والشركات العملاقة، وعولمة المجتمع، والاتجاه إلى اللامركزية في التحكم بالمعلومات، وإحداث الانسجام بين الناس. ويتوقع أن الدول القومية سوف تبتعد عن السوق الإعلامي وتتركه للشركات لكي تنفرد به، وأن المجتمعات المنغلقة على ذاتها سوف تتآكل بمرور الوقت، وأن الناس سيتنافسون في الخيال أكثر من تنافسهم على المراتب الوظيفية. ولن تكون شركات الاتصال الكبرى بحاجة إلى توصيل المعلومات، إذ إن الأفراد سيكون بوسعهم أن ينشروا المعلومات بأنفسهم عبر الإنترنت.
هل يمكن أن نقول إن كل ما تنبأ به نيجروبونتي منذ أكثر من ربع قرن أصبح حقيقة لا مفر منها، وممارسة يومية لمليارات الأشخاص في العالم؟ واقع الحال أن علينا أن نضع مثل هذه النبوءات المبكرة تحت المجهر ونعيد التفكير في نظرية المعلومات ومستقبلها في العصر الرقمي الذي نعيشه حاليا. لقد تأخرنا كثيرا في فهم العالم وما يجري فيه من تغيرات بنيوية عديدة جعلتنا نقف على هامش الفكر وهامش العالم بشكل عام. ولذلك ما زلنا نتحدث عن أنظمتنا الإعلامية وإذا ما كانت تبدو مناسبة للعصر أم لا. وفي تقديري أن مراجعة نظرية المعلومات ربما تكون نقطة انطلاق جيدة للعودة إلى المشاركة في الفكر العالمي المعاصر، خاصة ما يتصل منه بفلسفة ومستقبل العصر الرقمي وتكييف أنظمتنا للتوافق معه ومع متطلباته الإعلامية.
إن أي اتصال بشري يتكون من سلسلة من الأنظمة المترابطة في شكل سلاسل. ويُعرف النظام هنا بأنه أي جزء من سلسلة المعلومات قادر على التواجد في حالة أو أكثر، أو على الظهور في حدث أو أكثر. وقد يكون نظام الاتصال هو سلك الهاتف، أو الهواء، أو العصب البصري البشري. وتشتمل الأنظمة على قنوات للمعلومات، لكنها كذلك تضم مصادر، وأجهزة إرسال، وأجهزة استقبال، وأهداف. ويجب أن تترابط الأنظمة مع بعضها بعضًا لكي تنقل المعلومات. وتعتمد حالة أي نظام على حالة النظام المرتبط به. فإذا كان الارتباط معطلا، لا يمكن نقل المعلومات.
ويضم الاتصال البشري الكثير من الأنظمة المترابطة التي تلتقي في نقطة واحدة هي «حراسة البوابة» المعلوماتية. وحارس البوابة في الأنظمة الإعلامية المختلفة هو الذي يحدد أي المعلومات يسمح لها بالمرور عبر السلسلة، وأيها لا يمر، وكيف يمكن إعادة إنتاج هذه المعلومات بشكل آمن. وينطبق هذا المبدأ على مُعِدي التقارير، والمصورين، والمحررين، والمعلقين، وعلى كل مَنْ يقررون انتقاء المعلومات التي تُستخدم في المنصات الإعلامية من بين مجموعة ضخمة من المعلومات المتوفرة. فهم الذين يحددون حجم المعلومات التي يستبعدونها، وقدر التأكيد الذي يضعونه على معلومة دون أخرى، ومقدار التشويش، سواء كان تشويشا منظمًا بسبب التحامل والتحيز، أو تشويشا عشوائيًا بسبب الجهل أو الإهمال. والصحيفة أو محطة الإذاعة هي حارس البوابة، لأنها هي التي تقرر ما يُقدَّم للجمهور. فعليها أن تختار من بين كافة الأخبار المتوفرة على المستوى المحلي والقومي والدولي. والهدف البشري (سواء كان قارئًا أو مشاهدًا أو مستمعًا) يعمل كذلك كحارس للبوابة عبر انتقائه للمادة وتفسيرها بناءً على احتياجاته الفردية.
ومع ذلك، فأنظمة الاتصال البشرية أنظمة وظيفية؛ أي أن أطرافها تستطيع التعلم وتختزن الخبرات السابقة وبالتالي تكون قادرة على ترشيد مشاركتها في العملية الاتصالية. فحين نقول إن النظام المركزي العصبي لدى البشر هو نظام وظيفي لأنه قادر على التعلم، فإننا نعني أن حالته الحالية تعتمد على ما قام به من عملٍ في الماضي. وقد تكون أنظمة الاتصال متطابقة أو غير متطابقة. فالأنظمة المتطابقة هي التي يمكن أن توجد في حالات متماثلة.
ووفقًا لنظرية المعلومات، يحدث الاتصال البشري عبر سلاسل طويلة جدًا لإنتاج المحتوى الإعلامي وبثه. وعلى سبيل المثال فإن التقرير الصحفي المصور الذي يكتبه مراسل تليفزيوني عن مشهد في الشرق الأوسط أو آسيا، يمر عبر حراس بوابات كثيرين للغاية قبل أن يُقدَّم للجمهور المحتمل في دول العالم المختلفة. وفي كل خطوة، يمكن أن يُعاد تحريره، أو يُستَبعد، أو يشَوَّه، أو يُعاد تنظيمه، أو يُغَيَّر.
إن ما يهمنا كإعلاميين وباحثين في الإعلام في نظرية المعلومات هو علاقتها بوسائل الإعلام التي تمثل الوسائط والمنصات التي يتم شحنها بالمعلومات. من الجيد أن تكون لديك الوسائل والمنصات، ولكن المحتوى يبقى هو الأهم. ووفقا لذلك يجب أن نهتم أكثر بإعداد وتأهيل الكوادر البشرية القادرة على إنتاج المحتوى وليس على توفير المنصات والأجهزة فقط. ولذلك ينظر إلى وسائل الإعلام على أنها مُضخمات عالية للأحداث والقضايا. إذ يعمل بهذه الوسائل عدد قليل نسبيًا من الأشخاص يقومون بإنتاج الأخبار، ومواد التسلية والترفيه، والإعلانات، وفي المقابل يراها أو يسمعها أو يقرأها ملايين البشر.
إن انعكاس نظرية المعلومات على أداء الإعلاميين يبدو أكثر وضوحا إذا ما علمنا أن المعلومات التي يتم تمريرها للجمهور تتعرض للمعالجة والفحص من جانب هذا الجمهور، وتخضع لعمليات إدراكية معقدة مثل التعرض الانتقائي للمادة الإعلامية أو للوسيلة التي تحملها، والتذكر الانتقائي لبعض المعلومات وتجاهل معلومات أخرى من الرسالة، والتأثر الانتقائي. إن علينا أن ندرك أن السلطة العليا في قبول الرسائل الإعلامية لم تعد تتركز في العصر الرقمي في يد الإعلاميين أو النظام الإعلامي أو السلطة القائمة على الإعلام أو المؤسسات الإعلامية في أية دولة، وانتقلت إلى الجمهور نفسه الذي لم يعد سلبيا كما كان الحال قبل العصر الرقمي. ففور استلام الرسالة، تبدأ عملية معالجة المعلومات التي تحملها من خلال سلسلة من الأسئلة يطرحها القارئ أو المستمع أو المشاهد على نفسه لتحديد ما إذا كانت المعلومات الجديدة مرتبطة بالمفاهيم المخزنة لديه، ومقدار ونوعية هذا الارتباط، وما إذا كانت تستحق المعالجة. فإذا كانت الإجابات على هذه التساؤلات تشير إلى أن المعلومات تستحق النظر وترتبط ارتباطًا معقولا بمخططات تفكير معروفة وجاهزة للاستحضار إلى الذهن، حينئذ يتم دمج هذه المعلومات فيها. أما في حالة عدم توفر هذه الظروف، فإن هذه المعلومات لا تُصدَّق أو يتم رفضها من جانب الجمهور، وتذهب بذلك كل الجهود الإعلامية التي بذلت لإنتاج الرسالة أدراج الرياح. ولعل هذا ما يمكن أن يفسر ولو جزئيا بعض الظواهر في إعلامنا العربي الذي تعددت قنواته ومنصاته ورسائله، ومع ذلك ما زال معظم رسائله بعيدا عن توظيف نظرية المعلومات والاستفادة منها.
هل يمكن أن نقول إن كل ما تنبأ به نيجروبونتي منذ أكثر من ربع قرن أصبح حقيقة لا مفر منها، وممارسة يومية لمليارات الأشخاص في العالم؟ واقع الحال أن علينا أن نضع مثل هذه النبوءات المبكرة تحت المجهر ونعيد التفكير في نظرية المعلومات ومستقبلها في العصر الرقمي الذي نعيشه حاليا. لقد تأخرنا كثيرا في فهم العالم وما يجري فيه من تغيرات بنيوية عديدة جعلتنا نقف على هامش الفكر وهامش العالم بشكل عام. ولذلك ما زلنا نتحدث عن أنظمتنا الإعلامية وإذا ما كانت تبدو مناسبة للعصر أم لا. وفي تقديري أن مراجعة نظرية المعلومات ربما تكون نقطة انطلاق جيدة للعودة إلى المشاركة في الفكر العالمي المعاصر، خاصة ما يتصل منه بفلسفة ومستقبل العصر الرقمي وتكييف أنظمتنا للتوافق معه ومع متطلباته الإعلامية.
إن أي اتصال بشري يتكون من سلسلة من الأنظمة المترابطة في شكل سلاسل. ويُعرف النظام هنا بأنه أي جزء من سلسلة المعلومات قادر على التواجد في حالة أو أكثر، أو على الظهور في حدث أو أكثر. وقد يكون نظام الاتصال هو سلك الهاتف، أو الهواء، أو العصب البصري البشري. وتشتمل الأنظمة على قنوات للمعلومات، لكنها كذلك تضم مصادر، وأجهزة إرسال، وأجهزة استقبال، وأهداف. ويجب أن تترابط الأنظمة مع بعضها بعضًا لكي تنقل المعلومات. وتعتمد حالة أي نظام على حالة النظام المرتبط به. فإذا كان الارتباط معطلا، لا يمكن نقل المعلومات.
ويضم الاتصال البشري الكثير من الأنظمة المترابطة التي تلتقي في نقطة واحدة هي «حراسة البوابة» المعلوماتية. وحارس البوابة في الأنظمة الإعلامية المختلفة هو الذي يحدد أي المعلومات يسمح لها بالمرور عبر السلسلة، وأيها لا يمر، وكيف يمكن إعادة إنتاج هذه المعلومات بشكل آمن. وينطبق هذا المبدأ على مُعِدي التقارير، والمصورين، والمحررين، والمعلقين، وعلى كل مَنْ يقررون انتقاء المعلومات التي تُستخدم في المنصات الإعلامية من بين مجموعة ضخمة من المعلومات المتوفرة. فهم الذين يحددون حجم المعلومات التي يستبعدونها، وقدر التأكيد الذي يضعونه على معلومة دون أخرى، ومقدار التشويش، سواء كان تشويشا منظمًا بسبب التحامل والتحيز، أو تشويشا عشوائيًا بسبب الجهل أو الإهمال. والصحيفة أو محطة الإذاعة هي حارس البوابة، لأنها هي التي تقرر ما يُقدَّم للجمهور. فعليها أن تختار من بين كافة الأخبار المتوفرة على المستوى المحلي والقومي والدولي. والهدف البشري (سواء كان قارئًا أو مشاهدًا أو مستمعًا) يعمل كذلك كحارس للبوابة عبر انتقائه للمادة وتفسيرها بناءً على احتياجاته الفردية.
ومع ذلك، فأنظمة الاتصال البشرية أنظمة وظيفية؛ أي أن أطرافها تستطيع التعلم وتختزن الخبرات السابقة وبالتالي تكون قادرة على ترشيد مشاركتها في العملية الاتصالية. فحين نقول إن النظام المركزي العصبي لدى البشر هو نظام وظيفي لأنه قادر على التعلم، فإننا نعني أن حالته الحالية تعتمد على ما قام به من عملٍ في الماضي. وقد تكون أنظمة الاتصال متطابقة أو غير متطابقة. فالأنظمة المتطابقة هي التي يمكن أن توجد في حالات متماثلة.
ووفقًا لنظرية المعلومات، يحدث الاتصال البشري عبر سلاسل طويلة جدًا لإنتاج المحتوى الإعلامي وبثه. وعلى سبيل المثال فإن التقرير الصحفي المصور الذي يكتبه مراسل تليفزيوني عن مشهد في الشرق الأوسط أو آسيا، يمر عبر حراس بوابات كثيرين للغاية قبل أن يُقدَّم للجمهور المحتمل في دول العالم المختلفة. وفي كل خطوة، يمكن أن يُعاد تحريره، أو يُستَبعد، أو يشَوَّه، أو يُعاد تنظيمه، أو يُغَيَّر.
إن ما يهمنا كإعلاميين وباحثين في الإعلام في نظرية المعلومات هو علاقتها بوسائل الإعلام التي تمثل الوسائط والمنصات التي يتم شحنها بالمعلومات. من الجيد أن تكون لديك الوسائل والمنصات، ولكن المحتوى يبقى هو الأهم. ووفقا لذلك يجب أن نهتم أكثر بإعداد وتأهيل الكوادر البشرية القادرة على إنتاج المحتوى وليس على توفير المنصات والأجهزة فقط. ولذلك ينظر إلى وسائل الإعلام على أنها مُضخمات عالية للأحداث والقضايا. إذ يعمل بهذه الوسائل عدد قليل نسبيًا من الأشخاص يقومون بإنتاج الأخبار، ومواد التسلية والترفيه، والإعلانات، وفي المقابل يراها أو يسمعها أو يقرأها ملايين البشر.
إن انعكاس نظرية المعلومات على أداء الإعلاميين يبدو أكثر وضوحا إذا ما علمنا أن المعلومات التي يتم تمريرها للجمهور تتعرض للمعالجة والفحص من جانب هذا الجمهور، وتخضع لعمليات إدراكية معقدة مثل التعرض الانتقائي للمادة الإعلامية أو للوسيلة التي تحملها، والتذكر الانتقائي لبعض المعلومات وتجاهل معلومات أخرى من الرسالة، والتأثر الانتقائي. إن علينا أن ندرك أن السلطة العليا في قبول الرسائل الإعلامية لم تعد تتركز في العصر الرقمي في يد الإعلاميين أو النظام الإعلامي أو السلطة القائمة على الإعلام أو المؤسسات الإعلامية في أية دولة، وانتقلت إلى الجمهور نفسه الذي لم يعد سلبيا كما كان الحال قبل العصر الرقمي. ففور استلام الرسالة، تبدأ عملية معالجة المعلومات التي تحملها من خلال سلسلة من الأسئلة يطرحها القارئ أو المستمع أو المشاهد على نفسه لتحديد ما إذا كانت المعلومات الجديدة مرتبطة بالمفاهيم المخزنة لديه، ومقدار ونوعية هذا الارتباط، وما إذا كانت تستحق المعالجة. فإذا كانت الإجابات على هذه التساؤلات تشير إلى أن المعلومات تستحق النظر وترتبط ارتباطًا معقولا بمخططات تفكير معروفة وجاهزة للاستحضار إلى الذهن، حينئذ يتم دمج هذه المعلومات فيها. أما في حالة عدم توفر هذه الظروف، فإن هذه المعلومات لا تُصدَّق أو يتم رفضها من جانب الجمهور، وتذهب بذلك كل الجهود الإعلامية التي بذلت لإنتاج الرسالة أدراج الرياح. ولعل هذا ما يمكن أن يفسر ولو جزئيا بعض الظواهر في إعلامنا العربي الذي تعددت قنواته ومنصاته ورسائله، ومع ذلك ما زال معظم رسائله بعيدا عن توظيف نظرية المعلومات والاستفادة منها.