1 - بقدرة قادر تحول الشباب والشابات خاصة من الذين ما زالوا في بداية حياتهم الدراسية أو العملية إلى مدمني مقاهي عالمية يرصدون لهذا الإدمان المُفتعل مبالغ طائلة كفيلة أن تقف في وجه كثير من الأزمات البسيطة التي قد تواجههم في حياتهم اليومية «وما أكثرها».

بين ليلة وضُحاها أصبح الجميع من عشاق «اللاتيه» و«البلاك وايت» و «السبانش لاتيه» .. الجميع يُشارك بصوره توثق وجوده بأحد المقاهي المعروفة وهو يرفع كوب اللاتيه الورقي أو يضع فنجان القهوة التي لا يحب أن يشربها إلى جانب كتاب لم يقرأه ويكتب معلِقًا «لا متعة للقراءة بدون القهوة».

هكذا من حيث لا ندري أصبحنا مولعين ومُتيمين بالموكا والكابتشيو والسبريسو نعيش هذا الوهم الكبير والتمثيلية المُكلفة ماديا متوهمين أن هناك علاقة بين التطور وشرب اللاتيه وإخوانه وأخواته بين الثقافة والقهوة متناسين أن هذه «البراندات» العالمية إنما وجدت لتحقيق الربح لا غير وأنها لم تأتِ باختراع يخلص البشرية من مشاكلها وهمومها فالمشروبات المذكورة سلفًا لا تعدو أن تكون قهوة مخلوطة بالحليب والتسميات إنما تتغير بحسب كمية ونسبة هذين المكوِنين في الكوب الواحد.

2 - حينما نضيق ذرعًا بحرارة الصيف وأجوائه الخانقة المُلتهبة نجأرُ إلى الله الرحمن الرحيم بالدعاء أن تمضي شهوره وأيامه سِراعا وأن يُبلِغنا فصل الشتاء ولياليه الباردة خفيفة الظِل التي لا نحتاج فيها إلى مكيفات في المنازل ولا السيارات ولا تلك التي تئن في سطوح المجمعات التجارية والمطاعم والمقاهي.

وما أن يحل الشتاءُ المصحوب بانخفاض درجات الحرارة اللطيف وهطول المطر حتى نقبع في البيوت هربًا من البرد واتقاء لما ينجم عنه .. نهجر الشواطىء ونُسلِمُها لمن أتّوا من بلدان الثلوج سواحا أو من الوافدين الذين يعيشون بيننا ويعرفون قيمة ما نمتلك من ثروة طبيعية في الشتاء.

في هذا التوقيت نفسه نتواصل مع مكاتب السفر والسياحة لحجز التذاكر المُخّفضة للهروب من حرارة الصيف الذي ننتظره ونجزم أنه يكون حارقا مترافقا من الرطوبة الخانقة التي تقطع الأنفاس إلى وُجهات سياحية معتدلة في أقاصي الأرض نقضي فيها سبعة إلى عشرة أيام مصاريفها أُمِنت من بطاقة ماستر كارد أو جمعية مُرهِقة أو قرض بنكي أو سُلفة من صديق ربما لن تُعاد أو من «حصالات الأطفال».

3 - استمات الموظف الحكومي «المِتسربِت» في الدفاع عن سبب حضوره اليومي إلى المقهى صباحًا ولم يدخر أي حجة ليقنع بها أصدقائه الذين يبدو أن بعضهم أتى من جهات مختلفة بلباسه الرسمي أن خروجه من المكتب لتناول اللاتيه والقهوة «وتغيير الجو» والتدخين إنما هو في صالح العمل ويخدم المؤسسة التي هي بحاجة ماسة لجهد موظفِ صافِ الذِهن.

قال وهو يرشف سيجارته ويبدد دخانها في الهواء: إذا كنتم تعتقدون أن عدد ساعات العمل هو المهم فأنتم مخطئون .. نعم مخطئون لأن المهم هو الإنجاز وكيفية خدمة المواطن. هل من المعقول أن يظل الموظف مسجونًا بمكتبه في هذا التوقيت البديع من السنة؟ هل يجوز لمسؤول أن يمنع موظفًا من تناول قهوته الصباحية في شتاء رائع ونسيم بحري يرد الروح كهذا النسيم؟

سأله أحدهم وهو ينزع سيجارة من العبوة التي كانت تدور بين الجميع عن الطريقة التي تتيح له المجيء الآمن إلى المقهى متجاوزًا رقابة مسؤوله المباشر فرد بكل بثقة «هناك حد مضبطني من الشباب .. تراها ما لابقة في لحفاف اللي ما يخلص اليوم يخلص باكر».

4 - في قصيدة «طلعلي البِكي» التي كتبها جوزيف حرب ولحنها العبقري فيلمون وهبي وغنتها فيروز يحضر المقهى البحري كحيز مكاني يشهد تمزق عاطفي عميق .. حبيبان يجلسان إلى طاولة وقد سُرق أحدهما من الآخر وسط صمت يشي بحالة من التصدع والانهيار لعلاقة حب دخلت فعليا مرحلة الغيبوبة .. في النص حضرت القهوة بمرارها كشاهد عيان لانكسار قلب امرأة مزدحمة بالحزن والألم وشرود رجل مختطف ساهم يلوذ بالصمت.

آخر نقطة

بالقهوة البحرية وطلِّع بإيديك

وتشرب من فنجانك

وأشرب من عينيك

وتهرب منّي تضيع

وما أرجع لاقيك

وأنتَ قاعد حدَي

وعم فتّش عليك

وخبّي وجّي شوفك

مدري مع مين

لو بعرف حبيبي بتفكّر بمين.

جوزيف حرب