المتأمل في كتاب الله يلمح بين ثناياه معاني مشتركة في اللفظ مختلفة في المعنى، ومن هذه المصلحات هو الاستبدال، ولو حاولنا معرفة معنى هذه الكلمة في أبسط صورها نجد أنها تعني وضع شيء مكان شيء، وفي الاستخدام القرآني نجد أنه استخدم في مواضع كثيرة منها ما أتى في سياق الذم وخاصة فيما قام به بنو إسرائيل، ومنها ما يتعلق بالاستبدال لأجل الأصلح في عمارة الأرض وعبادة الله، ومنها ما يتعلق بمعاني مختلفة.
فهناك التبديل لأجل الاستخلاف فنجد في الكتاب العزيز في سورة محمد قوله تعالى: «هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» ففي هذه الآية يخاطب الله المسلمين ويأمرهم بالإنفاق في سبيل الله، وإن تتولوا يذهب الله بكم ويأت بقوم غيركم لا يكونوا مثلكم، وكذلك في أمر القتال فقد حذرهم الله بأنهم إن لم ينفروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلـم فإنه سوف يستبدلهم ويعذبهم عذابا أليما، فقال تعالى في سورة التوبة: «إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وقد ذكر الله وعده للمؤمنين الصادقين الذين يعملون الصالحات بأنه سوف يستخلفهم في الأرض فقال تعالى في سورة النور: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» وهنا وعدهم باستبدال حالهم من بعد أن كانوا في خوف وزعزعة يتبدل حالهم إلى أمن وطمأنينة.
وكان لبني إسرائيل شأن في التبديل في كتاب الله، فقد كانوا أهل جدال وكبر، فقد أمرهم الله- عز وجل- أن يدخلوا باب بيت المقدس ساجدين أي راكعين، وأن يقولوا «حطة»، ومعناها اللهم حط عنا خطايانا، ولكنهم ظلموا أنفسهم فقاموا بتبديل هذه الكلمة استهزاء وكبرا وفسادا فقالوا «حنطة» بدلا عن «حطة» فأرسل عليهم الله العذاب وقد حكى الله هذا الأمر في سورة البقرة في قوله تعالى: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» وأكدت هذا الأمر أية كريمة في سورة الأعراف بقوله عز وجل: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ».
ولم يقتصر التبديل على هذا الأمر عند بني إسرائيل، بل تجاوزوه إلى طلبهم البقل والثوم والعدس والبصل، بدلا من المائدة التي تنزل عليهم من السماء وفيها اللحم والطعام الزكي، ولكنهم أهل جحود، وأهل فطرة فاسدة، وحكى الله عنهم هذا الأمر في سورة البقرة في قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» فهم استبدلوا الذي هو أدنى وهو البصل والثوم والبقل، بدلا من اللحم والمائدة التي تنزل عليهم من السماء فكان جزاؤهم أن أصيبوا بالذلة والمسكنة وغضب الله عليهم.
فهم استبدلوا نعمة الله بنقمته، واستبدلوا الكفر بالإيمان فقال تعالى في سورة البقرة: «أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ»، وقال تعالى: «سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».
وعندما دعا موسى عليه السلام فرعون وقومه وأمرهم بعبادة الله وحده، فرفض فرعون هذه الدعوة وعارضها بل وأراد أن يقتل موسى خوفا منه حسب زعمه من أن يبدل دين آل فرعون، وهذا لفساد فرعون وفساد معتقده ورأيه من أن موسى هو المفسد، فقال تعالى في سورة غافر: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ»
وهناك تبديل إلى الأحسن منه وهو من ظلم ثم بدل هذا الظلم بالعمل الصالح الحسن، فقال تعالى في سورة النمل: «إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ»، فالذي يتوب ويعمل صالحا يبدل الله سيئاته حسنات مصداقا لقوله تعالى: «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» فالله يعينهم على العمل الصالح الذي يثابون عليه.
وقد ذكر الله ذاته العلية بانه لا مبدل لكلماته فقال تعالى في سورة الأنعام: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ» أي أنه لا مبدل لما أخبر به في كتابه وهذا ما أكدته الآية الكريمة في سورة الكهف في قوله تعالى: «وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا» وقوله تعالى في سورة ق: «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»، وقوله تعالى في سورة الأنعام: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
أما المشركون من أهل مكة فقد طلبوا من الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أن يأتي بقرآن آخر أو أن يبدله، فأخبرهم أنه لا يمكن أن يبدله من تلقاء نفسه إن هو إلى وحي أنزله الله عليه فقال تعالى في سورة يونس: «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ». وهذا شأنهم في الكفر والافتراء على الله ورسوله فقال تعالى في سورة النحل: «وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ». وقد نزلت في مشركي قريش أنهم بدلوا نعمة الله ودينه بالكفر فقال تعالى في سورة إبراهيم: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ».
وقد أكد الله على حقيقة أن الله خلق الإنسان وقادر على أن يبدل أمثاله، بل وخيرا منه، فقال تعالى في سورة الواقعة: «عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ» وقال في سورة الإنسان: «نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا»، وقال في سورة المعراج: «عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ».
وهنالك صور مختلفة للتبديل، فمنها تبديل السماوات والأرض يوم القيامة قال تعالى في سورة إبراهيم: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»، ومنها تبديل جلود الذين كفروا وهم في نار جهنم فقال تعالى في سورة النساء: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا».
كما بدل الله من أعرض عن عبادته وكفر بنعمته بدلهم بالنعمة نقمة، فقال تعالى في قوم سبأ بعد أن طلبوا أن يباعد الله بين أسفارهم، ذاكرا إعراضهم في سورة سبأ: «فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»، وقال في شأن أصحاب الجنة الذين أقسموا أن لا يدخلها عليهم مسكين، فأحرقها الله فقالوا بعد ما رأوا حال جنتهم في سورة القلم: «عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ».
فهناك التبديل لأجل الاستخلاف فنجد في الكتاب العزيز في سورة محمد قوله تعالى: «هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» ففي هذه الآية يخاطب الله المسلمين ويأمرهم بالإنفاق في سبيل الله، وإن تتولوا يذهب الله بكم ويأت بقوم غيركم لا يكونوا مثلكم، وكذلك في أمر القتال فقد حذرهم الله بأنهم إن لم ينفروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلـم فإنه سوف يستبدلهم ويعذبهم عذابا أليما، فقال تعالى في سورة التوبة: «إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وقد ذكر الله وعده للمؤمنين الصادقين الذين يعملون الصالحات بأنه سوف يستخلفهم في الأرض فقال تعالى في سورة النور: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» وهنا وعدهم باستبدال حالهم من بعد أن كانوا في خوف وزعزعة يتبدل حالهم إلى أمن وطمأنينة.
وكان لبني إسرائيل شأن في التبديل في كتاب الله، فقد كانوا أهل جدال وكبر، فقد أمرهم الله- عز وجل- أن يدخلوا باب بيت المقدس ساجدين أي راكعين، وأن يقولوا «حطة»، ومعناها اللهم حط عنا خطايانا، ولكنهم ظلموا أنفسهم فقاموا بتبديل هذه الكلمة استهزاء وكبرا وفسادا فقالوا «حنطة» بدلا عن «حطة» فأرسل عليهم الله العذاب وقد حكى الله هذا الأمر في سورة البقرة في قوله تعالى: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» وأكدت هذا الأمر أية كريمة في سورة الأعراف بقوله عز وجل: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ».
ولم يقتصر التبديل على هذا الأمر عند بني إسرائيل، بل تجاوزوه إلى طلبهم البقل والثوم والعدس والبصل، بدلا من المائدة التي تنزل عليهم من السماء وفيها اللحم والطعام الزكي، ولكنهم أهل جحود، وأهل فطرة فاسدة، وحكى الله عنهم هذا الأمر في سورة البقرة في قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» فهم استبدلوا الذي هو أدنى وهو البصل والثوم والبقل، بدلا من اللحم والمائدة التي تنزل عليهم من السماء فكان جزاؤهم أن أصيبوا بالذلة والمسكنة وغضب الله عليهم.
فهم استبدلوا نعمة الله بنقمته، واستبدلوا الكفر بالإيمان فقال تعالى في سورة البقرة: «أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ»، وقال تعالى: «سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».
وعندما دعا موسى عليه السلام فرعون وقومه وأمرهم بعبادة الله وحده، فرفض فرعون هذه الدعوة وعارضها بل وأراد أن يقتل موسى خوفا منه حسب زعمه من أن يبدل دين آل فرعون، وهذا لفساد فرعون وفساد معتقده ورأيه من أن موسى هو المفسد، فقال تعالى في سورة غافر: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ»
وهناك تبديل إلى الأحسن منه وهو من ظلم ثم بدل هذا الظلم بالعمل الصالح الحسن، فقال تعالى في سورة النمل: «إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ»، فالذي يتوب ويعمل صالحا يبدل الله سيئاته حسنات مصداقا لقوله تعالى: «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» فالله يعينهم على العمل الصالح الذي يثابون عليه.
وقد ذكر الله ذاته العلية بانه لا مبدل لكلماته فقال تعالى في سورة الأنعام: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ» أي أنه لا مبدل لما أخبر به في كتابه وهذا ما أكدته الآية الكريمة في سورة الكهف في قوله تعالى: «وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا» وقوله تعالى في سورة ق: «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»، وقوله تعالى في سورة الأنعام: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
أما المشركون من أهل مكة فقد طلبوا من الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أن يأتي بقرآن آخر أو أن يبدله، فأخبرهم أنه لا يمكن أن يبدله من تلقاء نفسه إن هو إلى وحي أنزله الله عليه فقال تعالى في سورة يونس: «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ». وهذا شأنهم في الكفر والافتراء على الله ورسوله فقال تعالى في سورة النحل: «وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ». وقد نزلت في مشركي قريش أنهم بدلوا نعمة الله ودينه بالكفر فقال تعالى في سورة إبراهيم: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ».
وقد أكد الله على حقيقة أن الله خلق الإنسان وقادر على أن يبدل أمثاله، بل وخيرا منه، فقال تعالى في سورة الواقعة: «عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ» وقال في سورة الإنسان: «نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا»، وقال في سورة المعراج: «عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ».
وهنالك صور مختلفة للتبديل، فمنها تبديل السماوات والأرض يوم القيامة قال تعالى في سورة إبراهيم: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»، ومنها تبديل جلود الذين كفروا وهم في نار جهنم فقال تعالى في سورة النساء: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا».
كما بدل الله من أعرض عن عبادته وكفر بنعمته بدلهم بالنعمة نقمة، فقال تعالى في قوم سبأ بعد أن طلبوا أن يباعد الله بين أسفارهم، ذاكرا إعراضهم في سورة سبأ: «فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»، وقال في شأن أصحاب الجنة الذين أقسموا أن لا يدخلها عليهم مسكين، فأحرقها الله فقالوا بعد ما رأوا حال جنتهم في سورة القلم: «عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ».