ashuily.com

حكايا المقاهي لا تنتهي، الكل لديه حكاية وقصة ليرويها والمكان المفضل لرواية تلك الحكاوي هي المقاهي بكافة أشكالها وألوانها قديمها وحديثها، رخيصها وغاليها وبكافة أشكال الطيف التي تتنوع فيها المقاهي، وتتعدد والقاسم المشترك بينها أنها مكان لرواية الحكايا والقصص والثرثرة، وأشياء أخرى استحدثت باستحداث مفهوم المقهى ونوعه.

مقاه على نواصي الشوارع وبين الأزقة وتحت الكباري والأنفاق، ومقاه بين سكك ضيقة وأخرى فسيحة وفوق السماء وغيرها تحت الأرض، مقاه تتربع على قمم الجبال بين الثلوج وتحت الطقس البارد ومقاه تتوسط كثبان الرمل وسط الصحراء الشاسعة، مقاه تعددت أشكالها وألوانها بين المربع والمستطيل والمثلث والدائرة بأشكال وألوان غريبة، مقاه تتربع على أنقاض بيوت وحارات قديمة نسيها أهلها وسكانها فعاد نبض الحياة إليها بفضل حكايا العابرين وقصصهم، مقاه زالت واندثرت، ولم يبق منها سوى رسمها وأطلال كانت في يوم من الأيام تحكي قصة أمة، وقصة شعب، وقصة كفاح، وقصص لأرواح رحلت أجسادهم وبقيت ذكراهم تحوم حول المكان.

قصتي مع المقاهي طويلة تتعدد في سردها ووصفها بتعدد أنواع المقاهي وأزمنتها وأماكنها وأشكالها وأنواعها وصحبتها وأحيانا بموقعها الذي تتربعه ولكن ما يجمع أغلب تلك القصص هي الحكايا والقصص والدردشات والوشوشات مع أصحاب وخلان وسمراء يتشاركون حب القهوة، وسرد القصص والحكايا، وتبادل الأفكار والرؤى والآراء حول الحياة والناس والمجتمع، وأشياء أخرى تكون بمثابة نقاط التقاء بينك وبين من تسامره في المقهى وتجالسه.

تتعدد أغراض وأهداف الجلوس على المقاهي بتعدد الأمكنة والأزمنة والشخوص، فبعض من تلك المقاهي كان يجمع عددا من الوطنيين والمكافحين والمنافحين ضد استعمار بلادهم مثل: مقهى ريش في القاهرة الذي اشتهر بأنه مقهى يضم المثقفين والأدباء والكتاب من أمثال نجيب محفوظ والعقاد والحكيم وكانت تقام فيه جلسات وندوات وحوارات ثقافية أدبية ومما يقال عن هذا المقهى أنه كان بمثابة الحاضن لثورة 1919 وللثوار الذين أقاموا تحت قبو مطبعتهم الخاصة لطباعة المنشورات المناوئة للإنجليز. ولا يقتصر مثال التقاء الأدب والثقافة بمقهى ريش فحسب بل أنه حتى اللحظة إن أزقة القاهرة القديمة تحتضن مقاهي يشار إليها بأنها مقاه لنجيب محفوظ وطه حسين وأم كلثوم والفيشاوي بصورة أقل، غير أن الثيمة الحقيقية التي تجمع تلك المقاهي القديمة هي اجتماع روادها على طاولة الثقافة والأدب والعلم والمعرفة.

مقاه في دول أوروبا اشتهرت أيضا بكونها منارات للثقافة لا سيما مقاه باريس وروما وبراغ وفيينا، حيث غلب مسمى المقاهي الأدبية على بعض المقاهي في باريس كونها كانت تجمع الصحفيين والكتاب والأدباء والمثقفين مثل: مقهى بروكوب الذي جمعت طاولاته آراء فولتير وجان جاك روسو ومنتسكيو وغيرهم من رواد الحركة الفرنسية الأدبية.

مشارب مرتادي المقهى تختلف من طائفة لأخرى، كما تختلف أحاديثهم ونقاشاتهم فبعض المقاهي اشتهرت كونها مكانا مفضلا لفئات من الناس وسمت تلك المقاهي وارتبط اسمها بهم كمقاهي المتقاعدين والعسكريين والعمال ومقاهي سائقي التاكسي ومقاهي الصحفيين ومقاهي الشباب ومقاهي الرياضيين وغيرها من التسميات التي ارتبط اسمها بأسماء أو فئات روادها، ويبقى أن ما يجمع كل هذه القواسم والفئات هو حبهم للمكان وألفتهم إياه باعتبارهم البيت الذي يضمهم.

مقاهي اليوم هي غير مقاهي الأمس كما قال أحد كبار السن التقيته في قهوة شعبية قديمة في حي من أحياء القاهرة العتيقة مبررا حجته بغياب الروح في المقاهي الحديثة وغياب الصخب والجلبة والضوضاء التي تصدر من كل ناحية من نواحي المكان، وغياب المعلم والأسطى صاحب القهوة الذي يعتبر كل رواد مقاه هم أصدقاؤه لا زبائنه، مضيفا إلى كلامه أنه لا يتمنى أن يرى اليوم الذي يغلق فيه آخر مقهى شعبي في مدينته ليحل محله مقهى حديث يقدم فيه مشروبات لا يعرف هو نفسه كيف ينطق اسمها.