من حقنا أن نفكر في الطريقة التي تجعلنا أكثر اتساقا مع أنفسنا، فيما نرى، لكن عادة التوهم المستحكمة في الذات البشرية هي التي ربما تلون لها ما حولها عبر الأماني التي تسقطها تلك الذات عن نفسها وما تتصوره عن شخصها، فيبدو الأمر لتلك الذات كما لو أن البشر كلهم على شاكلتها من الاتساق التي تتصوره لنفسها!
إن قياس اسقاط الوهم في النفس البشرية للآخرين على ذاتها، والذي لا يمكن إدراجه - بحسب مواضعات العصر - ضمن أي قياس موضوعي في الخارج (إلا في حدود الصدف الضيقة وغير المتطابقة تماما) هو ما قد يوقع الناس باتجاهات مختلفة من الظنون الغالبة، إن خيرا وإن شرا، حتى يبدو في نهاية المطاف لكثيرين (بعد وقت طويل من التجارب المخيبة للظن) - لاسيما في هذه الأزمنة - أن ما كانوا يتوهمونه تطابقا مع رغباتهم في أشخاص الآخرين، هو محض تغرير للنفس بالتماهي في مرايا أولئك الآخرين. ذلك أن تجربة الذات البشرية المتجددة في الأجيال تجعل من إعادة التجريب مع كل جيل لاحق شيئاً أشبه بالإغراء الذي لا يقاوم في مرحلة معينة من العمر؛ الأمر الذي يضعنا أما حقيقة مهمة للنفس البشرية هي حقيقة «التجربة» فالإغراء الذي يوهم بذلك الاسقاط اغراء قوي جداً في نفوس الأغرار، يعميهم عن الاستفادة من عبرة الكبار، وتجاربهم، وهكذا باستمرار سنجد أن إغراء النفس وبحثها عن الشبيه الذي تسقط ذاتها عليه، أمر إلى جانب كونه محفزاً فهو كذلك جزء من فطرة الانسان.
التجربة تصقل الفرد، لكن تكرار التجارب الخاطئة لا يضيف أي قيمة لمعنى التجربة في ذلك الفرد. وإذا ما بدا أن البعض يصر على أن لا يرى التغيير في ظنونه التي يتوهمها في نفسه ويسقطها على الآخرين، أمراً غير طبيعي، مسقطاً اللوم على أولئك الآخرين، فلربما ليس علينا أن نتسرع بإطلاق حكم جمعي على موقفه ذاك بقدر ما يجعلنا موقفه أكثر قدرةً على تأمل تجاربه الخاصة في هذا الصدد!.
هل مطلق احسان الظن بالناس عادة يمكن أن تجعل من صاحبها تعيساً، بالضرورة، في تجاربه الذاتية مع الآخرين، أم سعيداً؟ أم أن الأمر يتصل بتغير الأزمنة والنفوس فيدرج في محيط النسبية التي لا يمكن تعميمها على تصرفات الأفراد؟.
ربما لا يتعين علينا أن نحسن الظن بالبعض - قلوا أم كثروا - لاسيما في هذه الأزمنة التي نعيش فيها طوراً مادياً ضاغطاً يمر به العالم، لكن ذلك، في الوقت ذاته، لا يجب أن يعمينا عن حقيقة الفطرة الخيرة للإنسان. الاجتماع البشري مفطور على الخير فالكثير الأغلب من العادات الجماعية للبشر هو من جنس الخير، لكن المواضعات التي يتم فيها تصميم ضغوط معينة من أنظمة سلطة معينة على البشر هي التي قد تغير بعض مجتمعات البشر دون أن تكون هي القاعدة.
هناك أيضا تجارب الصور النمطية التي تعكسها تنميطات وسرديات متبادلة للمجتمعات البشرية عن بعضها البعض، والغالب الأعم في مثل تلك التنميطات السردية يكون العقل الجماعي الغريزي للبشر هو المتحكم في تصرفاتهم.
ذلك أن الصور النمطية التي يتم تعميمها وفق خطاب موجه ومعد سلفا لإحداث تأثير جماعي على فئة من الناس تجاه فئة أخرى هي التي تكون أكثر رواجاً عند عامة الناس فالجماهير تفكر بعواطفها كما يقول«غوستاف لوبون». وإذا ما تأملنا عميقا في الأمر الذي قد يعود أصله إلى فطرة النفس في البحث عن ما يماثل نفسها في صور الآخرين نزوعاً في رغبتها حيال ما تظنه فضلاً وخيراً أصلياً فيها وتريد أن تراه في الآخرين فسنجد أن هذا النزوع «الرعوي» - بمواضعات اليوم - هو جزء من «رعويات» القرون الأولى التي تنتمي إلى عالم الشعر والنظرة الحالمة للعالم!
لقد قطع العالم الحديث أشواطاً طويلة في ابتلاع مفهوم «الاغتراب» الذي نعتته الفيلسوفة الألمانية الأمريكية «حنة آرندت» كأحد أهم علامات الحداثة، حتى بدا لكثيرين أن تلك الخصال القريبة إلى الفطرة، هي - بتعبير اليوم - أقرب إلى مفهوم «الطيبة» المرادف في قاموسنا للسذاجة وحتى للغباء في بعض الأحيان.
لكن، تظل الفطرة هي التي تغلب على طباع البشر لأن الفطرة غريزة بشرية متأصلة!
إن قياس اسقاط الوهم في النفس البشرية للآخرين على ذاتها، والذي لا يمكن إدراجه - بحسب مواضعات العصر - ضمن أي قياس موضوعي في الخارج (إلا في حدود الصدف الضيقة وغير المتطابقة تماما) هو ما قد يوقع الناس باتجاهات مختلفة من الظنون الغالبة، إن خيرا وإن شرا، حتى يبدو في نهاية المطاف لكثيرين (بعد وقت طويل من التجارب المخيبة للظن) - لاسيما في هذه الأزمنة - أن ما كانوا يتوهمونه تطابقا مع رغباتهم في أشخاص الآخرين، هو محض تغرير للنفس بالتماهي في مرايا أولئك الآخرين. ذلك أن تجربة الذات البشرية المتجددة في الأجيال تجعل من إعادة التجريب مع كل جيل لاحق شيئاً أشبه بالإغراء الذي لا يقاوم في مرحلة معينة من العمر؛ الأمر الذي يضعنا أما حقيقة مهمة للنفس البشرية هي حقيقة «التجربة» فالإغراء الذي يوهم بذلك الاسقاط اغراء قوي جداً في نفوس الأغرار، يعميهم عن الاستفادة من عبرة الكبار، وتجاربهم، وهكذا باستمرار سنجد أن إغراء النفس وبحثها عن الشبيه الذي تسقط ذاتها عليه، أمر إلى جانب كونه محفزاً فهو كذلك جزء من فطرة الانسان.
التجربة تصقل الفرد، لكن تكرار التجارب الخاطئة لا يضيف أي قيمة لمعنى التجربة في ذلك الفرد. وإذا ما بدا أن البعض يصر على أن لا يرى التغيير في ظنونه التي يتوهمها في نفسه ويسقطها على الآخرين، أمراً غير طبيعي، مسقطاً اللوم على أولئك الآخرين، فلربما ليس علينا أن نتسرع بإطلاق حكم جمعي على موقفه ذاك بقدر ما يجعلنا موقفه أكثر قدرةً على تأمل تجاربه الخاصة في هذا الصدد!.
هل مطلق احسان الظن بالناس عادة يمكن أن تجعل من صاحبها تعيساً، بالضرورة، في تجاربه الذاتية مع الآخرين، أم سعيداً؟ أم أن الأمر يتصل بتغير الأزمنة والنفوس فيدرج في محيط النسبية التي لا يمكن تعميمها على تصرفات الأفراد؟.
ربما لا يتعين علينا أن نحسن الظن بالبعض - قلوا أم كثروا - لاسيما في هذه الأزمنة التي نعيش فيها طوراً مادياً ضاغطاً يمر به العالم، لكن ذلك، في الوقت ذاته، لا يجب أن يعمينا عن حقيقة الفطرة الخيرة للإنسان. الاجتماع البشري مفطور على الخير فالكثير الأغلب من العادات الجماعية للبشر هو من جنس الخير، لكن المواضعات التي يتم فيها تصميم ضغوط معينة من أنظمة سلطة معينة على البشر هي التي قد تغير بعض مجتمعات البشر دون أن تكون هي القاعدة.
هناك أيضا تجارب الصور النمطية التي تعكسها تنميطات وسرديات متبادلة للمجتمعات البشرية عن بعضها البعض، والغالب الأعم في مثل تلك التنميطات السردية يكون العقل الجماعي الغريزي للبشر هو المتحكم في تصرفاتهم.
ذلك أن الصور النمطية التي يتم تعميمها وفق خطاب موجه ومعد سلفا لإحداث تأثير جماعي على فئة من الناس تجاه فئة أخرى هي التي تكون أكثر رواجاً عند عامة الناس فالجماهير تفكر بعواطفها كما يقول«غوستاف لوبون». وإذا ما تأملنا عميقا في الأمر الذي قد يعود أصله إلى فطرة النفس في البحث عن ما يماثل نفسها في صور الآخرين نزوعاً في رغبتها حيال ما تظنه فضلاً وخيراً أصلياً فيها وتريد أن تراه في الآخرين فسنجد أن هذا النزوع «الرعوي» - بمواضعات اليوم - هو جزء من «رعويات» القرون الأولى التي تنتمي إلى عالم الشعر والنظرة الحالمة للعالم!
لقد قطع العالم الحديث أشواطاً طويلة في ابتلاع مفهوم «الاغتراب» الذي نعتته الفيلسوفة الألمانية الأمريكية «حنة آرندت» كأحد أهم علامات الحداثة، حتى بدا لكثيرين أن تلك الخصال القريبة إلى الفطرة، هي - بتعبير اليوم - أقرب إلى مفهوم «الطيبة» المرادف في قاموسنا للسذاجة وحتى للغباء في بعض الأحيان.
لكن، تظل الفطرة هي التي تغلب على طباع البشر لأن الفطرة غريزة بشرية متأصلة!