كل تصرفات الأطفال تنتج في العادة من الطريقة التي تنشئهم عليها العائلة التي ينتمون إليها. على الرغم مما نقوله اليوم عن أن وسائط أخرى تدخلت في التربية. لكنني ما زلتُ أحس بأن تعاطينا مع كل المدخلات الأخرى تأتي من الاستعداد الأولي الذي يكرس في مرحلة مبكرة جدا.

لا أعرف لم يظن الناس دوما أن الأشياء الجيدة هي كذلك بالفعل دائما! فالطفل المهذب قد جنب أسرته مشقة التعامل مع فرصة أن يكون طائشا أو متنمرا. لكن هل التهذيب فعلا علامة صحية؟ من يحدد ذلك. قد يكون التهذيب علامة على الانطواء أو الخوف أو محاولة الادعاء للحصول على اهتمام الوالدين. هذا يجعلني أحسُ بالارتياح أكثر لطفل مشاغب إلى حد ما يعبر عن رأيه مهما كان بصراحة لأنه لا يدرك عواقب ما يقول ولا ينبغي عليه أن يفعل. يحتاج الأمر إلى درجة عالية من الحساسية والانفتاح على التفكير أحيانا كطفل، أن تعود لطفولتك، وتحتاج في أوقات أخرى لأن تثق بهم ولا تقلل من قدرتهم على فهمك وأنت راشد.

من المهم القول إن هذا كله يشكل عبئاً هائلا على الأب والأم. وشعور مقبض مستمر باليقظة المنهكة. لكن أليست الرغبة في وجود عائلة تقتضي بالضرورة الاستعداد للتعامل مع هذه الأعباء؟ ثم إنك لست وحدك، ينبغي أن تكون هناك برامج حديثة في الرعاية الاجتماعية والتعامل مع الأبوة والأمومة وفقا لرأس المال الرمزي لهما في ثقافتنا بالإضافة للضغوط الجديدة التي يتعرض لها الحاضنون لأطفالهم.

كنتُ أفكر مع صديقتي حول مراجعة الأطباء النفسيين، وطلب الاستشارات اللازمة لهذا النوع من الضغوط، لكن فلنتحدث بصراحة، يشكل هذا عبئا اقتصاديا كبيرا على كثير من الأسر. إن تعرفة الدخول لطبيب نفسي في مسقط لا يقل عن ٣٠ ريالا عمانيا لساعة واحدة. والعلاج النفسي يحتاج لرحلة طويلة في المتوسط ٢٥ جلسة حسب الكثير من الدراسات الحديثة.

إحدى العلامات التي يمكن أن تكون مؤشرا مقلقا، هي اختلاف أبنائك أنفسهم. الأكبر صامت عادةً، يخشى أن يخطئ، فيما الابن الأصغر فوضوي للغاية، ولا يكترث بردة فعلك، بل يعجبه أن يتحدى سلطتك. لم هذا التباين الواضح والحدي بينهما؟ يساعد الفن أيضا سواء عبر "الجيمز" أو الرسم أو النحت أو التشكيل على تحرير الكثير من المشاعر المكبوتة، ومن الضروري مشاركتك أبناءك لعبهم بين الحين والآخر.

في الحقيقة أن الممكنات التي تمنحها الألعاب الرقمية اليوم هائلة، وهي على عكس ما يشاع عنه في أنها تفصل الشخص عن عالمه المحيط، وتسبب مشاكل في التركيز والتواصل، فالألعاب مثلها مثل كل وسيط آخر، فيه الجيد والرديء، يصرف على مبتكري الألعاب وفنانيها الملايين، وهم يعتمدون على صناعة عوالم متخيلة قادرة على إثراء التجربة الذهنية. بل أنها تستطيع تنمية مهارات المنطق، والقدرة على إدراك الواقع عبر التعامل مع التحديات في اللعبة. عدا المتعة الهائلة التي تقدمها والتي لا ينبغي أن نذكر أهميتها التي لا يمكن الاستغناء عنها.

المتعة مهمة، اللعب مهم، لا لأنك تخشى على طفلك من مقارنة نفسه بالآخرين فحسب، بل هذا اللهو مُحرر أيضا ويجدد قدرتنا على التعامل مع كل التزاماتنا. لا أعرف لم نستمر في إنكار أهمية الترفيه! مع أنه القطاع الاقتصادي الأضخم حول العالم. ونحن طوال الوقت نبحث عنه، لكن مع شعور بالذنب، قادم من أفكار هالكة ومعيبة.

فلننظر أيضا لقطاع الترفيه بصفته أداة سياسية. إن أول فكرة تكونت عن الحياة المدنية هي قدرتها على تحقيق الرفاه للإنسان. والإلهاء بالنسبة لفالتر بينيامين وحدة عضوية أساسية في تشكيل الحياة اليومية للإنسان اليوم. فلندع أطفالنا يلعبون، ولندعهم أيضا يفتشون عن اللعب في عصرهم هم، بدلا من التعنت بدعوى الحماية والحذر من أن يقعوا ضحايا للإنترنت.

تقول لي صديقة إنها ذهبت مرة إلى مدينة الملاهي وهي في التاسعة من عمرها مع عمها، وأنه لم يسمح لها باللعب، فاللعب للذكور فقط، تقول لي أنها عالقة في تلك اللحظة وتشعر بالغيظ منها إلى اليوم، لقد ترك ذلك ندبة لها، وتمظهرات عديدة في سلوكها. فهي تخاف من تجربة أي شيء ممتع، وتشعر تلقائيا أنها لا تستحق وقتا تقضيه في التسلية فحسب. كما تشعر بالعار الشديد من أنها تبكي حتى اليوم لأنها لم تتجاوز حدثا بسيطاً كهذا من طفولتها البعيدة، وهي أم اليوم. تقول إنني أدفع أبنائي للعب رغما عنهم في بعض الأحيان ولا أفهم ماذا يريدون وكيف أرضيهم؟