ترجمه عن الروسية: يوسف نبيل -

ليس سرًا أن الفرد يستطيع أن يفقد عقله. لكننا اليوم نواجه ظاهرة جديدة: فقدان الذكاء الجمعي. لا يمكن تسمية ما يحدث اليوم في أوروبا والسياسة العالمية عمومًا بتسمية أخرى.

أتحدث هنا عن الذكاء الجمعي الذي اكتسبناه بفضل الدروس المأساوية التي تعلمناها من الحرب العالمية الثانية، وهو الذكاء الذي منحنا إمكانية تجنب الصراعات العظمى. في الشهور الأخيرة لم تفارق كلمة «حرب» صفحات الصحافة العالمية. لقد أزاحت المخاوف من نشوب صراع عالمي جانبًا كل شيء؛ حتى المشاكل الحادة في عصرنا مثل الفقر والإرهاب وتغير المناخ.

الآن تتفكك الروابط التي شكلت لعقود من الزمن إطارًا من الثقة والتعاون. اليوم، على سبيل المثال، أُعلن فض منتدى حوار بطرسبورغ المهم الذي تأسس في عام2001 بمبادرة من فلاديمير بوتين والمستشار الألماني آنذاك جيرهارد شرودر. لا يبدو أن النخبة الألمانية الحالية بحاجة إلى حوار مع روسيا. إنها لا تشحذ آذانها إلا بما يُقال في واشنطن.

في هذه الأثناء دعا قائد القوات الجوية الألمانية: الجنرال جيرهارتس الناتو إلى الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية ضد روسيا. أعلن السياسي البولندي الشهير سيكورسكي أن الدول الغربية لها الحق في نقل مثل هذه الأسلحة إلى أوكرانيا. يبدو أن وارسو لا تعارض حربًا نووية على حدودها. لكن، أيها الأوروبيون، يمكن للرياح القادمة من الشرق أن تهب «عرضًا» من أوكرانيا في اتجاهكم! حان الوقت لتخزين اليود. فكيف لا يتذكر المرء الحكمة المسيحية هنا: «إن أراد الرب أن يعاقب أحدا يحرمه من عقله»؟

تظهر على نحو متزايد دعوات لتنظيم المحاكم الدولية لبعض البلدان «الصالحة» لضدها «الآثمة». تُبذل أيضًا محاولات لإشراك الأمم المتحدة واليونسكو في هذه المواجهة. هذا الأخير صمت بخجل عن «إلغاء» الثقافة الروسية في الغرب وهدم وتدنيس آثار ممثليها في بلغاريا ودول البلطيق وأوكرانيا. شاركت الولايات المتحدة في حروب (بنفسها وعن طريق آخرين) في أكثر من 20 دولة في العالم لكن أحدًا لم يمس الثقافة الأمريكية في هذه البلدان. ربما يعود السبب إلى أن الدولار يحرس هذه الثقافة حراسة جيدة.

تتزايد التناقضات في جميع الاتجاهات؛ السياسية والاقتصادية منها. في الآونة الأخيرة ازدادت هذه التناقضات أيضًا فيما يتعلق بالدعاية المكثفة لمجتمع الميم ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية، وأنصار إعادة تحديد الجنس، وفي المجالات الأخلاقية عموما. يُشكِّل إعلان الهند الأخير (ستترأس مجموعة العشرين في عام 2023) الذي مفاده أن أجندة مجموعة العشرين ستستند إلى مبدأ «أرض واحدة - مستقبل واحد» استثناء نادرًا. يصير المستقبل المشترك إشكالية بدرجة متزايدة.

يقترب التنافس بالفعل من القطب الشمالي، بينما يمكن أن تصير منطقتا القطب الشمالي – القطب الجنوبي منطقتي تعاون سلمي.

لكن لا... حتى هنا في هذه الأقطاب الباردة توجد خطة لمواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا.

قدَّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خسائر القوات المسلحة الأوكرانية في الصراع مع روسيا بنحو 100 ألف شخص. بدت الأرقام صادمة. طالبت كييف بإزالة البيانات من وسائل الإعلام الأوروبية. لكن الفأس كان قد وقع في الرأس، وأثارت الأرقام تعليقات كثيرة. يبدو أن عدد الدبلوماسيين الأوروبيين المؤيدين للتفاوض مع الاتحاد الروسي قد بدأ في الازدياد، لكن هل هناك أي أمل في زوال جنون المواجهة؟ هل يوجد أي أمل في العودة إلى «مبادئ التعايش السلمي» التي أُعلنت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؟ دعونا نتذكر مدى أهمية هذه المبادئ في الاتحاد السوفييتي، حتى في عهد وزير الخارجية أندريه جروميكو أطلقوا عليه في الغرب لقب «السيد لا» و«بولدوج الدبلوماسية السوفييتية» بسبب عناده.

هل يمكننا اليوم أن نتصور لقاء بين قادة روسيا والولايات المتحدة؟ تحت أي ظروف يمكن أن يحدث مثل هذا اللقاء؟ من ينبغي أن يكون أول من يمد يده ليقول كلمة صلح؟ للأسف لن تجدينا الأوهام. تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن هذا الأمر بمنتهى الصراحة قبل أيام: «لن تكون هناك استعادة للعلاقات السابقة مع الغرب... حوار روسيا مع الغرب غير ممكن إلا على أساس مبادئ جديدة. لهذا نحتاج إلى انتظار ظهور الأشخاص العقلاء في الدبلوماسية الأوروبية. في الواقع بدون تغيير في النخبة الأوروبية لن يكون هناك تقدم في العلاقات مع الغرب. أتساءل كم من الوقت لا تزال هذه النخبة قادرة على العيش.

فياتشيسلاف كوستيكوف دبلوماسي وصحفي وكاتب روسي شغل منصب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي بوريس يلتسين.

عن موقع Aif.ru