ترجمة: أحمد شافعي -

كان 2022 عاما صالحا لدفن الأخبار السيئة، والحقائق السيئة، وتشهد على ذلك جملة من الطغاة، والقتلة المختلفين، وأنظمة الحكم القمعية أو المعادية للديمقراطية. في ميانمار ومالي ونيكاراجوا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وأفغانستان، وما هذه إلا نماذج قليلة لمناطق مأزومة لم يلق ما فيها من انتهاكات رهيبة وبؤس مستمر إلا قدرا ضئيلا نسبيا وروتينيا من الرقابة الدولية.

والسبب الرئيسي لضيق منظور 2022 يتمثل بالطبع في أوكرانيا التي شهدت صراع أوروبا الأكبر منذ عام 1945. ولا أقول بهذا إن تيجاري أو جواتيمالا اللتين مزقتهما الحرب وخنقهما الفساد ببطء كانتا لتتصدرا الأخبار العالمية لولا أوكرانيا، فالحقيقية الأليمة هي أن الاهتمام الغربي بصراعات العالم النامي محدود بصفة عامة.

غير أن أوكرانيا مثلما تبدو من أوروبا وأمريكا الشمالية، ومن غلبتها على أزمات إنسانية استراتيجية أخرى، احتكرت الاهتمام السياسي والإعلامي، وجهود مساعدات الإغاثة، والخيال الشعبي، بدرجة ليس لها مثيل من قبل. فارتفاعات مستوى المعيشة المترتبة على هذه الحرب ضمنت لها حضورا كبيرا في الغرب.

ومع ذلك فإن أزمات دولية أخرى، فعلية أو وشيكة، سوف تتطلب اهتماما وموارد متزايدين في عام 2023. وثمة ثلاث ساحات معارك جيوسياسية قد يصعب تجاهلها بصفة خاصة: سلوك الصين في شرق آسيا، ومستنقع الشرق الأوسط، والتوترات الأمريكية الأوروبية.

غير معروف في هذه اللحظة إن كانت الأحداث الخارجية والأولويات المتغيرة سوف تقوض في نهاية المطاف قدرة أوكرانيا على مقاومة روسيا وإلحاق الهزيمة بها. مؤكد أن هذا هو ما يرجوه فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من شجاعة الأوكرانيين المثيرة للإعجاب فإنهم أشد اعتمادا من ذي قبل على الدعم المستمر من الغرب، وأمريكا بصفة خاصة، لكي يبدأوا عامهم الثاني من الحرب.

هل يمكن أن يجدوا أنفسهم مهمشين على نحو متزايد، وبخاصة في حال انزلاق الحرب إلى هوة ركود طويل الأمد؟ إن توترات عسكرية متزايدة في شرق آسيا تستوجب الانتباه بصفة خاصة، مثلما يتبين من قرار اليابان المذهل بمضاعفة إنفاقها العسكري تقريبا.

واليابان هي تاسع دول العالم من حيث الإنفاق العسكري، وهي الآن تتقدم إلى المركز الثالث إثر الولايات المتحدة والصين. والأهم من ذلك أن هذا التحول يمثل انقطاعا حادا، إن لم يكن نهائيا، عن تقاليد المسالمة التي تتبعها اليابان منذ ما بعد 1945 وتمنعها على سبيل المثال من التورط في صراعات خارجية. واللافت للنظر أن استطلاعات الرأي تشير إلى تأييد شعبي قوي لذلك التحول.

ما الذي يدفع إلى هذا التغيير؟ هي العوامل نفسها التي دفعت كوريا الجنوبية وبلادا أخرى في المنطقة إلى زيادة لعبتها العسكرية، ودفعت إلى تشكيل آوكوس (أي المعاهدة الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) وتدفع إلى قدر أعمق من التعاون داخل رباعية الكواد المؤلفة من الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.

يجمع بين هذه البلاد خوف واحد يتمثل في الصين. فبكين تعمل بقوة على توسيع نفوذها العسكري الإقليمي، وتواصل نزاعات قديمة على الأرض مع البلاد المجاورة لها، ومنها اليابان والهند، وتخلق نزاعات جديدة في بحر الصين الجنوبي. وفي الأسبوع الماضي فرضت قواتها حصارا جويا على تايوان مرة أخرى.

ينشغل رجال الحرب في البنتاجون بمخاوف ذات أسس قوية من أن الصين قد تسعى في 2023 إلى تنفيذ تهديد شي جينبنج بالاستيلاء على تايوان بالقوة. فهل يمكن واقعيا أن تواجه الولايات المتحدة الصين وكذلك روسيا، فتدافع فعليا عن تايوان وأوكرانيا في وقت واحد؟

عندما اقترح الجنرال مارك مايلي رئيس هيئة الأركان المشتركة أخيرا أن تنظر أوكرانيا في أمر محادثات السلام، ربما كان في ذهنه هذا السيناريو الكابوسي لحرب على جبهتين. ولعله كان يفكر، شأن اليابان، في خصم ثالث محتمل هو كوريا الشمالية وتزايد طائراتها المسيرة وصواريخها ذات القدرات النووية.

تعرَّض الشرق الأوسط ـ الذي كان على مدار عقود يحتل القلب من السياسة الخارجية للولايات المتحدة ـ لإهمال نسبي منذ نكبة العراق في فترة جورج دبليو بوش وخيار التقاعس عن التدخل في سوريا في فترة باراك أوباما. غير أن 2023 قد يكون العام الذي تصل فيه المشكلات الناجمة عن هذا التراجع الأمريكي إلى ذروتها.

ففي الأسبوع الماضي تنبأ بيني جانتز ـ وزير الدفاع الإسرائيلي في الحكومة منتهية الولاية ـ بمزيد من التصعيد الدموي في الضفة الغربية المحتلة نتيجة لقرار رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بمنح سلطة وزارية على المنطقة لشركائه المعادين للعرب في الائتلاف الحاكم. وقد بلغ العنف الذي طال الجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود والفلسطينيين مستويات قياسية في عام 2022.

وتقترب إيران من نقطة الغليان هي الأخرى بسبب مظاهرات كاسحة مناهضة للحكومة، وبسبب مواجهة المحادثات النووية الجارية مع الغرب انهيارا وشيكا. وحتى في حال تقديم إيران تنازلات دراماتيكية، من الصعب أن نرى الرئيس الأمريكي جو بايدن يبرم اتفاقية مع نظام يعذب فتياته الصغيرات.

قد تكون المواجهة العسكرية السافرة (لا المستترة) بين إسرائيل وإيران نتيجة من نتائج قطيعة نهائية بين الغرب وطهران. وقد يفضي هذا بدوره إلى جذب العراق وسوريا ـ وفي كليهما عمل أمريكي لم يكتمل ـ وكذلك روسيا. في الوقت نفسه، فإن الرئيس التركي الذي يواجه تحديا انتخابيا قد يهاجم الأكراد القائمين في سوريا أيضا، للإلهاء عن أخطائه الداخلية الكبيرة.

هناك بالنسبة للأوكرانيين الذين يتساءلون عما ستجلبه عليهم 2023 أسباب وجيهة للقلق على الوحدة الأمريكية الأوروبية واستمرار قوتهم أيضا. فالانشقاقات قد تتسع بين بلاد الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالمفاوضات مع روسيا في ظل استمرار الحرب. فضلا عن وجود استياء متنام في واشنطن من تصدي الولايات المتحدة لأغلب المخاطرات في أوكرانيا ودفعها نصيب الأسد من التكاليف (48 مليار دولار آخذة في الزيادة) في ظل ارتداد الأوربيين المفترض إلى دور السلبيين.

وبصفة أوسع، تتعرض العلاقات العابرة للأطلنطي لاختبار جديد من العناصر الحمائية في قوانين بايدن الخاصة بالعلامات التجارية والتكنولوجية التي أثارت غضب بروكسل. وثمة سؤال أكثر جوهرية وإدهاشا مع اقتراب أفق انتخابات 2024 الرئاسية حول المخاوف المحيطة بقوة ونزاهة الديمقراطية الأمريكية في عهد دونالد ترامب.

من يدري؟ قد يطاح ببوتين. وقد يتبادل بايدن وشي القبلات ويتصالحان. وقد لا يكون السلام في فلسطين سرابا في نهاية المطاف. لكن شيئا واحدا هو المؤكد في 2023. سوف تظل أوكرانيا تلقى من الدعم والاهتمام أكثر مما تلقاه أفغانستان وعشرات البلاد الأفقر والأقل أهمية استراتيجية مجتمعة.

ففيما تخوض القوى الكبرى معاركها العالمية، سوف يستمر البؤس والفوضى في هذه البلاد الأقل حظا، والتي تغيب كثيرا عن الأنظار والرقابة. وسنة جديدة سعيدة.

• سيمون تيسدول كاتب ومعلق سياسي في في الشؤون الخارجية.

** عن ذي جارديان