لا أدري سر ترقب العالم للعام الجديد الذي يبدأ بعد أيام قليلة، خاصة وأن تجارب التاريخ المعاصر، على الأقل، تؤكد أن الأعوام الجديدة التي عاصرنا دخولها وخروجها، لم تختلف عن سابقتها، إن لم تأت في الغالب بالأسوأ خاصة على صعيد العلاقات الدولية المتوترة في أكثر من بقعة من بقاع العالم، والصراعات المزمنة التي ظلت عصية على العلاج منذ سنوات طويلة مضافا إليها الحروب والصراعات الجديدة التي ما فتئ البشر يشعلونها من وقت إلى آخر، ودون مبرر قوي في أحيان، ووفقا لتصورات ومزاعم واهية في أحيان أخرى، وكل ذلك بسبب مخزون الشر الكامن في بعض النفوس البشرية والمتراكم فيها على مدي سنوات.

"سنة سعيدة"، "كل عام وأنتم بخير"، و"عام جديد سعيد"، عبارات نتبادلها في مطلع كل عام، ويحدونا الأمل في أن تكون السنة الجديدة سعيدة بالفعل، ولكننا نكتشف في نهاية كل سنة أن السنة السابقة كانت أفضل منها على جميع المستويات تقريبا. على المستوى الشخصي يعني العام الجديد أننا أهدرنا عاما من أعمارنا القصيرة، وأن العد التنازلي للنهاية يقترب أكثر. قد يكون بعضنا قد حقق إنجازات شخصية مهمة بالنسبة له، ولكنها تبقى إنجازات معلقة في الهواء إن لم تكن تصب في أهداف أكبر للمجتمعات والدول والعالم كله. وعلى مستوى الجماعي فإن جودة الحياة ويسرها والاستمتاع بها، خاصة لمن يعيشون مثلنا في نصف الكرة الأرضية الجنوبي أو ما يعرف بالدول النامية تتناقص عاما بعد عام. وقد بلغ هذا التناقص ذروته في السنة الأخيرة التي نودعها، وليس من المحتمل أن يتغير الحال في السنة التي نستقبلها.

يخرج العالم من ٢٠٢٢ وهو يعيش أجواء الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية والبيئية. أزمات قديمة تستمر، في نطاق المنغصات البشرية، عام إضافي إن لم يكن أكثر من عام، وأزمات جديدة يخبئها القدر. ما من أمل حقيقي وواضح في أن تنتهي الأزمات المرحلة من العام الماضي خلال العام الجديد. وتتراوح تلك الأزمات في شدتها وقسوتها من الحروب الفعلية التي تحصد الأرواح يوميا في أوكرانيا وسوريا واليمن ودول أخرى، إلى التهديد بالحروب كما في حالة الكوريتين الشمالية والجنوبية، والصين وتايوان، والأزمات السياسية الداخلية كما في إيران وتونس والسودان، والأزمات الاقتصادية الطاحنة الناتجة عن حرب أوكرانيا مثل أزمة الغذاء وزيادة نسب التضخم في كل دول العالم تقريبا ونقص إمدادات الطاقة والانكماش الاقتصادي، والأزمات الصحية المستمرة التي أعادها إلى الصدارة زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا كوفيد-19 في الصين ووصولها إلى أرقام قياسية بلغت 37 مليون إصابة في يوم واحد، وهو ما دفع بعض غلاة المتشائمين إلى إطلاق اسم "متحور يوم القيامة" على الفيروس. ومن شأن ذلك أن يثير مزيدا من الخوف والذعر في العالم كله خلال العام الجديد، بالإضافة إلى تغيرات المناخ وما يرتبط بها من فيضانات قاتلة مثلما حدث في باكستان، وموجات حارة وموجات صقيع قاتلة، والتي يعتبرها البعض "علامةً من علامات الساعة"!

ما الذي يجعلنا نتفاءل بالسنة الجديدة ونقول عنها "سنة جديدة" ونحن نرى بأعيننا بعض الأزمات والقضايا العصية على الحل وهي تزداد تعقيدا في العام الجديد، خاصة تلك التي تجاوز عمرها أعمار غالبية الأحياء من البشر في العالم، وأعني بها المأساة الفلسطينية التي تراوح مكانها منذ سنوات طويلة، ولا يلوح في الأفق أي أمل ولو ضئيل في أن تشهد اختراقا حاسما نحو الحل العادل والشامل في العام الجديد، خاصة بعد أن اختار بنيامين نتنياهو التحالف مع الأحزاب الدينية المتطرفة وتشكيل حكومة يمينية خالصة تُعبّر وفقا لباحث إسرائيلي عن "رؤية اليمين المتطرف الذي لديه رؤية الخلاص، وينظر إلى إسرائيل الحالية كمحطة في الطريق للوصول إلى "دولة الشرعية" التي تحتكم للتوراة".

كيف يكون العالم الجديد سعيدا وهو يرى الأوكرانيين يعيشون ويلات حرب، لا يعرف أحد متى تنتهي، وصراع شرقي - غربي بين روسيا من جانب والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين من جانب آخر، على النفوذ العالمي، ويدفعون ثمن هذا الصراع من أرواحهم وأرواح أحبائهم ومنازلهم وممتلكاتهم. وكيف يكونون هم أنفسهم سعداء بعام جديد وأكثر من سبعة ملايين منهم وجدوا أنفسهم فجأة لاجئين في دول أخرى، بالإضافة إلى 7 ملايين آخرين نزحوا داخل البلاد، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لينضموا إلى قائمة طويلة من اللاجئين الذين شردتهم الحروب والنزاعات؟ منهم أكثر من 13 مليون لاجئ فروا من الحرب المستمرة في سوريا منذ 11 عاما سواء إلى خارج البلاد أو داخل حدودها، أكثر من 3.7 مليون منهم في تركيا ونحو سبعة ملايين في الداخل السوري. نعم قد يكون اللاجئون الأوكرانيون أفضل حظا من اللاجئين من دول أخرى من خارج أوروبا، ولكن اللجوء هو نفسه حتى وإن عاش اللاجئون في القصور.

هل سوف يتغير شيء في العام الجديد بالنسبة لهؤلاء اللاجئين وغيرهم؟ لا يتوقع أحد ذلك، خاصة وأن العدد الإجمالي بلغ - وفقا لتقرير لمنظمة العفو الدولية - نحو 23 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، يحتاج أكثر من مليون منهم إلى إعادة توطين فوري. وإذا علمنا أن 84 في المائة من هؤلاء اللاجئين تستضيفهم الدول النامية، التي تعاني في توفير احتياجات مواطنيها الأساسية، فإن الأمل في تغير أوضاع اللاجئين إلى الأحسن في السنة الجديدة يبدو حلما بعيد المنال.

على المستوى الاقتصادي فإن أوضاع غالبية دول العالم، بما في ذلك الدول الغنية والمتقدمة لا تبشر بالخير في العام الجديد السعيد! فوفقا لتقرير لمجلة الإيكونيميست، فإن السنة التي نودعها (2022) كانت سيئة للجميع تقريبا، إذ أدى التضخم الذي بلغت نسبته 10٪ على أساس سنوي في جميع أنحاء العالم الغني إلى انخفاض دخل الأسرة، وخسر المستثمرون جزءا كبيرا من أموالهم مع هبوط أسواق الأسهم العالمية بنسبة 20 بالمائة. وقد استخدمت المجلة بيانات قامت بتجميعها عن خمسة مؤشرات اقتصادية ومالية، هي: الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، والأداء المالي، وأداء أسواق الأسهم، والدين الحكومي في 34 دولة معظمها غنية لتصل إلى نتيجة تقول إن النمو الاقتصادي سوف يتراجع في العالم وخصوصا في أوروبا، المثقلة بالشيخوخة السكانية السريعة والديون المرتفعة.

في ضوء ما انتهت إليه سنة 2022 يخطئ من يظن أن العام 2023 سيكون عام انفراجة سياسية واقتصادية وصحية في العالم. ويخطئ في نفس الوقت من يستسلم للتشاؤم. ففي كل الأحوال والظروف يجب أن يبقى ضوء ولو خافت في نهاية النفق العالمي المظلم، ضوء يجب أن نتمسك به. ضوء يؤكد أن العالم قد يستفيق، خاصة الدول الغنية، من غرور القوة الغاشمة الذي يدفع بعض الدول إلى زيادة مشكلات وأزمات العالم بدلا من العمل على حلها.

وعلى المستوى العربي فإن الأمل في سنة جديدة رهن باستمرار الدعم غير المشروط للقضية الفلسطينية والفلسطينيين الذين ما زالوا يجاهدون لتأسيس دولتهم المستقلة، ووقف كل أشكال التطبيع مع المحتل الصهيوني إلى أن يرضخ لقرارات المجتمع الدولي، وحلحلة وتصفية الصراعات السياسية والحربية العالقة في سوريا وليبيا واليمن والصومال والسودان، وحل الخلافات الثنائية بين بعض الدول سواء من خلال مبادرات عربية أو من خلال الجامعة العربية، وتقديم المساعدات العاجلة للدول والشعوب العربية التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة دفعت حكوماتها إلى الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية المانحة التي لا ترحم، مما أوصل بعضها إلى شفا الإفلاس المالي. في هذه الحالة قد تكون السنة الجديدة "سنة سعيدة" بالفعل.