شهدت الانتخابات المحلية للمجالس البلدية للفترة الثالثة (2023-2026) إقبالا جيدا بنسبة بلغت حوالي 39.42%، وشهدت بعض المناطق نسبة مشاركة عالية جدا وانخفضت في مناطق أخرى، وهذا يدعونا إلى التساؤل حول الامتناع عن المشاركة في ممارسة الحق الديمقراطي، فالتجربة الديمقراطية ممارسة بالدرجة الأولى. وفي المقابل هناك حالات من التنافس الشديد في بعض المحافظات تجاوزت الخمسين ألف ناخب، يعكس التنافس رغبة الناخبين في تحقيق النتائج المرجوة من المجالس المنتخبة.

وبصرف النظر عن الإعلان عن النتائج النهائية، إلا أن التصويت يعد بحد ذاته منجزا عمانيا يتوجب التوقف عنده، فلأول مرة يُفعّل التصويت الإلكتروني (بالكامل) في سلطنة عمان، ليجسد التنفيذ العملي لرؤية عُمان (2020-2040)، وتمكُن الجهات الحكومية والخاصة من استخدام التقنية الرقمية وتفعيلها على أرض الواقع، بمعنى أن الحكومة الإلكترونية أدارت حدثا من أهم الأحداث الوطنية على الساحة المحلية وهو ما يدعو إلى الافتخار والاعتزاز بما تحقق، إذ تُعد تجربة عمانية خالصة يمكن الاطلاع عليها والاستفادة منها محليا وإقليميا، فتصويت الناخب عبر هاتفه النقال وفي مكان إقامته وموقع عمله يُعد إنجازا بحد ذاته نظرا للتنوع الجغرافي في السلطنة، فالجبال الشاهقة والأودية السحيقة والسهول والصحاري الشاسعة تمثل تحديا لتشغيل وإرسال وسائل التقنية الحديثة، ولكن بجهود المخلصين وتفاني العاملين مضت عملية الانتخاب بسهولة ويسر، وما كان سيتحقق ذلك لولا وجود بُنى أساسية متينة لشبكات الطاقة والاتصالات المحلية، وكوادر وطنية تشرف على نجاح عملية الانتخابات والتصويت عن بعد، وتحميها من الاختراقات والتهكير.

إن نجاح التجربة الأولى من التصويت عبر تطبيق (أنتخب)، تحفزنا على طرح الأسئلة التي أشرنا إليها في المقدمة، فما هي الأسباب التي منعت الناخبين من تجاوز 50% من المشاركة؟ هل يمكن تسمية ذلك بالعزوف عن الترشيح؟ فالممتنع عن التصويت امتنع عن ممارسة حقه الديمقراطي في ترشيح من يثق به وببرنامجه، ولكن في المقابل ربما لم يقتنع الناخب بعملية ترشح الأعضاء خاصة وأن الترشيح في بعض المناطق يتم أحيانا بتوافقات قبلية تحسم مسبقا اسم الفائز دون النظر في مؤهلاته وقدراته، وهذا يتطلب من اللجنة الرئيسة للانتخابات في الدورات القادمة اشتراط البرنامج الانتخابي لأي مترشح للمجالس البلدية أو مجلس الشورى. حتى يستطيع الناخب معرفة صياغة البرامج ورفع المقترحات والمطالب بصورة عملية وعلمية. وعلى رأسها تطوير قانون المجالس البلدية ومنح العضو صلاحيات تمكنه من القيام بدوره الوطني في النهوض بالمجتمع وتقدمه، فالتطور لا يقاس بالمادة وإنما بالوعي الذي يتشكل ويتكون لدى الفرد.

إن تواجد امرأة واحدة فقط من بين 126 عضوا في المجالس البلدية، يدعونا إلى التساؤل عن تغليب المجتمع كفة الرجل مقابل المرأة في الانتخابات المحلية على الرغم من ترشح 27 امرأة، في ظل وجود نخب نسائية متمكنة وقادرة على العطاء في كافة الميادين وخاصة في المجالات ذات الصلة بالأمومة والطفولة والشباب، فالمرأة شريك رئيس وعنصر فاعل في تنمية وتطوير المجتمع وحضورها ضروري في زمن يتطلب العناية بالمجتمع ورعاية أفراده وخاصة فئات الطفولة والكهولة. لذلك لا بد من إيجاد نظام تمثيل للمرأة في المجالس البلدية والشورى أو ما يعرف بـ (الكوتا) للحد من تهميش المرأة وإقصائها عن المجالس المنتخبة.

يحتاج المجتمع إلى إجراء مراجعات ونقد ذاتي يواكب العصر ويتوافق مع المحيط وتطوره. وأول عمليات المراجعة تبدأ من تجسيد المواطنة على أرض الواقع، إذ إن المواطنة في الأساس هي المشاركة في صنع القرار الوطني بواسطة الانتخابات والدفع بالنخب الواعية من الجنسين والمختصة في المجالات القانونية والهندسة المدنية وإشراكهم في المجالس المنتخبة، خاصة أن العمل البلدي يتطلب المعرفة بالقوانين والتشريعات والعلوم الهندسية المتعلقة بتخطيط المدن والبيئة.

نبارك لجميع الأعضاء المنتخبين ونطالبهم بتحمل مسؤولياتهم الوطنية تجاه الوطن والمجتمع والضمير. وبناء مرحلة من العمل البلدي تضاف للفترات الماضية، وانتزاع المزيد من الصلاحيات للأعضاء في الفترة القادمة المقبلة على اللامركزية واستقلال المحافظات إداريا وماليا.