ارتفع العلم الفلسطيني في المونديال العالمي المقام حاليا في قطر، فعند انتصار الفرق العربية ترفرف راية فلسطين ليتعرف المشاهدون في أنحاء العالم على القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، وبما أن المنتخب المغربي الفريق الأكثر فوزا فقد رفع اللاعبون المغاربة علم فلسطين في أكثر من مناسبة، وقد علّق أحد نشطاء التواصل الاجتماعي "يرفعون علم فلسطين ولم يسقط لهم شهيد على الأراضي العربية المحتلة"، استفزتني العبارة فتذكرت الأختين المغربيتين نادية وريتا برادلي (والدهما البشير أحمد الشياظمي، لُقّب ببرادلي لإعجابه بالقائد العسكري الأمريكي في الحرب العالمية الثانية عُمر برادلي ).

اعتقلتا الأختين برادلي في تل أبيب وكانتا في طريقهما لتنفيذ عملية فدائية في الداخل الفلسطيني في أبريل 1971. تحدثت ريتا عن العملية خلال مقابلتها مع الإعلامي سامي كليب مقدم برنامج زيارة خاصة في قناة الجزيرة، لنتعرف على قصة الأختين وارتباطهما بالقضية الفلسطينية بعد تعرف ليلى برادلي على المسرحي والمناضل الجزائري محمد بودية ( 1932-1973) أحد أهم المناضلين في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أوروبا، وقد اغتالته إسرائيل في باريس بتفجير سيارته في يونيو 1973. وكانت القضية الفلسطينية ولا تزال تستقطب أعدادا من المناضلين من أنحاء العالم بصرف النظر عن الانتماء القومي والعقائدي. فالقضية العادلة والنبيلة تجذب الأرواح التواقة لإحقاق الحقوق وتحقيق العدالة.

أثناء التفكير في موضوع العبارة المستفزة ذكر لي الكاتب مسعود أحمد بيت سعيد، اسم الكاتب والمناضل المغربي محمد لومة (1947)، المُلتحق بالثورة الفلسطينية منذ 1968 بعد تخرجه من الكلية الحربية السورية كمهندس عسكري، وقد كتب لومه العديد من المؤلفات عن الثورة الفلسطينية أهمها كتابه (حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش) وكتاب (جورج حبش في معسكر الخصم) الذي وثق فيه بالأسماء والصور بعض الشهداء المغاربة في سبيل القضية الفلسطينية منهم (الحسين الطنجاوي، عبدالرحمن امزغار، النمري الركراكي، مصطفى قزيبر، عبدالقادر بوناجي، نادية برادلي - حقنتها السلطات الإسرائيلية بمواد مسرطنة أثناء سجنها والتحقيق معها توفيت بمرض السرطان بعد الإفراج عنها-، حسن بن الطيب، محمد السافيني).

نشر محمد لومة في كتابه صور الشهداء المغاربة الذين أعدموا في المغرب بين عامي 1973-1974، منهم ( محمد بلحاج علي " أسكور"، لحسن تاغجيجت "بوزيان"، محمد الصابري، عبدالله بن محمد" بيهي، حسن الناصري، مبارك بارو عبدالقادر الباعمراني، بوشعكوك " العثماني). ويذكر لومة الفدائيين المغاربة الذين التحقوا بالعمل النضالي في فلسطين بين عامي 1968 و2000، كما وعد بنشر كتاب آخر عن مساهمة الجيش المغربي في حرب أكتوبر 1973.

أسهم المؤلف محمد لومة في ترميم الذاكرة النضالية بذكره لأسماء الشهداء والمناضلين المغاربة الذين كانوا في طريقهم نحو النسيان والجحود، وأنقذ رفاقه من التجاهل والتناسي وحفظ لهم أدوارهم في سجل الشرف والذود عن فلسطين التي تجمع أحرار العالم وشرفاء المواقف وأنقياء الضمائر.

إذا لم يحقق المنتخب الكروي المغربي إلا تعريفنا بالنضال المغربي لأجل فلسطين لقلنا كفى، ولكن الفريق المغربي فعل الأفعال الرافعة للهمم نحو القمم، ووحد المشاعر وأيقظ الأحاسيس التي اعتقد البعض أنه تم القضاء عليها بالتطبيع والتطبع على التنكر للحق الفلسطيني، فالإنجاز الكروي المغربي في بلوغ الأدوار قبل النهائية لكأس العالم، حقق تضامن شعبي عربي منقطع النظير بمختلف الفئات العمرية ومن الجنسين، وهذا أيضا ما تسعى الرياضة إلى تحقيقه عبر الألعاب والبطولات الكبرى.

نتمنى التوفيق للمنتخب المغربي في مقابلاته القادمة، وتجسيده لمقولة لا مستحيل تحت الشمس، فالمغاربة حققوا الانتصار التاريخي ببلوغ الأدوار النهائية في مونديال قطر، وأدخلوا الفرح والبهجة إلى قلوب ملايين العرب في كل مكان. كما حملوا معهم وعبرهم فلسطين وقضيتها.