ترجمة أحمد شافعي -
أريحا ـ الضفة الغربية: ثمة عرضان دراميان يجريان اليوم على ضفتي نهر الأردن، وهما يمثلان أكبر قوتين تصوغان السياسة في إسرائيل وحولها. ولو أنكم حدَّدتم لي أيا منهما التي ستكون لها الهيمنة، سأحدد لكم كيف سيكون شكل العلاقات بين اليهود والعرب.
إحدى اتين القوتين تتمثل في منطق القبلية. وقد تجلى هذا المنطق بحدة في حكومة إسرائيل المتطرفة وطنيا ودينيا والمنتخبة حديثا، والتي وصلت إلى سدة الحكم من جراء تصاعد المصادمات بين فلسطينيي الضفة الغربية والإسرائيليين بعامة وتصاعد النشاط من عرب إسرائيل ضد عرب إسرائيل واليهود بصفة خاصة. وذلك كله دافعه الشعار القبلي "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وأخي وابن عمي على الغريب".
الزعيم الإسرائيلي لهذه الحكومة الائتلافية هو بنيامين نتانياهو، وقد فاز في الانتخابات بحملة ركزت على نشر الخوف من الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، ورفض مشاركتهم في الحكم. وكانت رسالة نتانياهو الأساسية للإسرائيليين اليهود هي: لن يحميكم من الآخر أحد غيري.
ولكن في حين كانت وقائع تلك الانتخابات تتكشف، كان منطق آخر جاريا: وذلك هو منطق الطبيعة الذي يقضي عند تغير المناخ، مثلما يحدث الآن، ألا ينجو من الناس أقواهم أو أذكاهم، وإنما أقدرهم على التكيف. وأكثر الأنظمة البيئية تكيفا هو في العادة أكثرها تنوعا، وثراء بالأنواع التي تطرح طرقا مختلفة للتكيف. فهي تزدهر لأنها قادرة على صياغة حالة صحية من الاعتماد المتبادل بين مختلف النباتات والحيوانات، فتعظِّم في ثنايا ذلك من قوة مرونتها ونموها.
وشعار هذه الأنظمة البيئية هو "أنا وأخي وابن عمي والغريب نتعاون جميعا بشكل طبيعي فننهض معا، بدلا من أن نسقط معا".
وقد تمثَّل نموذج هذا الضرب من التفكير في التحالف البيئي الضمني الذي شكلته حكومة الوحدة الوطنية السابقة في إسرائيل ـ بقيادة يائير لابيد ونفتالي بينيت ـ بالتعاون مع زعامات من الأردن وفلسطين والإمارات العربية المتحدة.
من المؤكد، أن حكومة إسرائيل السابقة كانت متفانية في تفكير المقاومة أينما لزم، من قبيل ردع الهجمات الإيرانية والفلسطينية على الإسرائيليين. لكنها أيضا انخرطت في شيء من التفكير شديد المرونة والإبداع، قام على هذا المنطق: سوف يجهز التغير المناخي والجفاف علينا جميعا قبل وقت طويل من قتل بعضنا بعضا، ما لم ننتج موارد مياه أكثر استدامة. ويتحتم أن تكون بداية هذا هي إعادة نهر الأردن إلى الحياة التي كانت غذاء لآلاف السنين.
وذلك يقتضي اليوم أشكالا غير مسبوقة من التعاون بين اليهود والعرب.
لقد جئت هنا إلى أدنى بقعة على وجه الأرض، حيث تلتقي مدينة أريحا القديمة، ونهر الأردن، والبحر الميت، لإبراز هذا التحالف المناخي الطبيعي الناشئ. وكان دليل رحلتي هو جدعون برومبرج، الشريك المؤسس لإيكوبيس ميدل إيست [EcoPeace Middle East شرق أوسط السلام والبيئة]، وهي منظمة بيئية إقليمية أعضاؤها أردنيون وفلسطينيون وإسرائيليون يسعون جاهدين للحفاظ على إحدى أشد مناطق العالم معاناة من الإجهاد المائي.
بدأ برومبرج بإيضاح أمرين مدهشين يرتبط أحدهما بالآخر. لقد كانت تسيطر على منطقة وادي الأردن هذه مزارع ينمو فيها نطاق عريض من الثمار والخضراوات. ولكن أغلب هذه الأرض مغطاة اليوم للأسف بنخيل التمر.
ثانيا، كان منعطف نهر الأردن الذي وقفنا عنده ـ وهو الموضع الذي يرد في التراث أن يوحنا المعمدان عمَّد فيه يسوع ـ يبلغ من الاتساع قرابة مئة متر، وكان متسارع التيار. واليوم، يبلغ عرضه ما بين خمسة أمتار وعشرة، ولا يتسارع فيه التيار ولذلك أمكننا أن نشاهد الحجيج المسيحيين يقفون بارتياح في عرض النهر ليعمدهم قسيسهم.
والعلاقة؟ أصبحت درجة الحرارة الآن مرتفعة هنا لفترة أطول كل عام (بلغت قرابة 115 فهرنهايت في أغسطس الماضي) فلم يعد بالإمكان أن يوثق في زرع أي محصول هنا غير نخيل التمر. وحتى هذا لا يتسنى إلا بتوافر الكثير من المياه، وهذا ما بات مهددا اليوم.
دون سلامة نهر الأردن، حتى نخيل التمر لن يقوى على البقاء هنا. وقد نقل موقع (ميدل إيست آي) أخيرا عن مزارع أردني قوله عن حال موسم الزراعة "إننا كنا نبدأ الزراعة في يوليو، لكننا الآن نبدأ في سبتمبر أو حتى أكتوبر" لأن درجة الحرارة في شهور الصيف أصبحت أعلى كثيرا. "ولكن البرودة الشديدة تحل بسرعة كبيرة"، وهي أسرع في بعض الأحيان من أن تحتملها الخضراوات.
كيف يمكن الحصول على مزيد من المياه؟ كانت الطريقة القديمة هي المقاومة والتفكير الصفري "حيث يستحوذ كل طرف على الماء لما يراه احتياجاته الأمنية المشروعة" حسبما أوضح برومبرج. ففي ستينيات القرن العشرين، حددت إسرائيل تدفق نهر الأردن من بحيرة طبريا بحيث يتسنى لها أن توجه مزيدا من المياه عبر ناقل مياه وطني إلى تل أبيب الظمأى وإلى النقب لتنمية الصحراء. وخنقت سوريا رافدها إلى نهر الأردن وهو نهر اليرموك، وحددت الأردن ما بقي من نصيبها من نهر اليرموك وغيره من الروافد التي تغذي النهر من أراضيها.
فتحول نهر الأدرن بعد عظمته الغابرة إلى جدول مائي، أنهكته موجات الجفاف العارضة، بما أفضى إلى جفاف مساحة شاسعة من البحر الميت. والأدهى أنهم جعلوا من نهر الأردن مكبا للنفايات البشرية.
الخبر الجيد هو أن إسرائيل والأردن أدركتا أن في هذا تدمير ذاتي فاتفقتا ضمن اتفاقية السلام بينهما سنة 1994 على أن تفتح إسرائيل صنبور بحيرة طبرية وتعطي الأردن نصيبا أكبر من مياه النهر. ولكن نهر الأردن لم يستطع أن يواكب ذلك. فمع ارتفاع درجة حرارة المناخ وازدياد جفاف الوادي ومحاولة 700 ألف أردني و30 ألف إسرائيلي و60 ألف فسطيني أن يعيشوا من الزراعة هناك، بات التوصل إلى حل أكثر استدامة أمرا لازما.
في أكتوبر 2021، كتبت عن الخطوط العامة لما رجوت أن يصبح نوعا جديدا من معاهدات السلام بين العرب والإسرائيليين ـ وهي معاهدة تعزز قوة المرونة لدى الأطراف جميعا بدلا من أن تنهي المقاومة بينها وحسب.
وقعت كل من الأردن وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة بالأحرف الأولى في مؤتمر بدبي بمساعدة من مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري. وفي الشهر الماضي، في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، خطت تلك البلاد خطوة أبعد إذ وقعت مذكرة جديدة لإكمال دراسة جدوى هذا التعاون الفريد.
تطالب مسودة الاتفاقية الإمارات العربية المتحدة بتوفير رأس مال استثماري من شأنه أن يمكّن الأردن من بناء محطة طاقة شمسية بقوة 600 ميجاواط في صحرائها الشاسعة لإنتاج طاقة نظيفة يمكن أن تستفيد منها إسرائيل في توسيع محطات تحلية مياه البحر الساحلية (التي ستوفر عما قريب 90% من مياه إسرائيل العذبة) وتضخ بعضا من هذه المياه المحلاة في بحيرة طبرية ومنها إلى نهر الأردن الموسع والمطهر على النحو اللائق بحيث يتسنى له أن يكون مرة أخرى ناقل المياه الإقليمي الذي صممته الطبيعة لكي يكونه.
لو أن بوسع الرئيس بايدن أن يساعد في رعاية هذا المفهوم حتى يؤتي ثماره، فقد تكون تلك مساهمة الولايات المتحدة الكبرى في سلام الشرق الأوسط منذ كامب ديفيد. ذلك أن دراسة لـ(إكوبيس) تذهب إلى أن إعادة تأهيل نهر الأردن ووادي الأردن يمكن أن يحقق بمرور الزمن دفعة بمليارات الدولارات لإجمالي الناتج الوطني الجماعي لإسرائيل والفلسطينين والأردنيين المقيمين هناك، أرتفاعا من الرقم الحالي البالغ أربعة مليارات دولارا سنويا.
وبعبارة واضحة، مع عمليات السلام القديمة الميتة بقدر البحر الميت نفسه، نحن بحاجة إلى أمل في أن المصلحة الذاتية المباشرة في مواجهة التحديات الطبيعية قد تدفع إلى تعاون هائل حول الطاقة والمياه النظيفتين.
ويروق لي التشبيه الذي عبر عنه برومبرج، إذ قال إن الاتحاد الأوربي تكون بعد الحرب العالمية الثانية "لتسخير أهم موردين طبيعيين في أوربا آنذاك، وهما الفحم والصلب، من أجل تحقيق السلام والرخاء". وحقيقة الأمر أن الاتحاد عندما تأسس كان يطلق عليه "الجمعية الأوربية للفحم والصلب".
تساءل برومبرج "ما الذي يساوي الفحم والصلب في يومنا هذا؟ البحر والشمس والرمل".
نحن بحاجة إلى مساعدة الأطراف هنا على تحويل هذه العناصر الثلاثة إلى اعتماد متبادل صحي ينتج عنه ثانويا لا المياه النظيفة القادرة على تغذية الزراعة وحسب، وإنما أيضا الثقة التي يمكن أن تنعكس على السياسة لديهم.
• توماس فريدمان كاتب مقال رأي في الشأن الدولي في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب "الطريق من بيروت إلى القدس".
** "خدمة نيويورك تايمز" ترجمة خاصة بجريدة عمان
أريحا ـ الضفة الغربية: ثمة عرضان دراميان يجريان اليوم على ضفتي نهر الأردن، وهما يمثلان أكبر قوتين تصوغان السياسة في إسرائيل وحولها. ولو أنكم حدَّدتم لي أيا منهما التي ستكون لها الهيمنة، سأحدد لكم كيف سيكون شكل العلاقات بين اليهود والعرب.
إحدى اتين القوتين تتمثل في منطق القبلية. وقد تجلى هذا المنطق بحدة في حكومة إسرائيل المتطرفة وطنيا ودينيا والمنتخبة حديثا، والتي وصلت إلى سدة الحكم من جراء تصاعد المصادمات بين فلسطينيي الضفة الغربية والإسرائيليين بعامة وتصاعد النشاط من عرب إسرائيل ضد عرب إسرائيل واليهود بصفة خاصة. وذلك كله دافعه الشعار القبلي "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وأخي وابن عمي على الغريب".
الزعيم الإسرائيلي لهذه الحكومة الائتلافية هو بنيامين نتانياهو، وقد فاز في الانتخابات بحملة ركزت على نشر الخوف من الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، ورفض مشاركتهم في الحكم. وكانت رسالة نتانياهو الأساسية للإسرائيليين اليهود هي: لن يحميكم من الآخر أحد غيري.
ولكن في حين كانت وقائع تلك الانتخابات تتكشف، كان منطق آخر جاريا: وذلك هو منطق الطبيعة الذي يقضي عند تغير المناخ، مثلما يحدث الآن، ألا ينجو من الناس أقواهم أو أذكاهم، وإنما أقدرهم على التكيف. وأكثر الأنظمة البيئية تكيفا هو في العادة أكثرها تنوعا، وثراء بالأنواع التي تطرح طرقا مختلفة للتكيف. فهي تزدهر لأنها قادرة على صياغة حالة صحية من الاعتماد المتبادل بين مختلف النباتات والحيوانات، فتعظِّم في ثنايا ذلك من قوة مرونتها ونموها.
وشعار هذه الأنظمة البيئية هو "أنا وأخي وابن عمي والغريب نتعاون جميعا بشكل طبيعي فننهض معا، بدلا من أن نسقط معا".
وقد تمثَّل نموذج هذا الضرب من التفكير في التحالف البيئي الضمني الذي شكلته حكومة الوحدة الوطنية السابقة في إسرائيل ـ بقيادة يائير لابيد ونفتالي بينيت ـ بالتعاون مع زعامات من الأردن وفلسطين والإمارات العربية المتحدة.
من المؤكد، أن حكومة إسرائيل السابقة كانت متفانية في تفكير المقاومة أينما لزم، من قبيل ردع الهجمات الإيرانية والفلسطينية على الإسرائيليين. لكنها أيضا انخرطت في شيء من التفكير شديد المرونة والإبداع، قام على هذا المنطق: سوف يجهز التغير المناخي والجفاف علينا جميعا قبل وقت طويل من قتل بعضنا بعضا، ما لم ننتج موارد مياه أكثر استدامة. ويتحتم أن تكون بداية هذا هي إعادة نهر الأردن إلى الحياة التي كانت غذاء لآلاف السنين.
وذلك يقتضي اليوم أشكالا غير مسبوقة من التعاون بين اليهود والعرب.
لقد جئت هنا إلى أدنى بقعة على وجه الأرض، حيث تلتقي مدينة أريحا القديمة، ونهر الأردن، والبحر الميت، لإبراز هذا التحالف المناخي الطبيعي الناشئ. وكان دليل رحلتي هو جدعون برومبرج، الشريك المؤسس لإيكوبيس ميدل إيست [EcoPeace Middle East شرق أوسط السلام والبيئة]، وهي منظمة بيئية إقليمية أعضاؤها أردنيون وفلسطينيون وإسرائيليون يسعون جاهدين للحفاظ على إحدى أشد مناطق العالم معاناة من الإجهاد المائي.
بدأ برومبرج بإيضاح أمرين مدهشين يرتبط أحدهما بالآخر. لقد كانت تسيطر على منطقة وادي الأردن هذه مزارع ينمو فيها نطاق عريض من الثمار والخضراوات. ولكن أغلب هذه الأرض مغطاة اليوم للأسف بنخيل التمر.
ثانيا، كان منعطف نهر الأردن الذي وقفنا عنده ـ وهو الموضع الذي يرد في التراث أن يوحنا المعمدان عمَّد فيه يسوع ـ يبلغ من الاتساع قرابة مئة متر، وكان متسارع التيار. واليوم، يبلغ عرضه ما بين خمسة أمتار وعشرة، ولا يتسارع فيه التيار ولذلك أمكننا أن نشاهد الحجيج المسيحيين يقفون بارتياح في عرض النهر ليعمدهم قسيسهم.
والعلاقة؟ أصبحت درجة الحرارة الآن مرتفعة هنا لفترة أطول كل عام (بلغت قرابة 115 فهرنهايت في أغسطس الماضي) فلم يعد بالإمكان أن يوثق في زرع أي محصول هنا غير نخيل التمر. وحتى هذا لا يتسنى إلا بتوافر الكثير من المياه، وهذا ما بات مهددا اليوم.
دون سلامة نهر الأردن، حتى نخيل التمر لن يقوى على البقاء هنا. وقد نقل موقع (ميدل إيست آي) أخيرا عن مزارع أردني قوله عن حال موسم الزراعة "إننا كنا نبدأ الزراعة في يوليو، لكننا الآن نبدأ في سبتمبر أو حتى أكتوبر" لأن درجة الحرارة في شهور الصيف أصبحت أعلى كثيرا. "ولكن البرودة الشديدة تحل بسرعة كبيرة"، وهي أسرع في بعض الأحيان من أن تحتملها الخضراوات.
كيف يمكن الحصول على مزيد من المياه؟ كانت الطريقة القديمة هي المقاومة والتفكير الصفري "حيث يستحوذ كل طرف على الماء لما يراه احتياجاته الأمنية المشروعة" حسبما أوضح برومبرج. ففي ستينيات القرن العشرين، حددت إسرائيل تدفق نهر الأردن من بحيرة طبريا بحيث يتسنى لها أن توجه مزيدا من المياه عبر ناقل مياه وطني إلى تل أبيب الظمأى وإلى النقب لتنمية الصحراء. وخنقت سوريا رافدها إلى نهر الأردن وهو نهر اليرموك، وحددت الأردن ما بقي من نصيبها من نهر اليرموك وغيره من الروافد التي تغذي النهر من أراضيها.
فتحول نهر الأدرن بعد عظمته الغابرة إلى جدول مائي، أنهكته موجات الجفاف العارضة، بما أفضى إلى جفاف مساحة شاسعة من البحر الميت. والأدهى أنهم جعلوا من نهر الأردن مكبا للنفايات البشرية.
الخبر الجيد هو أن إسرائيل والأردن أدركتا أن في هذا تدمير ذاتي فاتفقتا ضمن اتفاقية السلام بينهما سنة 1994 على أن تفتح إسرائيل صنبور بحيرة طبرية وتعطي الأردن نصيبا أكبر من مياه النهر. ولكن نهر الأردن لم يستطع أن يواكب ذلك. فمع ارتفاع درجة حرارة المناخ وازدياد جفاف الوادي ومحاولة 700 ألف أردني و30 ألف إسرائيلي و60 ألف فسطيني أن يعيشوا من الزراعة هناك، بات التوصل إلى حل أكثر استدامة أمرا لازما.
في أكتوبر 2021، كتبت عن الخطوط العامة لما رجوت أن يصبح نوعا جديدا من معاهدات السلام بين العرب والإسرائيليين ـ وهي معاهدة تعزز قوة المرونة لدى الأطراف جميعا بدلا من أن تنهي المقاومة بينها وحسب.
وقعت كل من الأردن وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة بالأحرف الأولى في مؤتمر بدبي بمساعدة من مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري. وفي الشهر الماضي، في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، خطت تلك البلاد خطوة أبعد إذ وقعت مذكرة جديدة لإكمال دراسة جدوى هذا التعاون الفريد.
تطالب مسودة الاتفاقية الإمارات العربية المتحدة بتوفير رأس مال استثماري من شأنه أن يمكّن الأردن من بناء محطة طاقة شمسية بقوة 600 ميجاواط في صحرائها الشاسعة لإنتاج طاقة نظيفة يمكن أن تستفيد منها إسرائيل في توسيع محطات تحلية مياه البحر الساحلية (التي ستوفر عما قريب 90% من مياه إسرائيل العذبة) وتضخ بعضا من هذه المياه المحلاة في بحيرة طبرية ومنها إلى نهر الأردن الموسع والمطهر على النحو اللائق بحيث يتسنى له أن يكون مرة أخرى ناقل المياه الإقليمي الذي صممته الطبيعة لكي يكونه.
لو أن بوسع الرئيس بايدن أن يساعد في رعاية هذا المفهوم حتى يؤتي ثماره، فقد تكون تلك مساهمة الولايات المتحدة الكبرى في سلام الشرق الأوسط منذ كامب ديفيد. ذلك أن دراسة لـ(إكوبيس) تذهب إلى أن إعادة تأهيل نهر الأردن ووادي الأردن يمكن أن يحقق بمرور الزمن دفعة بمليارات الدولارات لإجمالي الناتج الوطني الجماعي لإسرائيل والفلسطينين والأردنيين المقيمين هناك، أرتفاعا من الرقم الحالي البالغ أربعة مليارات دولارا سنويا.
وبعبارة واضحة، مع عمليات السلام القديمة الميتة بقدر البحر الميت نفسه، نحن بحاجة إلى أمل في أن المصلحة الذاتية المباشرة في مواجهة التحديات الطبيعية قد تدفع إلى تعاون هائل حول الطاقة والمياه النظيفتين.
ويروق لي التشبيه الذي عبر عنه برومبرج، إذ قال إن الاتحاد الأوربي تكون بعد الحرب العالمية الثانية "لتسخير أهم موردين طبيعيين في أوربا آنذاك، وهما الفحم والصلب، من أجل تحقيق السلام والرخاء". وحقيقة الأمر أن الاتحاد عندما تأسس كان يطلق عليه "الجمعية الأوربية للفحم والصلب".
تساءل برومبرج "ما الذي يساوي الفحم والصلب في يومنا هذا؟ البحر والشمس والرمل".
نحن بحاجة إلى مساعدة الأطراف هنا على تحويل هذه العناصر الثلاثة إلى اعتماد متبادل صحي ينتج عنه ثانويا لا المياه النظيفة القادرة على تغذية الزراعة وحسب، وإنما أيضا الثقة التي يمكن أن تنعكس على السياسة لديهم.
• توماس فريدمان كاتب مقال رأي في الشأن الدولي في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب "الطريق من بيروت إلى القدس".
** "خدمة نيويورك تايمز" ترجمة خاصة بجريدة عمان