جاء في كتاب الله تعالى، في ذكر عرض الجنة قوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» وقال سبحانه: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» هل عرض الجنة يشمل السموات والأرض أم السماء والأرض؟

ينبغي لنا أن نفهم معنى العرض هنا، هل العرض هو ما يقابل الطول، هذا قول طائفة من المفسرين من علماء السلف، رأوا أن العرض يقصد به ما يقابل الطول، وخص العرض بالذكر بأنه إن كان العرض بهذا الاتساع فإن الطول في العادة أوسع من العرض، ولا يذكر الطول، إذ قد يكون الموصوف طويلا لكنه غير ذي عرض فيكون ضيقا، فلذلك يخص العرض بالذكر، هذا هو القول الأول مما يفهمه الناس بمعنى العرض الذي يقابل الطول.

وقيل إن العرض يقصد به السعة أي الاتساع، كما في قوله تبارك وتعالى: «فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ» أي واسع، وهذا لا يبتعد عن القول الأول، فإن أصحاب القول الأول عند التحقيق إنما فسروا المعنى اللغوي بأول ما يتبادر من معاني هذه الكلمة إلى الأذهان، لكنهم عبروا عن الاتساع وعن السعة في السياق نفسه، وهناك أقوال أخرى هي أقل شأنا من هذين القولين، فقد ذكر الرماني وهو من أوائل المفسرين أن العرض يقصد به العوض يقال بيع الثوب بعرض، أي بثمن، أي عرض فكان العوض عرضا، ونحن نستعمل اليوم هذا الاستعمال فيقال: بكم عرضت السلعة، أو كم العرض الأول للسلعة، بمعنى البدل أو العوض أو الثمن، لكن المعنى يدور حول الاتساع، إذن وصفت هذه الجنة التي أعدت للمتقين وأعدت للذين آمنوا بالله ورسله، وصفت بسعة الاتساع، لكن هذا مما لا تعلمه البديهة بداية فشبه هذا بما هو معلوم بداهة عند الناس مما يشاهدونه ويدركون بعض معانيه وهو السماوات والأرض، ففي آل عمران أسقط حرف التشبيه ولكنه متضمن في السياق بدلالة آية الحديد «كعرض السماء والأرض» ففي الموضعين هنالك تشبيه يفيد معنى تقريب سعة الجنة، فهي من السعة بحيث يمكن للأذهان أن تتصورها بمشاهدة السماوات والأرض، ولا يعني بحال من الأحوال المطابقة أو المماثلة، وإنما هو التشبيه لتقريب المعنى بما تفهمه العقول وتتصوره وتدرك ولو بعض معالمه ومشاهده وهو عرض السماوات والأرض، وعلى هذا فتحمل كلمة السماء في آية الحديد، على معنى جنس السماوات والأرض، وهذا هو الأقرب، أن المقصود بها ما هو معهود من السماء الموصوفة، وهناك ذكرت السماوات والمقصود بها ما هو معهود في الأذهان في خطاب الله تبارك وتعالى لبني البشر بالسماوات السبع، فإما أن اللفظ يدل على جنس السماء، أو أنه يدل على السماوات السبع والمؤدى واحد.

ومن المعاصرين وهو الدكتور فاضل صالح السامرائي رأى أن هذا الوصف (السماء) في آية الحديد التفت إلى المعنى اللغوي لها وهو كل ما علاك، وهذا يدل على أن المشبه به أوسع؛ لأنه لا يحصر في السماوات السبع فقط أو جنس السماء المعهودة وإنما يصدق على كل ما علاك فلما كان المشبه به أوسع في هذه الآية من آية آل عمران أتى بحرف التشبيه لتأكيد المعنى أنه للتشبيه لا للمثالة والمطابقة، أما في آل عمران فإن السماوات تتجه إلى السماوات المعهودة والمعلومة لدى المخاطبين، ولذلك ما أحتاج إلى ذكر أداة التشبيه وإنما هي متضمنة مفهومة من السياق، والتفت إلى معنى آخر وهو أن هذا الوعد المذكور في آل عمران ذيل بقوله تعالى «أعدت للمتقين» فهذا ذكر لخصوص أوصافهم وجاءت أوصافهم من بعد، بينما في الحديد قال: «أعدت للذين آمنوا بالله ورسله» فهذا الوصف هو الوصف العام الذي يشملهم جميعا، لكن هذا المعنى يمكن أن يكدر عليه أن الموعودين في الموضعين واحد، فهم الذين آمنوا بالله ورسله واتسموا بالتقوى، اللهم إلا أن يقال من باب التحبيب ولذلك صدرت في الحديد بـقوله (سابقوا) وفي آل عمران (سارعوا)، والله تعالى أعلم.

حضرت دورة تدبر للقرآن الكريم لإحدى المدربات العمانيات، فكان مما أثير، تساؤل هل نار جهنم حقيقة أم رمزية، فردت المدربة بأن في الموضوع خلافا بين المفسرين، وأنها ستعرض آراء الفريقين، ثم للمتدربين أن يختاروا الرأي الأقرب إليهم، نرجو بيان هذا الأمر لأهميته القصوى في عقيدة المسلم وحتى لا تظهر أقوال شاذة في عقيدتنا.

إن كان المنقول في هذا السؤال مطابقا للواقع أي أن هناك من يزعم أن عذاب جهنم وأن النار التي أعدها الله تبارك وتعالى للكافرين، هي أمر رمزي لا حقيقة له، ويزعم أن في المسألة خلافا عند المفسرين من أهل الإسلام فهذا من الخيالات والوهم، بل هذا من الزيغ والضلال، ولا يمكن أن يقول بهذا مسلم لأن نصوص كتاب الله تبارك وتعالى ناطقة بحقيقة عذاب جهنم وأنه حقيقة موصوفة بما يشتمل عليه هذا العذاب من صنوف التعذيب ومما يجده من كان في نار جهنم عياذا بالله، فالله تبارك وتعالى يقول: «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»، ويخاطب المؤمنين أيضا فيقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»، ويقول تعالى في سورة الحج: «هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسهم الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ» ويقول تعالى: «وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ» وقال في الغاشية: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ» إلى آخر النصوص قطعية الدلالة من آيات كتاب الله العزيز الدالة على حقيقة جهنم وعلى حقيقة العذاب وليس في شيء من كلمات هذه الآيات التي تصف عذاب جهنم وتكشف حقيقة النار وتتوعد العصاة والكافرين وتبين مآلهم في الآخرة، ليس فيها كلمة غريبة تحتاج إلى تأويل أو توضيح، ولذلك لم يظهر في تاريخ الإسلام من ادعى مثل هذه الدعوى فهذا من أقوال الزنادقة عياذا بالله، ومن أقوال الملاحدة، أما أن ينسب إلى أهل الإسلام، فأهل الإسلام منه براء، ولم أطلع حتى عند غلاة الباطنية مما نقله أهل التفسير على مثل هذا القول حتى ولو كان منسوبا إلى شيء من الفرق الباطنية المغالية، فيجب الحذر من مثل هذه المزاعم والشبهات وهذه القضية كما ذكرت السائلة قضية تتعلق بالعقيدة، والإيمان باليوم الآخر ولا يجوز التشويش على المسلمين ولا التدليس عليهم، ويجب الحذر من هذه المزاعم والأقوال المشبوهة، بل يجب ردها والتعامل معها بحذر، لكن هذا كله إنما في حالة أن يثبت ما ورد في هذا السؤال، وقصدي بهذا أن تكون السائلة قد تحققت مما قالته المحاضرة، أو أن يكون اختلط السمع على هذه السامعة، أو أن تكون المسؤولة لم تعرف السؤال جيدا فظنت أن السؤال يتعلق بوجود الجنة والنار الآن، نعم هذه المسألة فيها خلاف وأقوال عند المفسرين، هل الجنة معدة الآن وموجودة الآن في ملكوت الله تبارك وتعالى القائم؟ وهل النار وعذاب جهنم هي قائمة موجودة لها حقيقة الآن أم إنها ستكون يوم القيامة؟ نعم هذه المسألة فيها خلاف طويل، ولكن الكل متفق على أن الثواب والعقاب إنما هو في الدار الآخرة.