سوق البرمجة يخضع لنظام العرض والطلب ويخلق تنافسا محمودا في المجالات المطلوبة -

التغيرات التكنولوجية تفرض على نظم التعليم تطوير المناهج وطرق تدريس البرمجة -

حقق المبرمجون العمانيون مراكز متقدمة في المسابقات المحلية والخليجية في مجال البرمجة، وسطعت كفاءات شبابية قادرة على مواكبة التغيرات في العالم التقني وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وذلك لتلبي احتياجات سوق العمل في عصر باتت لغة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء هي المهيمنة على المشهد.

فتم تدشين أكاديمية البرمجة عبر منصة «عمان تبرمج» بتعاون وتكاتف الجهود بين مجموعة من المؤسسات التعليمية التي اجتمعت لتكوين فريق من الخبراء والأكاديميين سعيا لتقديم أساسيات البرمجة التطبيقية وعلوم الحاسب الآلي والروبوت والذكاء الاصطناعي بطرق إبداعية مبتكرة، بهدف تشجيع الشباب والناشئة على الانخراط في مجال التطوير التقني وإيجاد الحلول البرمجية لتحديات الواقع، واستفاد من برامج الأكاديمية 2673 شخصا في 18 ورشة تدريبية تطبيقية.

تطوير المهارات !

«عمان» تواصلت هاتفيا مع الدكتور سلطان بن سالم اليحيائي استشاري تقنيات حديثة بجامعة السلطان قابوس للحديث عن هذا الموضوع، وحول سؤالنا عما هي الأسباب التي ساعدت على تطور مهارات المبرمجين العمانيين قال الدكتور سلطان: تتطور المهارات البرمجية من خلال التدريب المستمر على حل المشكلات البرمجية من مختلف المستويات وفي مختلف التخصصات البرمجية، وقبل البدء بالتمارين البرمجية وحل المشكلات ينبغي الانتهاء من مرحلة التأسيس البرمجي وتعلم مهارات حل المشكلات، وخوارزميات التفكير المنطقي سواء من خلال الدراسة الأكاديمية أو التدريب في معاهد خاصة، وخلال الفترة الماضية لاحظنا اهتماما كبيرا من قبل أولياء الأمور لتعليم أطفالهم مهارات البرمجة في سن مبكرة، مما يسهم في بناء جيل متمكن يستطيع تطوير برمجيات وإيجاد حلول رقمية وبرمجية مبتكرة.

كما يساعد شغف واهتمام الشباب لتعلم البرمجة في مجالات مختلفة مدفوعين بمحاولة تنفيذ أفكارهم التي يبتكرونها، ومحاولين الدخول في مجال ريادة الأعمال التقنية، مما يتطلب منهم بناء هذه المهارات، ويخضع سوق البرمجة لنظام العرض والطلب، فكلما كان هناك طلب للمبرمجين، سارع الشباب وأولياء الأمور للدخول في هذا المجال لتغطيته مما يخلق تنافسا محمودا بينهم في تطوير مهاراتهم والتميز في أحد المجالات البرمجية المطلوبة في سوق العمل.

مواكبة التغيرات

وحول مواكبة التغيرات المتسارعة في مجال البرمجة قال: للبرمجة مجالات واستخدامات متنوعة، ابتداء من بناء المنصات ومواقع الإنترنت مرورا بتطوير تطبيقات للهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية، وصولا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، كما توجد تطبيقات تخصصية تستخدم في المجالات الزراعية، والمجالات الطبية ومجالات الطيران والاستخدامات العسكرية والأمنية وتطبيقات الفضاء، وتتطور استخدامات البرمجة في كل المجالات المتعددة وذلك مواكبة للاكتشافات الجديدة واستخداما لخوارزميات جديدة ذات كفاءة ودقة عالية، فكل التغيرات تفرض على المبرمجين تحديات مستمرة لمواكبتها ولتعليم أنفسهم التقنيات الحديثة، كما تفرض على نظم التعليم والتدريب البرمجي تحديات لتطوير المناهج وطرق تدريس البرمجة ليتمكن المبرمجون من مواكبة التغيرات المتسارعة، بالإضافة إلى ما تفرضه التغيرات التقنية تحديات على بيئات العمل بضرورة تحديث أنظمتها التقنية والبرمجية لتلبية احتياجات المستفيدين وتطلعاتهم وحماية للبيانات والأنظمة من الاختراقات الناتجة عن خلل وثغرات برمجية.

التدريب التقني !

وحول سؤالنا عن الدورات التدريبية للمبرمجين وهل يتم استقطاب خبرات من خارج سلطنة عمان؟ أجاب اليحيائي: يتم بناء الأساس البرمجي لدى الطلبة عادة في مناهجهم الدراسية سواء المدرسية أو الجامعية، إلا أن التطورات المتسارعة والتخصصية المطلوبة في سوق العمل تجعل من الصعب تغطية الاحتياجات من خلال المناهج الأساسية، مما يفتح المجال لبناء القدرات وتجسير الهوة بين الدراسة الأكاديمية وسوق العمل من خلال التدريب التقني في المعاهد المتخصصة، فمثلا تقدم أكاديمية البرمجة دورات برمجية متخصصة لطلبة المدارس وطلبة الجامعات والباحثين عن عمل، كما تقدم دورات برمجية وتقنية للموظفين في مؤسساتهم الوظيفية، بالإضافة إلى معسكرات برمجية خلال الإجازات الشتوية والإجازات الصيفية تحت مسمى «عمان تبرمج»، ويستهدف المعسكر طلبة المدارس وطلبة الجامعات لبناء مهاراتهم البرمجية المتخصصة، بالإضافة إلى تقديم معسكرات مطولة تمتد لستة أشهر تستهدف الباحثين عن عمل من ذوي التخصصات التقنية لصقل مهاراتهم البرمجية في أحد المجالات المتخصصة كتطوير المنصات والتطبيقات، وعلم البيانات والأنظمة الذكية، وهندسة البرمجيات، وتقوم العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة بالتواصل مع أكاديمية البرمجة لتقديم دورات متخصصة لمنتسبيها في مختلف التخصصات التقنية الحديثة.

تبني المواهب..أكاديمية البرمجة

وأشار الدكتور سلطان اليحيائي إلى أن العديد من المؤسسات تقوم بتبني المواهب الصاعدة كمراكز الابتكار في المحافظات والعمل على تنمية مهاراتهم البرمجية، وإشراكهم في المسابقات التقنية والبرمجية سواء المحلية أو الإقليمية، كما تقوم بعض الفرق الأهلية والمراكز الثقافية بالمساهمة في هذا المجال، أما على مستوى الجامعات فتوجد وحدات في مؤسسات التعليم العالي تعمل على صقل مهارات الطلبة وإشراكهم في مشاريع طلابية يمكن تحويلها إلى مؤسسات تقنية ناشئة، ورغم الجهود المبذولة لكنها لا ترقى إلى الطموح من حيث شموليتها وتغطيتها لمختلف ولايات سلطنة عمان.

وأوضح أن أكاديمية البرمجة تعمل مع شركائها لتبني الموهوبين وصقل مهاراتهم البرمجية من خلال تنمية قدراتهم التنافسية، فخلال سباق عمان للبرمجة والذي نظمته وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع شركائها جامعة السلطان قابوس، وزارة التربية والتعليم، والشركة العمانية للاتصالات رأينا أن عددا من الفائزين بالمراكز المتقدمة هم من مخرجات الأكاديمية منذ أن كانوا طلابا في المدارس، كما أدعو للمانحين والداعمين من مؤسسات القطاع الخاص بتوجيه جزء من دعمهم المجتمعي إلى الجانب التقني والبرمجي من خلال دعم تنظيم معسكرات برمجية في مختلف محافظات وولايات سلطنة عمان لتدريب ورعاية الموهوبين.

وعن التطلعات المستقبلية لهذا التخصص وللشباب العماني قال اليحيائي: نأمل في تطوير تعليم البرمجة ابتداء من المدرسة ومرورا بالدراسة الجامعية وانتهاء بتطوير المهارات البرمجية للموظفين في المؤسسات، «المبرمجون يغيرون العالم» هو شعار تبنيناه في أكاديمية البرمجة لإيماننا بالقوة التي تلعبها التقنيات البرمجية في عالم اليوم مما يجعلنا نتطلع لمساهمة المجال التقني في الناتج المحلي لسلطنة عمان لتعزيز قوتها الاقتصادية في مجال الاقتصاد المعرفي والانتقال من مرحلة استهلاك التقنية إلى مرحلة بناء وتطوير التقنية.

البيئة التعليمية

وتحدث الدكتور سلطان اليحيائي عن أبرز المقترحات لتطوير المهارات الشبابية في تخصص البرمجة قائلًا: عملية تطوير أي مهارة يتطلب تطوير المنظومة المرتبطة بها وعدم التركيز فقط على زاوية من زوايا تلك المنظومة، فحتى تتطور منظومة البرمجة في سلطنة عمان يتطلب الاهتمام بالمناهج التقنية التي يتم تدريسها، والاهتمام بطريقة التدريس وتوفر البيئة التعليمية المحفزة للطاقات الشابة، كما ينبغي على المجتمع العمل على رفعة شأن المبرمجين وتعزيز نجاحاتهم والدفع بهم كقدوات للناشئة مما يبني صورة ذهنية متميزة عن هذه المهارات لتمكنها من استقطاب موهوبين جدد، وأن اعتماد المؤسسات على تطوير التطبيقات محليا والدفع بالمبرمجين العمانيين لتطوير التطبيقات يشكل ضغطا محمودا على منظومة البرمجة ويرفع سقف التوقعات منها مما يدفعها لتطوير آلياتها وتحسين مخرجاتها لمواكبة الطلب المتزايد على المبرمجين المحترفين.

ويضيف: أحد مقومات رؤية عمان 2040 الدفع بالتحول الرقمي والاعتماد على الاقتصاد المعرفي كرافد من روافد الاقتصاد العماني، عليه تسعى العديد من المؤسسات لتنفيذ رؤية عمان 2040 كل في مجال اختصاصه، مؤملين أن تهتم المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات الأهلية بمجال البرمجة لإنشاء جيل من المبرمجين العمانيين المحترفين. وحول التحديات التي تواجه الهيئة التدريسية والطلبة لإبراز مواهب استثنائية أوضح الخبير التقني: مجال البرمجة يعتبر مجالا جديدا على مستوى المدارس الحكومية في سلطنة عمان، ويتطلب تطوير مهارات الهيئة التدريسية ومهاراتهم في تدريس البرمجة للطلبة، وتشكل الأدوات والتقنيات في مختبرات الحواسيب أحد التحديات القائمة، للأسف تنحصر مراكز الابتكار في بعض ولايات السلطنة مما يفوت الفرصة على طلبة في بقية الولايات من ممارسة المهارات وتنميتها.

وأوضح الدكتور سلطان اليحيائي: في مجال البرمجة على المستوى الجامعي يوجد عدد من المبرمجين المتميزين القادرين على التنافس على المستوى الإقليمي، فخلال مسابقة الخليج البرمجية والتي أشرفت عليها أكاديمية البرمجة هذا العام كمشغل علمي، حقق عدد من فرق سلطنة عمان مراكز متقدمة بين فرق الجامعات الخليجية، إلا أنه يلاحظ أن الفرق الفائزة غالبا ما تكون من منتسبي عدد محدود من الجامعات والكليات في سلطنة عمان بينما تعاني الفرق الأخرى من ضعف المنافسة في هذه المسابقات مما يشير بوجود فجوة في تعليم البرمجة لدى بعض من مؤسسات التعليم العالي.