- تخصيص مساحة محددة لإطعام الطيور الحل الأمثل

- ضرورة وجود قوانين منظمة للحد من انتشارها على نطاق أوسع

- إدراك المسؤولية المجتمعية تجاه الآخرين والوعي بمخاطر الظاهرة

- بقايا الطعام وفضلات الطيور بؤر للجراثيم والأمراض

تتزايد المخاوف المجتمعية والمؤسسية من انتشار ظاهرة إطعام الطيور في الساحات العامة والمماشي الرياضية، التي باتت تشكل تحديا بيئيا وصحيا في محافظة مسقط وتؤدي إلى تفشي الأوبئة والقوارض، ووصفها البعض أنها مظهر غير حضاري يترتب عليه آثار اقتصادية لاحقة تكبد الدولة أموالا طائلة في توفير القوى العاملة والآليات لتنظيف الموقع الملوث بيئيا، وجهد مضاعف في مكافحة القوارض والبعوض التي قد تتكاثر بشكل أكبر نتيجة إلقاء الطعام على الأرض، مخلفة أضرارا بيئية نتيجة اختلال التوازن البيئي، كما أنها تؤثر هذه الظاهرة على السياحة البيئية نتيجة تلوث المواقع وانتشار الروائح المزعجة.

سكان الأحياء

توضح فاطمة بنت عبدالحسين العجمية: إن ظاهرة إطعام الطيور بدأ تأثيرها يظهر بشكل مباشر في أرجاء الحي الذي أسكن فيه، وكذلك في الشوارع الحيوية، مما أدى إلى تشويه المنظر العام لهذه الأماكن، وليس هذا فقط بل من خلال هذه الحركة العشوائية باتت بيوتنا لا تخلو من فضلات الطيور الأمر الذي يؤدي إلى تشويه المنظر الجمالي للمنازل، وقد لاحظت الكثير من الجاليات التي تطعم الطيور من باقي طعامهم مما يؤدي ذلك إلى تجمع الطيور والحشرات وزيادة الفضلات وانتشار الروائح المزعجة، كما أن انتشار هذه الظاهرة تكلّف الأهالي أعباء مالية تتمثل في صبغ البيوت بشكل مستمر، كما تسهم هذه الظاهرة في انتشار القوارض والحشرات التي تتجمع بسبب تجمع الطعام وبالتالي تعد أحد نواقل الأوبئة والأمراض، كما تؤدي في أحيان كثيرة إلى عرقلة السير والتسبب في حوادث نتيجة حجب الرؤية الواضحة للطريق، ناهيك عن الجهود التي تتكفلها البلدية في تنظيف مخلفات الطعام والطيور وتنظيف الأرصفة.

تخصيص ساحات

وتقترح العجمية بتخصيص ساحات محددة لإطعام الطيور، وإصدار قانون صارم بمخالفة كل من يقوم بإطعام الطيور في غير المكان المخصص لها، وأن يتضمن القانون في أحد مواده التركيز على نوع معين من الطعام كالحبوب الجافة وغيرها للإطعام وليس كل الطعام المطبوخ الذي يكون مصدرا للروائح وجذب الحشرات والقوارض".

وشاركها الرأي زكريا بن سالم الغزالي قائلا: "إن مقترح تخصيص مساحة محددة لإطعام الطيور هو الحل الأمثل في سبيل التخلص من المخاطر البيئية، من خلال تخصيص أوعية تحفظ الطعام من الانتشار في الشوارع وتلوثها، على أن تكون في أماكن بعيدة عن الأحياء السكنية والأسواق، إذ يُسهّل وصول الطيور إلى هذه الحافظات، وتقضي على عشوائية إطعامها، كما أن من شأن هذه الطريقة المساهمة في خفض الآثار البيئية والجمالية للمكان والتقليل من إنزعاج المواطنين من تطاير الريش، إلى جانب التقليل من اتساخ الساحات ببقايا الأطعمة التي تتسبب في تغير لون الرصيف مما يحدث تشوها بصريا وصحيا أسهم في تكاثر القوارض والكلاب الضالة إلى جانب تكاثر البعوض وما ينقله من أخطار"، كما أشار الغزالي إلى أن المبدأ العام للموضوع هو ضرورة عدم التسبب في الإيذاء سواء كان للمارة أو مرتادي الطريق للمشاة والسيارات، إذ تؤدي هذه الظاهرة إلى جلب الكلاب الضالة وبالتالي يتعدى خطورتها ليطال الضرر على الأطفال مما يؤدي إلى تقييد حركتهم والخروج من المنزل للعب.

مسؤولية المجتمع

ويؤكد إسحاق بن خميس الخنجري: فمن غير المنطق أن يكون إطعام الطيور بنيّة كسب الأجر، وفي الوقت ذاته يتم تكبيد الدولة مبالغ مالية، إضافة لتشويه المنظر العام، وإحداث تلوث بصري، ناهيك عن الحوادث المرورية بسبب كثرة الطيور المتواجدة، وما تحدثه من حجب للرؤية"، كما أكد الخنجري على المسؤولية المجتمعية التي تتحتم على كل فرد أن يكون مسؤولا تجاه مجتمعه وتجاه الآخر، إذ لا يوجد نص تشريعي أو تنظيم قانوني يمكن العمل بموجبه لمنع المواطنين أو المقيمين من إطعام الطيور، ولكن الأمر يتوقف على الفرد ومدى إحساسه بالمسؤولية، ومدى اهتمامه بنظافة المكان، كما أنه لابد من تكثيف وعي المجتمع من خلال وضع لافتات على الدوارات وغيرها بمنع وتجريم من يقوم بإطعام الطيور في الأماكن العامة.

نوايا إنسانية

وفي هذا الشأن تقول مروة بنت عبدالله المخينية أخصائية نظم بيئية بالمديرية العامة لصون الطبيعة في هيئة البيئة: "بدأت الظاهرة من باب الرفق بالحيوان وحفظ النعمة، ليتزايد التخوف فيما بعد من تحولها إلى بؤر للأمراض والتلوث البيئي نتيجة التوسع في تلك الممارسات غير المنظمة، حيث إن إلقاء بقايا الطعام على الشوارع بغرض إطعام الطيور هي ظاهرة انتشرت في الآونة الأخيرة بكثرة في الأماكن العامة والشوارع والأسواق بشكل عام على الرغم من كونه عملا إنسانيا لطيفا إلا أن أداءه بطريقة تسيء للمنظر العام والبيئة بشكل خاص، كما أنها تشكل مصدرا لانتشار الجراثيم والأمراض".

وتضيف: قد تعود مسببات انتشار الظاهرة إلى أمور دينية كإحياء السنة النبوية "في كل كبد رطبة أجر"، وإعادة الانتفاع من الطعام الزائد عن الحاجة حتى تستفيد منه الطيور والحيوانات الأخرى، من جانب آخر، ترتبط الظاهرة أيضًا نحو تعويد النشء على بعض القيم الاجتماعية والعادات الأصيلة المتوارثة، مثل تعليم الأطفال وتعويدهم على الرفق بالحيوان، دون الإدراك والوعي الكامل عن عواقب هذه الممارسات غير المنظمة إلى ما قد تحمله من مخاطر قد تهدد النظام الصحي والبيئي معا.

وعن هذه الممارسات العشوائية أوضحت المخينية بأن تزايد الخوف المؤسسي والمجتمعي الواعي من أن تتحول إلى بؤر للعديد من الجراثيم والأمراض، حيث إن فضلات الطيور وبقايا الطعام تعتبر حاضن للكثير من البكتيريا والفيروسات، كما أن بعض الطيور تعد نواقل رئيسية لبعض الأمراض التي تصيب الإنسان، أضف إلى ذلك أن بعض الطيور المنجذبة للطعام الموجود في المكان طيور غازية ضارة مثل طائر المينا على سبيل المثال، الذي يقضي على المحاصيل الزراعية وعلى الطيور الأخرى والحشرات مخلفا بذلك كوارث بيئية نتيجة اختلال التوازن البيئي إضافة إلى المخاطر الاقتصادية، كما قد تؤثر الظاهرة بصورة واضحة على السياحة البيئية نتيجة تلوث المكان وانتشار الروائح المزعجة مما يؤدي إلى نفور الناس منها وبالتالي تؤثر تأثيرا سلبيا على السياحة البيئية.

ثقافة المجتمع

وفي ذات السياق تقول سوسنة بنت هلال الرحبية أخصائية نظم بيئية في هيئة البيئة أنه: "قد يكون لهذه الظاهرة دوافع دينية من باب حفظ النعمة، وعدم إهدار الطعام، التي تُعد أيضًا جزءا من ثقافة المجتمع وعاداته التي ظهرت مع كثرة الولائم والتجمعات، وإلى جانب عدم إلمام الناس بالطرق المثلى للتخلص من الطعام المتبقي بدون رميه في مكبات النفايات أو في العراء لإطعام الطيور والحيوانات، وقد يعتبرونها منفذ لكسب الأجر من الطيور والحيوانات السائبة، ويرى أنه لا أضرار صحية أو اقتصادية واضحة ومباشرة لهذه الظاهرة، إلا أن هذه الموائد تعتبر من مستقطبات الطيور بأنواعها مثل: الطيور الغازية التي تجد في هذه الأطعمة مصدر طعام مستمر يسهم في بقائها، وهي في الوقت ذاته وكر للجراثيم بأنواعها التي تنتقل عبر هذه الطيور للإنسان والحيوانات الأخرى".

وتقترح الرحبية أفضل الحلول في ذلك وأحدثها للجمع بين التخلص من الأطعمة المتبقية بشكل مرضٍ، وبين عدم رميها في الساحات هو استخدام الآلات التي تعمل على تحويل الأطعمة إلى أسمدة صالحة للأشجار والنباتات، وكذلك زيادة الوعي العام بالمخاطر الصحية لموائد الأطعمة الملقية من خطر الطيور الغازية.

أعباء خدمية

وتقول أسمهان بنت محمد الشكيلية باحثة اجتماعية بدائرة الشراكة المجتمعية ببلدية مسقط: "نتيجة توجه البعض لإطعام الطيور في أماكن عشوائية، والجهل للأضرار المتعددة التي تؤثر على جمالية المظهر العام وسلامة المجتمع، بالإضافة إلى العديد من الآثار الاقتصادية من ضمنها هدر المال العام نتيجة ما تتحمله الجهات المختصة من أعباء لتنظيف الساحات والتعقيم، إضافة إلى مضاعفة الجهود المبذولة في مكافحة القوارض والبعوض التي قد تتكاثر بشكل أكبر نتيجة إلقاء الطعام على الأرض، الأمر الذي يستدعي معه ضرورة وجود قوانين منظمة للحد من انتشار هذه الظاهرة على نطاق أوسع، إلى جانب تكثيف البرامج التوعوية بجميع اللغات العربية والإنجليزية والأوردية غير الناطقين بالعربية، سواء بشكل مباشر من خلال المحاضرات التوعوية أو من خلال اللوحات الإعلانية للشوارع الرئيسية والمنشورات الكتابية والتلفزيونية والإذاعية، مع أهمية التعاون مع مختلف الجهات ذات الصلة كلا في مجاله والتركيز على آثارها الصحية والاقتصادية والبيئية على حدٍ سواء".

دور البلدية

تجدُر الإشارة إلى أن بلدية مسقط تبحث مع الجهات المعنية في سبيل تنظيم الموضوع استنادا إلى الأمر المحلي رقم 1/2006 بشأن وقاية الصحة العامة، في المادة رقم 45 في الفصل الخامس من القرار المذكور التي تنص على "يتعين على شاغلي العقارات وكل مسؤول عن أي مبنى أو أرض أو مرفق صحي أو بئر أو حاوية مخصصة لحفظ المياه أو ما يمثلها أو أوعية مياه الشرب المخصصة للحيوانات والطيور أو برك المياه، أن يقوم بأعمال المكافحة، وعليه أن يتخذ التدابير والاحتياطات اللازمة لمنع توالد القوارض وتكاثر انتشار البعوض والذباب والحشرات الأخرى، وأن يلتزم بتعليمات وإرشادات البلدية والسلطات الصحية".

كما نوهت بلدية مسقط بأن الجميع مشترك في الحد من انتشار هذه الظاهرة، وما يمكن أن تخلفه من تبعات وآثار، ويجب على الجميع المساهمة بما من شأنه التقليل من تلك التبعات، ومن باب المسؤولية المجتمعية تحث بلدية مسقط على التعاون في ذلك عن طريق الإبلاغ عن هذه الظاهرة عبر مركز اتصالات مسقط، أو عبر مختلف قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة التابعة لبلدية مسقط، كما تحث على ضرورة الرقابة الذاتية في التقليل من مثل هذه الممارسات العشوائية وتوعية المواطنين والمقيمين بعدم رمي بقايا الأطعمة على الرصيف.