من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي الذي قد يعيد الأغلبية إلى الجمهوريين وأنصار الرئيس السابق ترامب إلى الواجهة التشريعية في الولايات المتحدة، إلى الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، والاضطرابات السياسية والجماهيرية في إيران، وقمة المناخ في مصر، وعودة فيروس كورونا إلى الظهور في الصين، والاستعدادات لافتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، تتعدد وتتنوع الأحداث العالمية التي تنقلها إلينا وتحاصرنا بها المنصات الإعلامية المختلفة ليل نهار، في محاولة ما زالت مستمرة منذ سنوات لصناعة «المواطن العالمي» الذي لا تقتصر اهتماماته وشواغله على ما يجري في وطنه، الذي يستطيع بالفعل أن يفهم حقيقة ما يجري في العالم من حوله، وتأثير ذلك على حياته ومستقبله.

لقد نجحت وسائل الإعلام العربية على مدار تاريخها الطويل نسبيا في صناعة المواطن الذي يهتم بقضايا وأحداث الوطن وربما أيضا قضايا وأحداث المنطقة العربية، والرهان الآن أن تكثف هذه الوسائل جهودها للمشاركة في صناعة «المواطن العالمي» الذي يهتم بقضايا الكون كله، خاصة وأن العالم أصبح «قرية صغيرة» بالفعل.

الاهتمام بالأخبار العالمية لم يعد يقتصر على النخب المثقفة في الدول المختلفة، خاصة أن التأثيرات السلبية لأحداث العالم يمكن أن تشمل الحياة اليومية للناس في العالم كله. والدليل على ذلك المتابعة اليومية التي استمرت لأكثر من عامين لانتشار فيروس كورونا في مختلف دول العالم، وكذلك الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ بداية العام الحالي، التي أثرت بالفعل على إمدادات الغذاء العالمية خاصة من القمح، بالإضافة إلى إمدادات الطاقة خاصة من الغاز الطبيعي، وأصبح المواطنون في دول كثيرة يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من أن يؤدي استمرار هذه الحرب إلى مجاعات حقيقية، ومواجهات مميتة مع برد الشتاء الأوروبي القارس، بالإضافة إلى زيادة معدلات التضخم ونسب البطالة وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وهو ما قد ينذر باحتجاجات شعبية قد تعصف بالعديد من الحكومات في العالم.

حتى وقت قريب كانت مدارس تعليم الصحافة تصنف الأخبار وفقًا لمكان وقوع الحدث إلى نوعين أساسيين هما، الأخبار الداخلية التي تقع داخل المجتمع الذي تصدر فيه المنصة الإعلامية، والأخبار الخارجية التي تقع خارج المجتمع الذي تصدر فيه الصحيفة.

وكان هذا التصنيف يستند إلى مكان وقوع الحدث فقط، ولا يأخذ في اعتباره عوامل أخرى مهمة مثل المكان الذي تصدر منه الصحيفة، أو الذي يوجد به مقر محطة الإذاعة أو التلفزيون، والمنطقة الجغرافية التي تغطيها، والمكان الذي يتعرض فيه القارئ للأخبار.

ومع التطورات الحديثة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال أصبح هذا التقسيم التقليدي للأخبار في عداد التقسيمات التاريخية التي لا تدعم فكرة «المواطن العالمي»، ولا تواكب العصر الرقمي الذي أتاح تعدد مناطق توزيع الوسيلة الإعلامية وتعدد منصات النشر، بصرف النظر عن المكان أو المجتمع الذي يوجد به مقرها الرئيسي، وكان هذا التقسيم لا يأخذ في اعتباره أيضا التداخل الذي كثيرا ما يحدث بين مكان وقوع الحدث وانتماء صانع أو صانعي هذا الحدث.

وفي ضوء تلك الإشكاليات اقترح بعض الباحثين تقسيمًا للأخبار يأخذ في اعتباره مكان صدور المنصة الإعلامية، والنطاق الجغرافي الذي توزع فيه، ومكان وقوع الحدث، وانتماء صانع الخبر.

وبناء على ذلك، ونتيجة للتغيرات البنيوية التي شهدتها الصحافة والأنظمة الإعلامية بعد انتشار الإعلام الجديد، أصبح مفهوم الأخبار العالمية أكثر اتساعا عن ذي قبل، ليشمل كل ما يُنشر عبر وسائل الإعلام ومنصات النشر، سواء كانت محلية أو قومية أو دولية عن أحداث وقعت خارج حدود الدولة التي تصدر فيها وسيلة الإعلام، ولم يشارك في صنعها أشخاص من الدولة، وقد تكون لها تأثيرات إيجابية أو سلبية على الدولة ونظامها وسياستها الخارجية.

واقع الحال أن الأخبار العالمية تحديدا كانت مثار شكوى تاريخية شاركنا فيها كعرب في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وذلك عندما طالبنا من خلال منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، ومعنا كل الدول النامية تقريبا بتحقيق توازن عادل في التدفق الإخباري العالمي بين دول الشمال المتقدمة ودول الجنوب التي كانت على طريق النمو.

ورغم فشل مشروع إقامة نظام إعلامي عالمي جديد يحفظ لنا حقنا في نشر أخبار التنمية والتحديث، ويجعل التبادل الإخباري بيننا وبين العالم يسير في اتجاهين وليس في اتجاه واحد، فقد وفرت الطبيعة العالمية لتكنولوجيا الاتصال الحديثة مثل الأقمار الاصطناعية، والإنترنت، والهواتف الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، الأدوات الإعلامية التي يمكننا استخدامها لإيصال صوتنا وأخبارنا إلى الآخرين. ومن هنا تزايد الاهتمام بالأخبار العالمية كثيرا في الأنظمة الإعلامية في الدول النامية.

وقد كان لوسائل ومنصات الإعلام العربية الوطنية تأثير معرفي واضح في تشكيل ثقافة المواطنين ومعارفهم عن العالم الخارجي، بشكل يفوق نظرائهم في الدول الغربية الذين لا يعرفون الكثير عن دول العالم ومناطقه، ولا يهتمون بأحداث العالم.

ولعل من أهم التطورات التي أثرت في محتوى وتدفق الأخبار الدولية ظهور وسائل الإعلام الجديدة وتزايد قدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية، إذ توفر الإنترنت أفضل أمل للبلدان النامية التي تسعى إلى وسيلة منخفضة التكلفة لتوزيع الأخبار، ثم تحقيق تدفق أكثر توازنًا للأخبار على مستوى العالم.

وبفضل شبكة الويب ووسائل الإعلام الجديدة لم يعد تدفق الأخبار العالمية يقتصر على وكالات الأنباء التقليدية التي كانت تسيطر حتى وقت قريب على نحو ثمانين في المائة من أخبار العالم، والصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون الكبرى، ومواقع الويب الإخبارية وشركات التقنية العملاقة.

فقد أصبح الإعلام الوطني وكذلك الأفراد «المواطنون الصحفيون» في مختلف الدول يمثلون جزءًا من التدفق العالمي للأخبار، بعد أن مكّن الإنترنت والهاتف المحمول الناس من المساهمة في إنتاج الأخبار والمعلومات، وتجاوز حراس البوابة «الرسميين».

ومع تزايد قدراتنا على المشاركة في صناعة الأخبار العالمية وتوزيعها، يبقى من المهم أن تصبح دولنا العربية قوى إعلامية كثيفة الظهور في الإعلام العالمي، وذلك بإنجازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس نتيجة الفشل، كما حدث مع الدول التي تعاني من حروب داخلية واضطرابات سياسية واقتصادية، والواقع أن تعزيز مكانتنا في النظام الإعلامي العالمي يبقى رهنا بتعزيز مكانتنا في العالم.

والواقع أن بروز الدول في وسائل الإعلام العالمية يتحدد من خلال مجموعة من المعايير، أولها حجم الدولة سواء من ناحية المساحة أو عدد السكان، وطبيعة المنطقة الموجودة بها، والمستوى الاقتصادي الذي يقاس بالناتج المحلي الإجمالي، إذ تحصل البلدان الغنية على تغطية إعلامية بارزة، والوضع النخبوي العالمي للدولة الذي يُقاس بعضوية الدولة وفاعليتها في المنظمات الأممية والإقليمية، ومن الطبيعي أن القواعد التي تحكم نشر الأخبار العالمية يتم تعديلها مؤقتًا في حال وقوع أحداث استثنائية في بعض الدول، ينتج عنها فترات قصيرة من «الإجماع العالمي» الذي يمكن أن تستفيد منه البلدان الصغيرة والفقيرة والنائية، وتتميز بعض الدول بفائض دائم من التغطية الإعلامية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وألمانيا، فيما تتلقى دول أخرى تغطية إعلامية أكبر من المعتاد بسبب الأحداث مثل اليمن، وأوكرانيا، وسوريا.

من المهم في هذه المرحلة الجديدة التي يعيشها الإعلام العالمي، التي منحت كل الدول فرصا تكاد تكون متساوية للتواجد على منصات النشر ذات الطابع العالمي، أن نستمر في الاهتمام بالأخبار العالمية في جميع منصات النشر العربية، للحفاظ على مكتسبات مواطنينا العالميين من المعارف عن أحدث العالم وقضاياه، وأن نسعى إلى تعزيز وجودنا في وسائل الإعلام العالمية عبر أخبارنا الجيدة وإنجازاتنا الإنسانية، لكي تكون دولنا أكثر بروزا في الإعلام العالمي.