ينظر بكثير من الأهمية إلى الدور الفاعل الذي تلعبه الضوابط والمعايير في تصويب مسارات التنمية من ناحية، وفي تصويب بناء العلاقات القائمة بين مكونات المجتمع الواحد من ناحية ثانية، وإلى وضوح الرؤية في قدرة المكونات البنيوية للدولة بهياكلها المختلفة على التكامل، والتآزر، وعلى قدر كبير من التوافق من ناحية ثالثة، فلا يلمس المتابع أي ارتباك من شأنه أن يبرز نتواءات غير مستساغة في البنيان العام، وبالتالي فعندما تكون الصورة بهذا التنسيق والتكامل فلن تجد؛ في المقابل أن هناك ردات فعل معاكسة لأي توجه من شأنه أن يخدم مشاريع التنمية ويجدد برامجها وتوجهاتها نحو التميز، ومن شأنه أن يحافظ على قيم المجتمع وتفرد شخصيته؛ فلا يتماهى مع واقع مجلوب بقيم متضادة مع الواقع، ولن نجد توغل العشوائية ضد المؤسسية، أو التفرد بالآراء ضد التشاورية؛ وبالاستماع بآذان صاغية لمجموعة الآراء والمقترحات الذاهبة إلى البناء والتشييد، فـ "إشراك المواطنين كقوة فعالة في صياغة الإصلاح، وليس كجمهور متلقي للحملات الجماهيرية، يشكل خطوة جوهرية. إن الإعلان عن المعايير شيء، أما معالجة شكاوى المواطنين ومشكلاتهم الناجمة عن الفساد فهو أمر آخر" – كما يقول مايكل جونستون؛ مؤلف كتاب (متلازمات الفساد - الثروة والسلطة والديمقراطية) - ولن تجد تسلط الآخر البعيد على مقدرات الدولة بصورة مباشرة، ولن تجد أن هناك فرصة ولو بمساحة "خرم إبرة" يمكنها أن تتدخل، ولو في جزء يسير من السيادات الوطنية، فالوطن؛ حينها يكون؛ مصان بعناوينه العريضة المتمثلة بحقوقه وواجباته، وبضوابطه التشريعية، وبمعاييره الفاعلة الكمية والنوعية على حد سواء.
يبدو لي أن هناك ثمة علاقة طردية بين الضوابط، وبين المعايير، فكلاهما متشبث بالآخر علوا أو انخفاضا، تقدما أو تأخرا، فالضوابط هي الأسس التي يجب أن توضع لإحكام مسار معين لأي مشروع من مشروعات الحياة اليومية، وتأتي المعايير في المرحلة الثانية لقياس مدى فاعلية الضوابط الموضوعة، ومنها يمكن الحكم على النتائج المتوقعة من هذا المشروع، بناء على هذين الركنين الأساسيين، واللذين؛ يفترض؛ أن توضع لهما الحسابات الدقيقة، ولا تترك أية فرصة للاجتهاد أو التخمين، فهما بمثابة كفتي الميزان؛ إن اختلت أحداهما؛ أثر على الأخرى، وأن توافقت الكفتان، تكاملا في النتائج المتوقعة، فلا يحيد أحدهما عن الآخر، فلا يمكن أن تكون النتائج سيئة، وهي متوافقة مع المعايير، ولا يمكن أن للمعايير أن تتنازل عن سلطتها لأجل أن تتوافق مع نتائج غير خاضعة للمقاييسها الفنية والعلمية، وهذا من شأنه ما يعزز مسيرات التنمية في أبعادها المختلفة، بكل قوة ووضوح، ورؤية تستشرف أفق المستقبل بخطوات ثابتة.
والمسألة هنا غير مرتبطة بجانبها المادي البحت (مشاريع الحياة اليومية) فقط، وإنما تذهب بعيدا إلى حيث النظر في المنظومة المتكاملة للدولة كإطار محكم بالكثير من الضوابط والمعايير، وإلى حيث النظر؛ في المنظومة الاجتماعية التي هي جزء لا يتجزأ من كيان الدولة وهيكلتها، ويتسلسل بعد ذلك إلى مجموعة من المنظومات الصغيرة ضمن هياكل الدولة، حيث يأتي الحديث عن الضوابط القانونية؛ وهي أهمها، والضوابط الإنسانية؛ وهي في يد جمهورها العريض، والضوابط الاجتماعية (الأعراف والتقاليد)؛ وهي الحاكمة إلى حد ما لشخصية المجتمع، والضوابط الدينية؛ وهي الموجهة نحو المسارات الآمنة، والضوابط الثقافية؛ وهي الراعية لمجموعة من الإشباعات النفسية والمادية، والضوابط القيمية، وهي الأسس التي تحكم كثيرا من اشتغالات المجتمع فيما يحدث بين أفراده، وهذه كلها في مجموعها تسير وفق تسلسل تنظيمي معقد، يحتاج إلى كثير من التوازنات، وكثير من الحكمة، وكثير من المعالجات المحدثة التي تتواكب مع مختلف التطورات المادية والسلوكية، بحيث لا تخرج كثيرا عن النسق الذي تشهده الحياة اليومية من تطورات كمية ونوعية، وما تعيشه من أحداث، وما يتسلل عبر الحدود من رسائل موجهة وغير موجهة، ولكنه يظل نسقا ممنهجا ومحكوما بهذه الضوابط والمعايير، خاصة اليوم مع تقدم وسائل الاتصالات الحديثة، فهذا كله لا بد أن تمنهجه الضوابط والمعايير المعمول بها، وهنا مما يخفى على حصيف مستوى الجهد المبذول من كل المؤسسات المعنية بإنتاج هذه الضوابط، وهذه المعايير، للوصل إلى مستويات أفقية ورأسية من التوازن بين ما تتطلبه الحياة، وبين ما يجب أن تبقى عليه الصورة العامة للدولة ككل.
لعله من أحرج المواقف التي يقع فيها النظام السياسي نتيجة أرتباك الضوابط والمعايير وعدم توظيفها التوظيف الصحيح على الواقع؛ هو ظهور الخلل البنيوي بين مكونات المنظومة السياسية، بما ينعكس على بقية المعززات الأخرى: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وظهور الفوارق الطبقية والعرقية والجندرية واللغوية، كما يؤدي ذلك إلى ظهور جماعات المصالح (الأوليغاركات/ النخب الاقتصادية والسياسية) وتسلطها على المال العام، مستغلة بذلك ضعف القوانين من خلال التحايل المباشر على نصوص القانون، أو من خلال البحث عن وسائل يتجاوز من خلالها تطبيق القانون كالواسطة، والرشوة، وتضارب المصالح، وإنكار ما هو معلوم بالضرورة من النصوص الحاكمة لهذه الضوابط، خاصة عندما تسود ثقافة معززة بقناعات أغلب أفراد المجتمع أن تطبيق القانون هو مفهوم مفرغ من معناه، أو هو فقط للاستهلاك الإعلامي لا أكثر، خاصة عندما تتكاثر السلوكيات والممارسات التي لا تلتزم بالضوابط والمعايير المنصوص عليها، والدليل على ذلك هو أنه في حضرة القائم على تطبيق القانون؛ يكون هناك التزام مطلق في تطبيقه، وعند غياب هذا القائم، يتحول تطبيقه على حالة مزاجية لدى الفرد؛ إن أراد طبق، وإن أراد تجاوز، أو "دخل من الأبواب الخلفية" وإن كانت هذه حالة بشرية بحكم التربية، والمعايشة، والثقافة المجتمعية، وتراجع تطبيق العقوبات، فإنه في المقابل تحتاج إلى كثير من الجهد الخلاق لتجاوز هذه التموضعات كلها، وإعلاء صوت القانون، وإعطائه حقه الكامل من حيث التطبيق، ومن حيث ترسخ القناعات بأهمية، ولو تطلب الأمر ترسيخ ذلك عبر مناهج التربية والتعليم، بحيث تتشربه الناشئة من البدايات الأولى لعمر المعرفة.
لأنه؛ وفي ظل تموضع هذه الصورة بقتامتها؛ تكون نتيجة ذلك هو وجود خلل بنيوي؛ وسوف يتأصل مع مرور الأيام، ويكون لذلك نتائج صعبة ؛ سيتسبب تصدع كثير من العلاقات في مختلف الجوانب الجوانب الفنية، والمادية، كما سيؤثر ذلك على مستوى القناعات لدى أفراد المجتمع بأهمية تطبيق هذه الضوابط والمعايير لتسيير شؤون حياتهم اليومية أو تعطيلها، وقد تذهب إلى مستوى الحاكمية التي تعكسها هذه الضوابط والمعايير في تسيير جميع شؤون الدولة من الألف إلى الياء، ولذلك تتحمل السلطة التشريعية المسؤولية الأكبر في وضع هذه الضوابط والمعايير في مختلف شؤون الحياة العامة موضع التطبيق والمتابعة، مستحضرة في ذلك متطلبات الحياة اليومية بضرورياتها وتشابكاتها، وقواعد المجتمع القيمية "جانب فني" وإلى توافقها أو تضادها مع وقع الحياة اليومية "جانب معياري" وإلى مدى تقبلها من قبل أفراد المجتمع "جانب إقناعي" من خلال ترسخ القناعات الفردية والجماعية بأهمية الرجوع إلى هذه الضوابط والمعايير في كل شؤون حيواتهم اليومية، وإلى مدى ما يمكن أن تقدمه للحياة العامة من أمان واستقرار "جانب إشباعي للاحتياجات النفسية" لا أن تكون فقط مجرد نصوص تفعل أدوارها على منصات المحاكم فقط وبالتالي متى حدث خلل ما أو ارتباك في شأن (الضوابط والمعايير) يقينا؛ سوف يؤثر على كل هذه المنظومة المتكاملة والشاملة، وأدى ذلك إلى كثير من التصادم، وأقل هذه التصادمات هي حالة الفراغ التي لم تُملأ بالإجابة المعبرة عن قناعة ما يحدث، وإن حدث هذا؛ فهو ليس في صالح أحد على الإطلاق.
يبدو لي أن هناك ثمة علاقة طردية بين الضوابط، وبين المعايير، فكلاهما متشبث بالآخر علوا أو انخفاضا، تقدما أو تأخرا، فالضوابط هي الأسس التي يجب أن توضع لإحكام مسار معين لأي مشروع من مشروعات الحياة اليومية، وتأتي المعايير في المرحلة الثانية لقياس مدى فاعلية الضوابط الموضوعة، ومنها يمكن الحكم على النتائج المتوقعة من هذا المشروع، بناء على هذين الركنين الأساسيين، واللذين؛ يفترض؛ أن توضع لهما الحسابات الدقيقة، ولا تترك أية فرصة للاجتهاد أو التخمين، فهما بمثابة كفتي الميزان؛ إن اختلت أحداهما؛ أثر على الأخرى، وأن توافقت الكفتان، تكاملا في النتائج المتوقعة، فلا يحيد أحدهما عن الآخر، فلا يمكن أن تكون النتائج سيئة، وهي متوافقة مع المعايير، ولا يمكن أن للمعايير أن تتنازل عن سلطتها لأجل أن تتوافق مع نتائج غير خاضعة للمقاييسها الفنية والعلمية، وهذا من شأنه ما يعزز مسيرات التنمية في أبعادها المختلفة، بكل قوة ووضوح، ورؤية تستشرف أفق المستقبل بخطوات ثابتة.
والمسألة هنا غير مرتبطة بجانبها المادي البحت (مشاريع الحياة اليومية) فقط، وإنما تذهب بعيدا إلى حيث النظر في المنظومة المتكاملة للدولة كإطار محكم بالكثير من الضوابط والمعايير، وإلى حيث النظر؛ في المنظومة الاجتماعية التي هي جزء لا يتجزأ من كيان الدولة وهيكلتها، ويتسلسل بعد ذلك إلى مجموعة من المنظومات الصغيرة ضمن هياكل الدولة، حيث يأتي الحديث عن الضوابط القانونية؛ وهي أهمها، والضوابط الإنسانية؛ وهي في يد جمهورها العريض، والضوابط الاجتماعية (الأعراف والتقاليد)؛ وهي الحاكمة إلى حد ما لشخصية المجتمع، والضوابط الدينية؛ وهي الموجهة نحو المسارات الآمنة، والضوابط الثقافية؛ وهي الراعية لمجموعة من الإشباعات النفسية والمادية، والضوابط القيمية، وهي الأسس التي تحكم كثيرا من اشتغالات المجتمع فيما يحدث بين أفراده، وهذه كلها في مجموعها تسير وفق تسلسل تنظيمي معقد، يحتاج إلى كثير من التوازنات، وكثير من الحكمة، وكثير من المعالجات المحدثة التي تتواكب مع مختلف التطورات المادية والسلوكية، بحيث لا تخرج كثيرا عن النسق الذي تشهده الحياة اليومية من تطورات كمية ونوعية، وما تعيشه من أحداث، وما يتسلل عبر الحدود من رسائل موجهة وغير موجهة، ولكنه يظل نسقا ممنهجا ومحكوما بهذه الضوابط والمعايير، خاصة اليوم مع تقدم وسائل الاتصالات الحديثة، فهذا كله لا بد أن تمنهجه الضوابط والمعايير المعمول بها، وهنا مما يخفى على حصيف مستوى الجهد المبذول من كل المؤسسات المعنية بإنتاج هذه الضوابط، وهذه المعايير، للوصل إلى مستويات أفقية ورأسية من التوازن بين ما تتطلبه الحياة، وبين ما يجب أن تبقى عليه الصورة العامة للدولة ككل.
لعله من أحرج المواقف التي يقع فيها النظام السياسي نتيجة أرتباك الضوابط والمعايير وعدم توظيفها التوظيف الصحيح على الواقع؛ هو ظهور الخلل البنيوي بين مكونات المنظومة السياسية، بما ينعكس على بقية المعززات الأخرى: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وظهور الفوارق الطبقية والعرقية والجندرية واللغوية، كما يؤدي ذلك إلى ظهور جماعات المصالح (الأوليغاركات/ النخب الاقتصادية والسياسية) وتسلطها على المال العام، مستغلة بذلك ضعف القوانين من خلال التحايل المباشر على نصوص القانون، أو من خلال البحث عن وسائل يتجاوز من خلالها تطبيق القانون كالواسطة، والرشوة، وتضارب المصالح، وإنكار ما هو معلوم بالضرورة من النصوص الحاكمة لهذه الضوابط، خاصة عندما تسود ثقافة معززة بقناعات أغلب أفراد المجتمع أن تطبيق القانون هو مفهوم مفرغ من معناه، أو هو فقط للاستهلاك الإعلامي لا أكثر، خاصة عندما تتكاثر السلوكيات والممارسات التي لا تلتزم بالضوابط والمعايير المنصوص عليها، والدليل على ذلك هو أنه في حضرة القائم على تطبيق القانون؛ يكون هناك التزام مطلق في تطبيقه، وعند غياب هذا القائم، يتحول تطبيقه على حالة مزاجية لدى الفرد؛ إن أراد طبق، وإن أراد تجاوز، أو "دخل من الأبواب الخلفية" وإن كانت هذه حالة بشرية بحكم التربية، والمعايشة، والثقافة المجتمعية، وتراجع تطبيق العقوبات، فإنه في المقابل تحتاج إلى كثير من الجهد الخلاق لتجاوز هذه التموضعات كلها، وإعلاء صوت القانون، وإعطائه حقه الكامل من حيث التطبيق، ومن حيث ترسخ القناعات بأهمية، ولو تطلب الأمر ترسيخ ذلك عبر مناهج التربية والتعليم، بحيث تتشربه الناشئة من البدايات الأولى لعمر المعرفة.
لأنه؛ وفي ظل تموضع هذه الصورة بقتامتها؛ تكون نتيجة ذلك هو وجود خلل بنيوي؛ وسوف يتأصل مع مرور الأيام، ويكون لذلك نتائج صعبة ؛ سيتسبب تصدع كثير من العلاقات في مختلف الجوانب الجوانب الفنية، والمادية، كما سيؤثر ذلك على مستوى القناعات لدى أفراد المجتمع بأهمية تطبيق هذه الضوابط والمعايير لتسيير شؤون حياتهم اليومية أو تعطيلها، وقد تذهب إلى مستوى الحاكمية التي تعكسها هذه الضوابط والمعايير في تسيير جميع شؤون الدولة من الألف إلى الياء، ولذلك تتحمل السلطة التشريعية المسؤولية الأكبر في وضع هذه الضوابط والمعايير في مختلف شؤون الحياة العامة موضع التطبيق والمتابعة، مستحضرة في ذلك متطلبات الحياة اليومية بضرورياتها وتشابكاتها، وقواعد المجتمع القيمية "جانب فني" وإلى توافقها أو تضادها مع وقع الحياة اليومية "جانب معياري" وإلى مدى تقبلها من قبل أفراد المجتمع "جانب إقناعي" من خلال ترسخ القناعات الفردية والجماعية بأهمية الرجوع إلى هذه الضوابط والمعايير في كل شؤون حيواتهم اليومية، وإلى مدى ما يمكن أن تقدمه للحياة العامة من أمان واستقرار "جانب إشباعي للاحتياجات النفسية" لا أن تكون فقط مجرد نصوص تفعل أدوارها على منصات المحاكم فقط وبالتالي متى حدث خلل ما أو ارتباك في شأن (الضوابط والمعايير) يقينا؛ سوف يؤثر على كل هذه المنظومة المتكاملة والشاملة، وأدى ذلك إلى كثير من التصادم، وأقل هذه التصادمات هي حالة الفراغ التي لم تُملأ بالإجابة المعبرة عن قناعة ما يحدث، وإن حدث هذا؛ فهو ليس في صالح أحد على الإطلاق.