(1)

في كتابها (العبودية في العصر الحديث) المكون من مقدمة وأربعة فصول هي: «من العبودية القديمة إلى العبودية الحديثة»، و«حقبة تجار الزنوج»، و«الجدل الفكري»، و«نحو عتق القرن التاسع عشر»، وخاتمة، تكتب الإيطالية الباحثة في التاريخ الحديث باتريسيا ديلبيانو، ترجمة أماني فوزي حبشي فقرة مهمة حول مفهوم العبودية الذي تطور عبر التاريخ تقول: «... إلا أن طريق الحرية كان وما زال طويلا وشاقًا، ذلك أننا لو تتبعنا المسارات المتنوعة لإلغاء تجارة الرقيق وعتق العبيد في أوروبا والأمريكيتين، لوجدنا عوامل جديرة بالتأمل تفسر لنا وجود أشكال أخرى للاستعباد في العالم المعاصر، وهذه العوامل إنما تكشف لنا أن الوسائل نفسها التي استخدمت في القضاء على العبودية قد مهدت الطريق أمام عبوديات جديدة من الخضوع، ذلك السلوك الذي يحيا بموجبه، معتمدين على ما يقدمه الآخرون لهم من خدمات».

وما يلفت الانتباه حول عنوان هذا الكتاب، إشارة الشكر التي وجهتها المؤلفة إلى أصدقائها وزملائها الذين أسهموا في إنجاز النص في أثناء مؤتمر العبودية في العصر الحديث؛ فالمرء يُدهشه هذا العنوان متسائلا: هل حقا ما زالت هناك عبودية ومؤتمرات تناقشها؟ لقد هالني عنوان المؤتمر على نحو شخصيّ جدًا، ففكرة العبودية لم تنته بعد، والطريق إلى الحرية طويل جدًا وشاق.

(2)

لم يكن فيلم (المرأة الملك) العمل الفني الأول الذي انحصرت بطولته على النساء. ففي المسرح الإغريقي نستشهد بمسرحية (برلمان النساء) لمؤلفها أريستوفانيس وعرضت في (392 ق.م) وكذلك مسرحية (بيت برنارد ألبا) للشاعر لوركا وكتبها في عام (1936م) ومع وجود الفارق الواسع بين جميع هذه الأعمال من حيث الموضوع وأسلوب المعالجة الدرامية، فإنّ فكرة اقتصار البطولة الجماعية على النساء ليست حديثة أو جديدة في الطلق، حتى وإن كانت أدوار النساء في المسرح الإغريقي يؤديها الممثلون. إنما الذي يُحسب لفيلم المرأة الملك أن نساءه سوداوات، وأن خوض مغامرة فيلم جماعي يعتمد على لغة الجسد دون التقليل من تعميق النواحي الشعورية الخاصة للبطلات والتأكيد على بعض مفاصل جزيئات الحياة والطقوس الإفريقية قد جعل من الفيلم علامة مضيئة لجميع بطلاته.

جاء الفيلم بتوقيع المخرجة (جينا برينس بيثوود وسيناريو (دانا ستيفنز) ومن بطولة (فيولا ديفيس دور نانيسكا، والنجمة الصاعدة ثوسو مبيدو في دور ناوي، ولاشانا لينش في دور إيزوغي، وشيلا أتيم في دور أمينزا حاملة الرمح، وجيمي أودكويا ملك الأوا وجون بوييغا في دور الملك غيزو.

من بين المشاهد التي استوقفتني في الفيلم موقف التعاون الحاصل بين (أبوآدي) الشخصية التي لعب دورها الممثل (جيمي أودكويا) باقتدار مناسب، وتشجيعه على تجارة بيع العبيد دون أن يتأثر بهوية المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه! إلى تاجر العبيد سانتو فيريرا الذي مثّل شخصيته الممثل Hero Fiennes فهو يُجسّد سلطة المستعمر الإمبريالي في مختلف تجلياتها الأوروبية (الإنجليزية والأمريكية، والبرتغالية) يقابل ذلك - وكأن الفيلم ينبني على المرآوية - شخصية (مالك الذي أدى دوره الممثل Jordan Bolger) النصف داهومي من قبل الأم؛ إذّ يكشف هذا المشهد في بنيته الثقافية المضمرة الكيفية التي لا يُدرك بها المستَغِل كيف صار مُستغَلًا، فمالك كان يرغب في زيارة موطن أمه للبحث عن جذوره، في مقابل كان هناك من لديه الاستعداد لبيع جذوره كلها.

إن أبشع أنواع الاستعمار ليس غزو الأجنبي لأرض أجنبية والسيطرة عليها، بل يفوقه الاستلاب الثقافي ورضوخ الشخصية المحلية للغازي والتسليم المطلق أنه على حق. لقد انتصر الفيلم لتمثيلات الحرية وأكد على ضرورة وعي الذات بالمقاومة ومواجهة المستعمر.

إذا كانت ثمة إيجابيات في هذا الفيلم الذي تعود فكرة إنتاجه إلى عام 2015م أي نواحٍ مشجعة، فيمكن إجمالها في عودة الأفلام الملحمية التي تساندها كتابة روائية بلغة العصر الحديث تتعمد تناول حياة شرائح اجتماعية كوزموبوليتانية تناضل من أجل حريتها وإنسانيتها.

ومن جانب آخر، المنظور الاستعماري البحت للاحتلال والاستعمار الأسود للشعوب يجري اليوم تقويضه وتفكيكه عبر وسائل متعددة منها السرد أو المواجهة بالسلاح أو بالفنون ومن بينها المسرح والسينما والتشكيل. في تشابك ما بين الواقعي والسحري، حفل الفيلم بمشاهد جميلة آسرة تمثلت في الرقصات والأصوات الأقرب إلى نشأة الطبيعة النابعة من قلب إفريقيا، وفي الختام، سأكرر مع ويندي إيد: «إنك ستقضي مع الفيلم وقتا ممتعا، فشاهده على أكبر شاشة يمكنك العثور عليها».