عمّان "العُمانية": يجمع كتاب "العمارة العربية الإسلامية" للباحث المهندس بديع العابد، مفاهيم الفكر المعماري العربي والعربي الإسلامي من المصادر العربية والإسلامية، في منظومة فكرية واحدة. ويتكون الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، من أحد عشر فصلًا، توثق مفاهيم ومبادئ الفكر المعماري العربي الإسلامي، وقد انتهج فيه المؤلف منهجًا استقرائيًّا شموليًّا؛ ملتزمًا بمبادئ ورؤى فلسفة التاريخ العربي والإسلامي، رابطًا بينها وبين منهجيات تفسير العمارة العربية الإسلامية وممارستها. يرصد العابد البداية الزمنية للفكر المعماري العربي في حضارات قديمة كالعراق ومصر، حيث تشكّل مرحلة العروبة غير الصريحة في التاريخ العربي، ويبيّن عدم إمكانية تحديد بداية للفكر المعماري في هذه الحضارات؛ لأنها وصلت إلينا آثارًا وليس إرثًا. ويتحرّى الكتابُ البدايةَ في الجاهلية، التي تمثل مرحلة العروبة الصريحة قبل الإسلام في التاريخ العربي؛ وهي بداية ارتقى بها القرآن الكريم من مشروع فكري تحت التأسيس إلى مشروع فكري قيد التأسيس، ترك أمر تفصيله وتأطيره نظريًّا للفقهاء والمفكرين العرب والمسلمين. ويتعرض الكتاب لمفهوم البداية مبينًا أنها تتضمن معنيين: تاريخي، وبنائي. فالأول ينتهي لحظة تسجيل البداية زمنيًّا، ليترك حرية المسار للمعنى البنائي، الذي يبيّن ويوثّق مرحلة التشكل، التي بدورها تنتهي إلى مرحلة تكوين المشروع الفكري. ويحدد الكتاب مصدرًا واحدًا لتفسير الفكر المعماري العربي في الجاهلية، هو الشعر الجاهلي. كما يحدد ستة مصادر لتفسير الفكر المعماري العربي الإسلامي، هي: الديني، والأدبي، والجغرافي، والتاريخي، والعلمي، والمعماري. ثم يوضح إسهامَ كل مصدر من المصادر الخمسة الأولى في تشكيل بنية ذلك الفكر، التي أوصلته، بدورها إلى مرحلة تكوينه في المصدر السادس "المعماري". ويشير الباحث إلى أن الفكر المعماري يشتمل على إطارين؛ الأول خاص بدراسة الظاهرة المعمارية وتفسيرها، والثاني بممارستها. ولتحقيق ذلك يتحرى الكتاب الجزئيات المشكِّلة للفكر المعماري ويتعقّبها في المصادر المختلفة، فيجمعها ويحللها ويعيد تصنيفها وتوظيفها معماريًّا، ويصل بها إلى منظومة فكرية معمارية محكمة التكوين ومكتملة البناء؛ ملتزمًا بالنظامين العَقَدِيّ والعقائدي المعرفي للحضارة العربية الإسلامية، وبفلسفة التاريخ الإسلامي. ويبيّن الكتاب أن مرحلة التشكل أتاحت التعرف على الفكر المعماري من خارجه، فبيّنت موجباتِ وجوده وصفاته وخصائصه وشكْلَ بُنيته؛ بينما أتاحت مرحلة التكوين "المصدر المعماري" التعرف على الفكر المعماري من داخله، أي من نظام العلاقات فيه، القابلة للنقد والتحليل والمقابلة والمعارضة والإضافة. ويستعرض الباحث في الفصول السبعة الأولى من كتابه أساليبَ تفسير العمارة، وحضورها الاجتماعي والثقافي والفكري، وتشابكها المعرفي مع ظواهر ومباحث الثقافة العربية الإسلامية، كما يبيّن أصالة العمارة العربية الإسلامية، وحضور الظاهرة المعمارية في الظواهر والمنظومات المعرفية الأخرى، وفي الوجدان الجمعي الشعبي، ويوضح دورها في تشكيل بعض الظواهر الحضارية والمنظومات المعرفية في الحضارة العربية الإسلامية، وتاريخ العمارة، والآثار. وتتناول الفصول السبعة الأولى أيضًا: أسس ومبادئ ومفاهيم التخطيط العمراني، كشروط اختيار مواقع المدن "الأمنية، والبيئية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية"، ونظرية التخطيط العمراني المتكامل الشبيه بآلية عمل الجسد، والهيكل التنظيمي للمدينة، ونسيجها العمراني وعناصرها الحضرية، وتراتبية الإدارة وطبيعتها في المدينة، وتركيبة السكان وأنشطتهم اليومية، وحركية المدينة، والحياة الاقتصادية ومصادرها. وفي الفصول الأربعة الأخيرة، يعرض الباحث واقع حال العمارة الإسلامية وفكرها المعماري أثناء تراجع الحضارة الإسلامية، ويشخّص واقعها المعاصر وحضورها وانحسارها وتأثيرها وتأثرها، ويقترح سبلًا لاستعادة حضورها وتوظيف فكرها في المناهج الدراسية بكليات العمارة، وفي الممارسات العملية. ويبين العابد تأثير العمارة العربية الإسلامية على العمارة اليونانية والبيزنطية والفارسية، وكذلك على العمارة الأوروبية، مستعرضًا الأفكار والنظريات والنظم التي نقلها المعماريون الأوروبيون عن المعماريين والعلماء العرب، كأسس رسم المنظور، والمقياس الإنساني، والنسب، والزخارف. ويشير الباحث إلى تأثير التخطيط العمراني للمدن العربية على المدن الأوروبية، وبصفة خاصة تخطيط مدينة القدس، ويُظهر أسباب انحسار العمارة العربية الإسلامية، وتأثير العمارة الغربية عليها، كما يبيّن دور الجامعات العربية في انحسار العمارة العربية الإسلامية، وتغييب الفكر المعماري العربي الإسلامي واستبدال الفكر المعماري الغربي به؛ ما ساهم في تبعية العمارة العربية الإسلامية للعمارة الغربية. ومما يخلص إليه الكتاب، أن الفكر المعماري العربي الإسلامي -بشمولية محتواه، وإمكانيات أداته، وآلية إنتاجه، وحضوره في ظواهر الثقافة الإسلامية- هو فكر شامل في موضوعاته، مستقل بذاته، محصَّن بقدراته، يستوعب المستجدات الفكرية والفلسفية والتقانية، كما أنه أقدم زمنيًّا وأعمق معرفيًّا من أيّ فكر معماري آخر، وله حضوره المعاصر بالرغم من محاولات تغييبه، لكن ينقصه الاعتراف، ويعوزه التوظيف.