من علماء الإدارة القدماء والذين ساهمت نظرياتهم في دراسة إنتاجية الفرد، العالم الأمريكي فيردريك تيلور (1856-1915)، كما أنه يُعرف بـ«أبو الإدارة العلمية». حيث تتلخص إحدى نظرياته في أن المراقبة الدقيقة للحركة والوقت ومعرفة الحركات المهدرة تعد من أفضل الطرق التي تعمل على تحسين الإنتاجية. كما تأخذ الإنتاجية (Productivity) عدة معان منها: أنها معدل إنتاجية الفرد أو الآلة التي تستخدم في تصنيع المادة أو السلعة مقاسا بالزمن المستغرق سواء بالساعة، اليوم، السنة أو معدل الدوران. سابقا كانت الإنتاجية، تعتمد على القوة البدنية، وكذلك مقدار ما لدى العامل من معارف أو مهارات، لكن بعد دخول عصر التكنولوجيا في الصناعة والإنتاج فإنها أصبحت ضمن العوامل الأساسية التي يعتمد عليها في قياس ورفع معدل الإنتاجية أو الكفاءة الإنتاجية.

وفي القطاع الحكومي تأثرت إنتاجية الموظف أو المسؤول الحكومي بعوامل عديدة، منها ما يتعلق بالشكل التنظيمي للوزارة والذي يتكوّن من تقسيمات هيكلية كل تقسيم يعنى بتحقيق أهداف وعمليات محددة. كما أن الإنتاجية يدخل في قياسها معدل تنفيذ المشاريع التنموية أو الخدمية حسب الخطط التشغيلية المحددة لها فترات زمنية وبموازنات معتمدة سنويا حسب العمر الافتراضي لكل مشروع. بعد ذلك وأيضا بهدف رفع مستوى الإنتاجية وتبسيط الإجراءات تم تعديل بعض الهياكل التنظيمية للوزارات أو المؤسسات الحكومية بحيث تتناسب مع متطلبات الإنتاجية والسرعة والديناميكية في آليات اتخاذ القرار الحكومي، فجاء التفكير في إنشاء هيئات ومؤسسات عامة متفرعة من تلك الوزارات بحيث يكون لها استقلال إداري وتُدار ضمن قوانين وتشريعات تختلف جزئيا عن المنظومة الحكومية الموحدة. أيضا بعد فترة من الزمن وفي طور المراجعة الحكومية التي تهدف إلى تسريع التنمية وتحقيق مستوى أفضل من الإنتاجية تمت ملاحظة أن هذه الهيئات أو المؤسسات العامة أصبحت كثيرة مقارنة بمستوى الخدمات المطلوب تحقيقها أو تقديمها مقارنة بعدد السكان الذين تصل لهم تلك الخدمات. كما أن كثرتها وتنوعها وصف بأنه نوع من «الترهل الحكومي» الذي لم يساعد في الوصول لمستوى التوقعات المخطط له. كما أن المواطن أو طالب الخدمة على سبيل المثال، تتكرر مراجعاته للمؤسسات الحكومية بشكل مستمر وأن العمل داخل المؤسسة الحكومية لم يحقق الإنتاجية والتكامل بين تقسيماتها الهيكلية على المستوى المركزي (ديوان عام الوزارة)، وفروعها بالمحافظات من حيث مستوى السرعة والجودة في تنفيذ العمليات التشغيلية، حيث إنه في أحيان كثيرة يبدأ تقديم طلب الخدمة أو المعاملة، بالولاية أو المحافظة وغالبا ينتهي بها المطاف بديوان عام الوزارة، مع ما يصاحب الدورة المستندية من إجراءات ووقفات بكل مرحلة حسب مستوى التفويض الإداري لكل مسؤول حكومي. وفي سبيل التقليل من تكرار المراجعات وتبسيط الإجراءات وزيادة معدل الإنتاجية للموظف والمسؤول الحكومي، صدرت توجيهات سامية في عام 2011م بإنشاء دوائر لخدمة المراجعين بكل وزارة ومؤسسة حكومية تقدم خدمات عامة للمواطنين، حيث تعمل هذه الدوائر كحلقة وصل من حيث تجميع واستقبال الطلبات والاستفسارات وتحويلها للدوائر المختصة للبت فيها لعلها تسهم في زيادة معدل الإنتاجية للموظف أو المسؤول الحكومي حسب المستوى التنظيمي لتسلسل اتخاذ القرار. وإن كان من غير الممكن إطلاق الحكم جزافا عن مدى تمكن دوائر خدمات المراجعين من المساهمة في رفع مستوى الإنتاجية سواء من حيث العدد أو الزمن المطلوب للبت في الطلبات أو المعاملات الحكومية وذلك لعدم توفر بيانات أو مؤشرات قياس أداء (إنتاجية) لتلك الدوائر على المستوى الوطني. إلا أن الزائر أو المراجع للوزارات الخدمية في منطقة الخوير أو مرتفعات المطار وهو المكان الحالي لتجمع المؤسسات الحكومية، يلاحظ دون شك الأعداد الهائلة من طوابير السيارات والتي لم تسعها مواقف المراجعين بكل مؤسسة حكومية، ليخرج سؤالا من أولئك المراجعين بأن أغلبهم لم يعطوا عند تقديم الخدمة مدة زمنية محددة لإنجاز معاملاتهم، وبالتالي مراجعاتهم المستمرة هي للبحث عن إجابات عن الموقف الزمني لتلك المعاملات. كما أن ذلك التكدس من السيارات يعمل على زيادة معدل انبعاثات احتراق الوقود ويؤثر سلبا على كفاءة النقل البري وبالتالي لا يتوافق مع مخرجات مختبر الكربون واعتماد عام 2050م عاما للحياد الصفري الكربوني بسلطنة عمان.

في المقابل فإن الصورة تكون أكثر إيجابية وبأن الإنتاجية وتحسين الخدمات أنتهجتها شرطة عمان السلطانية بشكل ديناميكي وبتطبيق أحد معاني الجودة: وهو التحسين المستمر للعمليات المقدمة للمواطنين. فتجد أن هناك منحنى صعوديا متمثلا في أتمتة الخدمات التي يقدمها جهاز الشرطة وبأن هناك تطبيقا لمعنى الإنتاجية المتمثلة في إعادة هندسة إجراءات تقديم الخدمة وتقليل الإجراءات والزمن المهدر الذي يعيق الإنتاجية والتطبيق السلس والتدريجي للتحول الرقمي في إنجاز المعاملات. في السياق ذاته فإن المتابع لأغلب اجتماعات مجلس الوزراء، يلاحظ أنه قلما يخلو من توجيه نحو حث الوحدات الحكومية بسرعة البت في المعاملات وبضرورة العمل على تسهيل وتبسيط الإجراءات وتجويد الأداء الحكومي الذي يسهم في رفع مستوى الإنتاجية، كما أن تلك التوجيهات تأتي متناغمة مع الأهداف المرجو تحقيقها برؤية عمان من رفع معدل نمو إنتاجية العمال من سالب (1.2%) في 2017م للوصول بها إلى نسبة موجبة بين (2 - 3%) بحلول عام 2040م.

كما أن مؤشر إنتاجية الموظف أو المسؤول الحكومي «حسب تدرج الصلاحيات» من الممكن قياسها بالفترة الزمنية التي يستغرقها إنجاز المهمة أو الخطة التشغيلية. فعلى سبيل المثال قياس إنتاجية الموظف تحسب بكمية المعاملات المنجزة أو المهمات الموكلة خلال وقت زمني يبدأ من استلام المعاملة ورقيا أو إلكترونيا واكتمال مسارها حتى الانتهاء منها. في المقابل فإن المسؤول الحكومي إنتاجيته تتمركز في المقدرة على استكمال الخطط الاستراتيجية أو التشغيلية المتمثلة في المشاريع التنفيذية وبمقدار الموازنة أو المبلغ المعتمد حسب المرئيات التي قدمها عند اعتماد الخطة أو المشروع. نأخذ مثالا من المشاريع الإنمائية للوحدات الحكومية التي تُعتمد لها مبالغ سنوية ضمن الموازنة العامة للدولة ويكون لها إطار زمني للتنفيذ، عليه فإن الإنتاجية تُقاس بمدى تنفيذ ذلك المشروع دون تأخير خارج عن إرادته ودون المطالبة بمبالغ إضافية عن المعتمد له سابقا. عليه فإن أغلب اجتماعات مجلس المناقصات يكاد لا يخلو من المشاريع التي لم تنفذ حسب المخطط الزمني أو المالي لها، وبالتالي تضطر الدولة إلى اعتماد مبالغ مالية إضافية، وأيضا يؤدي ذلك إلى مزيد من التأخير في التنفيذ، هذا قد يعطي مؤشرا إلى أن مسار الإنتاجية للمسؤول الحكومي لم يصل للمستوى المطلوب. مثال آخر، عند الإيفاد في المهمات الرسمية خارج الدولة للمسؤولين الحكوميين والتي عادة تهدف للارتقاء بمنهجية العمل والاطلاع على تجارب الدول الأكثر تقدما، فإن لم يكن العائد من الإنفاق على تلك المهمات له فوائد إيجابية أعلى من تكاليفها فإن ذلك يؤثر على إنتاجية المسؤول الحكومي من حيث عدم توجيه الموارد المالية في مجالات أكثر ملاءمة أو أن العائد على الاستثمار (Return on Investment) لم يتحقق بكفاءة ومستهدفات مالية عالية.

إن رفع معدل الإنتاجية سواء للموظف أو المسؤول الحكومي هدف محوري يحتاج إلى جهد مضاعف ولعله يؤكد أهمية الاستراتيجية التي دشنتها وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في وقت قريب، المتمثلة في تبنّي التحول الرقمي في تقديم الخدمات على المستوى المركزي (الوزارات) وأيضا على نطاق المحافظات والذي قد يقود إلى تجويد الأداء الحكومي بشكل أفضل.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس