تمتلك سلطنة عُمان إرثا تاريخيا ورصيدا حضاريا يمتد عبر آلاف السنين، تمكنت عُمان من خلاله أن تتبوأ مكانة متقدمة بين الأمم والشعوب عبر الفترات الزمنية المختلفة، وأن تحوز على تقدير واحترام مختلف القوى.. الإقليمية منها والعالمية، وما كتب عن عُمان وعن تاريخها المجيد وحضارتها العظيمة في مختلف المؤلفات العربية والإسلامية والغربية، يؤكد كيف أن الإنسان العُماني كافح من أجل أن يصل إلى ما وصل إليه.
ولطالما كانت المرأة العُمانية شريكة للرجل في صنع تاريخ هذا البلد وفي بناء حضارته في مختلف المجالات، السياسية منها والدينية والعلمية والاقتصادية وغيرها، وحفظ لنا تاريخ عُمان نماذج مشرفة للمرأة العُمانية، وما قامت به تجاه وطنها وأمتها، فكانت بحق مفخرة من مفاخر مكونات هذا الوطن العزيز، ونموذجا يقتدى به، وكيف أن صنع تاريخ الأوطان وتعزيز مكانتها وريادتها، هو واجب متاح لجميع مكونات أهله وفئات سكانه. وعندما نستعرض دور المرأة العُمانية في تاريخ عُمان، فإن المجال بالطبع هنا لا يكاد يسع أن نعدد جميع مآثرها، ونسرد كل تفاصيل مناقبها، نظرا لما تميزت به من إرادة في البناء ومن غزارة في الإنتاج، فتحملت المسؤولية عندما استدعت الحاجة إلى ذلك، وكانت عند حسن ظن المجتمع بها، وفي يومها المجيد، لا بد أن نتوقف عند نماذج نتعرف من خلالها إلى الأدوار المتعددة التي قامت بها المرأة العُمانية عبر الفترات الزمنية المختلفة.
وفي العصور القديمة يشير بعض الباحثين والمؤرخين المعاصرين إلى اسم يتداول في تاريخ عُمان منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، الملكة (شمساء) التي يعتقد بأنها حكمت عُمان، واستغلت النحاس الذي كانت تشتهر به آنذاك من أجل توطيد علاقات بلادها التجارية والحضارية مع الشعوب المجاورة، خاصة بلاد ما بين النهرين، وفي درء الأخطار الخارجية عنها، في وقت كانت فيه المنطقة تعج بالكثير من التحديات الكبيرة، وبالمنافسة بين أبرز القوى فيها.
وعندما أشرقت شمس الإسلام الذي أنعم الله به على أهل عُمان وقادتها، أخذ دور المرأة العُمانية يتبلور بشكل أكبر، رغبة منها في خدمة الدين والوطن، فكان اسم الشعثاء بنت الإمام جابر بن زيد في مقدمة النساء العُمانيات اللاتي افتتحن دور المرأة العُمانية في الإسلام في الداخل العُماني، وهي التي تنحدر من مدينة فرق بنزوى، نشأت في ظل والدها الإمام جابر الذي عرف بسعة علمه، وكان من أشهر التابعين في تاريخ الإسلام، فنهلت من علمه الكثير، وأخذت على عاتقها مهمة نشره، وكانت مقصدا لنساء عصرها في أمور الدين، وقبرها لا يزال معروفا في مدينة فرق بنزوى حتى يومنا هذا.
وفي العصور الحديثة من تاريخ عُمان، واصلت المرأة العُمانية الاضطلاع بمسؤولياتها والقيام بواجباتها، ففي عهد دولة اليعاربة الممتدة من عام 1624 وحتى 1744م، التي أحدث أئمتها نقلة نوعية في الثراء المعرفي وفي التطور العلمي، لم تغفل نساء عُمان عن الأخذ بزمام المبادرة في ذلك، استشعارا منهن بالمسؤولية الملقاة على عاتقهن، وهنا نجد أن الشيخة عائشة بنت راشد الريامية تتصدر المشهد بين نساء عصرها، فكانت العالمة الجليلة التي عرفت بإسهاماتها العلمية وبغزارة اطلاعها وبمواقفها السياسية، أخذت العلم عن كبار العلماء والمشايخ خاصة في نزوى والرستاق، وأسست مدرسة في مدينتها بهلا ودرست فيها، وأصبحت مقصدا لطلاب العلم، فتتلمذ على يديها عدد من العلماء، كما اضطلعت بالإفتاء، وكان لها دور كبير فيها، وقد جمعت فتاواها في مؤلفات عدة.
وفي عهد دولة البوسعيد التي أشرق نورها على يد مؤسسها الإمام أحمد بن سعيد في عام 1744م، واصلت المرأة العُمانية حضورها البهي، وريادتها المشروعة، فحفظ لنا تاريخ هذه الدولة الكثير من أسماء النساء العُمانيات اللاتي استحققن أن تخلد أسماؤهن بماء الذهب، في مختلف الأصعدة والمجالات المتاحة.
ففي الجانب السياسي لا يمكن تجاوز اسم السيدة موزة بنت الإمام المؤسس أحمد بن سعيد، التي عدت بحق من أبرز الشخصيات النسائية العُمانية في التاريخ الحديث، نظرا لاضطلاعها المشهود بأدوار سياسية وعسكرية كبيرة بعد وفاة أخيها السيد سلطان بن أحمد سنة 1804م، فقد كان أبناؤه صغارا، وفي مرحلة انتقالية وصعبة، فتحملت مسؤوليتها بكل همة وشجاعة تجاههم وتجاه الوطن، فكانت بمثابة الوصي لابن أخيها السيد سعيد المرشح لخلافة والده، وعملت على إدارة شؤون البلاد وتأمين انتقال الحكم إليه بعد بلوغه سن الرشد، ومساندته في استقرار الأوضاع، ونجحت في العبور بهذا الوطن إلى شاطئ الأمان والاستقرار، وظلت على عهد عُمان بها، حتى وفاتها فترة حكم ابن أخيها السيد سعيد بن سلطان، صانع الإمبراطورية العُمانية الحديثة.
وفي جانب الشعر والأدب كان لحواء عُمان أيضا نصيبها في المشهد الثقافي، فكانت الشيخة عائشة بنت سليمان بن محمد الوائلية، شخصية نسائية عُمانية مؤثرة في القرن العشرين، خلال فترة حياتها الممتدة من عام 1866 وحتى 1928م، عرف عنها الشعر واشتغلت في تدريس القرآن الكريم، كانت نشأتها في بهلا، لتنتقل منها إلى الرستاق كمحطة أخرى تمارس فيها إبداعها وتميزها وحضورها السياسي كذلك.
وفي الجانب الديني لا بد أن نستحضر اسم واحدة من أشهر نساء عُمان في القرن العشرين، الشمساء بنت سعيد الخليلية، ابنة العالم المحقق، وزوجة الإمام عزان بن قيس، والتي كانت مرجعا لنساء عصرها يقصدنها للفتوى وحل المشكلات، وتركت أوقافا كثيرة في سمائل، وحفظت لها جوابات فقهية مخطوطة، وظلت تمارس دورها تجاه بنات وطنها حتى وفاتها في عام 1933م.
وفي جانب الأعمال الخيرية، عرفت المرأة العُمانية بالكرم وبالسخاء والإنفاق، ولنا في السيدة ثريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية نموذجا يحتذى به في ذلك، وهي التي أوقفت أموالا كثيرة في بوشر لعمارة المساجد وطلبة العلم، وإليها ينسب بيت المقحم، الذي يعد من المعالم الأثرية في بوشر بمسقط، ويعرف أيضا ببيت السيدة ثريا.
ولأن مكانة المرأة العُمانية تجاوزت نطاقها المحلي إلى ما هو أبعد من ذلك مثل ما أشرنا من قبل، فلم تتوقف في التاريخ المعاصر في أن تكون سابقة لمن قبلها وملهمة لمن جاء بعدها، لذلك كان الحديث عن فاطمة بنت سالم بن سيف المعمرية، رائدة عُمانية من القرن العشرين، كونها أول امرأة من عُمان والخليج تحصل على شهادة الدكتوراة، والمرأة الثانية في ذلك على مستوى الوطن العربي، وهي التي يعود أصلها إلى بلدة المنزفة بإبراء، ولدت بزنجبار، ودرست في مصر، وشغلت العديد من الوظائف في مصر، ثم عادت إلى عُمان في ثمانينيات القرن الماضي، ملبية نداء الواجب تجاه وطنها فيما تبقى من عمرها الذي توقف عند عام 2002م.
تلك كانت نماذج فقط مما حفل به تاريخ عُمان منذ القدم وحتى العصر الحديث من بناته ونسائه المجيدات، وإلا فالقائمة تطول إلى أكثر من ذلك، ممن يستحقن أن يبرز دورهن، في يوم مستحق من أيام هذا الوطن العزيز، فهنيئا لعُمان بهن وهنيئا لهن بعُمان.
أكاديمي وباحث في التاريخ العماني
المكرم الدكتور محمد بن حمد الشعيلي
ولطالما كانت المرأة العُمانية شريكة للرجل في صنع تاريخ هذا البلد وفي بناء حضارته في مختلف المجالات، السياسية منها والدينية والعلمية والاقتصادية وغيرها، وحفظ لنا تاريخ عُمان نماذج مشرفة للمرأة العُمانية، وما قامت به تجاه وطنها وأمتها، فكانت بحق مفخرة من مفاخر مكونات هذا الوطن العزيز، ونموذجا يقتدى به، وكيف أن صنع تاريخ الأوطان وتعزيز مكانتها وريادتها، هو واجب متاح لجميع مكونات أهله وفئات سكانه. وعندما نستعرض دور المرأة العُمانية في تاريخ عُمان، فإن المجال بالطبع هنا لا يكاد يسع أن نعدد جميع مآثرها، ونسرد كل تفاصيل مناقبها، نظرا لما تميزت به من إرادة في البناء ومن غزارة في الإنتاج، فتحملت المسؤولية عندما استدعت الحاجة إلى ذلك، وكانت عند حسن ظن المجتمع بها، وفي يومها المجيد، لا بد أن نتوقف عند نماذج نتعرف من خلالها إلى الأدوار المتعددة التي قامت بها المرأة العُمانية عبر الفترات الزمنية المختلفة.
وفي العصور القديمة يشير بعض الباحثين والمؤرخين المعاصرين إلى اسم يتداول في تاريخ عُمان منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، الملكة (شمساء) التي يعتقد بأنها حكمت عُمان، واستغلت النحاس الذي كانت تشتهر به آنذاك من أجل توطيد علاقات بلادها التجارية والحضارية مع الشعوب المجاورة، خاصة بلاد ما بين النهرين، وفي درء الأخطار الخارجية عنها، في وقت كانت فيه المنطقة تعج بالكثير من التحديات الكبيرة، وبالمنافسة بين أبرز القوى فيها.
وعندما أشرقت شمس الإسلام الذي أنعم الله به على أهل عُمان وقادتها، أخذ دور المرأة العُمانية يتبلور بشكل أكبر، رغبة منها في خدمة الدين والوطن، فكان اسم الشعثاء بنت الإمام جابر بن زيد في مقدمة النساء العُمانيات اللاتي افتتحن دور المرأة العُمانية في الإسلام في الداخل العُماني، وهي التي تنحدر من مدينة فرق بنزوى، نشأت في ظل والدها الإمام جابر الذي عرف بسعة علمه، وكان من أشهر التابعين في تاريخ الإسلام، فنهلت من علمه الكثير، وأخذت على عاتقها مهمة نشره، وكانت مقصدا لنساء عصرها في أمور الدين، وقبرها لا يزال معروفا في مدينة فرق بنزوى حتى يومنا هذا.
وفي العصور الحديثة من تاريخ عُمان، واصلت المرأة العُمانية الاضطلاع بمسؤولياتها والقيام بواجباتها، ففي عهد دولة اليعاربة الممتدة من عام 1624 وحتى 1744م، التي أحدث أئمتها نقلة نوعية في الثراء المعرفي وفي التطور العلمي، لم تغفل نساء عُمان عن الأخذ بزمام المبادرة في ذلك، استشعارا منهن بالمسؤولية الملقاة على عاتقهن، وهنا نجد أن الشيخة عائشة بنت راشد الريامية تتصدر المشهد بين نساء عصرها، فكانت العالمة الجليلة التي عرفت بإسهاماتها العلمية وبغزارة اطلاعها وبمواقفها السياسية، أخذت العلم عن كبار العلماء والمشايخ خاصة في نزوى والرستاق، وأسست مدرسة في مدينتها بهلا ودرست فيها، وأصبحت مقصدا لطلاب العلم، فتتلمذ على يديها عدد من العلماء، كما اضطلعت بالإفتاء، وكان لها دور كبير فيها، وقد جمعت فتاواها في مؤلفات عدة.
وفي عهد دولة البوسعيد التي أشرق نورها على يد مؤسسها الإمام أحمد بن سعيد في عام 1744م، واصلت المرأة العُمانية حضورها البهي، وريادتها المشروعة، فحفظ لنا تاريخ هذه الدولة الكثير من أسماء النساء العُمانيات اللاتي استحققن أن تخلد أسماؤهن بماء الذهب، في مختلف الأصعدة والمجالات المتاحة.
ففي الجانب السياسي لا يمكن تجاوز اسم السيدة موزة بنت الإمام المؤسس أحمد بن سعيد، التي عدت بحق من أبرز الشخصيات النسائية العُمانية في التاريخ الحديث، نظرا لاضطلاعها المشهود بأدوار سياسية وعسكرية كبيرة بعد وفاة أخيها السيد سلطان بن أحمد سنة 1804م، فقد كان أبناؤه صغارا، وفي مرحلة انتقالية وصعبة، فتحملت مسؤوليتها بكل همة وشجاعة تجاههم وتجاه الوطن، فكانت بمثابة الوصي لابن أخيها السيد سعيد المرشح لخلافة والده، وعملت على إدارة شؤون البلاد وتأمين انتقال الحكم إليه بعد بلوغه سن الرشد، ومساندته في استقرار الأوضاع، ونجحت في العبور بهذا الوطن إلى شاطئ الأمان والاستقرار، وظلت على عهد عُمان بها، حتى وفاتها فترة حكم ابن أخيها السيد سعيد بن سلطان، صانع الإمبراطورية العُمانية الحديثة.
وفي جانب الشعر والأدب كان لحواء عُمان أيضا نصيبها في المشهد الثقافي، فكانت الشيخة عائشة بنت سليمان بن محمد الوائلية، شخصية نسائية عُمانية مؤثرة في القرن العشرين، خلال فترة حياتها الممتدة من عام 1866 وحتى 1928م، عرف عنها الشعر واشتغلت في تدريس القرآن الكريم، كانت نشأتها في بهلا، لتنتقل منها إلى الرستاق كمحطة أخرى تمارس فيها إبداعها وتميزها وحضورها السياسي كذلك.
وفي الجانب الديني لا بد أن نستحضر اسم واحدة من أشهر نساء عُمان في القرن العشرين، الشمساء بنت سعيد الخليلية، ابنة العالم المحقق، وزوجة الإمام عزان بن قيس، والتي كانت مرجعا لنساء عصرها يقصدنها للفتوى وحل المشكلات، وتركت أوقافا كثيرة في سمائل، وحفظت لها جوابات فقهية مخطوطة، وظلت تمارس دورها تجاه بنات وطنها حتى وفاتها في عام 1933م.
وفي جانب الأعمال الخيرية، عرفت المرأة العُمانية بالكرم وبالسخاء والإنفاق، ولنا في السيدة ثريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية نموذجا يحتذى به في ذلك، وهي التي أوقفت أموالا كثيرة في بوشر لعمارة المساجد وطلبة العلم، وإليها ينسب بيت المقحم، الذي يعد من المعالم الأثرية في بوشر بمسقط، ويعرف أيضا ببيت السيدة ثريا.
ولأن مكانة المرأة العُمانية تجاوزت نطاقها المحلي إلى ما هو أبعد من ذلك مثل ما أشرنا من قبل، فلم تتوقف في التاريخ المعاصر في أن تكون سابقة لمن قبلها وملهمة لمن جاء بعدها، لذلك كان الحديث عن فاطمة بنت سالم بن سيف المعمرية، رائدة عُمانية من القرن العشرين، كونها أول امرأة من عُمان والخليج تحصل على شهادة الدكتوراة، والمرأة الثانية في ذلك على مستوى الوطن العربي، وهي التي يعود أصلها إلى بلدة المنزفة بإبراء، ولدت بزنجبار، ودرست في مصر، وشغلت العديد من الوظائف في مصر، ثم عادت إلى عُمان في ثمانينيات القرن الماضي، ملبية نداء الواجب تجاه وطنها فيما تبقى من عمرها الذي توقف عند عام 2002م.
تلك كانت نماذج فقط مما حفل به تاريخ عُمان منذ القدم وحتى العصر الحديث من بناته ونسائه المجيدات، وإلا فالقائمة تطول إلى أكثر من ذلك، ممن يستحقن أن يبرز دورهن، في يوم مستحق من أيام هذا الوطن العزيز، فهنيئا لعُمان بهن وهنيئا لهن بعُمان.
أكاديمي وباحث في التاريخ العماني
المكرم الدكتور محمد بن حمد الشعيلي