يتضمن مصطلح "المنازلات الفكرية" بحسب تعبير الباحث أنيس النقاش؛ مجموعة من الرؤى منها تقهقر بعض الأمم عن الاحتكام على العلوم كمعطى مهم لتقدم الحياة وتطورها، وعدم قدرتها على المنازلة الفكرية، وعلى المنافسة الإنتاجية لمخرجات هذه العلوم، ومنها الاعتماد شبه المطلق لما تنتجه الأمم المتقدمة في هذه العلوم، ومنها تعطيل العقول القادرة على إحداث الفرق في مسيرات التنمية المختلفة، والطرح هنا لا يتقصد تجربة تنموية بعينها، ولكن ينظر إلى الظاهرة من خلال عناوينها العريضة.
تذهب المناقشة هنا إلى أمرين مهمين؛ فالأمر الأول: حول الفكر المضاد للفكر السائد؛ حيث الاستسلام لكل ما هو آت من الآخر البعيد، والبعيد هنا لغة وقيما، وسلوكا، وتوجها، وهو الفكر الذي يسعى إلى التغيير، ولا يستسلم للواقع بثوابته المعهودة، بل يغير الموازين، ويقلب القواعد، ويعلي من شأن هذا الإنسان الذي استخلفه الله على هذه الأرض، أما الأمر الثاني: فهو الذاهب إلى القدرة الإبداعية للفكر الوطني، المنطلق من خصوصيته الوطنية، واحتياجاته البيئية، وهو الفكر الذي يطلق عليه اصطلاحا "التفكير خارج الصندوق" وهو فكر يتجاوز النمطية السائدة، ويذهب إلى حيث الفكر اللا معقول في حاضره، أو الذي يسميه البعض الفكر "الجنوني" وهو الفكر الذاهب أكثر إلى ما يمكن أن يتجاوز به حالة الإنتاج المتحققة على الواقع اليوم، وهو فكر لن يكون مخصوصا بقوميات بعينها، أو بجغرافيات بعينها، أو بنظام سياسي بعينه، حيث يتجاوز كل هذه التموضعات، ويحل إلى حيث ما يحلم به الواقع، وإن كان ذلك له شروط؛ فشروطه قائمة كلها على الأجيال المتتالية، وهي الأجيال التي لا تقف عند حد التلقين، والتوجيه، بل تخلق لنفسها واقعا جديدا مغايرا لما هو عليه الجيل الذي سبقهم من الآباء، فالحياة في عمويتها لن تقف على جيل معين لكي تجد لها مخارج وحلولا لقضاياها الآنية أو المرحلية، وإنما تعيش حالة من الاستنفار ومن الحراك، ومن تبدل المواقع، ومن اختلاف الظروف، ومن الصدامات، ومن المخاضات، وكلما أنجزت مرحلة متقدمة كانت الرؤية تستشرف مرحلة أخرى قادرة على استيعاب متطلبات المرحلة الحاضرة، والذاهبة في التفكير إلى مرحلة قادمة، وهذه الصورة في عموميتها لا تتناقض والحاجة الماسة لجغرافية المبدع، الذي؛ إن وجد في جغرافيته التي تأخذ بيده، وتعلي من شأنه فكره، وتوصله إلى مراتب السمو في الإبداع والتميز حفزه ذلك على بذل المزيد.
تفرض التنمية أجندتها القاسية على صانع القرار، وذلك لما تواجهه من إشكاليات كثيرة، سواء مادية، أو تقنية، أو قوى عاملة بشرية، ويضاف إلى ذلك أيضا مجموع الظروف الضاغطة، وهي غالبا من تكون من الظروف المسافرة عبر الحدود، فهذه الأجندة إن لم تتوفر لها الأرضية الصلبة من الإبداع الفكري الخلاق، وهو المنطلق من خصوصيته الجغرافية والوطنية؛ فإن الحمل يكون ثقيلا، والعبء كبيرا، وهنا الأمر سيعود حتما إلى قوة الفرد الإبداعية في تجاوز الكثير من معضلات التنمية، وذلك من خلال ما يبديه من اختراعات، ومن حلول، ومن وسائل تقنية، ومن أفكار إبداعية تحل على الفهم لأول مرة، فالدولة مهما امتلكت من إمكانيات مادية بحتة، فلن يغنيها ذلك عن هذا الإنسان الذي يبدع، ويفكر، وينتج، لأن المادة حالة طارئة في كل أحوالها، واضمحلالها، أو تراجعها عن مستوياتها العليا أمر لا يجب أن يغيب عن الأذهان، ويبقى الإنسان الفاعل بفكره، وبحضوره المعرفي، هو المرتهن عليه، فبهذا الفكر والمعرفة يمكن للأجيال ان تحافظ على كينوناتها وتألقها، وبما ينسحب ذلك؛ في المقام الأول؛ على الأوطان، فالأوطان المرتكزة على التحكيم المعرفي في كل اشتغالها تظل أوطانا ساميا، لا يهمها مجمل التقلبات التي تحدث من حولها، أو في العالم البعيد عنها، فهي ترتكز على أسس ماكنة من المعرفة في كل أبعادها المختلفة، ويظل أبناؤها متميزون بما يدفعون به من معارف وأفكار لخدمة وطنهم، وأمتهم، فالشعوب مهما تقاربت، ومهما حدث بينها من تناص في شؤون الحياة المختلفة، تظل؛ في الآخر؛ تحتكم على مستوى المصالح التي تربط بعضهم ببعض، ومتى تضاءلت هذه المصالح، فإن كل البهرجة المقامة في العلاقة تصبح سرابا كأن شيئا لم يكن، ومن هنا يأتي الإعتماد على المكونات المعززة لوجود الوطن وبقائه؛ وفي مقدمتها الفكر النظيف الذي يسمو بمعطياته؛ في أولويات هذه المكونات، فهذا الفكر هو الذي يجلب الثروة، ويجلب القوة، ويعلي من شأن الوطن، وهو الذي يراهن عليه لعزة الأوطان وتقدمها.
تحل الظواهر الاجتماعية؛ كأحد مفرزات التنمية؛ المهمة في حياة الشعوب، تحل بحمولة لا يستهان بها التحديات والقضايا والمشاكل المتعددة في كثير من مجالات الحياة اليومية لدى الناس، ولأنها مرتبطة بالتنمية، فإن ذلك يستدعي؛ في المقابل؛ أن تكون لها حلول إبداعية، فـ "الترقيع" من خلال الحلول المؤقتة، لن يعمر طويلا، بل قد يوجد مشاكل متفرعة من المشكلة الأم، وهنا نستحضر الفكرة ذاتها في ضرورة أن يحل الفكر كمحدد أساسي لإيجاد الحلول للظواهر الاجتماعية، على أن تكون هذه الحلول نابعة من ذات البيئة التي ولدت فيها الظاهرة، لأن الحلول المستوردة لن تكون حلولا ناجعة، أو حتمية، فلكل بيئة خصوصيتها، وأسباب قضاياها، فالمستورد من الحلول يظل مجموعة إسقاطات على الواقع لقضايا مستوردة، ليس لها علاقة بالواقع المحلي وهذا لن يكون صائبا إطلاقا، فالتجارب الاجتماعية تختلف من بيئة إلى أخرى والقضايا في مجملها سواء اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو ثقافية، لن تكون نسخة كربونية يمكن تداولها بين البلدان مع اختلاف القيم، والعادات، والتنشئات الاجتماعية، صحيح أن كل جيل هو وليد لحظته، ولكن هذه الولادة لن تكون منفصلة انفصالا مطلقا بحيث تبدأ حياتها التكوينية من الصفر، بل لا بد أن تستجلب شيئا ليس يسيرا مما سبق، فالطفل يعيش بين أحضان بيئته الأسرية الخاصة فترة لا تقل عن (6) سنوات يتلقى من خلال هذه المدة الكثير من القيم الأبوية، والأسرية، وهي قيم متسلسلة عبر الأجيال المتتالية، وحتى يبدأ هذه الطفل في استيعاب من يدور حوله يحتاج إلى (6) سنوات أخرى، وحتى يبدأ في تعديل قناعاته؛ سواء بالإضافة أو بالحذف يحتاج إلى (6) أخرى، ومن ثم يمكن أن يبدأ مشوار حياته، منطلقا من قناعاته الذاتية وخبراته التي اكتسبها خلال هذه السنوات الـ (18) حيث يراكم في كل فترة زمنية المزيد من القناعات والمواقف، ومعنى هذا أن ذلك يحتاج إلى فكر متواز مع هذه المسيرة يوجد فيه قناعات من شأنه أن تصوب ما يصل إليه، وهذا التصويب لن يكون إلا إذا وجد هذا الفرد أن هناك علاقة وطيدة من التنظير والواقع، وإلا سيبقى سجين أفكاره الخاصة فقط، وقناعاته الخاص. وهذا ما نلمسه من عموم أجيالنا في ممارسات كثيرة.
في كل مرحلة زمنية من مراحل الحياة يستوجب الأمر الخروج من نمطية التفكير، لأنه في كل مرحلة من هذه المراحل هناك منازلات فكرية بين الأجيال، هذه المنازلات هي التي تسفر عن صور الإبداع المختلفة، ولذلك يخطئ من يظن أن لديه ناصية القول، والحكم الفصل في أي شأن من شؤون الحياة، وأنه الوحيد الذي يجب أن تسير إليه حمولات القضايا وإشكاليات الواقع، وأنه القادر على إيجاد الحلول والمخارج، وأن تقدمه في السن يعطيه الضوء الأخضر لأن يترأس مجموعات العمل ليقول فيها قول الفصل، هذه مغالطات فكرية عميقة، تعزز نمطية الأفكار، وتعلي من شأن التخلف والتقهقر، والتراجع خطوات بعيدة عن وقع الحياة الحاضرة، وتألقها وإرهاصاتها المختلفة، فالحياة لم تسمًّ كذلك إلا لدينامكيتها وحيويتها، ونضارتها، وهذه تجعل الفكر الإبداعي هو محور قيادتها، ولننظر إلى تجارب الشعوب على اختلاف مشاربها، واختلافاتها وتأثير ديناميكية الحياة فيها، فيقينا ذلك لم يأت من فراغ إلا من وحي فكر، يسودها المنافسة والتنازع المفضي إلى نتائج تستلهم من الواقع حاجياته وضرورياته، ومتطلباته، فلا تقف عند حد يعطل فيه حركة التفكير، لأن الاحتياجات المادية مقدور على توفيرها بطريقة أو بأخرى، والشعوب القديمة لم تأسرها الاحتياجات المادية – حسب ما يسجل التاريخ عنهم – وإنما تعوزوهم الأفكار والأطروحات القيمة، وهي التي ارتقت بالشعوب من بعدهم، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تذهب المناقشة هنا إلى أمرين مهمين؛ فالأمر الأول: حول الفكر المضاد للفكر السائد؛ حيث الاستسلام لكل ما هو آت من الآخر البعيد، والبعيد هنا لغة وقيما، وسلوكا، وتوجها، وهو الفكر الذي يسعى إلى التغيير، ولا يستسلم للواقع بثوابته المعهودة، بل يغير الموازين، ويقلب القواعد، ويعلي من شأن هذا الإنسان الذي استخلفه الله على هذه الأرض، أما الأمر الثاني: فهو الذاهب إلى القدرة الإبداعية للفكر الوطني، المنطلق من خصوصيته الوطنية، واحتياجاته البيئية، وهو الفكر الذي يطلق عليه اصطلاحا "التفكير خارج الصندوق" وهو فكر يتجاوز النمطية السائدة، ويذهب إلى حيث الفكر اللا معقول في حاضره، أو الذي يسميه البعض الفكر "الجنوني" وهو الفكر الذاهب أكثر إلى ما يمكن أن يتجاوز به حالة الإنتاج المتحققة على الواقع اليوم، وهو فكر لن يكون مخصوصا بقوميات بعينها، أو بجغرافيات بعينها، أو بنظام سياسي بعينه، حيث يتجاوز كل هذه التموضعات، ويحل إلى حيث ما يحلم به الواقع، وإن كان ذلك له شروط؛ فشروطه قائمة كلها على الأجيال المتتالية، وهي الأجيال التي لا تقف عند حد التلقين، والتوجيه، بل تخلق لنفسها واقعا جديدا مغايرا لما هو عليه الجيل الذي سبقهم من الآباء، فالحياة في عمويتها لن تقف على جيل معين لكي تجد لها مخارج وحلولا لقضاياها الآنية أو المرحلية، وإنما تعيش حالة من الاستنفار ومن الحراك، ومن تبدل المواقع، ومن اختلاف الظروف، ومن الصدامات، ومن المخاضات، وكلما أنجزت مرحلة متقدمة كانت الرؤية تستشرف مرحلة أخرى قادرة على استيعاب متطلبات المرحلة الحاضرة، والذاهبة في التفكير إلى مرحلة قادمة، وهذه الصورة في عموميتها لا تتناقض والحاجة الماسة لجغرافية المبدع، الذي؛ إن وجد في جغرافيته التي تأخذ بيده، وتعلي من شأنه فكره، وتوصله إلى مراتب السمو في الإبداع والتميز حفزه ذلك على بذل المزيد.
تفرض التنمية أجندتها القاسية على صانع القرار، وذلك لما تواجهه من إشكاليات كثيرة، سواء مادية، أو تقنية، أو قوى عاملة بشرية، ويضاف إلى ذلك أيضا مجموع الظروف الضاغطة، وهي غالبا من تكون من الظروف المسافرة عبر الحدود، فهذه الأجندة إن لم تتوفر لها الأرضية الصلبة من الإبداع الفكري الخلاق، وهو المنطلق من خصوصيته الجغرافية والوطنية؛ فإن الحمل يكون ثقيلا، والعبء كبيرا، وهنا الأمر سيعود حتما إلى قوة الفرد الإبداعية في تجاوز الكثير من معضلات التنمية، وذلك من خلال ما يبديه من اختراعات، ومن حلول، ومن وسائل تقنية، ومن أفكار إبداعية تحل على الفهم لأول مرة، فالدولة مهما امتلكت من إمكانيات مادية بحتة، فلن يغنيها ذلك عن هذا الإنسان الذي يبدع، ويفكر، وينتج، لأن المادة حالة طارئة في كل أحوالها، واضمحلالها، أو تراجعها عن مستوياتها العليا أمر لا يجب أن يغيب عن الأذهان، ويبقى الإنسان الفاعل بفكره، وبحضوره المعرفي، هو المرتهن عليه، فبهذا الفكر والمعرفة يمكن للأجيال ان تحافظ على كينوناتها وتألقها، وبما ينسحب ذلك؛ في المقام الأول؛ على الأوطان، فالأوطان المرتكزة على التحكيم المعرفي في كل اشتغالها تظل أوطانا ساميا، لا يهمها مجمل التقلبات التي تحدث من حولها، أو في العالم البعيد عنها، فهي ترتكز على أسس ماكنة من المعرفة في كل أبعادها المختلفة، ويظل أبناؤها متميزون بما يدفعون به من معارف وأفكار لخدمة وطنهم، وأمتهم، فالشعوب مهما تقاربت، ومهما حدث بينها من تناص في شؤون الحياة المختلفة، تظل؛ في الآخر؛ تحتكم على مستوى المصالح التي تربط بعضهم ببعض، ومتى تضاءلت هذه المصالح، فإن كل البهرجة المقامة في العلاقة تصبح سرابا كأن شيئا لم يكن، ومن هنا يأتي الإعتماد على المكونات المعززة لوجود الوطن وبقائه؛ وفي مقدمتها الفكر النظيف الذي يسمو بمعطياته؛ في أولويات هذه المكونات، فهذا الفكر هو الذي يجلب الثروة، ويجلب القوة، ويعلي من شأن الوطن، وهو الذي يراهن عليه لعزة الأوطان وتقدمها.
تحل الظواهر الاجتماعية؛ كأحد مفرزات التنمية؛ المهمة في حياة الشعوب، تحل بحمولة لا يستهان بها التحديات والقضايا والمشاكل المتعددة في كثير من مجالات الحياة اليومية لدى الناس، ولأنها مرتبطة بالتنمية، فإن ذلك يستدعي؛ في المقابل؛ أن تكون لها حلول إبداعية، فـ "الترقيع" من خلال الحلول المؤقتة، لن يعمر طويلا، بل قد يوجد مشاكل متفرعة من المشكلة الأم، وهنا نستحضر الفكرة ذاتها في ضرورة أن يحل الفكر كمحدد أساسي لإيجاد الحلول للظواهر الاجتماعية، على أن تكون هذه الحلول نابعة من ذات البيئة التي ولدت فيها الظاهرة، لأن الحلول المستوردة لن تكون حلولا ناجعة، أو حتمية، فلكل بيئة خصوصيتها، وأسباب قضاياها، فالمستورد من الحلول يظل مجموعة إسقاطات على الواقع لقضايا مستوردة، ليس لها علاقة بالواقع المحلي وهذا لن يكون صائبا إطلاقا، فالتجارب الاجتماعية تختلف من بيئة إلى أخرى والقضايا في مجملها سواء اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو ثقافية، لن تكون نسخة كربونية يمكن تداولها بين البلدان مع اختلاف القيم، والعادات، والتنشئات الاجتماعية، صحيح أن كل جيل هو وليد لحظته، ولكن هذه الولادة لن تكون منفصلة انفصالا مطلقا بحيث تبدأ حياتها التكوينية من الصفر، بل لا بد أن تستجلب شيئا ليس يسيرا مما سبق، فالطفل يعيش بين أحضان بيئته الأسرية الخاصة فترة لا تقل عن (6) سنوات يتلقى من خلال هذه المدة الكثير من القيم الأبوية، والأسرية، وهي قيم متسلسلة عبر الأجيال المتتالية، وحتى يبدأ هذه الطفل في استيعاب من يدور حوله يحتاج إلى (6) سنوات أخرى، وحتى يبدأ في تعديل قناعاته؛ سواء بالإضافة أو بالحذف يحتاج إلى (6) أخرى، ومن ثم يمكن أن يبدأ مشوار حياته، منطلقا من قناعاته الذاتية وخبراته التي اكتسبها خلال هذه السنوات الـ (18) حيث يراكم في كل فترة زمنية المزيد من القناعات والمواقف، ومعنى هذا أن ذلك يحتاج إلى فكر متواز مع هذه المسيرة يوجد فيه قناعات من شأنه أن تصوب ما يصل إليه، وهذا التصويب لن يكون إلا إذا وجد هذا الفرد أن هناك علاقة وطيدة من التنظير والواقع، وإلا سيبقى سجين أفكاره الخاصة فقط، وقناعاته الخاص. وهذا ما نلمسه من عموم أجيالنا في ممارسات كثيرة.
في كل مرحلة زمنية من مراحل الحياة يستوجب الأمر الخروج من نمطية التفكير، لأنه في كل مرحلة من هذه المراحل هناك منازلات فكرية بين الأجيال، هذه المنازلات هي التي تسفر عن صور الإبداع المختلفة، ولذلك يخطئ من يظن أن لديه ناصية القول، والحكم الفصل في أي شأن من شؤون الحياة، وأنه الوحيد الذي يجب أن تسير إليه حمولات القضايا وإشكاليات الواقع، وأنه القادر على إيجاد الحلول والمخارج، وأن تقدمه في السن يعطيه الضوء الأخضر لأن يترأس مجموعات العمل ليقول فيها قول الفصل، هذه مغالطات فكرية عميقة، تعزز نمطية الأفكار، وتعلي من شأن التخلف والتقهقر، والتراجع خطوات بعيدة عن وقع الحياة الحاضرة، وتألقها وإرهاصاتها المختلفة، فالحياة لم تسمًّ كذلك إلا لدينامكيتها وحيويتها، ونضارتها، وهذه تجعل الفكر الإبداعي هو محور قيادتها، ولننظر إلى تجارب الشعوب على اختلاف مشاربها، واختلافاتها وتأثير ديناميكية الحياة فيها، فيقينا ذلك لم يأت من فراغ إلا من وحي فكر، يسودها المنافسة والتنازع المفضي إلى نتائج تستلهم من الواقع حاجياته وضرورياته، ومتطلباته، فلا تقف عند حد يعطل فيه حركة التفكير، لأن الاحتياجات المادية مقدور على توفيرها بطريقة أو بأخرى، والشعوب القديمة لم تأسرها الاحتياجات المادية – حسب ما يسجل التاريخ عنهم – وإنما تعوزوهم الأفكار والأطروحات القيمة، وهي التي ارتقت بالشعوب من بعدهم، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.