shialoom@gmail.com

ثمة علاقة عضوية بين الغاية والمثالية، والجميع يطمح إلى الوصول إليهما، أو تحقيقهما في واقع حياته اليومية، وجل الممارسات التي يقوم بها الناس؛ سواء على المستوى الشخصي، أو الجماعي هي الوصول إليهما، ويبذلون في ذلك جهودا كبيرة، ومع ذلك تأتي النتائج – في كثير من الأحيان – مخيبة للآمال، حيث يظل القصور هو سيد الموقف، ومعنى هذا لا تطلب من الآخرين أن يصلوا إلى الغايات التي تطلبها من نتائج أفعالهم، ولا الوصول إلى المثالية، لأنك؛ في المقابل؛ أنت لن تصل إلى ذلك، وما دام الأمر متموضع عندك، فكذلك الآخرون لن يكونوا أكثر من ذلك، فالقدرات نسبية، ومستوى الذكاء نسبي، والهمة نسبية، والإهتمام نسبي، والإمكانيات المادية والمعنوية هي أيضا لا تخرج عن هذه النسبية، فكل فرد رهن فطرته البشرية، وهذه البشرية لا تتيح لنا أن تكون أفعالنا، ومستويات أفكارنا، وخبراتنا في الحياة أن تصل بنا إلى الغايات أو المثاليات، وإلا لغدت الحياة رتيبة لا تجد فيها من يشاركك في أي شأن من شؤون الحياة اليومية الخاصة والعامة على حد سواء، حيث يكتفي كل فرد بما عنده بقدراته، وبإمكانياته، وبمستويات أفكاره التي لن يجابهه عليها أحد من بني جنسه، حيث تكون له القدرة على إنجاز أي شيء يريده، ولا يحتاج إلى الآخرين من حوله أن يساعدوه، أو يكونون بجانبه في السراء والضراء.

عندما نصل إلى القناعة بحقيقة هذا الأمر فإن ذلك بولد عندنا قناعات أخرى مهمة في حياتنا كأفراد مجتمع يريد من أفراده أن يتعاونوا، وأن يتلاحموا، وأن يتوافقوا، وأن يؤازر بعضهم بعضا، لأن كل المسائل الخلافية الحاصلة بين الأفراد مرجعها إلى حالة التنافس، وإلى حالة التحاسد، وإلى حالة التباغض، وإلى حالة "هذا من شيعتي وهذا من عدوي" بينما الحقيقة أن الجميع يحتاج إلى الجميع، وحالات القربى الخاصة لا تفعِّلها إلا علاقات القربى المعززة بالنص القرآني الكريم، أما فما هو خارج دائرة القربى، فالمسألة يجب أن تكون قريبة من التلاحم المشار إليه في حالة القربى، فلا أحد يستغني عن جاره؛ فمن خلال هذا الجار يمكن أن يعوض الكثير من فقدان القربى، ولا أحد يستغنى عن صديقه، فمن خلال هذا الصديق أن يلثم ثغرة عدم وجود الأبناء، ولا أحد ينستغى عن أحد، لأن الاستغناء معناه الوصول إلى الغاية من الإكتفاء، وهذا لا يمكن أن يتحقق عند أي إنسان مهما علا في القدرات المادية، والمعنوية، والوجاهية، حيث يظل الجميع يحتاج إلى الجميع، والجميع في خدمة الجميع، أكان ذلك بصورة مباشرة؛ أو من خلال وسيط مادي أو معنوي.

كثيرا من النصوص في مختلف المصادر: القرآن الكريم؛ السنة النبوية، الحكم والأمثال؛ النصوص الشعرية، كلها تذهب إلى ضرورة أن يتقارب الناس بعضهم ببعص، وأن يتعاون الناس بعضهم مع بعض، وأن يتوافق الناس ببعضهم ببعض، وتعارض بشدة حالات الإنفصال المتعمدة؛ بناء على أن الفرد في المجتمع يمكنه أن يكتفي بنفسه، وبقدراته، وبما يملك من معززات مادية ومعنوية، ولذلك يقع البعض في هذه الإشكالية، وهي إشكالية موضوعية في علاقته بالآخرين، ويرى أن في الابتعاد عن الآخرين فيه شيء من الحرية الشخصية، وفيه شيء من الاستقلالية، وفيه شيء من المثالية، وبأنه يتمثل الغايات الكبرى من عدم احتياجه للآخرين من حوله، وهذا موقف خاطئ بدرجة كبيرة، فالإنسان بأخيه، كيف ما كان معنى هذه الأخوة، فالغايات ليس هي الوصول إلى القناعات المطلقة؛ في أي مجال من مجالات الحياة، لأنه؛ في المقابل؛ لا توجد حقيقة مطلقة، فكل الحقائق نسبية، قابلة للنقاش، وكذلك هو الحال لاستيعاب مفوم الغايات.