القدوة الصالحة تجذب الطفل إلى تتبع المقتدى به في سلوكه وحديثه -

د. الأزهر البراشدي: المؤسسات المختلفة تؤدي دورا تكامليا في تربية النشء وحمايته من الأفكار السيئة -

د. سعيد البرواني: المساءلة والمحاورة لها دور بارز في تغيير الوجهات وتنظيمها -

محمود الندابي: الأفكار الدخيلة تسعى لهدم القدوات الحسنة في المجتمع المسلم -

مسلم البرطماني: توفير برامج وألعاب محددة تناسب مستوى إدراك الطفل وتنمي قدراته -


أمام هذا الكم الهائل من الرسائل والمحتوى الذي يتعرض له الطفل من خلال أدوات التقنية الحديثة، ومن خلال التغيرات الحاصلة في المجتمع، وكذلك من خلال المحتوى المبثوث في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الإعلانات وكذلك الألعاب الإلكترونية، وهذا الكم من الرسائل يغير من أنماط التفكير المعتادة عند الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة، مما يؤثر على منظومة القيم الدينية والمجتمعية، وعلى السلوك الأخلاقي والشخصي للطفل، لأنه يكون في مرحلة التكوين الفكري الأول، ولذلك يجب الانتباه لهذا الأمر ومحاولة طرحه ومناقشته وإيجاد الحلول له، وهذا ما يسعى الاستطلاع إلى تقديمه، من خلال الحوار مع دكاترة وتربويين.. فكيف نحد من تأثيره السلبي، وما هو دور المؤسسات التربوية في حماية الأطفال فكريا، وكيف تساعد فكرة زرع القدوات الحسنة في ذهن الطفل، وما المعارف التي ينبغي تعليمها للطفل لتكون بمثابة الحماية له.

التقنية والحد من تأثيرها السلبي

يبين د. سعيد البرواني إلى أنه يمكن أن نحد من الأثر السلبي للتقنية الحديثة بعدة محددات أبرزها وضع وقت محدد للطفل يستطيع من خلاله القيام بمتابعة كل ما هو جديد في هذا الإطار، وفي الوقت نفسه وفق وقت مشترك مع الرقابة الأبوية بهدف النصح والمتابعة والتوجيه، كما أن المساءلة والمحاورة لها دور بارز في تغيير الوجهات وتنظيمها، كما أنها تعطي صورة واضحة عما يتابع الطفل وبهذه المتابعة يمكن أن يعرف المراقب الوجهة المناسبة للطفل كما أنه يمكن أن يحدد مقدار الجرعة التي يحتاجها من أجل تنقية فكره وتعديله.

في حين أشار د. الأزهر البراشدي المتخصص في علوم التربية إلى أنه يجب أولًا الحد من توفير الأجهزة التقنية للأطفال، إذ من الأخطاء الشائعة منح الأطفال أجهزة لوحية أو هواتف خاصة بهم، وكذلك منحهم الأجهزة للعبث بها دون توجيه أو متابعة، على الرغم من التقارير الطبية الكثيرة التي تشير إلى خطورة هذه الأجهزة على الجوانب العصبية والنمائية للطفل.

وأكد البراشدي على فكرة أنه يجب أن يكون منح الأجهزة للأطفال مرهونًا بوقت زمني محدد، ولهدف مقصود مرسوم سابقًا، كتنمية مهارة نمائية أو أكاديمية، أو تسلية مقصودة.

وأضاف: أنا أنصح بشدة الاشتراك في المنصات الرقمية المعروفة الخاصة بتعليم الطفل مهارة معينة كالقراءة أو الكتابة، أو بممارسة ألعاب تعليمية ذات أبعاد تربوية واضحة، مع أهمية أن يكون ذلك بإشراف الأسرة ومتابعتها، وما أجمل أن يتبع ذلك بمناقشة الطفل في محتوى ما يشاهده ويتفاعل معه من منصات وبرامج وألعاب مختلفة.

أما المحتوى الرقمي العام في منصات التواصل الاجتماعي ومواقع مقاطع الفيديو، فيجب أن يكون بعيدًا كل البعد عن الطفل في سنيه الأولى خاصة.

وأوضح محمود الندابي بأنه من المعلوم أن وسائل التقنية الحديثة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، ولا يمكن بأي حال الفكاك منها أو الاستغناء عنها، ولذلك كان من المهم على الناس العناية والاهتمام بها بما يفيدهم وينفعهم، فهي سلاح ذو حدين كما يقال، إذ أضحت هذه التقانة تقدم كل شيء أمام الفرد وفي أي وقت دون رقيب أو حسيب أو دون النظر هل نافع أو ضار له.

وأشار الندابي إلى أن المنظمات والتيارات الفكرية جعلت هذه التقانة في نشر مبادئها وأفكارها بشتى الطرائق والوسائل مما جعل التخلص منها أو عدم التعرض لها صعبًا جدًا. ولأجل ذلك ينبغي تأسيس الفرد منذ الصغر تأسيسا صحيحا وتنشئته تنشئة صالحة مبنية على أسس ومبادئ وقيم تعينه في معرفة الضار والنافع، وتوجهه الوجهة الصحيحة في كيفية التعامل مع هذه الوسائل الحديثة، كما يجب غرس هذه المبادئ والقيم طوال حياة المرء ومراحل عمره لئلا يتأثر بهذه التيارات والأفكار الدخيلة مع ذكر نماذج وحقائق لآثارها الضارة ومشاكلها على الناس من واقع الحياة. والتوعية أمر مهم جدًا في الحد من تأثيرها السلبي وهذه التوعية لابد أن يشارك فيها الجميع، وأن تتعدد وسائلها وأدواتها، وأن تكون متناسقة ومتوافقة مع كل جيل بحيث تحقق هدفها المنشود ورسالتها السامية.

في حين يذهب مسلَّم البرطماني إلى أن الطفل هو إنسان لم يصل مرحلة النضج العقلي والجسدي والنفسي بعد، لذلك يجب أن تكون له رعاية خاصة من المربي، فيجب أن يراعي له الأصلح في حاله وماله، من هنا فإنه لابد من تقنين واضح ملزم للطفل يكون بالأساليب التربوية المناسبة لسنه، ومحاولة التعليل له لإقناعه بالحوار قدر المستطاع، وذلك حتى نحفظ لأطفالنا فطرتهم السليمة وسواءهم النفسي وصحتهم العقلية والجسدية، إذ لابد أن نضحي براحتنا من أجل أطفالنا وليس العكس كما يفعل كثيرون بإعطاء الأطفال الأجهزة من أجل أن يتخلصوا من إزعاجهم.

واقترح البرطماني مجموعة من الأمور المعينة على التنشئة الصحيحة منها: شغل الطفل بأشياء مفيدة مناسبة لمرحلته العمرية حتى في مجال الألعاب، فاللعب بالماء والطين على سبيل المثال يقول المتخصصون إنه أصح للطفل جسديًا ونفسيًا وله دور في تنمية الإبداع حسب الدراسات، فذلك أفضل له من الأجهزة والألعاب الإلكترونية. وأضاف: إذا كان لابد من الأجهزة فحينئذ ينبغي مراعاة تقنين وقت محدد للعب لا يتجاوزه (حسب العمر). ومكان محدد بحيث يكون بمرأى من المربي المسؤول، وبرامج وألعاب محددة تناسب مستوى إدراك الطفل وتنمي قدراته، وضوابط محددة لبعض محتوى المواقع التي قد تشمل محتوى غير مناسب.

دور المؤسسات التربوية

وعن دور مؤسسة الأسرة والمدرسة في حماية الناشئة من الأفكار الدخيلة قال د.سعيد البرواني: أعتقد أن الحائط الأول الذي يبدأ منه صد الأفكار الدخيلة هو حائط الأسرة لوقوعه زمانيًا قبل المدرسة والمجتمع، كما أنه المجتمع الصغير الذي يستقبل فيه الناشئة فيه بداية التربية والنصح والإرشاد، ولذلك كان الدور الأساسي للأسرة متمثلًا في استيعاب هذه الأفكار وتمييزها وتعويد الأطفال على التمحيص الجيد لها، وفي رأيي أن التلفاز هو الوسيلة الأكثر تسريبا لمثل هذه الأفكار وهنا يظهر حرص الآباء في الاختيارات المناسبة للأطفال ومراقبة هذه الاختيارات وتقديم النصح والنقد الواضح حولها.

أما عن الحائط الثاني ألا وهو المدرسة فيمكن أن يكون الدور هنا منصبًا على الكادر التربوي والإداري وذلك عن طريق إدراج الأهداف الوجدانية ضمن إطار المنهج المدروس وداخل نطاق الحصة فيكون التركيز منصبًا على القيم اللازمة للطالب وفي المقابل يكون التحذير من الأفكار الدخيلة التي تؤثر على تغيير هذه القيم وتحويرها، كما أن العبارات التوعوية المبثوثة في المدرسة كفيلة بهذه الحماية أيضا.

وأضاف: كما أن للمجتمع دورًا بارزًا في طرح البرامج المعرفية المناسبة والبديلة عن البرامج الدخيلة التي تسيطر على عقلية الشباب وتدنسها، كما أن للمجتمع دور التنبيه عبر الوسائل المجتمعية والإعلامية بضرورة الحفاظ على قيم المجتمع والابتعاد عن كل فكر كفيل بقلب المنظومة القيمية والفكرية في المجتمع.

ويؤكد على ذلك محمود الندابي قائلا: للمؤسسات التربوية الدور الأهم والنصيب الأكبر في حماية الناشئة من الأفكار الدخيلة، فالأسرة عندما تستشعر أنها المسؤول الأول عن الحفاظ على الناشئة منطلقة من قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه) تجدها تسعى منذ الصغر في تنشئة أبنائها على الأخلاق السامية والمبادئ القويمة والخصال الحسنة، وتغرسها فيهم بشتى الطرائق والوسائل، كما تكون هي المحضن الأول لهذا الابن طوال مراحل عمره، يرجع إليها عند كل تحدٍ أو مشكلة لتعينه على حلها والتخلص منها، ولذلك على الأسرة دور كبير في أن تكون الحاضن الأول للأبناء لحمايتهم من التأثيرات السلبية من حيث قوة العلاقة به ومن حيث بيان آثار هذه الأفكار الدخيلة متذكرة أن هذه المهمة من أهم واجباتها مصداقًا لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..».

ويضيف: ويأتي دور المدرسة مكملًا لدور الأسرة في ترسيخ تلك الأخلاق والقيم والمبادئ وتنشئة الطلاب والطالبات على استقلالية الشخصية المسلمة وتميزها عن الآخرين في سلوكها وأفعالها وأقوالها ورسالتها وأهدافها وتعاملها مع محيطها، ولذلك قدمت مهمة التربية على التعليم في مسمى الوزارة للتأكيد على رسالة التعليم في تربية الطلاب سلوكيا وفكريا وخلقيا قبل غرس المعرفة والعلوم التجريبية. ولابد أن يكون هناك تشارك وتكامل بين الأسرة والمدرسة لحماية الناشئة من هذه الأفكار والتيارات، فكلاهما يكملان بعضهما البعض بحيث ينبه كل واحد منهما الآخر في جوانب القصور أو النقص أو الجوانب التي يحتاج العناية والاهتمام بها، وهذا كله مع زيادة جرعات التوعية وغرس القيم والأخلاق وذكر النماذج الخطرة لآثار هذه الأفكار الدخيلة وكيفية التخلص منها.

وأضاف: هذه المهمة تقع كذلك على عاتق المجتمع المدني سواء المساجد أو النوادي أو الجمعيات أو الكليات والجامعات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، فلابد أن تواكب مستجدات العصر بطريقة مهنية ومنهجية في حماية هذه الناشئة وتحذيرها من الأفكار الهدامة والتيارات الخبيثة التي تسعى إلى ابتزاز الناشئة في أخلاقها وقيمها ومبادئها وفي الاستحواذ عليها من خلال غرس قيمها وأفكارها عبر الوسائل الحديثة المتعددة. ولعل أخطر من يواجه الناشئة في الوقت الحالي السعي إلى هدم الأسرة وتماسكها وترابطها من خلال نشر العبارات البراقة المنمقة التي تجعل الأسرة والارتباط بها نوعًا من تقييد الحرية والسجن للناشئة واستخدام شتى الوسائل لغرس هذه الأفكار سواء في الأفلام أو القصص أو الروايات أو الألعاب الإلكترونية وغيرها.

ويرى د. الأزهر البراشدي أن المؤسسات المختلفة كالأسرة والمجتمع والمدرسة تؤدي دورًا تكامليًا في تربية النشء وحمايته من الأفكار الدخيلة والتيارات المنحرفة، وأي خلل في دور أي واحد من تلك المؤسسات يؤثر سلبًا في جهود المؤسسات الأخرى، ولذلك يجب أن يكون التنسيق والتواصل مفتوحًا بين تلك المؤسسات لتضطلع كل منها بالدور المنوط بها، فالمدرسة تعلم وتربي، والأسرة تربي وتعزز وتتابع ما يتلقاه الطفل في المدرسة، وتوجهه لما يتلقاه ويتفاعل معه في المجتمع المحيط، والمجتمع بدوره يوفر للأطفال بيئة صحية مستقيمة، ويفعل أدواته المختلفة -كالمسجد والمكتبة العامة والأنشطة الرياضية- في بناء جيل قوي، وفي تنشئة مواطن صالح، وحينها لن تستطيع الأفكار الدخيلة مهما استطاعت الوصول إليه من فك اللحمة القوية التي نشأت بتكامل تلك الأدوار.

ويبدى مسلم البرطماني وجهة نظره في الدور المؤسسي بقوله: إن هذه المسألة مسألة خطيرة جدًا، ولو قلنا إنها ترقى لأن تكون مسألة أمن قومي فلا أظن في ذلك مبالغة، لأنها تتعلق بالإنسان وصحته العقلية والنفسية والسلوكية، لذا فلابد من عناية صادقة ومتابعة جادة من كافة مؤسسات الدولة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني لهذه القضية.

وأضاف: البداية لا شك من حضن الأم الرؤوم الصالحة، وكما قال الشاعر: (ولم أر للخلائق من محلّ.. يهذبها كحِضن الأمهات)، تساندها رعاية الأب الصالح وتربيته، فهما المسؤولان الأوليان، لذا فإنه يجب على كل شخص مقبل على الزواج أن يبدأ بالاستعداد والتهيؤ لمعرفة واجبات التربية وليس السعادة الزوجية فحسب، فحين تكون اللبنات الأولى متقنة التأسيس في أصل البناء حينها تسهل عملية المواصلة والإكمال، أما المدرسة والمعلم فهما المكملان لمسيرة البناء، ولا شك أنهما قد يفعلان ما لا تفعله الأسرة، ويؤثران بما لا تؤثره، وذلك بحكم الخبرة النظرية والممارسة التطبيقية، فكم من طالب أصبح من كبار المنتجين والمبدعين والمحسنين بتأثير كلمة طيبة من معلم، أما إذا تساهلت المدارس في واجبها وأمانتها فإن الوضع سيكون كارثيًا كما حدث ويحدث في بعض الأحيان، لذا فأمانة إدارات المدارس والمدرسين والاختصاصيين ثقيلة جدًا لا ينبغي أن يخونوها أو يفرطوا فيها، بالمنع المطلق للأجهزة وتداولها في المدارس، والتوعية العالية الدائمة للناشئة من مخاطرها وما يصلح وما لا يصلح، وما ينفع وما يضر، والتنبيه على مخاطر إدمانها ومساوئها فقد استفحل الأمر، ولابد من مصارحات ومكاشفات ووقفات جادة مع الناشئة، ولا أنسى هنا دور المسجد فهو الركيزة التربوية التعليمية الأولى في المجتمع المسلم، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا التف الناس حول المسجد ولازموه وصحبوا أبناءهم إليه ليتربوا في ظله الوارف طاب الغرس والنبات، وكفى المجتمع كثيرًا من المشكلات.

زرع فكرة القدوات الحسنة

وحول فكرة زرع القدوات الحسنة يرى البرواني أن للقدوات الحسنة أثرًا كبيرًا في زرع المراقب الداخلي للطفل فهو يصنع في ذهنه مثلًا أعلى يحتذيه ويقلده، ويحاول الوصول إلى نسخة مصغرة عنه، فهو يرى فيه مثالًا للصواب ومثالًا للحسن، فيكرر بأن أباه فعل كذا، وتكرر البنت بأن أمها تفعل كذا، فيقيس على كل ما هو حاضر بما هو موجود في أبويه أو لنقل أستاذه فيفعل مثلما يفعلون ولا يفعل ما لا يفعلون، والقدوة تطبيق عملي لمعايير نظرية قد لا ندركه.

في حين يذهب الندابي إلى أن فطرة المرء قائمة على اتباع الأفضل والأقوى منه فهي علاقة تأثير وتأثر، ولأجل ذلك تجد المرء يقلد غيره سواء شعر بذلك أو لم يشعر، ومن هنا أكد الله في كتابه العزيز على أهمية القدوة والأسوة الحسنة فهو يخاطب المسلمين بأهمية جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فيقول: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وفي موضع آخر يقول عن سيدنا إبراهيم عندما ذكر تبرأه وأتباعه من قومهم الذين يعبدون الأصنام (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) هذه الآيات وغيرها من الأحاديث الشريفة تدلل دلالة عظيمة على أهمية القدوات وأثرها على أفراد المجتمع ذكورًا وإناثًا صغارًا وكبارًا، فما بالك بالناشئة التي ترى أولى مراحل حياتها أن الأب والأم هما القدوة لهما ثم تبدأ تتعامل مع المجتمع فتبحث عن قدوات تقتدي بها في سلوكها ومعرفتها وتعاملها ومهاراتها. ولأجل ذلك تسعى هذه الأفكار الدخيلة في هدم القدوات الحسنة للمجتمع المسلم وأن ذلك يعد تقييدًا لحرية الفرد ويحد من التطور والتحضر، في المقابل تسوق لقدوات سيئة وتبرزها لتجعل الناشئة تتعلق بها وتقتدي بها دون شعور وهذا ما يلحظه المرء عندما يتابع وسائل الإعلام الأجنبية. ولذلك يعد أمر زرع القدوات الحسنة بالغ الأهمية يجب أن يعتني به الجميع سواء الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات المجتمع المدني.

«الإنسان بطبعه يبحث عن قدوات في الحياة»، هكذا يجيب البراشدي عن وضع القدوات، فهو يرى أن القدوة الصالحة تجذب الطفل إلى تتبع المقتدى به في سلوكه وحديثه، وفي تبنّى أفكاره في الدين والحياة، ولذلك من المهم جدا أن تكون الشخصيات المعروضة على الطفل منتقاة بدقة، تتمثل فيها القيم الإسلامية والمثل العليا، وفي المقابل فإن تعريض الطفل لشخصيات تتصف بعكس ذلك يؤدي إلى تأثره فكريا بالأفكار الدخيلة التي تتبناها، ويصعب علاجها إلا بنزع تلك القدوات من ذهن الطفل.

ويرى البرطماني أن هذا الموضوع غاية في الأهمية، فالطفل في سنواته الأولى ليس لديه ما يكفي من النضج العقلي ليميز بين ما هو صواب وما هو خطأ، نعم الأصل والفطرة في الإنسان الخير، ولكن القابلية عالية للاتجاهين (وهديناه النجدين)، (إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا)، وكما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وهذا يعطي أهمية كبرى للتربية بالقدوة، ليجعل كل واحد من الوالدين والمربين من نفسه قدوة حسنة بما يراه الطفل والناشئ أمامه من الأفعال قبل الأقوال، ليكرس الفطرة السوية، ويؤكد ذلك الخير المغروس في نفس الناشئ ويعمقه، وليتمثل الطفل ذلك السلوك الحسن قولًا أو فعلا في واقع حياته، كما أنه لابد مع ذلك من تنبيه الطفل والناشئ في حال رؤية سلوك من السلوكيات الخاطئة إلى كون ذلك السلوك خطأ، وتقبيحه في نفسه، وتنفيره منه بما يناسب مستواه الإدراكي من الأساليب.

المعارف التي ينبغي تعليمها للطفل

وعن المعارف والعلوم التي ينبغي تعليمها للطفل لتكون بمثابة الحماية الفكرية له يقول مسلم البرطماني: إنه من نافلة القول إن ربط الطفل بكتاب الله عز وجل منذ نعومة أظفاره هو خير حماية فكرية له، ولذا كان توجيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم القرآن فإن أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو)، ثم تأتي بعد ذلك العلوم المساعدة المعينة تباعًا، ولكن لا ينبغي أن يقدم شيئًا على كتاب الله عز وجل، حتى تبقى جذوة الخير الأصيلة حية مشتعلة في نفس الإنسان لا تنطفئ بمادياتها وملهياتها، فالإنسان صنع الله، والقرآن نور الله، وهل يصلح الإنسان شيء مثله؟! يبنيه أحسن بناء وأحكمه، فإذا انثلم أو انهدم منه شيء أصلحه ورممه.

ويوافقه الرأي د. الأزهر البراشدي بقوله: «كفى بالقرآن الكريم حصنًا لكل مسلم، فهو أول مصدر حصين للإنسان، ومن بعده يمكن تعريض الطفل لمجموعة مختلفة من المصادر التي تستقي مضامينها من القرآن الكريم وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك القصص التربوية الهادفة الحقيقية والخيالية، ولابد أن يكون أسلوبها مناسبًا للمرحلة العمرية للطفل».