زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لبلادنا سلطنة عمان تكتسب أهمية كبيرة سواء في توقيت الزيارة أو بالظروف التي تحيط بها بالنظر إلى ما تشهده منطقة الخليج العربي من مشكلات وتحديات، علاوة على الوضع العربي الذي يعاني من الأزمات والخلافات، ومن هنا فإن الزيارة تعدّ مهمة من خلال اللقاء الأخوي الذي احتضنته عاصمة الوطن مسقط بين قائدي البلدين الشقيقين أمس.

ولسنا في حاجة إلى التعريف بالعوامل الجوهرية التي تجمع بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد الروابط الاجتماعية والجغرافية وروابط التاريخ والمصير المشترك، فهذه عوامل معروفة، ومن المهم في إطار العلاقات بين دولتين ذات جوار جغرافي وعمق تاريخي وارتباط قبلي أن يتوج ذلك بالتكامل الاقتصادي، وأيضًا على صعيد التكنولوجيا والتعليم والتنمية البشرية، وفي مجالات اتضح من خلال التوقيع على عدد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين.

ولعبت قيادتا البلدين التاريخية دورًا محوريًا خلال نصف قرن، حيث كان لقيادة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الحكيمة، وأيضًا قيادة الشيخ زايد بن سلطان -طيب الله ثراه- والشيخ خليفة بن زايد -طيب الله ثراه- دور كبير في ترسيخ تلك العلاقات المميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين في كل المجالات، ومن هنا يمكن رصد حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين والذي يقدر بالمليارات من الدولارات، كما أن التواصل بين الشعبين على صعيد الحدود البرية والجوية يسجل أرقامًا كبيرةً، ومن هنا فإن تلك العلاقات المميزة لا بدّ أن تتوج بالتكامل الاقتصادي الذي سوف يكون معبرًا عن عمق تلك العلاقات وفي ظل ميزات نسبية لكلا البلدين، وخاصة بلادنا سلطنة عمان التي تشرف على البحار المفتوحة سواء من خلال بحر عمان أو بحر العرب والمحيط الهندي، كما أن الاستثمارات الإماراتية تعدّ هي الأولى عربيًا والثالثة على مستوى دول العالم بعد المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا فإن المشهد الاقتصادي وعددًا من الملفات السياسية تتصدر مشهد المحادثات بين قيادتي البلدين الشقيقين.

وفي تصوري، فإن أكثر الدول يمكنها تحقيق ذلك التكامل الاقتصادي وفي المجالات المختلفة هي بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة لأسباب تتعلق أولًا بتلك الروابط التي أشرنا إليها علاوة على المحبة المتبادلة بين الشعبين اللذين ينحدران من أصول واحدة، كما أن الظروف السياسية والأزمات التي يشهدها العالم تتطلب المزيد من التعاضد فكل بلد هو سند للآخر، ولا شك أن المقومات التي ترفد ذلك التكامل الاقتصادي والتعاون في المجال العلمي والطاقة المتجددة، وفي قضايا التعليم والبحث العلمي والموارد البشرية موجودة، وهذا يشكل متطلبات المرحلة في ظل العهدين الجديدين في سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما أن الأرقام المحققة في مجال التبادل التجاري، وفي مجال السياحة والنقل البري والاستثمار يسجل نقلة نوعية على ضوء الأرقام المنشورة.

إنَّ الأجيالَ الجديدةَ في البلدين الشقيقين تتطلع إلى آفاق ومستقبل واعد في إطار الحراك السياسي والاقتصادي العماني والإماراتي، وهما بلدان يتميزان بعلاقات ترفدها عوامل معروفة على صعيد الإنسان.. أولا حيث الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك وأيضًا الأصول القبلية الواحدة والوشائج الاجتماعية، ومن هنا يمكن تفسير التفاعل الكبيرة لزيارة سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لسلطنة عمان ولقائه المثمر مع صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى صعيد الإعلام الرسمي والخاص بين البلدين الشقيقين، ومؤشر بأن هناك رغبة صادقة ومشاعر متدفقة بين الشعبين وهذه حالة مهمة في إطار دراسة التكامل بين الشعوب أولا، وفي إطار مشاعر المحبة التي ميزت التعبير عن الحدث منذ الإعلان عن الزيارة المهمة التي يقوم بها الآن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى بلده الثاني سلطنة عمان، ومشاهد الأخوة الصادقة من خلال حفاوة الاستقبال لمثل هذه الزيارات عالية المستوى من قبل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يحرص على تمتين العلاقات مع الدول العربية منذ خطابه الأولى مشيرًا إلى أن نهج السياسة الخارجية لسلطنة عمان سوف يظل متواصلًا، وهذا النهج السياسي حقق لبلدنا على مدى نصف قرن سمعةً دوليةً واحترامًا ومصداقيةً على صعيد قيادات وشعوب العالم شرقها وغربها، ومن هنا فإن دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها وشعبها هي محل اهتمام من جلالته - حفظه الله - والشعب العماني الذي عبّر عن مشاعره الجياشة تجاه بلده الثاني دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها، وهي تدشن الزيارة الأخوية إلى سلطنة عمان ومعها يتم تدشين رؤية متكاملة لعلاقات تتماشى وتحديات المرحلة، وأيضًا تتماشى مع رؤية القيادتين في البلدين الشقيقين من خلال رسم استراتيجية واضحة لمسار علاقات تعزز من مسار علاقات تاريخية بين سلطنة عمان والشقيقة دولة الإمارات العربية المتحدة وفي المحصلة الأخيرة يمكن القول إن علاقات مسقط وأبوظبي سوف تبقى راسخة، وسوف تتعزز في ظل الإرادة السياسية لكلا القيادتين والشعبين الشقيقين؛ لأن هذا التكامل والتعاضد سوف يحقق المصلحة المشتركة للبلدين ويعطي نموذجًا فريدًا لعلاقات متواصلة بين بلدين هما الأقرب لبعضهما إنسانًا وأرضًا على الصعيد العربي.