الربط بين السيميائية وأصول الفقه لا تزال دراساته قليلة، وهذا عائد إلى حداثة الأولى، حيث ينسب تأسيسها إلى عالم اللسانيات السويسري فردناند دي سوسير (ت:1913م)، الذي أطلق على تأسيسها السميولوجيا، وإلى الفيلسوف الأمريكي شارل بيرس (ت:1914م) الذي أطلق عليه السميوطيقا، فهي -بكونها علما- لم تتجاوز القرن كثيراً، وهو زمن قصير حتى تترسّم أكاديمياً ثم تنتشر في عالم المعرفة. المقال.. يحاول فهم هذا الربط، ولا يقف كثيراً عند التعريفات، إلا بالقدر الذي يحتاج إليه لبناء رؤيته. وذلك؛ لأنه يطرق موضوعاً دقيقاً، لا يشغل بال عموم الناس، وإنما يُعنى به المختصون فيه، والمهتمون بالمعرفة اللغوية. ومن الجيد.. أن أشير هنا إلى دراسة سعود الزدجالي «في منطق الفقه الإسلامي.. دراسة سيميائية في أصول الفقه»، ودراسة عائشة الدرمكية «العلامات الإشارية المصاحبة للكلام في مدونة صحيح مسلم.. دراسة في سيمياء التواصل».
الإنسان.. استطاع أن يعبّر عن رؤيته للحياة برموز؛ سميت «لغة»، كانت في البدء منطوقة، ثم أصبحت مكتوبة. ولأنه كائن مفكر، لديه قدرة فائقة على الربط بين الأشياء؛ حسياً ومعنوياً، في علاقات متشابكة؛ بسيطة ومعقدة. فحسياً.. استطاع -مثلاً-بعد اختراعه العجلة أن يقيم علاقة عملية بينها وبين الأشياء حوله، فاستعملها في دقيق مخترعاته وعظيمها، فنقلت البشرية نقلات كبرى ومستمرة. وأما معنوياً.. فقد استطاع بتقعيده الذهني أن تكون الدائرة (عجلة تجريدية) من مرتكزات قوانينه الرياضية والفيزيائية. وكانت اللغة هي الأقدر على هذا الربط، فأعطت الإنسان إمكانات غير محدودة.
هذه الرموز.. والتي تسمى في علم اللسانيات العلامات، تشكّل علاقات واسعة فيما تتصل به، والعلم الذي يدرس هذه العلامات، والدلالات التي تحملها، والعلاقات التي تقيمها، سُمي السيميائية. ودراستها لا تقتصر على العلامات والدلالات اللغوية؛ المنطوقة والمكتوبة، بل تشمل الدلالات القائمة على الإشارات ونحوها.
وأما علم أصول الفقه فهو المنهج الذي يحكم الملَكَة الفقهية في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. وقد كان في بدء التشريع؛ ينزل القرآن مقرِراً للأحكام، وما لا ينزل فيه قرآن يرجع الناس إلى النبي الكريم ليبين حكمه، فلم تكن هناك حاجة لأن يجتهدوا برأيهم في الدين كثيراً، وذلك لتنزّل القرآن ووجود النبي، ولوجود مساحة واسعة من حياة الناس يمارسون فيها عاداتهم، مع تجنبهم الشرك. لكن بعد وفاة النبي وتوسع المجتمع، ثم تمدده بالغزوات، بدأت الحاجة تتسع، نتيجة التحولات التي أصابت المجتمع، وبدأ المشتغلون بالفقه من الصحابة والتابعين يستنبطون الأحكام؛ بناءً على ثلاثة مرتكزات: القرآن وما حُفظ عن النبي، وما استقر في عقولهم من بيان اللغة العربية، ومنافع الناس. وكلما توسع المجتمع وزادت استنباطات الفقهاء تراكمت الخبرات الاجتهادية، ثم توسعت بدرجة لا يكاد يستطيع المرء أن يقف فيها على مذهب محدد.
من المناهج الكثيرة للاستنباط والتي كُتب لها البقاء «طريقة الأحناف»، فأبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت:150هـ) وتلامذته خطّوا لأنفسهم منهجاً، وإجمالاً.. هو النظر في فروع الأحكام فيتخذون منها قاعدة أصولية؛ يصدرون عنها أحكامهم. ولمّا جاء محمد بن إدريس الشافعي (ت:204هـ) أعمل عقله الاعتزالي في ضبط الاستنباط المنداح بدون منهج متفق عليه، فاختط له طريقاً آخر مشتقاً من «نهج المتكلمين»، حيث وضع قواعد كلية للشريعة؛ مبنية على استقراء النصوص الشرعية، وعلى كليات العقل ومقتضياته، وعلى بيان اللغة، وذلك بكون القرآن أساس مبناه بيانياً، أغنت هذه القواعد عن الرجوع إلى الفروع والأحكام الجزئية. ورغم انتشار «الأصول الشافعية» حتى عدّت «طريقة الجمهور»، إلا أن «طريقة الأحناف» استمرت.
والسيميائية.. كغيرها من العلوم، متداخلة مع علوم أخرى؛ سواءً في الحقل المنهجي، أو منطقة العمل، وكذلك بالنسبة لأصول الفقه. وإذا علمنا أن أصول الفقه هي بُنية بيانية؛ فإن البيان قائم على المنطق، ليس بالنسبة للفعل الإجرائي فقط؛ أي التوافق بين اللغة والمنطق، وإنما على مستوى التنظير كذلك، فقد أعيد بناء الدرس اللغوي في قالب المنطق منذ العهد اليوناني، وتأكد ذلك بالنسبة للغة العربية عندما جرى تقعيدها بعد ترجمة الفلسفة اليونانية. وإذا كان شارل بيرس يرى في السيميائية بأنها علم آخر للمنطق، أو اسم مرادف له، فهذا يعني أنها أداة ضبط وبناء، أي تضبط آلية عمل العلامات كما تحدد دلالاتها. وهذا هو العمل الذي تقوم به أصول الفقه، حيث تقوم بضبط عمليات الاستنباط لتضعها في منهج واحد صارم، وفي الوقت ذاته أداة للبناء؛ أي لتوليد الأحكام الفقهية.
ولكن بخلاف توصيف بيرس للسيميائية؛ فهي تعمل على عكس المنطق، إنها أداة تفكيك وتحليل، تأتي إلى اللغة لترى بواعثها، ولا يتأتى هذا إلا بالبحث عن جذورها الأولى، فالسيميائي.. يقوم بعملية تفكيك للعلامة اللغوية، بيانية كانت أم غير بيانية، حتى يصل إلى الجذر؛ وهو جذر قد يكون مادياً ليشبع الجسد، أو معنوياً ليروي النفس. كما أنه يقوم بتحليل العلاقات التي تنشئها اللغة بتفكيكها وهي تتحرك في الواقع الاجتماعي، والتفكيك تفريق لا تجميع. صحيح؛ أن هذه العمليات لا بد منها لأجل أن تتمكن اللغة -أو بالأحرى العلامات- من أداء دورها في بناء الاجتماع البشري، لكن ليست هي مَن يقوم بذلك، بل علوم أخرى كالنحو، وأذكر النحو؛ لأنه هو العلم الوثيق بالسيميائية؛ فلا يكاد تذكر حتى يحضر. وهكذا هو حال أصول الفقه، فهي تقوم تقريباً في عالم الأحكام مقام النحو في عالم الكلام، وما دخول السيميائية في أصول الفقه إلا كدخولها في النحو، هناك لتكشف دلالة الأحكام، وهنا لتكشف دلالة الكلام.
والسيميائية.. بكونها علماً تحليلياً للنص؛ لا دخل لها بما تحمله اللغة ذاتها من حمولات النشأة، فاللغة وهي تنشأ حملت على كاهلها معطيات واقع نشأتها، فالعلامة التي نشأت للدلالة على توفير القوت مثلاً، ولتكن «غنم»، سنرى فيها دلالة الظفر بعد التعب، فمن وجده بعد لأْيٍ فقد «غنمه»، وما اُجتز بالحرب فهو «الغنائم»، و«الغنم» ما تهيأ بعد مشقة الرعي. وعلى المستوى الاجتماعي؛ ما صُب بعد جهد العمل كالقهوة فهو «تغنيم»، و«غنّم» عليه بالعصا ضربه لحصول الأدب والارتداع. و«الغنم» عملية جماعية في نشأتها، لذلك؛ لا مفرد له بالأصل، وإن احتيج اجتماعيا في وقت لاحق للإفراد فقيل: «غنمة». وهذا أيضا يدل على أن العلامة خاضعة للتراكم المعرفي، فالسيميائية.. كاشفة عن دلالات هذه العلامة، وعن العلاقات الرابطة بينها، والقوانين التي تحكمها، وليست منشئة لها.
أما أصول الفقه.. فقد جاءت مشبعة بالبيئة التي نشأت فيها، وبحمولات اللغة التي استعملت فيها، فعندما تنظر -مثلاً- إلى تعامل أصول الفقه مع أحكام الغنيمة؛ تجد تلك البُنية اللغوية المكوِّنة للكلمة، والصراع الذي نشأ بين الأطراف التي ورد فيها النص الديني، فأصول الفقه لا تكتفي بالتحليل، وإنما تقوم على ما قامت عليه العلامة لتعطي حكماً، فهي تبني أحكاماً، بل منظومة من الأحكام.
وأصول الفقه.. ليست بناءً محايداً، بل في أحيان كثيرة منحازة، إما دينياً؛ في حكمها على الأديان الأخرى، أو مذهبياً؛ في أحكام الخلاف بين المسلمين، أو اجتماعياً؛ حيث لم تستطع أن تخرج من إسار المجتمع، أو لغوياً؛ فقد كانت رهينة للبنية البيانية للغة، أو مكانياً وزمانياً؛ مثّلت المجتمع والعصر اللذين جرى التنظير لها فيهما. صحيح؛ أن أصول الفقه -كعلم الكلام- خففت من وطأة العنف الذي مرَّ به المسلمون، بحيث تحول إلى جدل لغوي، أي حل القلم محل السيف، لكن القلم الأصولي لم يتخلص من الانحياز والصراع تماماً؛ فقد ظل يستجلب الأحكام القاسية في كثير من أجوبته وتنظيراته.
الإنسان.. استطاع أن يعبّر عن رؤيته للحياة برموز؛ سميت «لغة»، كانت في البدء منطوقة، ثم أصبحت مكتوبة. ولأنه كائن مفكر، لديه قدرة فائقة على الربط بين الأشياء؛ حسياً ومعنوياً، في علاقات متشابكة؛ بسيطة ومعقدة. فحسياً.. استطاع -مثلاً-بعد اختراعه العجلة أن يقيم علاقة عملية بينها وبين الأشياء حوله، فاستعملها في دقيق مخترعاته وعظيمها، فنقلت البشرية نقلات كبرى ومستمرة. وأما معنوياً.. فقد استطاع بتقعيده الذهني أن تكون الدائرة (عجلة تجريدية) من مرتكزات قوانينه الرياضية والفيزيائية. وكانت اللغة هي الأقدر على هذا الربط، فأعطت الإنسان إمكانات غير محدودة.
هذه الرموز.. والتي تسمى في علم اللسانيات العلامات، تشكّل علاقات واسعة فيما تتصل به، والعلم الذي يدرس هذه العلامات، والدلالات التي تحملها، والعلاقات التي تقيمها، سُمي السيميائية. ودراستها لا تقتصر على العلامات والدلالات اللغوية؛ المنطوقة والمكتوبة، بل تشمل الدلالات القائمة على الإشارات ونحوها.
وأما علم أصول الفقه فهو المنهج الذي يحكم الملَكَة الفقهية في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. وقد كان في بدء التشريع؛ ينزل القرآن مقرِراً للأحكام، وما لا ينزل فيه قرآن يرجع الناس إلى النبي الكريم ليبين حكمه، فلم تكن هناك حاجة لأن يجتهدوا برأيهم في الدين كثيراً، وذلك لتنزّل القرآن ووجود النبي، ولوجود مساحة واسعة من حياة الناس يمارسون فيها عاداتهم، مع تجنبهم الشرك. لكن بعد وفاة النبي وتوسع المجتمع، ثم تمدده بالغزوات، بدأت الحاجة تتسع، نتيجة التحولات التي أصابت المجتمع، وبدأ المشتغلون بالفقه من الصحابة والتابعين يستنبطون الأحكام؛ بناءً على ثلاثة مرتكزات: القرآن وما حُفظ عن النبي، وما استقر في عقولهم من بيان اللغة العربية، ومنافع الناس. وكلما توسع المجتمع وزادت استنباطات الفقهاء تراكمت الخبرات الاجتهادية، ثم توسعت بدرجة لا يكاد يستطيع المرء أن يقف فيها على مذهب محدد.
من المناهج الكثيرة للاستنباط والتي كُتب لها البقاء «طريقة الأحناف»، فأبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت:150هـ) وتلامذته خطّوا لأنفسهم منهجاً، وإجمالاً.. هو النظر في فروع الأحكام فيتخذون منها قاعدة أصولية؛ يصدرون عنها أحكامهم. ولمّا جاء محمد بن إدريس الشافعي (ت:204هـ) أعمل عقله الاعتزالي في ضبط الاستنباط المنداح بدون منهج متفق عليه، فاختط له طريقاً آخر مشتقاً من «نهج المتكلمين»، حيث وضع قواعد كلية للشريعة؛ مبنية على استقراء النصوص الشرعية، وعلى كليات العقل ومقتضياته، وعلى بيان اللغة، وذلك بكون القرآن أساس مبناه بيانياً، أغنت هذه القواعد عن الرجوع إلى الفروع والأحكام الجزئية. ورغم انتشار «الأصول الشافعية» حتى عدّت «طريقة الجمهور»، إلا أن «طريقة الأحناف» استمرت.
والسيميائية.. كغيرها من العلوم، متداخلة مع علوم أخرى؛ سواءً في الحقل المنهجي، أو منطقة العمل، وكذلك بالنسبة لأصول الفقه. وإذا علمنا أن أصول الفقه هي بُنية بيانية؛ فإن البيان قائم على المنطق، ليس بالنسبة للفعل الإجرائي فقط؛ أي التوافق بين اللغة والمنطق، وإنما على مستوى التنظير كذلك، فقد أعيد بناء الدرس اللغوي في قالب المنطق منذ العهد اليوناني، وتأكد ذلك بالنسبة للغة العربية عندما جرى تقعيدها بعد ترجمة الفلسفة اليونانية. وإذا كان شارل بيرس يرى في السيميائية بأنها علم آخر للمنطق، أو اسم مرادف له، فهذا يعني أنها أداة ضبط وبناء، أي تضبط آلية عمل العلامات كما تحدد دلالاتها. وهذا هو العمل الذي تقوم به أصول الفقه، حيث تقوم بضبط عمليات الاستنباط لتضعها في منهج واحد صارم، وفي الوقت ذاته أداة للبناء؛ أي لتوليد الأحكام الفقهية.
ولكن بخلاف توصيف بيرس للسيميائية؛ فهي تعمل على عكس المنطق، إنها أداة تفكيك وتحليل، تأتي إلى اللغة لترى بواعثها، ولا يتأتى هذا إلا بالبحث عن جذورها الأولى، فالسيميائي.. يقوم بعملية تفكيك للعلامة اللغوية، بيانية كانت أم غير بيانية، حتى يصل إلى الجذر؛ وهو جذر قد يكون مادياً ليشبع الجسد، أو معنوياً ليروي النفس. كما أنه يقوم بتحليل العلاقات التي تنشئها اللغة بتفكيكها وهي تتحرك في الواقع الاجتماعي، والتفكيك تفريق لا تجميع. صحيح؛ أن هذه العمليات لا بد منها لأجل أن تتمكن اللغة -أو بالأحرى العلامات- من أداء دورها في بناء الاجتماع البشري، لكن ليست هي مَن يقوم بذلك، بل علوم أخرى كالنحو، وأذكر النحو؛ لأنه هو العلم الوثيق بالسيميائية؛ فلا يكاد تذكر حتى يحضر. وهكذا هو حال أصول الفقه، فهي تقوم تقريباً في عالم الأحكام مقام النحو في عالم الكلام، وما دخول السيميائية في أصول الفقه إلا كدخولها في النحو، هناك لتكشف دلالة الأحكام، وهنا لتكشف دلالة الكلام.
والسيميائية.. بكونها علماً تحليلياً للنص؛ لا دخل لها بما تحمله اللغة ذاتها من حمولات النشأة، فاللغة وهي تنشأ حملت على كاهلها معطيات واقع نشأتها، فالعلامة التي نشأت للدلالة على توفير القوت مثلاً، ولتكن «غنم»، سنرى فيها دلالة الظفر بعد التعب، فمن وجده بعد لأْيٍ فقد «غنمه»، وما اُجتز بالحرب فهو «الغنائم»، و«الغنم» ما تهيأ بعد مشقة الرعي. وعلى المستوى الاجتماعي؛ ما صُب بعد جهد العمل كالقهوة فهو «تغنيم»، و«غنّم» عليه بالعصا ضربه لحصول الأدب والارتداع. و«الغنم» عملية جماعية في نشأتها، لذلك؛ لا مفرد له بالأصل، وإن احتيج اجتماعيا في وقت لاحق للإفراد فقيل: «غنمة». وهذا أيضا يدل على أن العلامة خاضعة للتراكم المعرفي، فالسيميائية.. كاشفة عن دلالات هذه العلامة، وعن العلاقات الرابطة بينها، والقوانين التي تحكمها، وليست منشئة لها.
أما أصول الفقه.. فقد جاءت مشبعة بالبيئة التي نشأت فيها، وبحمولات اللغة التي استعملت فيها، فعندما تنظر -مثلاً- إلى تعامل أصول الفقه مع أحكام الغنيمة؛ تجد تلك البُنية اللغوية المكوِّنة للكلمة، والصراع الذي نشأ بين الأطراف التي ورد فيها النص الديني، فأصول الفقه لا تكتفي بالتحليل، وإنما تقوم على ما قامت عليه العلامة لتعطي حكماً، فهي تبني أحكاماً، بل منظومة من الأحكام.
وأصول الفقه.. ليست بناءً محايداً، بل في أحيان كثيرة منحازة، إما دينياً؛ في حكمها على الأديان الأخرى، أو مذهبياً؛ في أحكام الخلاف بين المسلمين، أو اجتماعياً؛ حيث لم تستطع أن تخرج من إسار المجتمع، أو لغوياً؛ فقد كانت رهينة للبنية البيانية للغة، أو مكانياً وزمانياً؛ مثّلت المجتمع والعصر اللذين جرى التنظير لها فيهما. صحيح؛ أن أصول الفقه -كعلم الكلام- خففت من وطأة العنف الذي مرَّ به المسلمون، بحيث تحول إلى جدل لغوي، أي حل القلم محل السيف، لكن القلم الأصولي لم يتخلص من الانحياز والصراع تماماً؛ فقد ظل يستجلب الأحكام القاسية في كثير من أجوبته وتنظيراته.