بين ما يصدر عن روسيا ومسؤوليها من بيانات وخطب، وما يشاع عنها من توصيف و أخبار أوروبيا وعالميا، يبقى شتاء أوروبا القادم بين يدي الرئيس الروسي بوتين، خصوصا مع تعاظم الطلب على الطاقة لغرض التدفئة في شتاء أوروبا القادم.

ومما صدر عن روسيا مؤخرا أنباء عن مواصلة "التعبئة العسكرية الجزئية" لقوات الاحتياط، وما أشيع عنها من أخبار حول احتجاجات داخلها وهروب منها فرارا من التجنيد الإجباري، وتأكيد على الجاهزية من قبل الروس ووصف تقارير الهروب والمعارضة- المنتشرة كالنار في الهشيم مع ما يمكن تخيله من صور ومقاطع فيديو- بأنها أخبار زائفة.

كل ذلك يمكن فهمه من خلال السياق العام للحرب المحتملة في أوكرانيا، ويقينا لن تكون روسيا وحيدة فيها بكل ما تملك من موارد وما يدعمها من علاقات دولية واقتصادية.

والخوف كل الخوف في أن تبقى أوكرانيا وحدها أوان انكشاف الغطاء الأوروبي، فإن لم تهزم عسكريا هزمت جوعا، خصوصا إن تذكرنا أن أقصى ما سمعناه من ردود فعل أوروبية تتلخص في حروب إعلامية واستهجان وتنديد، يتضح ذلك بعد حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن "استفتاء الانضمام" في أربع مناطق أوكرانية تحت السيطرة الروسية الكاملة أو الجزئية. ومع تأكيد المجتمع الدولي الدائم على أهمية التصويت وحق تحديد المصير في مواضع سياسية أخرى ومع كل مناسبة لحماية الحقوق السياسية للشعوب إلا أنه أدان عمليات التصويت الروسية في المناطق الأوكرانية، كما وصفت بأنها صورية!

وبعيدا عن تصويت الانضمام لتحديد المصير المحكوم بظروف حرب لن تترك لأوكرانيا متسعا في خيارات خيارات بديلة (بين الحرب أو الانضمام لروسيا) خصوصا مع تجربة تفكك الاتحاد السوفييتي سابقا، وقريبا من صدمة الجميع عالميا بأزمة الطاقة وضرورة تأمينها تلافيا لأي تحديات مشابهة مستقبليا فإن دول الاتحاد الأوروبي بدأت بمحاولة تأمين طاقتها فرديا عبر سبل شتى، خشية تنفيذ الرئيس الروسي تهديده بقطع إمدادات الطاقة عن أوروبا والعالم في حال الحرب الروسية الأوكرانية، ومن هذه الجهود سعي ألمانيا لتأميم شركة "يونيبر"وهي أكبر شركة غاز موزعة للغاز الروسي في ألمانيا. تتضمن الصفقة الألمانية استحواذ الحكومة على حصة تبلغ 98.5% في الشركة بتكلفة 8.5 مليار يورو، وصلت ألمانيا للتفكير في هذه الصفقة بعد تعرضها لضغوطات كبيرة حينما خفضت روسيا إمدادات الغاز في الأشهر الأخيرة، إذ تعد ألمانيا أكبر مستورد للغاز الروسي في أوروبا.

من كل هذه التجاذبات والتصادمات أعجبتني مبادرة التأميم الوطنية، وما ريح الحرب وزوابعها إلا تنبيه لضرورة تأميم شركات الطاقة في كل الدول ما أمكن ذلك.

لا بد من اعتبار هذا الأمر أولوية وطنية يتم التخطيط لها مبكرا، وتعد العدة لإنجازها حفاظا على موارد البلاد الطبيعية وحتى ثروتها من الموارد البشرية .

لكن كيف يرتبط تأميم شركات الطاقة كمصدر من مصادر الدخل الحكومي بالموارد البشرية؟وما علاقة ذلك بالحرب ؟

في الواقع يرتبط تأهيل الموارد البشرية الوطنية بكل أساسات الأمن القومي والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، لذلك حين توضع الخطط( وإن كان ذلك لسنوات) فلا بد من وضع خطة لتعمين قيادة كبرى الشركات مثل شركات النفط والغاز والمعادن والغذاء والأسماك أولا وبكل السبل، لتعمل هذه الفئة بعد تأهيلها وتمكينها على تمكين وتعمين الصفّين الثاني والثالث من الكفاءات الوطنية، أما حين يبدأ الأمر من القاعدة للهرم فإن في ذلك ما لا يخفى (إلا على متنفعٍ) من استنزاف لموارد اقتصادية وبشرية عبر عقود طويلة كان يمكن لها أن تبقى في هذه الأرض، وأن تفيد منها وتفيدها محققة أمانا مؤملا واستقرارا مطلوبا، هذا الأمان الذي يقي الدول وشعوبها من الوقوع بين رحى قوتين متحكمتين في مصادر الطاقة وقوت الشعوب وتسول هذه الإمدادات حين لات داعم أو نصير .

جهات مختلفة ينبغي لها العمل على تحقيق هذا الهدف بأسرع وقت ممكن مع المتابعة الدقيقة المخلصة لعمليتي الإحلال والإبدال سعيا لتحقيق المصلحة الوطنية وإن تعارضت مؤقتا مع مصالح أخرى فردية.

الاستفادة من الخبرات العربية والدولية مطلب مؤكد لاكتساب الخبرة وتنويع أساليب العمل، ولا يمكن إنكار إيجابياته في مرحلة التأسيس المؤسسي والعمل التخصصي، على أن لا يكون هذا أبدا لا يحد، وقدرا لا يقبل التغيير، كما لا ينبغي أن يؤتى على جسر من تعطيل كفاءات وطنية ملأى بالطاقات متعطشة لخدمة هذا الوطن العزيز وحماية مقدراته الطبيعية والتاريخية والطبيعية من نوائب الدهر وتحديات العصر.