shialoom@gmail.com

تذهب تقديرات العلاقة بين الإنسان ونفسه على أنها علاقة على كثير من الوئام، والصفاء، والتوافق، ولذلك يأمن الإنسان كثيرا مع نفسه، ويعطيها فرصا من المبادرات، والاختيارات، لعلها تنقله من حال إلى حال أفضل؛ عما كان عليه، وهو بذلك لم يخطء، لأن العلاقة بين الإثنين علاقة عضوية، مع أن هناك الكثير من النصوص تومض بأن هناك ثمة إلتباسات في هذه العلاقة فهناك (النفس الإمارة بالسوء) وهناك "الإنسان عدو نفسه"، وهناك "العلاقة الذاتية" وهي العلاقة القائمة بين الإنسان ونفسه؛ هي من توسوس له، فتنقله من حال إلى حال، وقد تستوطن إلى الحد الذي لا يستطيع الإنسان أن يتخلص منها، فيرجع إليها في كل صغيرة وكبيرة، فإذا أراد ممارسة الرياضة؛ على سبيل المثال؛ فهناك هاجس يقول له: أنت لست متين، ولماذا تهلك نفسك، وتتعبها، وتعرض نفسه للشمس الحارقة، أو للأجواء الحارة، وإذا كان مدخنا، وأراد أن يقلع عن التدخين؛ فلا بد أن يتعرض لهاجس كيف ستتجاوز مجموعة الهموم والمشاكل التي تواجهك وأنت غير مدخن، وإذا لاحظت المرأة إعلانا ترويجيا عن لباس معين، حيث ترتديه فتاة وسيمة، فلا بد أن يقلقها هاجس متانة جسمها؛ خاصة إذا كانت في سن متقدم؛ وتنسى أنها كانت مثل فتاة الإعلان قبل نيف من السنين، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، وبالتالي فمجموعة هذه الهواجس الضاربة في عمق العلاقة بين الطرفين، مؤذية إلى حد القلق، وأكثر إيذاءاتها عندما ترتكب ذنبا؛ قد يكون صغيرا، فتتهاوى إليك كل هموم مشاعر الظلم، وترى نفسك أن الظالم الأوحد في هذه الحياة، وأنك بارتكابك هذا الذنب أو ذاك أنك أظلمت الدنيا على من حولك، ولم تدع فرصة لنور أمل لغفران الذنب، سواء بالمصارحة للطرف الآخر والإعتذار إليه، أو برد حقه، أو بالإعتراف بأنك أخطأت، وجئت لتكفر عن خطأك، وأن ما وقع منك هو مجرد خطأ وليس خطيئة حتى تنزل نفسك هذه المنزلة العميقة في مفهوم الذنب.

وعمليات التطهير هذه تحتاج إلى كثير من الجهد بين الإنسان ونفسه، فهي معركة حامية الوطيس؛ فيها منتصر ومهزوم، فإما أن ينتصر الإنسان على ذاته "بوحي العقل" وإما أن تنتصر النفس عليه "بتأثير العاطفة" ومع أن ليس من اليسير أن ينتصر أحد الطرفين على الآخر انتصارا ساحقا، حيث تظل هناك مراوحة بين الطرفين بين هزيمة ونصر، ولذلك أهمية خاصة حيث لا يتماهى الإنسان في متون النفس "الأمارة بالسوء" بنص القرآن الكريم؛ حيث يبقى الإستثناء (إلا من رحم الله) ويذهب البعد التطهيري أكثر في موار الخطأ الذي يستشعره الإنسان بأنه ذنب، أو ظلم للآخر، حيث تتماهى جبروته ونفسيته فيقبل إلى ربه تائبا ذليلا، ليبدأ حياة جديدة فيها من الطهر، والصدق، والأمانة بصورة أكثر قربا من الله.

(عمليات التطهير) مقاربات مهمة من الندم، والإعتراف بالذنب المرتكب، ليس فقط لرد المظالم إلى أهلها، بقدر ما هو تجلية النفس من شوائب الأدران، ومن ثقل الهموم، فاللجوء إلى الله يعفيه من الكثير من ثقل الذنب، ويقدمه إلى الحياة بروح مشرقة، تدرك أنها القادرة على تجاوز الكثير من الإخفاقات التي تحدث في هذه العلاقة العضوية بين الإنسان ونفسه، وهو أمر متاح لأي إنسان مطلع على خبايا نفسه بصورة أكبر، وهي فرصة لتجاوز مظنة أمر السوء الذي تشتغل عليه النفس خلال الـ (24) ساعة عمل بلا توقف.