أكرر باستمرار بأن الموسيقى العُمانية بما فيها المعاصرة موسيقى إيقاعية، والتأليف الموسيقي لم يكتشف بعد الآفاق الفنية التعبيرية والتصويرية للموسيقى البحتة، فلا زلنا ملحنين ومطربين منغمسين في التأثيرات الفنية للضروب الإيقاعية وسرعاتها المختلفة وأساليب أدائها في الألحان الغنائية، بمعنى أن المزاج الإيقاعي لا يزال يعلب دوراً مهماً في الأغاني وأدائها الفني. وفي الموسيقى التقليدية الثرية بالإيقاعات المركبة تتم النقلات اللحنية استجابة لحركة الإيقاع وتنوع الموازين، ولم تدخل الأساليب المقامية الطربية العربية وإيقاعاتها المركبة حسب علمي إلا حديثاً في الغناء العودي العُماني مع موشحات فرقة البلد الموسيقية.

ومن الجدير بالاهتمام أن الموسيقى العودية الاستهلاكية المعاصرة ( أو الحديثة ) فقيرة في استعمال الضروب الإيقاعية بالمقارنة مع التقليدية العُمانية والعربية، ليس هذا فحسب بل وكذلك إن الملحنين العُمانيين والعرب تخلوا عن الضروب الإيقاعية المركبة وأشاعوا استعمال البسيط منها على العكس من الشائع في أنماط الغناء التقليدي المقامي العربي، والتقليدي الإيقاعي العُماني.

وكممارس ومتابع، يبدو لي أننا نواجه تحديات حقيقية في هذا الشأن، وقد يتطور الأمر إلى انقراض الإيقاعات المحلية المركبة عندما لا تجد لها مكاناً في الغناء العودي المعاصر من جهة، ويتراجع من جهة أخرى توارث أداء أنماطها التقليدية من قبل الأجيال الشابة الجديدة. ومن المؤكد أن التعليم الموسيقي ومهرجانات الموسيقى التقليدية المنتظمة في المحافظات من بين أهم الأسباب التي يمكنها تعميق ممارستها وتوارثها وضمان استمرارها. وتقع أهمية هذه الضروب الإيقاعية المركبة في مساهمتها بشكل كبير في رفع مهارات الموسيقيين، وفي هذا السياق لا علم لي بأي دراسة شاملة للضروب الإيقاعية العُمانية، ولكن توجد حوالي خمس دراسات استكشافية نظرية نفذ أربع منها كاتب هذا المقال، كانت الأولى عندما حاولت استكشاف ضرب إيقاع البرعة في دراسة تعريفية بهذا الفن العريق، ونُشرت الدراسة في كتاب بعنوان: " الموسيقى العُمانية التقليدية والتراث العربي " الذي احتوى أيضاً على دارسات أخرى لعدد من الكتّاب العرب والأجانب، وحرر الكتاب الأستاذ الدكتور عصام الملاح وصدر عن مركز عُمان للموسيقى التقليدية عام 1997.

والمحاولة الثانية جاءت ضمن كتابي " الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية " الصادر كذلك عن مركز عُمان للموسيقى التقليدية عام 2005. ثم محاولة رابعة وهي محاضرة غير منشورة بعنوان: " آلات الموسيقى التقليدية العُمانية " عنيت بالآلات الموسيقية وأدوارها اللحنية والإيقاعية. ثم محاولة خامسة بعنوان: "مداخلة في تأليف الإيقاعات الموسيقية العُمانية وإشكاليات الكتابة الموسيقية " المنشور عام 2016 في المجلة الثقافية ( عدد 25) التي يصدرها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم.

وكان الدكتور عصام الملاح قد درس قبل ذلك إيقاع الشرح المرباطي، وإيقاع الشوباني الصوري في كتابه "الموسيقى العُمانية وعلم الموسيقى " الصادر عن مركز عُمان للموسيقى التقليدية في محاولة لوضع قاعدة منهجية لدراسة إيقاعات الموسيقى التقليدية العُمانية.

وأنماط الموسيقى التقليدية متنوعة الضروب الإيقاعية ويستغرق أداءها ساعات طويلة حتى تكتمل الدورة الغنائية الواحدة، ومن بين أبرز هذه الفنون المتعددة الإيقاعات البسيطة والمركبة هي: الميدان، والشوباني، والليوا، وشرح ظفار. وبشكل عام تنشأ الإيقاعات العُمانية البسيطة والمركبة بطريقتين: الأولى، بتوزيع أدوار الآلات الإيقاعية في أداء الحدث الإيقاعي. والثانية، بدمج الموازين بعضها مع بعض، مثلا: دمج ميزان بسيط مع ميزان آخر أعرج. وهذه النظرية يمكن أن نفسر بها إيقاعات كثيرة في الموسيقى التقليدية العُمانية من ذلك ( لا الحصر) ضرب إيقاع الدان أو الكواسة كما يعرف في بعض الولايات وإيقاعه المركب من دمج ميزان ثنائي مع ميزان ثلاثي، وبالنتيجة نحصل على إيقاع مركب ميزانه خمسة على أربعة. وينفذ هذا الإيقاع بواسطة عدد من الآلات الإيقاعية بحيث تتولى كل آلة إيقاعية دورا معينا من أدوار الأداء الفني.

وفي هذا السياق يمكن حصر أساليب عديدة بشأن أثر الإيقاع في تراكيب القوالب الفنية اللحينة، فإلى جانب ما أشرت إليه هناك طريقة فريدة، وهي ما أسميها "تنميط مستوى السرعات (التباطؤ والتسريع)" بحيث تختلف سرعة ضرب الإيقاع مع اختلاف المسميات دون أن يجري أي تعديل في الميزان كما في الرزحة مثلا. وفي هذه المناسبة يمكنني مقابلة سير حركة الإيقاع في الدورة الغنائية الواحدة للرزحة مع بعض المصطلحات في التأليف اللحني بهدف اقتراح معالجة نظرية للتحديات التطبيقية للتأليف الموسيقي الآلي العُماني كالآتي: الهمبل/ الهبية = الاستهلال، يليه القصافي والعازي كمدخل ثم رزحة اللال الكبيرة = الاستقرار، وهو الجزء الأساسي في الدورة الغنائية، ثم الختام برزحة الوداعية، وفي جميع هذه المراحل تختلف مسميات الرزحة بناء على سرعة الضرب الإيقاعي وليس على اختلاف ميزانه كما ذكرت وينفذه عازفو طبلي الرحماني والكاسر، ولكن من وجهة نظري يمكن تطبيق هذا الترتيب المقترح الذي أشرت إليه في التأليف اللحني بما يسمح باستحداث قالب فني جديد مستنبط من أصل تراثي إيقاعي، ولكن هذا الأمر ليس سهلا كما يبدو نظرياً.