- في مقطع صوتي مر بهاتفي الأسبوع الفائت وجّهت إحدى مديرات المدارس الفاضلات رسالة تربوية مهمة للأمهات بالذات تتضمن الأسلوب الأمثل والصحيح الذي يُوصل الطالب أو الطالبة للتفوق بعيدًا عن صنوف الضغط التي تُمارس عليهم والتي أثبتت التجارب الحياتية أنها كانت مُضرة أكثر من أنها مُجدية خاصة على المدى الطويل.
انتقدت مديرة المدرسة خلال المقطع بحِدة التدخل المباشر وغير الممنهج للأمهات اللاتي يسعين إلى دفع أبنائهن للتفوق دفعًا مؤذيًا في المراحل الدراسية الأولى خاصة ظنًا منهن أن هذا التدخل يضمن لهذا الطالب الوصول إلى قائمة المُجيدين وبالتالي التكريم .
وإذا كان لهذا الأُسلوب الذي ثبُت أنه يُفقد الطالب مهارات عِدة من بينها الاعتماد على النفس وتفعيل الملَكات والاجتهاد الشخصي وتعلم طرق البحث عن المعلومة .. إذا كانت له فاعلية وإن كبيرة خلال الصفوف التأسيسية الأولى حيث يمكن السيطرة على الطالب فإنه غير ذي جدوى عندما يصل إلى مرحلة تعليمية وسنية متقدمة خاصة إذا كان مستوى تعليم هذه الأُم محدودًا وبالتالي لا تملك مهارات تدريس عالية لمواد أساسية كاللغة العربية أو الرياضيات أو الفيزياء أو الأحياء أو الكيمياء لأنها مواد متخصصة تحتاج إلى شخص متخصص قادر على إيصال محتواها العلمي.
ولعله يمكن استيعاب المبررات التي قد تدفع بالأم لاستخدام مختلف الأساليب التي تضمن لابنها أو ابنتها التفوق وإن كان على حساب صحتها الجسدية أو النفسية لكن ما لا يمكن فهمه المجموعات " الجروبات " التي تُشكلها الأمهات بهدف متابعة دروس الطالب ومعرفة واجباته وحل نماذج من امتحاناته وتشخيص الحلول لمشاكله مع المعلمين والمدرسة وكأن الأمهات أخذن مكان الطالب الذي يكون عندها قد وقع ضحية الاهتمام الزائد عن الحد والذي سيؤدي لا محالة إلى نتائج مدمرة ليس أقلها من السقوط المُدوي عند أقل فشل قد يواجهه في المستقبل بعد إعلان فك الارتباط الإجباري بينه وبين والدته لأي سبب كان .
ورغم أن أساليب بعض الأُمهات - كما ذكرت سابقًا - تُجردُ الطالب من مهاراته وقدراته الذهنية التي قد تُسفر عن نتيجة ما إلا أنها ستظل أساليب غير ناجعة ومحدودة الفاعلية ووقتية تصنع طالبًا من زجاج قد يتحطم عند أول اصطدام بحجرِ يتعثر به في الطريق فالبقاء في سباقات الجري الطويل للعداء الأطول نفَسًا الذي يأتي من الخلف ليبقى في المقدمة ويصل منصة التتويج.
- في إحدى زياراتي النادرة له وبعد فترة طويلة من التباعد الذي فرضته ظروف العالم الصحية اصطحبني الرجل إلى بيته بعد إصرار شديد .. ذهبت ُمُقدرًا دماثة خُلقه وجميل تعامله. عندما تدخل مجلسه وتلمس احترامه لا تحتاج إلى كبير عناء لتعرف أنه رجل يعرف العادات والتقاليد والسّمت الذي تربينا عليه جميعًا حق المعرفة .. لم يُفاجئني تواضعه وأُسلوبه في المُجاملة لأن الرسالة تعرفُ من عنوانها رغم مظاهر الرفاهية ومستوى معيشته الرفيع الذي بدا واضحًا من حجم بيته ومكان سكناه .
جلس الرجل الوقور في " السوفة البيضاء " قبالتي تمامًا ومن دون أي قصد جاء ذكر قصة بيته الجديد الذي جرنا لموضوع آخر يتعلق بالمقاولين وبينما نحن كذلك فُتح الباب بصورة مفاجئة وعنيفة فإذا بابنه ذي العشر سنوات تقريبًا يدخل ويُغير سريعًا قناة الأخبار التي كنا نتابعها إلى قناة أُخرى للأطفال ويرفع صوت التلفاز وكأننا في صالة للسينما ووالده لا يبدو مُكترثًا لما يحصل أمامه.
واصلنا الحديث بصعوبة بالغة وبعد مرور خمس دقائق بالضبط دخل ابن آخر له يحمل بين يديه كرة قدم .. وما هي إلا لحظات ويركل الولد الكرة فتحطم صورة كانت معلقة على الحائط وبعد قليل ركلها ثانية فحطت على " صينية القهوة " فانسكبت القهوة على ثوبي. هنا توقعت ردة فعلِ جادة من الرجل فإذا به يقول لابنه : " عيب بابا وصخت دشداشة عمك " ويقول موجهًا الكلام لي: " صغار ولازم نتحملهم وانته عارف تربية هذا الزمان".
ابتسمت على مضض وقلت له : أُعذرني أنا سطحيُ المعرفة بتربية هذا الزمان جاهل بالتربية الحديثة وأساليبها التي تُحرم تهذيب الأبناء و" تسنيعهم " .. ربما يخافون عليهم من العُقد النفسية .. ربما نجينا أنا وأنت وممن هم في جيلنا من شرور هذه العقد بقدرة من الله سبحانه وتعالى وربما الحظ وقف معنا أيضًا وصرنا على ما نحن عليه الآن مُحصنين ضد العُقد النفسية .. ربما لم أقرأ في هذا الجانب كما يجب .. وقبل أن انتهي من فنجان القهوة طلبت من " صاحب التربية الحديثة " أن يدُلني على المغسلة لأُزيل بقع القهوة من دشداشتي استأذنته بالخروج ومضيت.
آخر نقطة
إذا كان مفهوم المروءة يعنى الوقوف عند محاسن الأخلاق والترفع عن الصغائر والتغاضي عن الزلّات فإن من أروع معانيها التواضع والتسامح وحُسن المعاملة لأنها صفات سامية توثق أواصر المحبة والمودة وإن تباعدت الطرق وتغيرت الأماكن وتبدلت الأحوال .. التحلي بالمروءة من صفات الكرام وهو بمثابة خط الرجعة الذي يجب أن نُبقي عليه ما حيينا.
انتقدت مديرة المدرسة خلال المقطع بحِدة التدخل المباشر وغير الممنهج للأمهات اللاتي يسعين إلى دفع أبنائهن للتفوق دفعًا مؤذيًا في المراحل الدراسية الأولى خاصة ظنًا منهن أن هذا التدخل يضمن لهذا الطالب الوصول إلى قائمة المُجيدين وبالتالي التكريم .
وإذا كان لهذا الأُسلوب الذي ثبُت أنه يُفقد الطالب مهارات عِدة من بينها الاعتماد على النفس وتفعيل الملَكات والاجتهاد الشخصي وتعلم طرق البحث عن المعلومة .. إذا كانت له فاعلية وإن كبيرة خلال الصفوف التأسيسية الأولى حيث يمكن السيطرة على الطالب فإنه غير ذي جدوى عندما يصل إلى مرحلة تعليمية وسنية متقدمة خاصة إذا كان مستوى تعليم هذه الأُم محدودًا وبالتالي لا تملك مهارات تدريس عالية لمواد أساسية كاللغة العربية أو الرياضيات أو الفيزياء أو الأحياء أو الكيمياء لأنها مواد متخصصة تحتاج إلى شخص متخصص قادر على إيصال محتواها العلمي.
ولعله يمكن استيعاب المبررات التي قد تدفع بالأم لاستخدام مختلف الأساليب التي تضمن لابنها أو ابنتها التفوق وإن كان على حساب صحتها الجسدية أو النفسية لكن ما لا يمكن فهمه المجموعات " الجروبات " التي تُشكلها الأمهات بهدف متابعة دروس الطالب ومعرفة واجباته وحل نماذج من امتحاناته وتشخيص الحلول لمشاكله مع المعلمين والمدرسة وكأن الأمهات أخذن مكان الطالب الذي يكون عندها قد وقع ضحية الاهتمام الزائد عن الحد والذي سيؤدي لا محالة إلى نتائج مدمرة ليس أقلها من السقوط المُدوي عند أقل فشل قد يواجهه في المستقبل بعد إعلان فك الارتباط الإجباري بينه وبين والدته لأي سبب كان .
ورغم أن أساليب بعض الأُمهات - كما ذكرت سابقًا - تُجردُ الطالب من مهاراته وقدراته الذهنية التي قد تُسفر عن نتيجة ما إلا أنها ستظل أساليب غير ناجعة ومحدودة الفاعلية ووقتية تصنع طالبًا من زجاج قد يتحطم عند أول اصطدام بحجرِ يتعثر به في الطريق فالبقاء في سباقات الجري الطويل للعداء الأطول نفَسًا الذي يأتي من الخلف ليبقى في المقدمة ويصل منصة التتويج.
- في إحدى زياراتي النادرة له وبعد فترة طويلة من التباعد الذي فرضته ظروف العالم الصحية اصطحبني الرجل إلى بيته بعد إصرار شديد .. ذهبت ُمُقدرًا دماثة خُلقه وجميل تعامله. عندما تدخل مجلسه وتلمس احترامه لا تحتاج إلى كبير عناء لتعرف أنه رجل يعرف العادات والتقاليد والسّمت الذي تربينا عليه جميعًا حق المعرفة .. لم يُفاجئني تواضعه وأُسلوبه في المُجاملة لأن الرسالة تعرفُ من عنوانها رغم مظاهر الرفاهية ومستوى معيشته الرفيع الذي بدا واضحًا من حجم بيته ومكان سكناه .
جلس الرجل الوقور في " السوفة البيضاء " قبالتي تمامًا ومن دون أي قصد جاء ذكر قصة بيته الجديد الذي جرنا لموضوع آخر يتعلق بالمقاولين وبينما نحن كذلك فُتح الباب بصورة مفاجئة وعنيفة فإذا بابنه ذي العشر سنوات تقريبًا يدخل ويُغير سريعًا قناة الأخبار التي كنا نتابعها إلى قناة أُخرى للأطفال ويرفع صوت التلفاز وكأننا في صالة للسينما ووالده لا يبدو مُكترثًا لما يحصل أمامه.
واصلنا الحديث بصعوبة بالغة وبعد مرور خمس دقائق بالضبط دخل ابن آخر له يحمل بين يديه كرة قدم .. وما هي إلا لحظات ويركل الولد الكرة فتحطم صورة كانت معلقة على الحائط وبعد قليل ركلها ثانية فحطت على " صينية القهوة " فانسكبت القهوة على ثوبي. هنا توقعت ردة فعلِ جادة من الرجل فإذا به يقول لابنه : " عيب بابا وصخت دشداشة عمك " ويقول موجهًا الكلام لي: " صغار ولازم نتحملهم وانته عارف تربية هذا الزمان".
ابتسمت على مضض وقلت له : أُعذرني أنا سطحيُ المعرفة بتربية هذا الزمان جاهل بالتربية الحديثة وأساليبها التي تُحرم تهذيب الأبناء و" تسنيعهم " .. ربما يخافون عليهم من العُقد النفسية .. ربما نجينا أنا وأنت وممن هم في جيلنا من شرور هذه العقد بقدرة من الله سبحانه وتعالى وربما الحظ وقف معنا أيضًا وصرنا على ما نحن عليه الآن مُحصنين ضد العُقد النفسية .. ربما لم أقرأ في هذا الجانب كما يجب .. وقبل أن انتهي من فنجان القهوة طلبت من " صاحب التربية الحديثة " أن يدُلني على المغسلة لأُزيل بقع القهوة من دشداشتي استأذنته بالخروج ومضيت.
آخر نقطة
إذا كان مفهوم المروءة يعنى الوقوف عند محاسن الأخلاق والترفع عن الصغائر والتغاضي عن الزلّات فإن من أروع معانيها التواضع والتسامح وحُسن المعاملة لأنها صفات سامية توثق أواصر المحبة والمودة وإن تباعدت الطرق وتغيرت الأماكن وتبدلت الأحوال .. التحلي بالمروءة من صفات الكرام وهو بمثابة خط الرجعة الذي يجب أن نُبقي عليه ما حيينا.