ليس المقصود بالنقد هنا الأموال المنقولة أو الأصول أو غيرها من المصطلحات المالية البحتة، بل أعني مفهوم النقدي المتداول في حقل العلوم الإنسانية، أي تمييز بين المعقول واللامعقول، بين المقبول وغيرالمقبول ثقافيا واجتماعيا، إذ تدفع المجتمعات التي لا تعرض الظواهر الاجتماعية والثقافية فيها للنقد والمساءلة الثمن غاليا، ثمن لا يمكن تعويضه بأي أثر مهما صحت الضمائر من غفلتها، لأن التنازل عن القيم يفسح المجال أمام ظواهر أخرى طارئة ودخيلة لتتغلغل في خيارات الأفراد وتؤثر على قناعاتهم، مما يُعجل بتبنيها والدفاع عنها ممن اعتنقها أو جرفته لذتها.
لقد مكنت وسائل التواصل الاجتماعي بعض مستخدميها من تجنيد آلاف الأتباع، وأصبح المستخدم في لحظة من المشاهير، والشهرة هنا ليست مرتبطة بإنجاز فردي أو براعة في تخصص معين، بل بتراكم أعداد المتابعين الذين تجذبهم المقاطع الصوتية وبعض الحركات الصورية السطحية التي تخاطب العواطف والغرائز ولا تترك أي أثر إيجابي لدى المتلقي، بينما يجد المرسل مبتغاه فيما يقدمه، سواء بحصوله على شهرة أو مقابل مادي وهو الدافع المحرك له للاستمرار، فصار مرتهنا لدى من يدفع أكثر بصرف النظر عن المضمون. ففي كل مقطع يحاول (صاحب الشهرة) أن يفرض على متابعيه ما يأخذ مقابله من مال الجهات الراعية، دون أن يكون مقتنعا بمحتوى ما يُقدمه، ناهيك عن أنه لا يستخدم المنتج الذي يروج له. وفي هذه المرة يخدع ذاته قبل متابعيه، إذ يعرض عليهم في العلن ما لا يرغب به في الخفاء، فمهمته كسب رضا من يدفع الأجر الذي يكون مرهونا له، حسب المثل الإنجليزي القائل "من يدفع أجرة الزمار يختار اللحن". لم يكتفِ الزمار بتضليل متابعيهم وبيعهم الوهم المُعلب بالصياح والزعيق أحيانا، بل يحاولون حشد مستخدمي وسائل التواصل للدفاع عن قناعات صاحب الحساب، فينقسم المجتمع بين مؤيد وموافق على ما يقول الزمار. بل وسمحوا لأنفسهم التوغل بعيدا في حقول معرفية لا يدركونها، فيقدمون النصائح ويهرفون بما لا يعرفون، فمثلا يقدم الناشط الاجتماعي نصائحه للمعلمين والأساتذة والأطباء والمحامين، وهو ذاته لا يمتلك شهادة أكاديمية أو خبرة معرفية تؤهله لتقديم النصائح أو منح صكوك البراءة.
لقائل أن يقول أن صعود نشطاء التواصل الاجتماعي وسيطرتهم على المنصات ما هو إلا غياب لدور المثقف والمفكر في التأثير على المجتمع، وهذا طرح معقول نسبيا إذا اعتمدنا على إحصاءات وأرقام ناجمة عن استبيان أكاديمي، أو أداة قياسية قادرة على مدنا بمعلومات دقيقة. ولكن الذي يفرق بين المثقف وبين الناشط الاجتماعي أن الأول لديه تقدير للذات واستقلالية شخصية لا يهب نفسه وقناعاته لمن يدفع له، إضافة إلى أن المثقف يتبنى وجهة نظر علمية مستندة على أسس فكرية قوامها المعرفة والثقافة والتحليل، وليس الخواء الثقافي الناجم عن قلة التحصيل العلمي.
إننا بحاجة إلى الوقوف على ظاهرة تسيّد نشطاء التواصل الاجتماعي للساحة الاجتماعية ليس بالمنع بل بنقد الظاهرة، لأن حلم التكسّب السهل بدأ يدغدغ مشاعر الفاشلين الذين حصلوا على المال دون أي جهود تذكر.
قد لا يكون فرض الناشط الاجتماعي قناعاته على الجمهور أمرا مزعجا لدى المتلقي، لكن المؤسف في الأمر أن يتم التعدي على خصوصية الآخرين من قبل نشطاء التواصل، سواء كان التعدي لفظي، أو مادي عبر تصوير الأطفال في بيوتهم دون احترام لحرمات البيوت وحرمات المواطنين، فالكثير ممن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لا يطّلع على أبسط حقوق الأطفال الذين يصورهم أو يجري مقابلات معهم. والكثير ممن وجد نفسه متداولا في مقاطع فيديو لا يدرك ربما أن حقوقه مُصانة لدى الأنظمة والتشريعات، وأحيانا إذا أدركها فلا يُقدم على تحريك الدعوى ضد من انتهك حقه بذريعة عدم إثارة المشاكل. ولم يتوقف صائدو الإعجابات عند الترويج للأطعمة والمحلات التجارية وغيرها من المنتجات، بل حاولوا جر المجتمع إلى إثارة الخلافات مع مستخدمي وسائل التواصل في دول الجوار في أكثر من مناسبة.
إننا بحاجة إلى تأصيل عملية النقد البناء وترسيخ العقلانية في أذهان الناس لتعقلهم عن الانجرار خلف أصحاب القناعات السائبة، والتفكير في المعلومات التي يرسلها الآخرون إلى المجتمع، ولضمان نجاح بناء واعي نقدي متزن ينبغي إدراج مادة فلسفية في المناهج الدراسية للصفين الحادي عشر والثاني عشر، بحيث يستطيع الجيل الشاب التمييز بين الصالح ونقيضه في الرسائل المرسلة إلى المتلقي.
لقد مكنت وسائل التواصل الاجتماعي بعض مستخدميها من تجنيد آلاف الأتباع، وأصبح المستخدم في لحظة من المشاهير، والشهرة هنا ليست مرتبطة بإنجاز فردي أو براعة في تخصص معين، بل بتراكم أعداد المتابعين الذين تجذبهم المقاطع الصوتية وبعض الحركات الصورية السطحية التي تخاطب العواطف والغرائز ولا تترك أي أثر إيجابي لدى المتلقي، بينما يجد المرسل مبتغاه فيما يقدمه، سواء بحصوله على شهرة أو مقابل مادي وهو الدافع المحرك له للاستمرار، فصار مرتهنا لدى من يدفع أكثر بصرف النظر عن المضمون. ففي كل مقطع يحاول (صاحب الشهرة) أن يفرض على متابعيه ما يأخذ مقابله من مال الجهات الراعية، دون أن يكون مقتنعا بمحتوى ما يُقدمه، ناهيك عن أنه لا يستخدم المنتج الذي يروج له. وفي هذه المرة يخدع ذاته قبل متابعيه، إذ يعرض عليهم في العلن ما لا يرغب به في الخفاء، فمهمته كسب رضا من يدفع الأجر الذي يكون مرهونا له، حسب المثل الإنجليزي القائل "من يدفع أجرة الزمار يختار اللحن". لم يكتفِ الزمار بتضليل متابعيهم وبيعهم الوهم المُعلب بالصياح والزعيق أحيانا، بل يحاولون حشد مستخدمي وسائل التواصل للدفاع عن قناعات صاحب الحساب، فينقسم المجتمع بين مؤيد وموافق على ما يقول الزمار. بل وسمحوا لأنفسهم التوغل بعيدا في حقول معرفية لا يدركونها، فيقدمون النصائح ويهرفون بما لا يعرفون، فمثلا يقدم الناشط الاجتماعي نصائحه للمعلمين والأساتذة والأطباء والمحامين، وهو ذاته لا يمتلك شهادة أكاديمية أو خبرة معرفية تؤهله لتقديم النصائح أو منح صكوك البراءة.
لقائل أن يقول أن صعود نشطاء التواصل الاجتماعي وسيطرتهم على المنصات ما هو إلا غياب لدور المثقف والمفكر في التأثير على المجتمع، وهذا طرح معقول نسبيا إذا اعتمدنا على إحصاءات وأرقام ناجمة عن استبيان أكاديمي، أو أداة قياسية قادرة على مدنا بمعلومات دقيقة. ولكن الذي يفرق بين المثقف وبين الناشط الاجتماعي أن الأول لديه تقدير للذات واستقلالية شخصية لا يهب نفسه وقناعاته لمن يدفع له، إضافة إلى أن المثقف يتبنى وجهة نظر علمية مستندة على أسس فكرية قوامها المعرفة والثقافة والتحليل، وليس الخواء الثقافي الناجم عن قلة التحصيل العلمي.
إننا بحاجة إلى الوقوف على ظاهرة تسيّد نشطاء التواصل الاجتماعي للساحة الاجتماعية ليس بالمنع بل بنقد الظاهرة، لأن حلم التكسّب السهل بدأ يدغدغ مشاعر الفاشلين الذين حصلوا على المال دون أي جهود تذكر.
قد لا يكون فرض الناشط الاجتماعي قناعاته على الجمهور أمرا مزعجا لدى المتلقي، لكن المؤسف في الأمر أن يتم التعدي على خصوصية الآخرين من قبل نشطاء التواصل، سواء كان التعدي لفظي، أو مادي عبر تصوير الأطفال في بيوتهم دون احترام لحرمات البيوت وحرمات المواطنين، فالكثير ممن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لا يطّلع على أبسط حقوق الأطفال الذين يصورهم أو يجري مقابلات معهم. والكثير ممن وجد نفسه متداولا في مقاطع فيديو لا يدرك ربما أن حقوقه مُصانة لدى الأنظمة والتشريعات، وأحيانا إذا أدركها فلا يُقدم على تحريك الدعوى ضد من انتهك حقه بذريعة عدم إثارة المشاكل. ولم يتوقف صائدو الإعجابات عند الترويج للأطعمة والمحلات التجارية وغيرها من المنتجات، بل حاولوا جر المجتمع إلى إثارة الخلافات مع مستخدمي وسائل التواصل في دول الجوار في أكثر من مناسبة.
إننا بحاجة إلى تأصيل عملية النقد البناء وترسيخ العقلانية في أذهان الناس لتعقلهم عن الانجرار خلف أصحاب القناعات السائبة، والتفكير في المعلومات التي يرسلها الآخرون إلى المجتمع، ولضمان نجاح بناء واعي نقدي متزن ينبغي إدراج مادة فلسفية في المناهج الدراسية للصفين الحادي عشر والثاني عشر، بحيث يستطيع الجيل الشاب التمييز بين الصالح ونقيضه في الرسائل المرسلة إلى المتلقي.