للاجتماع البشري نسقان كبيران: المجتمع الميكانيكي والمجتمع الديناميكي، وقد بحثهما علماء الاجتماع؛ في مقدمتهم إميل دوركايم(ت:1917م)، تحت مصطلحي «التضامن الميكانيكي» و«التضامن العضوي». المقال.. لا يغوص في بحر المصطلحات، والتي تغيرت دلالاتها منذ دوركايم، ولا زالت في تغيّر مستمر، بل تبدلت المصطلحات ذاتها. وما بصدده هنا.. هو الحديث عن فاعلية النسق الاجتماعي، لقد كتبتُ عن ملامح من مكونات الاجتماع العماني كالسياسة والثقافة والدين، بيد أني لم ألتفت لتحليل نسقه، وكل ما قمت به هو تقييد تأريخي لبعض وقائع مجتمع بهلا الذي عشته، مع شيء من الربط الاجتماعي لها.
«النسق الاجتماعي».. هو النظام الذي تتحرك في إطاره مجموعة من البشر؛ مترابطة فيما بينها، تحكمها علاقات من المعتقدات والمصالح، وتشترك في كثير من الممارسات اليومية والدورية. والمجتمع عموماً يهيمن عليه نسق تنصهر فيه مكوناته الثقافية: القبلية والدينية والسياسية والاقتصادية. وأدوات التحكم بالنسق لا تقتصر على الثقافة القائمة، وإنما هي أعمق من ذلك. فالنسق.. تتحكم به الثقافة وتراثها المتحدرة منه، والأهم من ذلك؛ أن ما يحدد بوصلة حركته، ويتحكم في مفاصله، هو الآمال والمخاوف التي يعيشها، والتي لولاها لتفكك النسق؛ حتى مع رسوخه الثقافي.
المجتمع.. نسقياً؛ إما أن يكون ميكانيكياً أو ديناميكياً. فالميكانيكي.. هو مجتمع يتحرك بوتيرة واحدة، لا يكاد تلاحظ تحولاته في الجيل الواحد، ولربما يحافظ على دوران حلقته المغلقة مئات السنين، وهذا لا يعني أنه لا يحصل فيه تغيّر، فالتغيّر سمة الإنسان الدائمة، فهناك تغيرات محدودة تحدث للمجتمع، لا تؤثر على بنيته إلا ببطء. ولتقريب الموضوع.. نأخذ مثالاً الدين، فهو من أقوى المؤثرات على المجتمع، لا يكاد يوجد ما يضاهيه، باستثناء التحولات السياسية الكبرى، ومع ذلك نجد تأثيره على المجتمع الميكانيكي خاضعاً لآليات النسق الذي يتحكم به -ما لم يكن المجتمع متهيئاً للتحول- وهذا تجلى في المسيحية عندما دخلت أوروبا، فهي لم تؤثر على الأنساق الاجتماعية القائمة فيها؛ إلا بقدر حاجة المجتمع للتطور، وجرى «رومنة المسيحية» وفقاً للبنية النسقية في أوروبا حينها. لقد احتاجت المسيحية إلى زمن طويل لكي تحدث تحولاً دينياً في أنساق الاجتماع هناك، ومع ذلك؛ فهذا التحول لم يحصل كله لصالح المسيحية الأولى، بل أعيد بناء المجتمعات بأنساق جديدة حكمتها التحولات الكبرى التي مرت بأوروبا، وفي مقدمتها السياسة والحروب الدامية.
المجتمع الميكانيكي.. لا يتحول بسهولة إذا كان نسقه صلباً، وهذه الصلابة تنبع من المصالح الاجتماعية المتآصرة، التي من رسوخها غدت مبادئ للمجتمع، فالمعتقد الديني ذاته لن يصمد أمام التحولات التي تصيب المجتمع لولا أنه صار وشائج لمصالح استطال بها الدهر، حتى اكتست عباءة الدين. وما لم تنحل الوشائج فلن يتبدل النسق الاجتماعي، وبالتالي.. يظل راضخاً لميكانيكيته. ومن المصالح التي تحافظ على وجودها باسم الدين -مثلاً- الأنظمة السياسية، فالمجتمعات التي تحكمها أنظمة نشأت تحت المنظومة الدينية تظل عصية على التغيير، وحركتها ليست في خط مستقيم نحو المستقبل، بل حركة دائرية يكاد تراوح مكانها. وعلينا أن نلاحظ بأن الدين بأساس مجيئه هو عملية تحوّل كبرى، ينقل المجتمع نقلة نوعية من ميكانيكيته المعهودة إلى ديناميكية مذهلة، مثلما حصل في المجتمع العربي عندما جاء الإسلام.
إن للمجتمع العديد من العناصر التي تديم سباته الميكانيكي؛ فبالإضافة إلى معتقده الديني هناك: التركيبة القبلية والأسر الوظيفية والنظام السياسي والانعزال الجغرافي والانغلاق المعرفي والقوانين الجامدة، وكل عنصر منها يتركب على تاريخ طويل من العناصر التي تكبحه، والتي ربما كانت حين نشأتها عجلات تسارعه. هذا العمر المديد هو ما يجعل العناصر غير قابلة للتفكك بسهولة، فقد رفعها الزمن في ضمير الناس درجة فوق النقد، بل وفوق المساس، ولذلك؛ ليس من السهل أن يسمح بتفكيكها والتخلي عنها. لكن حال المجتمع الميكانيكي لن يدوم إلى الأبد، بل ستأتي عليه رياح المؤثرات الخارجية، وتدفع به مرغماً إلى التخلي عن أنظمته القديمة، لتحل محلها أنظمة تتحقق من خلالها منافع الاجتماع البشري.
أما المجتمع الديناميكي فنسقه متطور، فهو في حراك دائب، تتحلل بُناه القديمة باستمرار فتقوم فيه بُنى أكثر صلاحيةً وانسجاماً مع متطلبات الحياة، وهذه التحولات لا تصيب بدايةً العلاقات الاجتماعية الرابطة بين أفراد المجتمع، وإنما تحدث أولاً تحولاً في نفس الفرد. التغيّر الخارجي للمجتمع ما لم يحدث نتيجة اقتناع داخلي في الإنسان؛ فلا يتعدى قشرة النسق، مما يجعل المجتمع عندما تهبّ عليه أعاصير التحولات يواجه أحد أمرين:
- نكوص نحو ميكانيكية أشد صرامة من سابقتها، وهذا قليل الحصول، لأن خط التأريخ عادةً لا يرجع للخلف.
- أو تدهور المجتمع بتفسخ وشائجه وانفصام عرى مؤسساته، فيصبح غير مواتٍ لانتظام نسقه، مما يؤدي إلى صراع قد يرتفع إلى حرب أهلية.
إن الربيع العربي -انفجر في ديسمبر 2010م- شاهد على الأمرين، فيمكن أن نعتبر مصر وسوريا مثالاً للنكوص عن تحول المجتمع الميكانيكي إلى مجتمع ديناميكي، فنسقهما السياسي أولاً ثم الاجتماعي تالياً صلب التماسك، بحيث استعصى على رياح الربيع العربي العاتية أن تطيح بهياكله القائمة. في حين.. تمكنت في ليبيا من اجتياح النسق القديم، ليحل محله نسق جديد، تفرضه القوى المهيمنة على المجتمع تحت لهيب النار الأهلية، هذه التحولات نراها مؤلمة الآن، ولا نعرف إلى أين ستتجه، بيد أنها لن تعود بالمجتمع إلى نسقه القديم. وكذلك هو الوضع في تونس، التي سلمت من الحرب الأهلية، ومع البطء في تبلور النسق الجديد إلا أنه ماضٍ في تشكله، ليأخذ مكان نسق لا رجعة له.
ليس شرطاً أن يحصل التحول بالعنف، فهناك مجتمعات حصل فيها سلمياً، مثل دول النمور الآسيوية، وهو تحول جذري، تمكنت فيه من بناء أنساقها الجديدة تحت وقع عاصفة الحرب الباردة دون أن تلفحها، بل استطاعت هي أن تستغل هبوب هذه الحرب لدفع أشرعة سفنها نحو موانئ مصالحها.
مع أن مكونات النسقين في المجتمعات لا تختلف كثيراً، فمراكز القوى والعلاقات الاجتماعية والأنظمة السياسية والتشريعات القانونية والمعتقدات الدينية، توجد في كليهما، وما يختلف هو محركات النسق، فبعضها يدور في حلقة مفرغة بين الأنظمة القائمة في المجتمع، ذلك؛ لأن مصالحها لم تتغير، بسبب عدم تفكك هذه الأنظمة، فيظل المجتمع يدور ميكانيكياً. في حين.. أن المحركات الأخرى تحدث حراكاً داخلياً في النسق؛ مما تجعل المجتمع ديناميكياً؛ تحمله عجلات التسارع نحو الأمام.
المجتمع في داخله.. لا يمكن أن يهيمن عليه نسق واحد للأبد، فهو يتعاقب عليه النسقان، وكلاهما ضروريان للاجتماع البشري، فالنسق الميكانيكي مهم لأجل انتظام الحياة، والاستفادة من العلاقات الاجتماعية، وفيه كذلك راحة من لهاث الجري الذي يسود المجتمع الديناميكي، ولكن الميكانيكية تصبح طنجرة مضغوطة، مع مرور الزمن تؤدي إلى انفجار اجتماعي. وفي المقابل.. يحتاج المجتمع إلى حالة عالية من الديناميكا لتنقله إلى مرحلة من التقدم والتمكن، مع وجود موجهات قيم أخلاقية وروح دينية وتشريعات قانونية تحميه من الانفلات غير المتحكم به.
أخيراً.. هناك تصور بأن المجتمع الميكانيكي يكون التحكم به عن طريق الدين والقوانين الجزائية، وأن المجتمع الديناميكي يرتكز على العلمانية، وقوانينه تميل إلى إصلاح الجاني بدلاً من إيقاع العقوبة عليه، بنظري.. هذا غير دقيق، وهو حكم ناشئ بالنظر إلى المجتمعات القديمة والحديثة، وليس إلى ذات التحول والعوامل المؤثرة عليه، فالميكانيكا والديناميكا.. حالتان تتلبسان المجتمعات منذ القدم، وهي غير مستغنية عن الدين والقانون؛ قديماً وحديثاً، وما نراه الآن منهما هو تطور في مناهجهما والتعامل معهما والاستفادة منهما.
«النسق الاجتماعي».. هو النظام الذي تتحرك في إطاره مجموعة من البشر؛ مترابطة فيما بينها، تحكمها علاقات من المعتقدات والمصالح، وتشترك في كثير من الممارسات اليومية والدورية. والمجتمع عموماً يهيمن عليه نسق تنصهر فيه مكوناته الثقافية: القبلية والدينية والسياسية والاقتصادية. وأدوات التحكم بالنسق لا تقتصر على الثقافة القائمة، وإنما هي أعمق من ذلك. فالنسق.. تتحكم به الثقافة وتراثها المتحدرة منه، والأهم من ذلك؛ أن ما يحدد بوصلة حركته، ويتحكم في مفاصله، هو الآمال والمخاوف التي يعيشها، والتي لولاها لتفكك النسق؛ حتى مع رسوخه الثقافي.
المجتمع.. نسقياً؛ إما أن يكون ميكانيكياً أو ديناميكياً. فالميكانيكي.. هو مجتمع يتحرك بوتيرة واحدة، لا يكاد تلاحظ تحولاته في الجيل الواحد، ولربما يحافظ على دوران حلقته المغلقة مئات السنين، وهذا لا يعني أنه لا يحصل فيه تغيّر، فالتغيّر سمة الإنسان الدائمة، فهناك تغيرات محدودة تحدث للمجتمع، لا تؤثر على بنيته إلا ببطء. ولتقريب الموضوع.. نأخذ مثالاً الدين، فهو من أقوى المؤثرات على المجتمع، لا يكاد يوجد ما يضاهيه، باستثناء التحولات السياسية الكبرى، ومع ذلك نجد تأثيره على المجتمع الميكانيكي خاضعاً لآليات النسق الذي يتحكم به -ما لم يكن المجتمع متهيئاً للتحول- وهذا تجلى في المسيحية عندما دخلت أوروبا، فهي لم تؤثر على الأنساق الاجتماعية القائمة فيها؛ إلا بقدر حاجة المجتمع للتطور، وجرى «رومنة المسيحية» وفقاً للبنية النسقية في أوروبا حينها. لقد احتاجت المسيحية إلى زمن طويل لكي تحدث تحولاً دينياً في أنساق الاجتماع هناك، ومع ذلك؛ فهذا التحول لم يحصل كله لصالح المسيحية الأولى، بل أعيد بناء المجتمعات بأنساق جديدة حكمتها التحولات الكبرى التي مرت بأوروبا، وفي مقدمتها السياسة والحروب الدامية.
المجتمع الميكانيكي.. لا يتحول بسهولة إذا كان نسقه صلباً، وهذه الصلابة تنبع من المصالح الاجتماعية المتآصرة، التي من رسوخها غدت مبادئ للمجتمع، فالمعتقد الديني ذاته لن يصمد أمام التحولات التي تصيب المجتمع لولا أنه صار وشائج لمصالح استطال بها الدهر، حتى اكتست عباءة الدين. وما لم تنحل الوشائج فلن يتبدل النسق الاجتماعي، وبالتالي.. يظل راضخاً لميكانيكيته. ومن المصالح التي تحافظ على وجودها باسم الدين -مثلاً- الأنظمة السياسية، فالمجتمعات التي تحكمها أنظمة نشأت تحت المنظومة الدينية تظل عصية على التغيير، وحركتها ليست في خط مستقيم نحو المستقبل، بل حركة دائرية يكاد تراوح مكانها. وعلينا أن نلاحظ بأن الدين بأساس مجيئه هو عملية تحوّل كبرى، ينقل المجتمع نقلة نوعية من ميكانيكيته المعهودة إلى ديناميكية مذهلة، مثلما حصل في المجتمع العربي عندما جاء الإسلام.
إن للمجتمع العديد من العناصر التي تديم سباته الميكانيكي؛ فبالإضافة إلى معتقده الديني هناك: التركيبة القبلية والأسر الوظيفية والنظام السياسي والانعزال الجغرافي والانغلاق المعرفي والقوانين الجامدة، وكل عنصر منها يتركب على تاريخ طويل من العناصر التي تكبحه، والتي ربما كانت حين نشأتها عجلات تسارعه. هذا العمر المديد هو ما يجعل العناصر غير قابلة للتفكك بسهولة، فقد رفعها الزمن في ضمير الناس درجة فوق النقد، بل وفوق المساس، ولذلك؛ ليس من السهل أن يسمح بتفكيكها والتخلي عنها. لكن حال المجتمع الميكانيكي لن يدوم إلى الأبد، بل ستأتي عليه رياح المؤثرات الخارجية، وتدفع به مرغماً إلى التخلي عن أنظمته القديمة، لتحل محلها أنظمة تتحقق من خلالها منافع الاجتماع البشري.
أما المجتمع الديناميكي فنسقه متطور، فهو في حراك دائب، تتحلل بُناه القديمة باستمرار فتقوم فيه بُنى أكثر صلاحيةً وانسجاماً مع متطلبات الحياة، وهذه التحولات لا تصيب بدايةً العلاقات الاجتماعية الرابطة بين أفراد المجتمع، وإنما تحدث أولاً تحولاً في نفس الفرد. التغيّر الخارجي للمجتمع ما لم يحدث نتيجة اقتناع داخلي في الإنسان؛ فلا يتعدى قشرة النسق، مما يجعل المجتمع عندما تهبّ عليه أعاصير التحولات يواجه أحد أمرين:
- نكوص نحو ميكانيكية أشد صرامة من سابقتها، وهذا قليل الحصول، لأن خط التأريخ عادةً لا يرجع للخلف.
- أو تدهور المجتمع بتفسخ وشائجه وانفصام عرى مؤسساته، فيصبح غير مواتٍ لانتظام نسقه، مما يؤدي إلى صراع قد يرتفع إلى حرب أهلية.
إن الربيع العربي -انفجر في ديسمبر 2010م- شاهد على الأمرين، فيمكن أن نعتبر مصر وسوريا مثالاً للنكوص عن تحول المجتمع الميكانيكي إلى مجتمع ديناميكي، فنسقهما السياسي أولاً ثم الاجتماعي تالياً صلب التماسك، بحيث استعصى على رياح الربيع العربي العاتية أن تطيح بهياكله القائمة. في حين.. تمكنت في ليبيا من اجتياح النسق القديم، ليحل محله نسق جديد، تفرضه القوى المهيمنة على المجتمع تحت لهيب النار الأهلية، هذه التحولات نراها مؤلمة الآن، ولا نعرف إلى أين ستتجه، بيد أنها لن تعود بالمجتمع إلى نسقه القديم. وكذلك هو الوضع في تونس، التي سلمت من الحرب الأهلية، ومع البطء في تبلور النسق الجديد إلا أنه ماضٍ في تشكله، ليأخذ مكان نسق لا رجعة له.
ليس شرطاً أن يحصل التحول بالعنف، فهناك مجتمعات حصل فيها سلمياً، مثل دول النمور الآسيوية، وهو تحول جذري، تمكنت فيه من بناء أنساقها الجديدة تحت وقع عاصفة الحرب الباردة دون أن تلفحها، بل استطاعت هي أن تستغل هبوب هذه الحرب لدفع أشرعة سفنها نحو موانئ مصالحها.
مع أن مكونات النسقين في المجتمعات لا تختلف كثيراً، فمراكز القوى والعلاقات الاجتماعية والأنظمة السياسية والتشريعات القانونية والمعتقدات الدينية، توجد في كليهما، وما يختلف هو محركات النسق، فبعضها يدور في حلقة مفرغة بين الأنظمة القائمة في المجتمع، ذلك؛ لأن مصالحها لم تتغير، بسبب عدم تفكك هذه الأنظمة، فيظل المجتمع يدور ميكانيكياً. في حين.. أن المحركات الأخرى تحدث حراكاً داخلياً في النسق؛ مما تجعل المجتمع ديناميكياً؛ تحمله عجلات التسارع نحو الأمام.
المجتمع في داخله.. لا يمكن أن يهيمن عليه نسق واحد للأبد، فهو يتعاقب عليه النسقان، وكلاهما ضروريان للاجتماع البشري، فالنسق الميكانيكي مهم لأجل انتظام الحياة، والاستفادة من العلاقات الاجتماعية، وفيه كذلك راحة من لهاث الجري الذي يسود المجتمع الديناميكي، ولكن الميكانيكية تصبح طنجرة مضغوطة، مع مرور الزمن تؤدي إلى انفجار اجتماعي. وفي المقابل.. يحتاج المجتمع إلى حالة عالية من الديناميكا لتنقله إلى مرحلة من التقدم والتمكن، مع وجود موجهات قيم أخلاقية وروح دينية وتشريعات قانونية تحميه من الانفلات غير المتحكم به.
أخيراً.. هناك تصور بأن المجتمع الميكانيكي يكون التحكم به عن طريق الدين والقوانين الجزائية، وأن المجتمع الديناميكي يرتكز على العلمانية، وقوانينه تميل إلى إصلاح الجاني بدلاً من إيقاع العقوبة عليه، بنظري.. هذا غير دقيق، وهو حكم ناشئ بالنظر إلى المجتمعات القديمة والحديثة، وليس إلى ذات التحول والعوامل المؤثرة عليه، فالميكانيكا والديناميكا.. حالتان تتلبسان المجتمعات منذ القدم، وهي غير مستغنية عن الدين والقانون؛ قديماً وحديثاً، وما نراه الآن منهما هو تطور في مناهجهما والتعامل معهما والاستفادة منهما.