العالم.. يشهد تحولات كبرى، على كافة المستويات: الخارطة الجيوسياسية، والاتفاقيات الاقتصادية، والبُنى الاجتماعية، والتفكير الفلسفي، والتواصل الرقمي، والمعتقدات الدينية. فبعد أن كان العالم يسير باتجاه الليبرالية الغربية، وما تتضمنه من مُثُل ديمقراطية ومنطق علماني وسوق حر وحرية تعبير -وهذه كلها معتقدات في الليبرالية، لو حُذف أحدها لأصاب منظومتها خلل كبير، هذه الليبرالية لم يكن يُتصور أن لها بديلاً، حتى وصفها منظّروها بأنها «نهاية التاريخ» إلى «الإنسان الأخير»- بعد هذا السير الحثيث.. نرى اليوم طرحاً جديداً، يراد له أن يسود العالم، وهو «النظرية الرابعة»، التي يبشّر فيها صاحبها الفيلسوف الروسي ألكسندر دوجين بالتعددية في المرجعية الحضارية؛ أي أن لكل حضارة الحق بممارسة مبادئها الأخلاقية ومعتقداتها الدينية، وأن تحتفظ بهويتها الحضارية وتسترشد بنهجها الثقافي. هذه النظرية التي تأتي بديلاً رابعاً عن الاشتراكية والقومية والليبرالية؛ هي كغيرها من النظريات التي سبقتها استفتحت وجودها بالقوة من خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يضع العالم على حافة حرب عالمية كبرى، بلغ القلق بالبعض أنه يتصور بأن الحربين العالميتين السابقتين تعتبران تمريناً تعبوياً لما هو قادم.
ما يهمنا.. أننا أمام تأكيد بأن الدين والأخلاق حاضران بقوة، وأن تشكلاتهما المستقبلية قد لا يفارقها العنف، وهذا تصور كارثي، ولذلك؛ لا مناص من التفكير بجد في المنظومات المنبثقة عنهما. ونحن حيالهما أمام ظاهرتين؛ هما:
- أن هناك علاقة حتمية بينهما، فكلاهما قائمان منذ الأزل، فلا إنسان بدون دين، ولا دين بدون أخلاق، وهذا لا يعني وحدة الرؤية لدى جميع البشر فيهما، وإنما هي حالة أقرب إلى قول الله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، ولكن الدين مهما اختلفت معتقدات أتباعه هو ملازم للإنسان، والأخلاق مهما كانت حالة الإنسان هي منطلق له.
- أن المنظومات الدينية؛ تحمل جانبا وافرا من القيم، لكنها ليست بالضرورة صالحة لكل زمان ومكان، فقد نشأت نتيجة ظروف سياسية وحاجات اجتماعية، وبِكرِّ الأيام تطوى لتبسط منظومات أخرى قيمها بما يفرزه الاجتماعي البشري وفق حاجاته وظروفه. ولذلك؛ تنشأ منظومات جديدة لتفي بالاحتياج البشري المتغير، مع بقاء بعض القيم القديمة، لأنها أولا متعلقة بأهداب الدين المطلق، ولأنها ثانيا تبقى طائفة تؤمن بجدواها.
الإسلام.. نموذج مثالي لاستقراء العلاقة بين الدين والأخلاق، سواءً من خلال القرآن، أو من فهم المسلمين له وتطبيقهم إياه. فالقرآن جاء بأصلين متلازمين: الإيمان بالله والأخلاق، فالنبي.. الذي تنزّل عليه القرآن يصفه الله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ويقول الله في الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، ويقول في الحج: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)، ويقول في بر الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، ويقول في المختلف عنا في الدين: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)، وهكذا يقرر حقيقة الإيمان بامتثال الأخلاق، فالمسلم.. يُعتبر مستقيم الإيمان بالتزامه بالأخلاق، فالأخلاق مرجعية أصيلة في الإسلام، وعلى الكل؛ أفرادا وجماعات أن يلتزم بها.
هذه البُنية الأخلاقية الداعية لاعتناق الإسلام؛ عليها بُني المجتمع المسلم زمن النبي الأكرم. بيد أن التطبيق اختلف من بعده، فعند حدوث الفتنة الكبرى بين الصحابة، لم تكن الرحمة والمودة والعدل والعفو هي الحاكمة بينهم فيما اختلفوا فيه، بل قيم الصراع والثأر والغلبة هي المتسيّدة، وكان هذا كفيلا بإيجاد منظومة قيمية على غير ما كانت زمن النبوة؛ والتي نلحظ فيها:
1. الصراع بين أتباع الملة الواحدة، وداخل المجتمع المسلم نفسه، وهذا يعني أن «قيم القطيعة والاحتراب» التي نشأت بين هؤلاء المتقاتلين؛ جرى تعميمها من بعد على جميع الإخوة المختلفين في الإسلام، ثم -من باب أولى- على مَن يختلف عنهم في الدين، ولذلك؛ من الصعب في «منظومة القيم الإسلامية» أن تقبل قيم الأديان والأمم الأخرى، ومعيار الرفض ليس جوهر الأخلاق ولا روح الدين، وإنما هو الاختلاف ذاته؛ الاختلاف المرتاب من الآخر.
2. كل منظومة مذهبية متشظية بسبب الصراع؛ تستدل بأحقيتها من الإسلام، أولاً بالقرآن عبر تأويل آياته واجتزاء نصوصه، ثم بالأحاديث المروية عن النبي بغض النظر عن ثبوتها وعدمه، ثم بمقررات «علم الكلام»، وباعتماد «أصول الفقه» في استنباط الأحكام، التي رغم قواعدها الكلية المجردة؛ لم تتخلص من تأثرها بالزمان والمكان اللذين نشأت فيهما، وعبر هذه الآليات تشكّل معتقد «الفرقة الناجية» التي احتكرت كل معاني النجاة فيها، ورمت ما عداها في النار. وهذا لا يعني أن هذه المنظومات منبتّة عن الفضائل، بل فيها خير كثير؛ للأساس القرآني الذي بُنيت عليه، لكنها لم تصل إلى الناس بروح القرآن ورحمته، وإنما وصلتهم شاهرة في وجوههم سيف التهديد، فتوجس الناس منها خيفة.
3. بسبب دخول المسلمين في سبات طويل استمر حوالي ألف عام؛ لم تتغير هيكلة اجتماعهم إلا قليلاً، وأصاب الجمود نظريتهم المعرفية، ولم تتمكن من التنظير للتحولات المتتابعة. وعندما حصل تغيّر في هذه الهيكلة نوعاً ما بدخول العالم في الحداثة الكونية، فإن منظومة القيم لم تتطور كثيراً؛ لسببين -مع عدم نسيان آفة الاستبداد التي هيمنت على الحكم أمداً طويلاً- هما:
- دخول المسلمين إلى هذه الحداثة؛ كان عن طريق الاحتلال والإكراه والصراع، مما رسّخ ما هو قائم لديهم أساساً بأن الآخر المختلف عنهم في المعتقد هو عدو لهم ولدينهم.
- الزَّجّ بالمسلمين في صراعات كونية كالحرب مع الشيوعية ومعارك القوى الدولية وهي تتسابق للصعود نحو الهيمنة العالمية، مما جعلهم يخافون على دينهم وثقافتهم ومجتمعاتهم، فحفز لديهم الاعتصام بمنظومتهم الدينية مع ما تحمله من قيم الصراع وكره المختلف في الدين، وأية محاولة لتهذيبها بالأخلاق القرآنية اصطدمت بتهمة الانحراف عما جاء به الأسلاف والضلال عن الدين.
الإشكال العميق لدى المسلمين؛ أنهم لا يزالون يعتبرون نظرياتهم المعرفية هي الممثلة للإسلام، ولا يتصورون أنه يمكن أن توجد نظرية ترجع إلى القرآن، ومنه تنطلق، وتستند على معطيات فلسفية واجتماعية معاصرة، مفارقة للحظة الصراع التي انبثقت منها تلك المنظومات. على المسلمين أن يوقنوا بأن القرآن يختزن قيماً أخلاقية صالحة لزمانهم. وقبل ذلك.. عليهم أن يقرّوا بأن نظرياتهم القديمة قد انتهت صلاحيتها، وعليهم أن يجتهدوا في بناء نظرية معرفية جديدة، تتطلع للبناء ولا تتبنى الصراع، وتؤسس للاستيعاب لا للإقصاء، وتتجه نحو المستقبل، لا تنكث للماضي، وتأخذ بروح الدين وجوهر الأخلاق، وليس بالتراكم التأريخي للتجارب المذهبية.
إن ما نشاهده بين المسلمين من احتراب على أرض الواقع، إلى حد تفجير المساجد بعُبّادها، وما نقرأه ونسمعه من ردود عنيفة تمجّها النفس السوية باسم الدفاع عن الدين، وما نطالعه عبر نوافذ التواصل الاجتماعي من سباب وتنابذ وإقصاء واحتكار للحق وتعصب مقيت، يؤكد أن منظومتنا القيمية تعيش عصر الصراع الأول، تتخلق بقيمه، وتراه خير القرون، لا يصلح أمرها إلا بامتثاله.
ومن يتتبع هذا الخطاب؛ عبر رموزه، منذ الفتنة الأولى حتى هذا الزمان؛ يجده متواصلاً بدون انقطاع، وبالإمكان أن يستخرج منه معجماً واسعاً بألفاظ الشتم وعبارات القذف وأساليب الإقصاء، فهو ليس خطاباً طارئاً على الاجتماع الإسلامي، بل امتداد عميق عبر التأريخ المذهبي للمسلمين. لقد آن الأوان أن يؤسس المسلمون لهم منظومة قيم تستند إلى ميزان العدل الإلهي ومقاصد الرحمة القرآنية وأخلاق الكرامة الإنسانية، بدلاً من قيم الصراع المشحونة بها منظوماتهم القديمة.
ما يهمنا.. أننا أمام تأكيد بأن الدين والأخلاق حاضران بقوة، وأن تشكلاتهما المستقبلية قد لا يفارقها العنف، وهذا تصور كارثي، ولذلك؛ لا مناص من التفكير بجد في المنظومات المنبثقة عنهما. ونحن حيالهما أمام ظاهرتين؛ هما:
- أن هناك علاقة حتمية بينهما، فكلاهما قائمان منذ الأزل، فلا إنسان بدون دين، ولا دين بدون أخلاق، وهذا لا يعني وحدة الرؤية لدى جميع البشر فيهما، وإنما هي حالة أقرب إلى قول الله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، ولكن الدين مهما اختلفت معتقدات أتباعه هو ملازم للإنسان، والأخلاق مهما كانت حالة الإنسان هي منطلق له.
- أن المنظومات الدينية؛ تحمل جانبا وافرا من القيم، لكنها ليست بالضرورة صالحة لكل زمان ومكان، فقد نشأت نتيجة ظروف سياسية وحاجات اجتماعية، وبِكرِّ الأيام تطوى لتبسط منظومات أخرى قيمها بما يفرزه الاجتماعي البشري وفق حاجاته وظروفه. ولذلك؛ تنشأ منظومات جديدة لتفي بالاحتياج البشري المتغير، مع بقاء بعض القيم القديمة، لأنها أولا متعلقة بأهداب الدين المطلق، ولأنها ثانيا تبقى طائفة تؤمن بجدواها.
الإسلام.. نموذج مثالي لاستقراء العلاقة بين الدين والأخلاق، سواءً من خلال القرآن، أو من فهم المسلمين له وتطبيقهم إياه. فالقرآن جاء بأصلين متلازمين: الإيمان بالله والأخلاق، فالنبي.. الذي تنزّل عليه القرآن يصفه الله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ويقول الله في الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، ويقول في الحج: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)، ويقول في بر الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، ويقول في المختلف عنا في الدين: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)، وهكذا يقرر حقيقة الإيمان بامتثال الأخلاق، فالمسلم.. يُعتبر مستقيم الإيمان بالتزامه بالأخلاق، فالأخلاق مرجعية أصيلة في الإسلام، وعلى الكل؛ أفرادا وجماعات أن يلتزم بها.
هذه البُنية الأخلاقية الداعية لاعتناق الإسلام؛ عليها بُني المجتمع المسلم زمن النبي الأكرم. بيد أن التطبيق اختلف من بعده، فعند حدوث الفتنة الكبرى بين الصحابة، لم تكن الرحمة والمودة والعدل والعفو هي الحاكمة بينهم فيما اختلفوا فيه، بل قيم الصراع والثأر والغلبة هي المتسيّدة، وكان هذا كفيلا بإيجاد منظومة قيمية على غير ما كانت زمن النبوة؛ والتي نلحظ فيها:
1. الصراع بين أتباع الملة الواحدة، وداخل المجتمع المسلم نفسه، وهذا يعني أن «قيم القطيعة والاحتراب» التي نشأت بين هؤلاء المتقاتلين؛ جرى تعميمها من بعد على جميع الإخوة المختلفين في الإسلام، ثم -من باب أولى- على مَن يختلف عنهم في الدين، ولذلك؛ من الصعب في «منظومة القيم الإسلامية» أن تقبل قيم الأديان والأمم الأخرى، ومعيار الرفض ليس جوهر الأخلاق ولا روح الدين، وإنما هو الاختلاف ذاته؛ الاختلاف المرتاب من الآخر.
2. كل منظومة مذهبية متشظية بسبب الصراع؛ تستدل بأحقيتها من الإسلام، أولاً بالقرآن عبر تأويل آياته واجتزاء نصوصه، ثم بالأحاديث المروية عن النبي بغض النظر عن ثبوتها وعدمه، ثم بمقررات «علم الكلام»، وباعتماد «أصول الفقه» في استنباط الأحكام، التي رغم قواعدها الكلية المجردة؛ لم تتخلص من تأثرها بالزمان والمكان اللذين نشأت فيهما، وعبر هذه الآليات تشكّل معتقد «الفرقة الناجية» التي احتكرت كل معاني النجاة فيها، ورمت ما عداها في النار. وهذا لا يعني أن هذه المنظومات منبتّة عن الفضائل، بل فيها خير كثير؛ للأساس القرآني الذي بُنيت عليه، لكنها لم تصل إلى الناس بروح القرآن ورحمته، وإنما وصلتهم شاهرة في وجوههم سيف التهديد، فتوجس الناس منها خيفة.
3. بسبب دخول المسلمين في سبات طويل استمر حوالي ألف عام؛ لم تتغير هيكلة اجتماعهم إلا قليلاً، وأصاب الجمود نظريتهم المعرفية، ولم تتمكن من التنظير للتحولات المتتابعة. وعندما حصل تغيّر في هذه الهيكلة نوعاً ما بدخول العالم في الحداثة الكونية، فإن منظومة القيم لم تتطور كثيراً؛ لسببين -مع عدم نسيان آفة الاستبداد التي هيمنت على الحكم أمداً طويلاً- هما:
- دخول المسلمين إلى هذه الحداثة؛ كان عن طريق الاحتلال والإكراه والصراع، مما رسّخ ما هو قائم لديهم أساساً بأن الآخر المختلف عنهم في المعتقد هو عدو لهم ولدينهم.
- الزَّجّ بالمسلمين في صراعات كونية كالحرب مع الشيوعية ومعارك القوى الدولية وهي تتسابق للصعود نحو الهيمنة العالمية، مما جعلهم يخافون على دينهم وثقافتهم ومجتمعاتهم، فحفز لديهم الاعتصام بمنظومتهم الدينية مع ما تحمله من قيم الصراع وكره المختلف في الدين، وأية محاولة لتهذيبها بالأخلاق القرآنية اصطدمت بتهمة الانحراف عما جاء به الأسلاف والضلال عن الدين.
الإشكال العميق لدى المسلمين؛ أنهم لا يزالون يعتبرون نظرياتهم المعرفية هي الممثلة للإسلام، ولا يتصورون أنه يمكن أن توجد نظرية ترجع إلى القرآن، ومنه تنطلق، وتستند على معطيات فلسفية واجتماعية معاصرة، مفارقة للحظة الصراع التي انبثقت منها تلك المنظومات. على المسلمين أن يوقنوا بأن القرآن يختزن قيماً أخلاقية صالحة لزمانهم. وقبل ذلك.. عليهم أن يقرّوا بأن نظرياتهم القديمة قد انتهت صلاحيتها، وعليهم أن يجتهدوا في بناء نظرية معرفية جديدة، تتطلع للبناء ولا تتبنى الصراع، وتؤسس للاستيعاب لا للإقصاء، وتتجه نحو المستقبل، لا تنكث للماضي، وتأخذ بروح الدين وجوهر الأخلاق، وليس بالتراكم التأريخي للتجارب المذهبية.
إن ما نشاهده بين المسلمين من احتراب على أرض الواقع، إلى حد تفجير المساجد بعُبّادها، وما نقرأه ونسمعه من ردود عنيفة تمجّها النفس السوية باسم الدفاع عن الدين، وما نطالعه عبر نوافذ التواصل الاجتماعي من سباب وتنابذ وإقصاء واحتكار للحق وتعصب مقيت، يؤكد أن منظومتنا القيمية تعيش عصر الصراع الأول، تتخلق بقيمه، وتراه خير القرون، لا يصلح أمرها إلا بامتثاله.
ومن يتتبع هذا الخطاب؛ عبر رموزه، منذ الفتنة الأولى حتى هذا الزمان؛ يجده متواصلاً بدون انقطاع، وبالإمكان أن يستخرج منه معجماً واسعاً بألفاظ الشتم وعبارات القذف وأساليب الإقصاء، فهو ليس خطاباً طارئاً على الاجتماع الإسلامي، بل امتداد عميق عبر التأريخ المذهبي للمسلمين. لقد آن الأوان أن يؤسس المسلمون لهم منظومة قيم تستند إلى ميزان العدل الإلهي ومقاصد الرحمة القرآنية وأخلاق الكرامة الإنسانية، بدلاً من قيم الصراع المشحونة بها منظوماتهم القديمة.