ساهمت الضرائب بمختلف أنواعها في تعزيز الإيرادات العامة مما أوجد دخلا اقتصاديا ثابتا يصب في المصلحة العامة والخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم وتطوير البنى الأساسية وتوفير شبكة الحماية الاجتماعية.

والضريبة هي التزام مالي يفرض على المؤسسات والأفراد من قبل الحكومات المركزية على المستوى الوطني أو الإدارة المحلية أو على المستوى البلدي، وعادةً تكون الضريبة نسبة من دخل أو قيمة شراء أو استهلاك، وتتعدد أنواع الضراب كضريبة الدخل الذي تحصل عليه المؤسسات أو الأفراد بمختلف أنواعه ومنها أرباح الشركات والدخل من الإيجارات أو عوائد الاستثمار من الأسهم أو عوائد فوائد أو ربح، وضريبة المبيعات أو الاستهلاك، وتنقسم إلى ضريبة القيمة المضافة (VAT) وضريبة المشتريات (Sales Tax)، وكذلك ضرائب الممتلكات مثل العقار وضرائب الواردات أو الجمارك.

ويقوم جهاز الضرائب في العام الحالي بمشاريع مهمة أبرزها مشروع العلامة المميزة، وهو عبارة عن برنامج رقابـي ينفذه الجهاز ويُفرض على مصنّعي السلع الانتقائية والأطراف المعنية من أجل تعزيز الامتثال إلى المعايير الدولية في استيراد وتجارة هذه السلع في سلطنة عمان، فيما برزت جهود التوعية الضريبية التي توضح مفاهيمها الرئيسية.

إيجاد شبكة حماية اجتماعية

قال صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس إن للضرائب أهمية كبرى في إيجاد مصادر دخل أخرى للدولة بحيث تتمكّن من تقديم الخدمات العامة وتطوير البنى الأساسية وغيرها من الأدوار التي تقوم بها الدول، كما تعتمد الكثير من الدول على الضرائب خاصة حين لا توجد مصادر أخرى أو تكون غير مستدامة. وتستخدم الدول الضرائب لإعادة توزيع الدخل عن طريق إيجاد شبكة حماية اجتماعية والتي تعني توفير الرعاية للأفراد الأقل دخلا أو المتأثرين بالأوضاع الاقتصادية من فقدان عمل أو غيره، لذا تطبّق الكثير من الدول نسبا أعلى للضرائب للأفراد ذوي المداخيل الأعلى بالمقارنة بذوي الدخل المتوسط، وتحديد نسب تطبيق الضريبة على مستويات تصاعدية، ففي مثل هذه الأحوال تعد سياسات الضرائب من أدوات تعزيز العدالة الاجتماعية.

وأكد صاحب السمو السيد الدكتور أن أي ضريبة تعد مؤثرة على المؤسسات أو الأفراد، وبالنسبة للمؤسسات يكون التأثير على الأرباح بعد خصم الكلف الإنتاجية، وحين تكون الضريبة عالية تنخفض الأرباح بعد الضريبة مما يؤثر على عوائد الأرباح وجاذبية الاستثمار، أما على الأفراد فتعد الضرائب مؤثرة على الدخل المتاح للإنفاق (Disposable Income) وهو الدخل القابل للاستهلاك به، وكلما ارتفعت الضريبة بشكل ملموس ينخفض الدخل المتاح للإنفاق مع وعي الفرد بالقانون ونوع الضريبة وتأثيرها إذ يتمكن من تحديد كيفية التخفيف من الالتزامات الضريبة إن وجدت.

وأضاف إن الضرائب في سلطنة عمان تنحصر على السلع والخدمات مثل ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، وتختلف الاثنتان من حيث التطبيق ولكي يتم دفعها من قبل المستهلك الأخير، فإحداها ضريبة القيمة المضافة التي تخلل سلسلة الإنتاج ولكن لا تتراكم وهي مطبّقة على عدد من السلع والخدمات، وبها إعفاءات عن السلع الغذائية الرئيسية وتبلغ أكثر من ٤٠٠ نوع من السلع المعفاة، كما لا تطبَّق على الخدمات الصحة والتعليمية وغيرها، بينما تُفرض الضريبة الانتقائية على بعض المنتجات مثل الدخان والمشروبات المحلاة وما قد يضر الصحة العامة.

وأشار إلى أن ضريبة القيمة المضافة تشمل العديد من السلع والخدمات التي يستخدمها الجميع لذا تعد شاملة، ولكن تعد الإعفاءات أو النسب الصفرية للسلع أو الخدمات من العوامل التي تعفي الفرد من تحمّل الضريبة، أما الضريبة الانتقائية فهي معنية بمَن يستهلك السلع المشمولة مثل المشروبات المحلاة أو الدخان والتبغ، وضريبة دخل الشركات لا يتحمّلها الفرد وإنما المؤسسات الربحية التي تحقق أرباحا، وبذلك تتأثر استفادة المستثمرين وعوائدهم.

جهاز الضرائب

أشار يوسف المغيري من جهاز الضرائب إلى أن الجهاز يسعى كأحد أهم المؤسسات الحكومية في سلطنة عمان إلى تبنّي رؤية بأن يكون "جهازا تنفيذيا معنيا بتطوير النظام الضريبي ورفع مستوى الوعي والالتزام الضريبي في إطار الاختصاصات المنوطة به وتوريد حصيلتها للميزانية العامة للدولة وضمان مورد مستدام لمستقبل أجيالنا"، كما يسعى الجهاز إلى تحقيق العديد من الأهداف الرئيسية التي تتمثل في تطوير النظام الضريبي وفقا للسياسات الضريبية المعتمدة، ورفع مستويات كفاءة الأداء في الجهاز وبالأخص أنظمة ربط وتقدير وتحصيل الضريبة.

وأضاف المغيري إن تنمية الوعي الضريبي في الدولة يتم من خلال التعريف بالحقوق والالتزامات الضريبية، والعمل على رفع المستوى الضريبي لدى الخاضعين للضريبة عبر أداء التزاماتهم الضريبية من خلال تطبيق عدد من القيم وهي العدالة والكفاءة واليقين والسهولة.

مشاريع

وعن مشاريع الجهاز الحالية صرّح يوسف المغيري أن جهاز الضرائب يعمل في العام الحالي على مشاريع مهمة أبرزها مشروع العلامة المميزة، وهو عبارة عن برنامج رقابـي ينفذه جهاز الضرائب ويُفرض على مصنّعي السلع الانتقائية والأطراف المعنية من أجل تعزيز الامتثال إلى المعايير الدولية في استيراد وتجارة هذه السلع في سلطنة عمان، ويتيح هذا النظام الإلكتروني وضع علامات رقمية مخصصة على المنتجات المحددة؛ لرصد وتتبع حركتها من المصنع إلى المستهلكين، وتساعد هذه العلامات على إنفاذ الأنظمة التي تهدف إلى الحد من التجارة غير المشروعة بالسلع الانتقائية، كما يتطلب نظام العلامة المميزة من المصنّعين وضع أختام معيّنة ذات درجة عالية من الأمان على جميع السلع، وبالتالي بعد تطبيق هذا النظام لن يتم السماح باستيراد أي سلع انتقائية إلى سلطنة عمان لا تحمل أختاما ضريبية صالحة ومفعلة عليها.

الحد من تداول السلع المقلدة والمغشوشة

وأكد المغيري على أن المشروع يهدف إلى الحد من تداول السلع المقلدة والمغشوشة بالسوق المحلية، إضافة إلى الحد من عمليات تهريب السلع الانتقائية وما يترتب على ذلك من حالات تهرب ضريبي، كما سيتم تطبيق نظام الأختام الضريبية في بداية المشروع على السجائر المستوردة أولا ومن ثم سيمتد التطبيق لاحقا ليشمل جميع السلع الانتقائية في سلطنة عمان وفقا لجداول زمنية سيعلن عنها من قِبل جهاز الضرائب بحيث يتم تطبيق وضع الأختام الضريبية على جميع السلع الانتقائية مع بداية عام 2023.

وأضاف المغيري إنه في إطار حرص جهاز الضرائب على تطبيق مشروع العلامة المميزة الذي يهدف إلى مكافحة التهرب الضريبي والمساهمة في حماية المستهلكين من المنتجات المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات التي قد تتسرب إلى الأسواق. ودشن الجهاز تطبيق "خاص"، للختم الضريبي الرقمي والذي سيتم تطبيقه بشكل مبدئي على العلامات المميزة على السلع الانتقائية ليتسنى لجميع المستهلكين التأكد من مصداقية المنتجات التي تحمل "الأختام الضريبية الرقمية".

التوعية الضريبية

وعن أبرز نشاطات التوعية الضريبية على مستوى سلطنة عمان قال يوسف المغيري إن جهاز الضرائب بدأ سلسلة من الندوات التوعوية حول ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدخل على الشركات هذا العام، تزامنا مع افتتاح العديد من إدارات الضرائب في المحافظات، وقدمت هذه الندوات العديد من العروض المرئية من قبل المختصين للخاضعين للضرائب بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة عمان بفروعها المنتشرة في المحافظات، كما هدفت هذه الندوات إلى توضيح المفاهيم الرئيسية لضريبة القيمة المضافة وآلية التسجيل للفئات التي تقع تحت نطاق الفترة الزمنية المحددة حسب التوريدات بالإضافة إلى العقوبات والجزاءات في حال الامتناع عن التسجيل في الضريبة أو عدم الالتزام الضريبي.

وأشار المغيري إلى أن المختصين قد قدموا عرضا مرئيا تناولوا فيه قانون ضريبة القيمة المضافة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 121/ 2020 وتعريف الضريبة التي تُفرض على جميع التوريدات للسلع والخدمات في سلطنة عمان، ما لم يَرد نص بالإعفاء أو الخضوع بنسبة الصفر بالمائة، وأوضح المختصون أن ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة غير مباشرة، والتي يقوم المورد بتحصيلها نيابة عن جهاز الضرائب وتتصف بالحيادية لبيئة الأعمال التي تعمل على مبدأ الخصم ويتحمّلها المستهلك النهائي، مشيرين إلى أن التوريدات الخاضعة للضريبة بمعدل 0% تتمثل في السلع الغذائية الأساسية والأدوية والتجهيزات الطبية والذهب والفضة والبلاتين الاستثماري والطائرات وسفن الإنقاذ والمساعدة والنفط الخام ومشتقاته والغاز الطبيعي.

وأضاف المغيري إن المختصين قد تطرقوا إلى آلية عمل ضريبة القيمة المضافة، وأنواع التوريدات والمعدلات الضريبية والتوريدات المعفاة من الضريبة، كما تم عرض أمثلة تطبيقية حول آلية الاحتساب العكسي وتاريخ استحقاق الضريبة، وأوضحوا أن قانون الضريبة نص على عقوبات تهدف إلى الحد من عدم الالتزام الضريبي لدى جميع الخاضعين للضريبة، وتتراوح هذه العقوبات بين السجن لمدة سنة وثلاث سنوات وغرامة مالية تبدأ من 10 آلاف إلى 20 ألف ريال عماني للحالات التي بيّنها القانون ومنها الامتناع عمدا عن التسجيل في ضريبة القيمة المضافة أو عدم تقديم الإقرارات عن الفترات الضريبية أو تقديم بيانات غير صحيحة في المعاملات الضريبية بالإضافة إلى الحالات الأخرى.

من جانبها قدمت دائرة التسجيل بجهاز الضرائب ورقة عمل بعنوان آلية التسجيل في ضريبة القيمة المضافة لدى جهاز الضرائب، تطرق فيها إلى تعريف الملزمين بالتسجيل ومكونات الإيرادات السنوية، والتي تشمل قيمة التوريدات لأغراض التسجيل والمجموعات الضريبية، إضافة إلى مواعيد التسجيل بحسب الخط الزمني الذي اعتُمد لتسجيل الخاضعين للضريبة بالنظر إلى قيمة التوريدات لكل فترة زمنية. وأشار المختصون إلى أهمية تسجيل الخاضعين للضريبة الذين يقع نطاق توريداتهم بين 249 ألفا إلى 38.500 ألف ريال عماني خلال الشهر الحالي؛ كي لا يتم فرض غرامات وإجراءات إدارية ضدهم في حال عدم التسجيل في الضريبة. وعن كيفية التسجيل لدى جهاز الضرائب أوضح المختصون أن التسجيل مجاني من خلال زيارة البوابة الإلكترونية لخدمات جهاز الضرائب www.taxoman.gov.om وتسجيل الدخول بواسطة التصديق الإلكتروني وتعبئة النماذج المعدة لذلك والتأكد من صحة البيانات وتقديم الطلب للتسجيل.

وقال يوسف المغيري إنه على مستوى النشاط الإعلامي التوعوي لجهاز الضرائب قام الجهاز بنشر العديد من الإعلانات الضريبية والمقابلات التلفزيونية والإذاعية، حيث استهدفت توعية مجتمع الخاضعين للضريبة والمجتمع بشكل عام، كما يملك جهاز الضرائب حسابات في جميع منصات التواصل الاجتماعي إضافة إلى خدمات البوابة الإلكترونية التوعوية في الجهاز.

وعن عدد السلع التي تدخل ضمن نطاق الإعفاء في ضريبة القيمة المضافة، أشار المغيري إلى أنه بعد التوجيهات السامية الكريمة من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بإضافة 25 سلعة إلى قائمة السلع التي تخضع لنسبة 0%؛ ليصبح عدد هذه السلع الإجمالي 513 سلعة ضمن القائمة الجديدة، وتشمل إعفاءات قطاع الرعاية الصحية والتعليم والخدمات المالية.

تنمية الاقتصاد الوطني

وأشار المواطن أسامة بن حمود الخزيري إلى أن الضرائب والتكاليف العامة هي أساسها العدل وتنمية الاقتصاد الوطني، حيث إن هذه الضرائب التي يدفعها الأفراد والمؤسسات بمختلف أنواعها تشكل مصدرا من مصادر الدخل القومي للبلد ووسيلة لتنمية الاقتصاد الوطني، كما أنها تسهم بشكل مباشر في دفع عجلة الاقتصاد نحو التقدم والارتقاء، وفرض الضرائب في الدولة يجعل لها مخزونا ماليا احتياطيا وفائضا كبيرا يساعدها في وقت الأزمات.

وأضاف الخزيري إن للضرائب تأثيرا كبيرا على نمط حياة الفرد والمؤسسات، حيث إنه يسهم في تغيير التخطيط المالي للفرد وجعله يهتم بالأولويات ووضع خطط مالية شهرية مناسبة.