لعله من باب العبثِ أو لنقُل السخرية أن تتمنى العودة بحياتك إلى الوراء، وإعادة جدولة أولوياتها، والقيام بإجراء بعض التعديلات الجذرية في الكثير من القرارات التي أثبتَ الزمنُ أنها جانبت الصواب، ولم تكن موفقة أو بمعنى آخر كان يمكنك اتخاذ قرارات أُخرى بديلة قد تعمل على إضافة الجودة التي أسفت أنها غابت عن حياتك.

وأنت بتلك الأماني التي لن تتحقق طبعًا «تشطح» بخيالك وتبتعد عن الواقع بملايين السنوات الضوئية، لكن لِم لا فجميعنا يحتاج أحيانًا للهروب من واقعه إلى واقع آخر افتراضي.

تقول لو عاد بك الزمن إلى الوراء رغم التحفظ على كلمة «لو» التي عادة ما يدخل منها الشيطان لم تكن لتختار تخصصك الدراسي الحالي، ولن تعمل في المؤسسة التي ما زالت تعمل فيها الآن رغم أن «لحم كتافك من خيرها» كما يقول الأخوة المصريون.. ستدعي أن وظيفتك الحالية «قاتلة للطموح» لا تجلب لك سوى التوترات والقلق، وأنك إن خرجت منها لن تخرج رابحًا بل بأقل الخسائر والأضرار.. لن تترد في القول إنك لن تختار الانضمام إلى أي جهة تابعة للخدمة المدنية رغم أن لكل وظيفة ضريبتها.

تقول أيضًا أنك لو عُدت للجلوس على مقاعد الدراسة لن تفارق مكتبة المؤسسة التعليمية التي تدرس فيها إلا بقدر ما تتطلبه الحاجة والمهام اليومية المقررة عليك كطالب، وستسعى لاكتساب المعارف والقراءة المُكثفة وسيكون هدف إكمال الدراسات العُليا هدفًا أساسيًا لن تتنازل عنه بل ستترك حلم الوظيفة الحكومية لآخرين غيرك فما الوظيفة «كما أثبتت الأيام» إلا قيدُ رصين يختاره الشخص على مقاسه وتبديدُ مؤلم وخروج الموظف خالي الوفاض أو كما يقول المثل العُماني «يد ورا ويد قدام» لكنك مخطئ يا صديقي في ذلك؛ لأن مصادر العلم والتعلم والثقافة هي في ازدياد وتنوع، وأرزاق بعضهم خاصة تلك التي تثير فيك شيئًا من السُخط مقسمة بالتساوي و«لا يظلمُ ربك أحدًا».

وتعتقد في إطار تخيلاتك كذلك أنك ستختار أصدقاءك وأحبتك بحرص شديد، وستكتفي بعدد لا يزيد عن أصابع اليد ففي الكثرة «قِلة بركة» كما تُردد دائمًا، بل ستُخضعهم جميعهم للتجربة من خلال مواقف لا يجتازها إلا الحقيقي منهم، أما دون ذلك فسيكون زائدًا عن حاجتك، لكن ألا ترى أنك تطلب من أصدقائك ومحبيك أن يكونوا مثاليين ومُجامِلين غير صادمين؟

تقول:« لو رجع بي الزمن سأعيد صياغة أساليب تعاملي مع الحياة»، أما أنا فسأقول لك أنه كان واجبًا عليك من باب أن الخوف من القادم ما هو إلا «وهم كبير» ظل فترة طويلة معششًا في رأسك أن تسير في طريق الحياة واثقًا دون قلق ولا أدنى اضطراب، فالموت سيصطاد الجميع «ولله الأمر من قبل ومن بعد» وأن تُعمق إيمانك أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

تذهب إلى أنك ستتخلى عن كل المناكفات والصراعات حتى تلك التي فُرضت عليك فرضًا بعد أن تأكدت الآن أنه لا طائل منها ولأن أي فترة من الحياة إنما هي مرحلة محددة ستنقضي ذات يوم لا محالة لا يخرج منتصرًا منها إلا من كان يحمل قلبًا نظيفًا، ومن وُفق لأن يحوز محبة من حوله تلك المحبة التي لا تُقدر بثمن، وأنت في ذلك على صواب لكن ألا ترى أن الحياة لا تسير على نمط واحد، ولا تحمل وجهًا واحدًا، وأنها تقوم على التناقض والصراع بين الخير والشر، ولولا ذلك الصراع ما سميت بالحياة؟

يا صديقي طالما أنك ما زلت تتنفس، نقِب في البلاد عن أرواح متحررة من الضغينة والنفاق، وأرواح بيضاء لا تفهم إلا لغة الحُب والعطاء والتضحية وستجدها دون عناء، وإذا ما عثرت عليها لا تقل: أين كان هؤلاء؟؟ فأن تصل متأخرًا خير لك من أن لا تصل.

ستشدد كذلك وأنت متمادٍ في فوضى هذيانك أن تأخذ على نفسك عهدًا بأن لا تُكرر السؤال القديم الجديد نفسه: لماذا، لماذا، لماذا؟ عندما يُطلب منك مُجددًا رسم خارطة حياتك، وكأنك كنت في شكِ قبل ذلك أنه لا أحد يملك الإجابة عن هذا السؤال الواسع إلا مُدبر الكون جلّ وعلا، وأن الخِيرة دائمًا فيما اختاره هو، لكن عذرك أنك لمّا تزل سادرا في غياهب التمني وتصفيف الأحلام وتشذيبها.

آخر نقطة

صباح الخير يا وعلةَ رؤوسِ الجبال

والوهد والسّفوح

يا امرأةً ولدت من شظية أو غيمةِ صحراء تحلم بالدنّو من البحر.

سيف الرحبي