ليس من المهم أن نسافر كثيرًا ولكن المهم ماذا تعلمنا. ربما كانت هذه هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها من قراءة كتاب الرحلات الممتع "السماء تمطر سمكًا" للرحّالة العُمانية ليلى الحضرمي الصادر هذا العام (2022) عن دار نثر العُمانية.
تسرد ليلى في هذا الكتاب عمرًا من السفر، ابتدأ وهي طفلة في الخامسة من عمرها عندما رافقت والدها في مهمة عمل إلى بنجلاديش، ولم ينتهِ باسكوتلندا عام 2019م. وما بين هاتين الدولتين تصطفّ قائمة طويلة من الدول والمدن ترحلت فيها الكاتبة لأسباب مختلفة، فبعضها ذهبت إليه بشغف الرحالة، وبعضٌ آخر بحكم العمل، وبعضٌ ثالث للعلاج أو رحلات عائلية. والقاسم المشترك بين كل هذه الرحلات هي الحكايات الممتعة والمواقف الطريفة المسرودة برهافة تشير إلى كاتبة حَكّاءة تعرف كيف تلتقط التفاصيل المدهشة.
من هذه التفاصيل أنها ساقت سيارتها في إسبانيا بمفردها، وشربتْ ماء ساخنًا في الصين، وأصيبتْ بالتسمّم في زنجبار، وتعرضت للنصب (أو كادت) في بومباي، وأصيبت برضوض جعلتها طريحة الفراش في جزر سيشل، وصورت كريستيانو رونالدو في البرتغال، وتعرضتْ لموقف عنصري في جزر الكناري، وعشرات من التفاصيل الأخرى صنعتْ متعة هذا الكتاب الذي استلّ اسمه من تصادف رحلة الكاتبة إلى مالطا مع عاصفة شديدة لم تشهد مثلها لسنوات، بلغ من شدتها وارتفاع أمواجها أن جرفت هذه الأمواج الأسماك إلى شوارع مالطا، فكان أن كتبتْ الصحف في تغطيتها لهذا الحدث: "السماء تمطر سمكًا"!.
تروى المؤلفة أنها تدرجت في السفر من دولة واحدة كل سنتين في البداية، إلى دولة كل سنة، لتصل إلى خمس دول عام 2012، ثم سبع عشرة دولة عام 2018. ولا تكتفي خلال هذه الرحلات العديدة بسرد ما تشاهده في المدن التي تزورها، بل تُسلِم لذاكرتها القياد فتتنقّل بنا من المدينة المحكِيّ عنها إلى مدينة أخرى تبعد آلاف الأميال لمجرد تذكّرها موقفًا ما. لا تكفّ ليلى الحضرمي عن المقارنة بين هذه المدينة وتلك. فجولتها حول فندقها في جزر الكناري تذكّرها بنزوى وبيوتها الطينية القديمة، وتعرُّضُها وشقيقتها للتسمّم في زنجبار يذكّرها بتسمّمٍ مماثل في بومباي، واضطراب ساعتها البيولوجية في ولاية جورجيا الأمريكية يذكّرها بماليزيا وتوقعها لهذا الاضطراب الذي لم يحدث. ومحاولة طبيب في الهند استغفالها والنصب عليها تستدعي إلى ذاكرتها مدينة العين الإماراتية عندما كانت تدرس هناك، ونصحها أبوها بأنها إن لم تكن ذئبة أكلتْها الذئاب.
تقول الكاتبة إنها ترددت كثيرًا قبل أن تبدأ كتابة أول صفحة في هذا الكتاب، إذْ تعدّ نفسها، رغم الخمسين مدينة التي زارتها، أو أكثر قليلا، مبتدئة في عالم السفر، ولم ترَ سوى القليل، لكنها حسمتْ هذا التردّد عندما اكتشفت أن زخمًا هائلًا من الذكريات والمواقف الساحرة ترسّخت في وجدانها. وحسنًا فعلتْ، فجمال أي تجربة في الحياة، يكمن في سردها وتقديمها للناس، خصوصًا إذا ما أوتَيَ السارد موهبة الحكي، كما هي حال ليلى.
تحرص الكاتبة على تذكيرنا أن السفر "ليس مجرد ترفيه عبر ركوب طائرة وتجربة فنادق مختلفة"، وإنما هو رحلة تعلُّم طويلة. لذا فقد تعلّمتْ من أسعد امرأة نيبالية "بأن الفقير هو فقير السعادة والحياه وليس المال"، وتعلمت من رجل إسباني وابنته أن الصداقة ليس لها عمر، وأن تحقيق الأمنيات واجب مهم يجب الوفاء به مهما كانت الظروف. أما إدواردو البرتغالي فقد تعلمت منه أن الكتاب هو أفضل رفيق وصديق يرافق المرء في حياته، وأن اللغة ليست عائقًا أمام الصداقة. تقول ليلى إن إدواردو هذا الذي صادفتْه في مقهى في مدينة جمرايش البرتغالية في شتاء عام 2019م، وراقبتْه هي وصديقتها عدة أيام وهو يمسك بكتاب يقرأه ويدون عليه ملاحظات، هو الذي حفّزها للبدء أخيرًا في تدوين رحلاتها في كتاب. وحقًّا فإنه كما قالت ليلى الحضرمي في خاتمة الكتاب، فإننا "أحيانًا نحتاج إلى أشخاص أو حدث حتى يبدأ الإلهام في إنجاز عمل أجلناه فترة طويلة".
تسرد ليلى في هذا الكتاب عمرًا من السفر، ابتدأ وهي طفلة في الخامسة من عمرها عندما رافقت والدها في مهمة عمل إلى بنجلاديش، ولم ينتهِ باسكوتلندا عام 2019م. وما بين هاتين الدولتين تصطفّ قائمة طويلة من الدول والمدن ترحلت فيها الكاتبة لأسباب مختلفة، فبعضها ذهبت إليه بشغف الرحالة، وبعضٌ آخر بحكم العمل، وبعضٌ ثالث للعلاج أو رحلات عائلية. والقاسم المشترك بين كل هذه الرحلات هي الحكايات الممتعة والمواقف الطريفة المسرودة برهافة تشير إلى كاتبة حَكّاءة تعرف كيف تلتقط التفاصيل المدهشة.
من هذه التفاصيل أنها ساقت سيارتها في إسبانيا بمفردها، وشربتْ ماء ساخنًا في الصين، وأصيبتْ بالتسمّم في زنجبار، وتعرضت للنصب (أو كادت) في بومباي، وأصيبت برضوض جعلتها طريحة الفراش في جزر سيشل، وصورت كريستيانو رونالدو في البرتغال، وتعرضتْ لموقف عنصري في جزر الكناري، وعشرات من التفاصيل الأخرى صنعتْ متعة هذا الكتاب الذي استلّ اسمه من تصادف رحلة الكاتبة إلى مالطا مع عاصفة شديدة لم تشهد مثلها لسنوات، بلغ من شدتها وارتفاع أمواجها أن جرفت هذه الأمواج الأسماك إلى شوارع مالطا، فكان أن كتبتْ الصحف في تغطيتها لهذا الحدث: "السماء تمطر سمكًا"!.
تروى المؤلفة أنها تدرجت في السفر من دولة واحدة كل سنتين في البداية، إلى دولة كل سنة، لتصل إلى خمس دول عام 2012، ثم سبع عشرة دولة عام 2018. ولا تكتفي خلال هذه الرحلات العديدة بسرد ما تشاهده في المدن التي تزورها، بل تُسلِم لذاكرتها القياد فتتنقّل بنا من المدينة المحكِيّ عنها إلى مدينة أخرى تبعد آلاف الأميال لمجرد تذكّرها موقفًا ما. لا تكفّ ليلى الحضرمي عن المقارنة بين هذه المدينة وتلك. فجولتها حول فندقها في جزر الكناري تذكّرها بنزوى وبيوتها الطينية القديمة، وتعرُّضُها وشقيقتها للتسمّم في زنجبار يذكّرها بتسمّمٍ مماثل في بومباي، واضطراب ساعتها البيولوجية في ولاية جورجيا الأمريكية يذكّرها بماليزيا وتوقعها لهذا الاضطراب الذي لم يحدث. ومحاولة طبيب في الهند استغفالها والنصب عليها تستدعي إلى ذاكرتها مدينة العين الإماراتية عندما كانت تدرس هناك، ونصحها أبوها بأنها إن لم تكن ذئبة أكلتْها الذئاب.
تقول الكاتبة إنها ترددت كثيرًا قبل أن تبدأ كتابة أول صفحة في هذا الكتاب، إذْ تعدّ نفسها، رغم الخمسين مدينة التي زارتها، أو أكثر قليلا، مبتدئة في عالم السفر، ولم ترَ سوى القليل، لكنها حسمتْ هذا التردّد عندما اكتشفت أن زخمًا هائلًا من الذكريات والمواقف الساحرة ترسّخت في وجدانها. وحسنًا فعلتْ، فجمال أي تجربة في الحياة، يكمن في سردها وتقديمها للناس، خصوصًا إذا ما أوتَيَ السارد موهبة الحكي، كما هي حال ليلى.
تحرص الكاتبة على تذكيرنا أن السفر "ليس مجرد ترفيه عبر ركوب طائرة وتجربة فنادق مختلفة"، وإنما هو رحلة تعلُّم طويلة. لذا فقد تعلّمتْ من أسعد امرأة نيبالية "بأن الفقير هو فقير السعادة والحياه وليس المال"، وتعلمت من رجل إسباني وابنته أن الصداقة ليس لها عمر، وأن تحقيق الأمنيات واجب مهم يجب الوفاء به مهما كانت الظروف. أما إدواردو البرتغالي فقد تعلمت منه أن الكتاب هو أفضل رفيق وصديق يرافق المرء في حياته، وأن اللغة ليست عائقًا أمام الصداقة. تقول ليلى إن إدواردو هذا الذي صادفتْه في مقهى في مدينة جمرايش البرتغالية في شتاء عام 2019م، وراقبتْه هي وصديقتها عدة أيام وهو يمسك بكتاب يقرأه ويدون عليه ملاحظات، هو الذي حفّزها للبدء أخيرًا في تدوين رحلاتها في كتاب. وحقًّا فإنه كما قالت ليلى الحضرمي في خاتمة الكتاب، فإننا "أحيانًا نحتاج إلى أشخاص أو حدث حتى يبدأ الإلهام في إنجاز عمل أجلناه فترة طويلة".