المتأمل في القرآن الكريم يجده يعبِّر عن القرية باعتبارها مقرا لقوم أرسل لهم رسول يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده مبشرا لهم ومنذرا، هذا الاستخدام للفظ القرية والقرى في القرآن الكريم، والقرى يقصد بها الأمصار من المدن الكبيرة، ولكن إلى جانب ذلك نجد القرآن استخدم هذا اللفظ الذي يدل على المكان في سياقات مختلفة تحمل دلالات متنوعة، ولكنها متقاربة، وذلك تناسبا مع السياق الذي وردت فيه، في حين أن الله تعالى أطلق لفظ «أم القرى» على أشرف قرية على وجه الأرض التي اختصها الله ببيته الحرام وبالكعبة الشريفة، وهي مكة، وهي منبع الرسالة المحمدية إلى العالم كافة، فالإنذار جاء لهذه القرية والقوم الذين كانوا فيها خاصة، ومن حولها عامة، ومن حولها أي سكان الأرض كافة، ولقد قلدها الله هذه التسمية تشريفا وتعظيما، فقال تعالى في سورة الأنعام: «وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ». كما ذكرها الله أيضا في سورة الشورى بالوصف ذاته فقال تعالى: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»، ومن جميل ما اتفق أن القرآن الكريم أطلق على مكة أم القرى، أي كل القرى تابعة لها وهي بمثابة الأصل الذي تنتمي إليه كل الفروع، وأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاءت دعوته شاملة عامة إلى الأرض كافة.
ويؤكد القرآن الكريم مركزية مكة وأن الأرض كافة تبع لها وتبع للدعوة المحمدية قوله تعالى في سورة القصص: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ» أي أنه يا محمد ما كان ربك ليهلك القرى والأقوام في زمانك حتى يبعثك في مكة رسولا، لتكون مرسلا لأم القرى ومن حولها.
وقد قص الله على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم أنباء القرى السابقة وأقوامها وكيف فعل الله بهم فقال في سورة الأعراف: «تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ»، وقال تعالى في سورة هود: «ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ»، وقال في سورة يوسف: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ».
ولو نظرنا إلى القرى والأقوام السابقين الذين جاءتهم رسلهم بالبيّنات فأعرضوا عنها منهم بنو إسرائيل، فقد أمرهم الله بدخول بيت المقدس الذي وصفه الله في كتابه بقوله «هذه القرية» فقال تعالى في سورة البقرة: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ»، وكذلك قال ربنا تبارك وتعالى في سورة الأعراف: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» فقد أمرهم الله بدخول قرية بيت المقدس، وأن يدخلوا باب «الحطة» وأن يقولوا «حطة» عند دخولهم ومعناها أن يحط الله ذنوبهم وخطاياهم، ولكنهم لضلالهم وفساد فطرتهم، استبدلوا هذه الكلمة بكلمة «حنطة» استهزاءً واستكبارا، فعاقبهم الله على فسقهم وظلمهم.
كما حدّثنا القرآن عن أصحاب السبت وهم من بني إسرائيل وقريتهم التي كانت على الساحل، فقال تعالى في سورة الأعراف «واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ»، وقد اختلف المفسرون في تحديد مكان هذه القرية، فقال بعضهم إنها مدين، وقال آخرون، بأنها أيلة، في حين ذهب البعض إلى أنها قرية مقنا، ولكن كعادة بني إسرائيل في انحراف الفطرة، واتباع الطرق الملتوية في مخالفة أوامر الله عز وجل، فمسخهم الله.
وإذا تأملنا في هذه الآية من سورة النساء التي يقول الله تعالى فيها: «وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا» نجد أن الله عز وجل أسقط وصف الظلم على أهل القرية وليس على القرية نفسها لأن هذه القرية هي مكة فلم يصفها الله بهذا الوصف تعظيما وتشريفا لها، في حين نجد في مواضع مختلفة من كتاب الله أنه وصف القرى بالظلم، على الرغم من أنه يقصد أهلها فقال تعالى في سورة هود: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ».
وذكر الله القرية التي أمطرت مطر السوء وهي قرية سدوم التي كان يسكنها قوم لوط فقال تعالى في سورة الفرقان: «وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا»، ويذكر القرآن الكريم المشركين من قريش بما حصل مع قرية سدوم التي يمرون عليها، كما ذكرها الله في سورة الأنبياء حيث قال عز من قائل: «وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ». كما ذكرها الله في سورة العنكبوت في معرض حديثه عن مجيء البشرى إلى إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: «وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ»، وذكرها الله في موضع آخر من سورة العنكبوت بقوله عز وجل: «إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» أي قرية قوم لوط.
كما بيَّن الله تعالى لمشركي مكة أنه أهلك ما حول مكة من القرى التي أرسل لهم رسلا لدعوتهم، وقص الله عليهم قصصها والتي يعرفون بتواترها وما يرونه من آثار الخراب والدمار والفناء التي رأوها أو سمعوا بها، فقال تعالى في سورة الأحقاف: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
وبيَّن الله تعالى سبب إهلاكه للقرى والأقوام السابقة، وذلك ليتّعظ الناس ولا يكونوا كالذين من قبلهم من الأقوام، فقال تعالى في سورة الأنعام: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ» أي أن الله لا يهلك القرى ظلما وعدوانا من غير أن يرسل عليهم رسلا يبشرونهم وينذرونهم. وكذلك قال عز وجل في سورة هود «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» فالهلاك يأتي على الفساد، والظلم كما قال تعالى في السورة نفسها «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» وقال في سورة الكهف: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا».
فبالإيمان تحل البركة، وبالتكذيب يأتي الهلاك في الأقوام السابقة فقال تعالى في سورة الأعراف: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ». وقال الله متهددا الكفار الجاحدين المكذبين بدعوة الرسول محمد صلى الله عليه سلم، فقال تعالى في سورة الأعراف: «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ* أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحى وَهُمْ يَلْعَبُونَ».
وتم ذكر القرية على أنه يصد بها أهل القرية وذلك في سورة يوسف عليه السلام عندما جاء إخوته بعد أن أخذ يوسف عليه السلام منهم شقيقه الصغير، فقالوا لأبيهم يعقوب عليه السلام ليصدقهم فقالوا له: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ».
ويؤكد القرآن الكريم مركزية مكة وأن الأرض كافة تبع لها وتبع للدعوة المحمدية قوله تعالى في سورة القصص: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ» أي أنه يا محمد ما كان ربك ليهلك القرى والأقوام في زمانك حتى يبعثك في مكة رسولا، لتكون مرسلا لأم القرى ومن حولها.
وقد قص الله على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم أنباء القرى السابقة وأقوامها وكيف فعل الله بهم فقال في سورة الأعراف: «تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ»، وقال تعالى في سورة هود: «ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ»، وقال في سورة يوسف: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ».
ولو نظرنا إلى القرى والأقوام السابقين الذين جاءتهم رسلهم بالبيّنات فأعرضوا عنها منهم بنو إسرائيل، فقد أمرهم الله بدخول بيت المقدس الذي وصفه الله في كتابه بقوله «هذه القرية» فقال تعالى في سورة البقرة: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ»، وكذلك قال ربنا تبارك وتعالى في سورة الأعراف: «وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» فقد أمرهم الله بدخول قرية بيت المقدس، وأن يدخلوا باب «الحطة» وأن يقولوا «حطة» عند دخولهم ومعناها أن يحط الله ذنوبهم وخطاياهم، ولكنهم لضلالهم وفساد فطرتهم، استبدلوا هذه الكلمة بكلمة «حنطة» استهزاءً واستكبارا، فعاقبهم الله على فسقهم وظلمهم.
كما حدّثنا القرآن عن أصحاب السبت وهم من بني إسرائيل وقريتهم التي كانت على الساحل، فقال تعالى في سورة الأعراف «واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ»، وقد اختلف المفسرون في تحديد مكان هذه القرية، فقال بعضهم إنها مدين، وقال آخرون، بأنها أيلة، في حين ذهب البعض إلى أنها قرية مقنا، ولكن كعادة بني إسرائيل في انحراف الفطرة، واتباع الطرق الملتوية في مخالفة أوامر الله عز وجل، فمسخهم الله.
وإذا تأملنا في هذه الآية من سورة النساء التي يقول الله تعالى فيها: «وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا» نجد أن الله عز وجل أسقط وصف الظلم على أهل القرية وليس على القرية نفسها لأن هذه القرية هي مكة فلم يصفها الله بهذا الوصف تعظيما وتشريفا لها، في حين نجد في مواضع مختلفة من كتاب الله أنه وصف القرى بالظلم، على الرغم من أنه يقصد أهلها فقال تعالى في سورة هود: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ».
وذكر الله القرية التي أمطرت مطر السوء وهي قرية سدوم التي كان يسكنها قوم لوط فقال تعالى في سورة الفرقان: «وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا»، ويذكر القرآن الكريم المشركين من قريش بما حصل مع قرية سدوم التي يمرون عليها، كما ذكرها الله في سورة الأنبياء حيث قال عز من قائل: «وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ». كما ذكرها الله في سورة العنكبوت في معرض حديثه عن مجيء البشرى إلى إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: «وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ»، وذكرها الله في موضع آخر من سورة العنكبوت بقوله عز وجل: «إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» أي قرية قوم لوط.
كما بيَّن الله تعالى لمشركي مكة أنه أهلك ما حول مكة من القرى التي أرسل لهم رسلا لدعوتهم، وقص الله عليهم قصصها والتي يعرفون بتواترها وما يرونه من آثار الخراب والدمار والفناء التي رأوها أو سمعوا بها، فقال تعالى في سورة الأحقاف: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
وبيَّن الله تعالى سبب إهلاكه للقرى والأقوام السابقة، وذلك ليتّعظ الناس ولا يكونوا كالذين من قبلهم من الأقوام، فقال تعالى في سورة الأنعام: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ» أي أن الله لا يهلك القرى ظلما وعدوانا من غير أن يرسل عليهم رسلا يبشرونهم وينذرونهم. وكذلك قال عز وجل في سورة هود «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» فالهلاك يأتي على الفساد، والظلم كما قال تعالى في السورة نفسها «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» وقال في سورة الكهف: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا».
فبالإيمان تحل البركة، وبالتكذيب يأتي الهلاك في الأقوام السابقة فقال تعالى في سورة الأعراف: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ». وقال الله متهددا الكفار الجاحدين المكذبين بدعوة الرسول محمد صلى الله عليه سلم، فقال تعالى في سورة الأعراف: «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ* أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحى وَهُمْ يَلْعَبُونَ».
وتم ذكر القرية على أنه يصد بها أهل القرية وذلك في سورة يوسف عليه السلام عندما جاء إخوته بعد أن أخذ يوسف عليه السلام منهم شقيقه الصغير، فقالوا لأبيهم يعقوب عليه السلام ليصدقهم فقالوا له: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ».