المتأمل في كتاب الله يجده يلفت النظر إلى نعم الله على الإنسان بما وهبه من عطايا ونعم وهبات عظيمة، ويدعوه للتأمل فيها ليقدرها ويحسن استخدامها، وهذه النعم قد تكون بحكم العادة يغفل الإنسان عن الالتفات لها وتعظيم واهبها، فلذلك دعانا القرآن الكريم إلى التأمل في الكون، والطبيعة، والليل والنهار، والشمس والقمر والموجودات بعمومها وحركتها، بل ودعانا إلى التأمل في أنفسنا فقال تعالى في سورة الذاريات:«وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ»، فمن نعمه علينا أن خلق لنا اللسان، فقال تعالى في معرض تعديد النعم، ومنها جارحة اللسان في سورة البلد:«أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ»، فنعمة اللسان هي من النعم العظيمة التي يستخدمها الإنسان في التواصل مع بني جنسه، ويستخدمها في التعبير عن ما يجول في خاطره، ويستخدمها في ترجمة أفكاره والتعبير عنها، كما يستخدم هذا اللسان في تذوق الأطعمة والأشربة، وغيرها من المنافع الظاهرة والباطنة.
وعبر القرآن الكريم عن اللسان بدلالات ومعان مختلفة ومتنوعة، وذلك حسب مناسبتها للسياق الواردة فيه، فمرة يعبر عنها تعبيرًا حقيقيًا كما في الآية السابقة، وفي مرات أخرى يقصد بها معاني مختلفة مشتقة من المعنى الحقيقي، ولكن تنضح بدلالات متباينة، فمن المعاني الحقيقية التي ورد فيها ذكر اللسان في القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام، عندما دعا ربه أن يحلل عقدة من لسانه، فقال في سورة طه: «وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي»، فقد دعا ربه أن يصلح له لسانه لما انعقد عليه في القصة التي يوردها المفسرون من أن موسى عليه السلام عندما ألقته أمه في النهر، وأخذته امرأة فرعون لتتخذه ولدًا لها، فقال فرعون: نختبر هذا الطفل فإن وجدنا أنه يميز التمرة من الجمرة، قتلناه، وإن كان خلاف ذلك سمحنا ببقائه حيا، فعندما قدمت التمرة والجمرة، وأراد موسى عليه السلام أن يأخذ التمرة فحرك جبريل عليه السلام يده وجعله يلتقط الجمرة ويلقيها في فمه فلسعت لسانه، ولكن ربما أيضًا انعقاد لسانه من ضيق صدره وحزنه من تكذيب قومه له، وعدم قدرته على محاجته لهم، فطلب من الله أن يجعل أخاه هارون مرسلًا معه، فقال في سورة الشعراء:«وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ»؛ لأن أخاه هارون يمتلك فصاحة وقدرة على التعبير أكثر منه، فقال في سورة القصص: «وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ»، ومن عجيب الأمر أن هذا النبي الذي كان معقود اللسان، هو كليم الله الذي كلمه الله تكليما، وهذه من المعاجز التي تصنعها المفارقات.
كما جاء التعبير عن اللسان في القرآن الكريم بمعنى اللغة، وهي لسان مجموعة من الناس، يتحدثون بها وقد اصطلحوا على معانيها الخاصة والعامة، ويستخدمونها للتفاهم فيما بينهم، فقال تعالى في سورة إبراهيم:«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» أي أن المرسلين الذين يبعثهم الله مبشرين ومنذرين يبعثهم بلسان أقوامهم، أي بلغة أقوامهم لكي تكون رسالتهم واضحة جلية تقوم بها الحجة، ويصل بها البيان.
ومن عجيب قدرة الله وآياته الدالة عليه هو أن خلق شعوبًا وقبائل مختلفة الألوان، وجعل لها لغات مختلفة لتلك الشعوب المختلفة، يصطلحون على مفرداتها ومعانيها، ويتواصلون بها ويتفاهمون في ما بينهم، فقال تعالى في سورة الروم: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ».
وقد اتهم كفار قريش أن الرسول محمد -صل الله عليه وسلم- يتعلم القرآن من عند غلام نصراني بمكة، وأنه ليس من عند الله، فرد الله عليهم هذا الافتراء بأن الذين يزعمون أنه يعلم النبي هو أعجمي لا يحذق العربية، وهذا القرآن لسان عربي مبين، قال تعالى في سورة النحل: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»، وذكر الله في القرآن في أكثر من موضع أن القرآن نزل بلسان عربي، فالرسول -صل الله عليه وسلم- أرسل في العرب إلى الناس كافة، فكانت معجزته القرآن، هذا الكتاب العربي الذي تجاوز فصاحة العرب وغلب عليها، فهو معجز في نسجه وبيانه، فقال تعالى في سورة الأحقاف: «وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ»، وقال تعالى في سورة الشعراء: «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ».
فهو كتاب مبين ميسر باللغة العربية للذكر والقراءة والتدبر، فقال تعالى في سورة الدخان: «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، وقال تعالى في سورة مريم: «إِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً»، وقد أمر الله رسوله بترتيل القرآن وقراءته بمهل وتأمل، فقال في سورة القيامة: «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» .
وهنالك معنى آخر للسان يتجلى في دعاء إبراهيم عليه السلام لربه أن يجعل له لسان صدق في من يأتي من بعده فقال في سورة الشعراء: «وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ»، أي اجعل لي ذكرا وثناء حسنا عند من يأتي من بعدي، فاستجاب له ربه فتجد أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، وتنسبه الديانات والملل إليها فتجد اليهودية يقولون إن إبراهيم عليه السلام منهم، وكذلك النصرانية، ولكن أجابهم الله بأن إبراهيم كان حنيفا مسلما، والمسلمون هم أولى به. وكذلك جاء ذكر اللسان على أنه الثناء والكلام الحسن في قوله تعالى في سورة مريم: «وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً».
واللسان قد يستخدمه أصحابه في غير ما أمر الله عز وجل، فتجدهم يكذبون أكبر الكذب وهو الكذب على الله وكتبه التي أنزلها، فتجد أن الله تعالى ذكر بني إسرائيل بأنهم قاموا بتحريف كتبهم بألسنتهم فقال تعالى في آل عمران: «وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»، وقال في سورة النساء: «مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً».
كما سجل الله كذب المشركين، وعبر عنه بوصفهم ألسنتهم الكذب فقال تعالى في سورة النحل «وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ» وذلك بنسبهم لله ما يكرهون هم وهو البنات فقالوا بأن الملائكة إناث وهم بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
كما استخدم هذا التعبير وهو «تصف ألسنتهم الكذب» في تحريمهم وتحليلهم افتراء على الله فقال تعالى في سورة النحل: «وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ».
كما أن هذه الجارحة هي أداة أذى استخدمها المشركون والمنافقون وسجلها عليهم القرآن فقال في سورة الأحزاب في وصف المنافقين: « أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» وقال في أذى المشركين بألسنتهم فقال في سورة الممتحنة: «إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ».
كما أن هذا اللسان سينطقه الله شاهدًا على أعمال أصحابه يوم القيامة فقال تعالى في سورة النور: «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
وعبر القرآن الكريم عن اللسان بدلالات ومعان مختلفة ومتنوعة، وذلك حسب مناسبتها للسياق الواردة فيه، فمرة يعبر عنها تعبيرًا حقيقيًا كما في الآية السابقة، وفي مرات أخرى يقصد بها معاني مختلفة مشتقة من المعنى الحقيقي، ولكن تنضح بدلالات متباينة، فمن المعاني الحقيقية التي ورد فيها ذكر اللسان في القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام، عندما دعا ربه أن يحلل عقدة من لسانه، فقال في سورة طه: «وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي»، فقد دعا ربه أن يصلح له لسانه لما انعقد عليه في القصة التي يوردها المفسرون من أن موسى عليه السلام عندما ألقته أمه في النهر، وأخذته امرأة فرعون لتتخذه ولدًا لها، فقال فرعون: نختبر هذا الطفل فإن وجدنا أنه يميز التمرة من الجمرة، قتلناه، وإن كان خلاف ذلك سمحنا ببقائه حيا، فعندما قدمت التمرة والجمرة، وأراد موسى عليه السلام أن يأخذ التمرة فحرك جبريل عليه السلام يده وجعله يلتقط الجمرة ويلقيها في فمه فلسعت لسانه، ولكن ربما أيضًا انعقاد لسانه من ضيق صدره وحزنه من تكذيب قومه له، وعدم قدرته على محاجته لهم، فطلب من الله أن يجعل أخاه هارون مرسلًا معه، فقال في سورة الشعراء:«وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ»؛ لأن أخاه هارون يمتلك فصاحة وقدرة على التعبير أكثر منه، فقال في سورة القصص: «وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ»، ومن عجيب الأمر أن هذا النبي الذي كان معقود اللسان، هو كليم الله الذي كلمه الله تكليما، وهذه من المعاجز التي تصنعها المفارقات.
كما جاء التعبير عن اللسان في القرآن الكريم بمعنى اللغة، وهي لسان مجموعة من الناس، يتحدثون بها وقد اصطلحوا على معانيها الخاصة والعامة، ويستخدمونها للتفاهم فيما بينهم، فقال تعالى في سورة إبراهيم:«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» أي أن المرسلين الذين يبعثهم الله مبشرين ومنذرين يبعثهم بلسان أقوامهم، أي بلغة أقوامهم لكي تكون رسالتهم واضحة جلية تقوم بها الحجة، ويصل بها البيان.
ومن عجيب قدرة الله وآياته الدالة عليه هو أن خلق شعوبًا وقبائل مختلفة الألوان، وجعل لها لغات مختلفة لتلك الشعوب المختلفة، يصطلحون على مفرداتها ومعانيها، ويتواصلون بها ويتفاهمون في ما بينهم، فقال تعالى في سورة الروم: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ».
وقد اتهم كفار قريش أن الرسول محمد -صل الله عليه وسلم- يتعلم القرآن من عند غلام نصراني بمكة، وأنه ليس من عند الله، فرد الله عليهم هذا الافتراء بأن الذين يزعمون أنه يعلم النبي هو أعجمي لا يحذق العربية، وهذا القرآن لسان عربي مبين، قال تعالى في سورة النحل: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»، وذكر الله في القرآن في أكثر من موضع أن القرآن نزل بلسان عربي، فالرسول -صل الله عليه وسلم- أرسل في العرب إلى الناس كافة، فكانت معجزته القرآن، هذا الكتاب العربي الذي تجاوز فصاحة العرب وغلب عليها، فهو معجز في نسجه وبيانه، فقال تعالى في سورة الأحقاف: «وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ»، وقال تعالى في سورة الشعراء: «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ».
فهو كتاب مبين ميسر باللغة العربية للذكر والقراءة والتدبر، فقال تعالى في سورة الدخان: «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، وقال تعالى في سورة مريم: «إِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً»، وقد أمر الله رسوله بترتيل القرآن وقراءته بمهل وتأمل، فقال في سورة القيامة: «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» .
وهنالك معنى آخر للسان يتجلى في دعاء إبراهيم عليه السلام لربه أن يجعل له لسان صدق في من يأتي من بعده فقال في سورة الشعراء: «وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ»، أي اجعل لي ذكرا وثناء حسنا عند من يأتي من بعدي، فاستجاب له ربه فتجد أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، وتنسبه الديانات والملل إليها فتجد اليهودية يقولون إن إبراهيم عليه السلام منهم، وكذلك النصرانية، ولكن أجابهم الله بأن إبراهيم كان حنيفا مسلما، والمسلمون هم أولى به. وكذلك جاء ذكر اللسان على أنه الثناء والكلام الحسن في قوله تعالى في سورة مريم: «وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً».
واللسان قد يستخدمه أصحابه في غير ما أمر الله عز وجل، فتجدهم يكذبون أكبر الكذب وهو الكذب على الله وكتبه التي أنزلها، فتجد أن الله تعالى ذكر بني إسرائيل بأنهم قاموا بتحريف كتبهم بألسنتهم فقال تعالى في آل عمران: «وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»، وقال في سورة النساء: «مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً».
كما سجل الله كذب المشركين، وعبر عنه بوصفهم ألسنتهم الكذب فقال تعالى في سورة النحل «وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ» وذلك بنسبهم لله ما يكرهون هم وهو البنات فقالوا بأن الملائكة إناث وهم بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
كما استخدم هذا التعبير وهو «تصف ألسنتهم الكذب» في تحريمهم وتحليلهم افتراء على الله فقال تعالى في سورة النحل: «وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ».
كما أن هذه الجارحة هي أداة أذى استخدمها المشركون والمنافقون وسجلها عليهم القرآن فقال في سورة الأحزاب في وصف المنافقين: « أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» وقال في أذى المشركين بألسنتهم فقال في سورة الممتحنة: «إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ».
كما أن هذا اللسان سينطقه الله شاهدًا على أعمال أصحابه يوم القيامة فقال تعالى في سورة النور: «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».